الحب في عالم المصابين بالتوحّد كما الحب في عالم الأصحّاء، معقّدٌ حيناً، متعبٌ أحياناً، وغالباً صعب المنال. في الموسم الثالث من سلسلة Love on the Spectrum (حبٌ على طيف التوحّد)، والتي تُعرَض على «نتفليكس»، ثمة إصرارٌ على إيجاد خفقة القلب التي تجعل الحياة أجمل، مهما كانت التحديات والصعوبات.
نعم، في عالم المصابين بالتوحّد الحب مسموحٌ وممكن، وهو أحياناً أصدَق ممّا هو عليه في عالم الأصحّاء. يبحث المصابون عن شركاء لقلوبهم وهم محصّنون بطفولةٍ استثنائية تجعل من السعي وراء الحب صافياً، ومن اختيار الشريك مهمةً تضع الصدقَ مع الذات في الطليعة.
انطلقت هذه السلسلة التي تنتمي إلى خانة تلفزيون الواقع عام 2022، ويتزامن بثّ موسمها الثالث مع شهر التوعية على اضطراب التوحّد. أما الأبطال أو شخصيات الحلقات الـ7 فليسوا ممثلين، إنما مصابون حقيقيون بالتوحّد.
تواكب الكاميرا 7 شبّان وشابات في يومياتهم، بدءاً بعلاقتهم بعائلاتهم، مروراً بهواياتهم، ووظائفهم، وليس انتهاءً بالعثرات النفسية والاجتماعية التي يواجهونها بسبب حالتهم. أما التركيز الأكبر فينصبّ على محاولاتهم الحثيثة للعثور على الشريك المناسب.

منهم من انتقل من الموسمَين السابقَين خالي الوفاض، وما زال مصرّاً على هدفه. ومنهم مَن انضمّ حديثاً إلى البرنامج ليجرّب حظّه العاطفي، من خلال مواعدة أشخاصٍ يعانون هم كذلك من اضطراب التوحّد، أو لديهم احتياجات خاصة أخرى.
مدّة الحلقة الواحدة 45 دقيقة، وهي تتنقّل بسلاسةٍ بين قصةٍ وأخرى، وبين ولايةٍ أميركية وأخرى، ما يجعل المحتوى غير مملّ على المستويَين السردي والبصري. وليس عبثاً أن نال Love on the Spectrum تقييماتٍ إيجابية من النقّاد والمشاهدين على حدٍ سواء. كما سبق أن حاز على مجموعة من جوائز «إيمي» التلفزيونية.

سيتعرّف المُشاهد على ماديسون (27 سنة). شابةُ مستقلّة، تقيم وحدَها، وتصمّم الحليّ المصنوعة من الخرز الملوّن. يقتصر التوحّد الذي تعكسه شخصيتها على طفولةٍ بارزة، فهي تقارب الأمور ببراءةٍ، وعفويّة. يغلبها القلق أحياناً، لا سيّما إذا وقعت في مواقف محرجة. ماديسون محاطةٌ بالألوان، وبعشرات الدُمى التي تجمعها، وتأخذها معها أينما ذهبت.
تريد شريكاً يحب المرح، والموسيقى، والجلوس على رمل البحر، ولا تخجل من أن تصطحب دُماها إلى مواعيدها معه. لكن الصدمة بانتظار ماديسون في اللقاء العاطفيّ الأول، إذ يقضي الشاب الذي واعدته الوقت لاصقاً رأسه بالطاولة خوفاً من ضجيج المكان. يثير الأمر قلقها، لكنها لا تستسلم حتى تجدَ الشريك المناسب خلال الموعد الغراميّ الثاني.

تتنوّع درجة الإصابة بالتوحّد، وبين شخصيات السلسلة مَن يبدو عليهم الاضطراب جلياً أكثر من سواهم. وهكذا حال جيمس (36 سنة) الذي يتكلّم بسرعة، ويفقد التركيز بسهولة، فيصعب عليه بالتالي العثور على مَن يطمئنّ له قلبه. رغم ذلك، فهو لا يستسلم، ويلجأ في إحدى الحلقات إلى المواعدات السريعة، حيث يلتقي مجموعة من الفتيات خلال وقتٍ قصير.
يقيم جيمس مع والدَيه المسنَّين اللذَين يساندانه، ويتفهّمان ظرفه. مع العلم بأنّ الصعوبة في العثور على شريكةٍ بالنسبة إليه ليس التوحّد سببها الوحيد، بل لأنّ جيمس مقتنعٌ بنظريّة أنه «لا يمكن اصطناع الأحاسيس إن لم تكن موجودة»، كما يصرّ على الشعور بشرارة الحب.

تعود داني (29 سنة) بعد موسمَين مع شريكٍ جديد هو أدان (27 سنة). أمضيا سنةً من الحب معاً، وها هما يطفئان على الشاشة شمعتهما الأولى وسط أجواء رومانسية. الاثنان متعايشان مع التوحّد، ومتمسّكان بعلاقتهما، إلى أن تتضارب وجهات النظر بشأن الانتقال إلى علاقة جسديّة، حيث يرفض أدان ذلك قبل الزواج، بينما تصرّ داني على الأمر.
في عالم التوحّد، الفراق مؤلمٌ أيضاً، وثمنُه غصّاتٌ، ودموع. لكنّ اللافت في الأمر أنه يحصل بشكلٍ حضاريّ، وناضج، مع كثيرٍ من المصارحة، والاحترام.

آبي روميو (26 سنة) وديفيد إيزاكمان (30 سنة) عائدان من الموسمَين السابقَين ليُثبتا أن العلاقات العاطفية على طيف التوحّد قابلة للعيش، والاستمرار. محاطَين بعائلتَيهما، يحتفلان بسنتهما الثالثة معاً وسط الهدايا، والأغاني، والضحكات، ويتفقان على الارتباط الرسمي.
تقول آبي لـ«نتفليكس» إنّ أكثر ما تحب في ديفيد هو أنه صبور معها، خصوصاً عندما يصعّب عليها اضطرابُها شرحَ الأمور. أما ديفيد فهكذا يتحدّث عن آبي: «تُشعرني بأنني محبوب، وترفع من معنويّاتي حين أكون محبطاً».

في حبّهم، يكتفي المصابون بالتوحّد بالتفاصيل البسيطة، شرط أن تكون صادقة. يدخلون العلاقة بكامل براءتهم، وهشاشتهم الجسدية، والنفسية. لكنهم في الوقت نفسه أصحابُ حكمةٍ، وموهبة. يحترمون الشريك، ويشدّدون على أن تجمعهم به الاهتمامات ذاتها، كحب الرياضات، والألوان، والحيوانات، والشخصيات الكرتونيّة نفسها على سبيل المثال. لكنهم في الوقت عينه يحتضنون الاختلافات، ونقاط الضعف.

تانر سميث (25 سنة) شابٌ مصابٌ بالتوحّد، لكنه عبارة عن كتلة من الإيجابية، والفرح. لا تفارق الابتسامة وجهه، وهو محاطٌ بعائلة داعمة. يقيم مع أصدقاء له، هم كذلك من ذوي الاحتياجات الخاصة. وهو مستقلّ مادياً، ويعمل في فندق صغير. لكن رغم ميزاته تلك، فإنّ تانر لا يعثر على الحب بسهولة، وتبوء كل محاولاته خلال الموسم الثالث بالفشل.

يتمسّك المصابون بالتوحّد بهواياتهم، ويبدو ضرورياً بالنسبة إليهم أن يقاسمهم شركاؤهم تلك الهوايات. وهكذا باري (22 سنة) التي تُظهر هوَساً بالقطارات. تجد باري في تينا الشريكة المثاليّة، والأخيرة تعاني مشكلاتٍ بصريّة.

بعد معاناةٍ طويلة للعثور على توأم روحه، يجد كونور توملينسون (25 سنة) في جورجي الشريكة المثالية. تبدو شرارة الحب واضحةً من خلال الشاشة، خصوصاً أنّ لقاءهما يأتي بعد مجموعة من المواعيد الفاشلة بالنسبة لكونور.
يبوح لـ«نتفليكس»: «عندما رأيتها، شعرت فوراً بأنّ ركبتيّ ما عادتا تحملانني». يبلغ الصدق ذروته في حكاية كونور وجورجي. هما مثالٌ واضح على أنّ العثور على توأم القلب يستحقّ عناء الرحلة.