سجلت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، إحدى أكبر شركات البتروكيميائيات في العالم، خسارة صافية بلغت 1.21 مليار ريال (322.6 مليون دولار) خلال الربع الأول من عام 2025، في نتائج تعكس استمرار الضغوط على قطاع البتروكيميائيات عالمياً. إلا أن الشركة تواصل إدارة استثماراتها الرأسمالية بانضباط، متوقعة أن يتراوح حجم الإنفاق الرأسمالي بين 3.5 مليار دولار و4 مليارات دولار في عام 2025.
وأرجعت الشركة هذه الخسارة بشكل رئيس إلى انخفاض إجمالي الربح بقيمة 1.05 مليار ريال، نتيجة ارتفاع أسعار مواد اللقيم، إلى جانب تكاليف غير متكررة بقيمة 1.07 مليار ريال مرتبطة بمبادرة استراتيجية لإعادة الهيكلة، تهدف إلى ترشيد التكاليف السنوية بنحو 345 مليون ريال، وتحسين كفاءة الأداء على المدى الطويل.
تحديات الأسواق
وأشار الرئيس التنفيذي للشركة، عبد الرحمن الفقيه، في مؤتمر صحافي، بعد إعلان النتائج، إلى التحديات المستمرة في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وقال في مؤتمر صحافي، إن «بيئة الأعمال بالربع الأول اتسمت بحالة من الارتياب، في ظل نمو ضعيف بالاقتصاد العالمي بلغ 2.97 في المائة، وتباطؤ بمؤشر مديري المشتريات الصناعي»، ما زاد من التحديات أمام القطاع.
وأوضح أن «سابك»، ورغم الخسائر، أظهرت مرونة ملحوظة، مدعومة بما وصفه بـ«الطلب المستقر» على البتروكيميائيات، مؤكداً أن الشركة تواصل التركيز على تحقيق التميز التشغيلي، وتعزيز جهود التحول خلال هذا العام.
وتوقعت «سابك» أن يتراوح حجم الإنفاق الرأسمالي بين 3.5 مليار دولار و4 مليارات دولار في عام 2025، وأكدت تركيزها المستمر على خلق قيمة طويلة الأجل من خلال التميز التشغيلي، والتحول، والنمو المنهجي، كون ذلك جزءاً من رؤيتها المستقبلية.

استقرار الطلب
ورغم هذه التحديات، توقّع الفقيه أن يبقى الطلب على الصناعات النهائية مستقراً خلال الربع الثاني من عام 2025، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الطاقة الإنتاجية الفائضة في قطاع البتروكيميائيات حول العالم ما زالت تمثل ضغطاً هيكلياً على الصناعة.
وفيما يتعلق بتأثير الرسوم الجمركية الأميركية، أوضح الفقيه أن هذه الرسوم لها أثر على الاقتصاد العالمي ككل، لكن «سابك» لم تتأثر بشكل مباشر، بفضل وجودها العالمي في أكثر من 50 دولة، مما يحمي سلاسل الإمداد ويمنع تعثّرها.
إيرادات ترتفع وخسائر تتقلص
ورغم تسجيل الخسائر، فإن إيرادات «سابك» ارتفعت بنسبة 6 في المائة إلى 34.6 مليار ريال على أساس ربعي، في حين تقلصت الخسائر بنسبة 36 في المائة مقارنة بالربع السابق، في مؤشر على بداية تحسن في الأداء المالي للشركة.
وحققت الشركة مبيعات بلغت 34.59 مليار ريال بالربع الأول، بزيادة قدرها 5.8 في المائة عن 32.69 مليار ريال في العام السابق.
إعادة الهيكلة
وقالت «سابك» في بيانها إن النتائج تأثرت بزيادة في نفقات التشغيل مدفوعة بتكلفة غير متكررة بلغت 1.7 مليار ريال (453.22 مليون دولار) تتعلق بمبادرة إعادة هيكلة استراتيجية. وقال الفقيه في هذا الإطار: «إعادة الهيكلة جارية، لكن هذه الأخيرة كانت على نطاق أوسع لتحقيق تأثير أكبر»، مضيفًا أنه يتوقع اكتمال إعادة الهيكلة هذا العام. وأشار إلى أن استراتيجية إعادة الهيكلة الجارية، التي تسببت في تسجيل تكاليف غير متكررة مؤقتة، من المتوقع أن تنعكس إيجابياً على المديين المتوسط والطويل، من خلال خفض التكاليف وتعزيز الكفاءة.
وأكد أن الحفاظ على الانضباط المالي سيكون من أبرز أولويات «سابك» في عام 2025، وأوضح أن «سابك» بدأت بتنفيذ مبادرات لتحسين التكاليف، مع العمل على زيادة الإنتاج، للتكيّف مع التحديات التي تفرضها بيئة السوق الحالية.
إيرادات متفقة مع التوقعات
في تعليقه، قال رئيس إدارة الأصول في «أرباح كابيتال» محمد الفراج لـ«الشرق الأوسط»، إن التوقعات الأولية التي صدرت عن بعض بيوت الأبحاث قبل إعلان النتائج جاءت متباينة؛ فبينما توقّع البعض انخفاضاً كبيراً في صافي الربح على أساس سنوي، أشارت تقارير أخرى إلى نمو في الإيرادات.
وأضاف: «بالنظر إلى النتائج المعلنة، نلاحظ أن الإيرادات جاءت متوافقة مع التوقعات التي رجّحت تحقيق نمو طفيف على أساس سنوي، في حين أن صافي الخسارة المعلن كان أقل من بعض التقديرات التي كانت تشير إلى خسائر أكبر. ومع ذلك، لا تزال النتائج دون مستوى أرباح الفترة المماثلة من العام الماضي. ومن المهم عند المقارنة أخذ تأثير تكاليف إعادة الهيكلة لمرة واحدة بعين الاعتبار».
وأشار الفراج إلى أن سوق البتروكيميائيات العالمي تشهد طلباً متنامياً، مدفوعاً بعدة عوامل، أبرزها:
• النمو السكاني والاقتصادي في الأسواق الناشئة، حيث يسهم ارتفاع الدخل في زيادة استهلاك المنتجات البتروكيميائية في مختلف القطاعات الصناعية والاستهلاكية.
• ازدياد الطلب على البلاستيك، الذي يُعد من أبرز مشتقات البتروكيميائيات، ويشهد استخدامه نمواً في مجالات متعددة، مثل التعبئة والتغليف، وصناعة السيارات، والإلكترونيات، وقطاع البناء.
• الدور الحيوي للبتروكيميائيات في إنتاج الأسمدة الزراعية، التي تُسهم في تعزيز الإنتاج الغذائي لتلبية احتياجات النمو السكاني.
وفي المقابل، لفت إلى أبرز التحديات التي تواجه القطاع، ومنها:
• الاعتماد على النفط الخام مادةً رئيسية، مما يجعل الصناعة عُرضة لتقلبات الأسعار التي تؤثر على التكاليف والربحية.
• الضغوط البيئية المتزايدة، نتيجة الوعي المتنامي حول الآثار البيئية للبلاستيك، مما يعزز اتجاهات البحث عن بدائل مستدامة ويزيد من أهمية إعادة التدوير.
• زيادة الطاقة الإنتاجية عالمياً، مع دخول قدرات إنتاجية جديدة، لا سيما في آسيا، مما قد يؤدي إلى تخمة في المعروض وضغط إضافي على الأسعار.
• التوترات التجارية والعوامل الجيوسياسية، التي يمكن أن تُربك سلاسل الإمداد وتؤثر على الطلب العالمي على منتجات البتروكيميائيات.
