القصير تحتفل بعيد الفطر... من دون «حزب الله»

مصلون: للمرة الأولى منذ سنوات نصلي العيد ولا ننظر إلى السماء خوفاً من الطائرات

استعاد أهالي القصير طقوس العيد الجماعية بعد انتهاء شهر رمضان (فريق سامي التطوعي)
استعاد أهالي القصير طقوس العيد الجماعية بعد انتهاء شهر رمضان (فريق سامي التطوعي)
TT
20

القصير تحتفل بعيد الفطر... من دون «حزب الله»

استعاد أهالي القصير طقوس العيد الجماعية بعد انتهاء شهر رمضان (فريق سامي التطوعي)
استعاد أهالي القصير طقوس العيد الجماعية بعد انتهاء شهر رمضان (فريق سامي التطوعي)

وسط الدمار، أدى الآلاف من أهالي مدينة القصير صلاة العيد في ساحة الحي الشمالي التي انطلقت منها أول مظاهرة في القصير ضد نظام الأسد عام 2011. وللمرة الأولى في تاريخ المدينة تُقام صلاة العيد في ساحة عامة. ولأول مرة تجتمع تلك الأعداد من الأهالي في مكان واحد مكشوف منذ ثلاثة عشر عاماً شهدت تدمير 70 في المائة من مدينتهم وتهجيرهم، وسيطرة «حزب الله» اللبناني وقوات نظام الأسد عليها.

مقاتل حكومي سوري ينتشر على الحدود اللبنانية قرب القصير فبراير الماضي (أ.ف.ب)
مقاتل حكومي سوري ينتشر على الحدود اللبنانية قرب القصير فبراير الماضي (أ.ف.ب)

وكانت منطقة القصير القريبة من الحدود مع لبنان أهم قواعد نفوذ «حزب الله» في سوريا، وقد انسحب منها بعد سقوط النظام، وبقي موالوه والمرتبطون معه من أهالي المنطقة وعدد من قرى الشريط الحدودي الذي شهد اشتباكات متفرقة خلال الأشهر الماضية. وكانت أعنفها عملية عسكرية للقوات السورية في فبراير (شباط) الماضي التي انتهت بإبعادهم إلى الأراضي اللبنانية، مع نشر عناصر على المنافذ الحدودية غير الشرعية.

وعادت المنطقة لتشهد قبل أسبوعين تصعيداً خطيراً على خلفية مقتل عسكريين سوريين في المنطقة الحدودية، حيث تم تبادل القصف المدفعي بين جانبَي الحدود، والذي أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، ونزوح أهالي القرى الحدودية، قبل التوصل إلى اتفاق مع الجيش اللبناني لوقف إطلاق النار، وإغلاق أربعة منافذ حدودية غير شرعية، لوقف نشاط مهربي المخدرات والسلاح الذين ازدهر نشاطهم خلال العقد الأخير.

وفور سقوط النظام بدأ أهالي القصير اللاجئون في المخيمات اللبنانية العودة إلى مناطقهم، ومئات منهم وجدوا بيوتهم مدمرة بشكل كامل، واضطروا إلى نصب خيام إلى جوارها ريثما يعيدون بناءها أو يجدون السكن البديل.

وكشفت الأعداد الكبيرة للمشاركين في صلاة العيد عن حجم العائدين. وقدر الإعلامي أحمد القصير، وهو من العائدين مؤخراً، نسبتهم بنحو 65 في المائة من المهجّرين. ويقدر عدد سكان منطقة القصير قبل الثورة بمائة وخمسين ألف نسمة، وفق ما قاله لـ«الشرق الأوسط».

من جانبه، أكد شاهين (30 عاماً)، وهو من العائدين عام 2018، أنه لغاية سقوط النظام كانت المدينة عبارة عن «خرابة» رغم عودة عشرين ألف شخص عام 2018؛ فقد كان يسيطر على المنطقة «حزب الله» وعصابات النظام والمهربين، ولم تكن هناك أسواق بالمعنى الحقيقي وإنما دكاكين صغيرة، وكان كل شيء مدمراً؛ المدارس والمستوصفات والمشافي، ويضطر أبناء المنطقة للذهاب إلى حمص (30 كم) للحصول على احتياجاتهم، وفي الطريق يعانون من حواجز النظام التي تفرض الإتاوات.

نساء أمام مبنى متضرر من الحرب في بلدة القصير في محافظة حمص وسط سوريا (أ.ف.ب)
نساء أمام مبنى متضرر من الحرب في بلدة القصير في محافظة حمص وسط سوريا (أ.ف.ب)

وبعد سقوط نظام الأسد وانسحاب «حزب الله»، بدأت الحياة الطبيعية تعود، ومنذ بداية رمضان عادت الأسواق التجارية للعمل رغم الدمار والفقر الشديد والبؤس. ولفت شاهين إلى الحركة الكثيفة التي شهدتها الأسواق ليلة «وقفة العيد» حتى ساعة متأخرة من الليل. وعلق: «الآن بدأت مدينة القصير تستعيد دورها كمركز تجاري للمنطقة».

وبحسب إحصاء أجراه «فريق سامي التطوعي»، عاد خلال الشهر الأول من سقوط النظام أكثر من ثلاثين ألف لاجئ إلى مدينة القصير وريفها، ومن المرجح أن العدد تضاعف مع مرور نحو أربعة أشهر، كما من المتوقع بحسب المسؤولين عن الفريق أن تتضاعف الأعداد بعد انتهاء العام الدراسي. وقال زيد حربا، أحد أعضاء الفريق المؤلف من أكثر من أربعين شاباً وشابة، إن غالبية العائدين جاءوا من المخيمات في لبنان، وقلة من مخيمات الشمال السوري؛ لأن الأهالي هناك ينتظرون انتهاء العام الدراسي لترتيب عودتهم إلى القصير.

لقطة من الأعلى لحشود المصلين في الساحة العامة لمدينة القصير بريف حمص صبيحة عيد الفطر (فريق سامي التطوعي)
لقطة من الأعلى لحشود المصلين في الساحة العامة لمدينة القصير بريف حمص صبيحة عيد الفطر (فريق سامي التطوعي)

وفي ساحة وسط الحي الشمالي المدمر بشكل شبه كامل، تجمع آلاف المصلين والمصليات لتأدية صلاة عيد الفطر، في مدينة كان فيها أكثر من عشرين مسجداً دُمّر معظمها، وقد أعيد تأهيل ستة منها فقط. وعبر زيد عن دهشة فريقه من الأعداد الكبيرة للمصلين الذين لم تتسع لهم الساحة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه تم اختيار هذه الساحة؛ لأنها المكان الذي شهد انطلاق الثورة في القصير عام 2011، مضيفاً أنها المرة الأولى التي تمكن فيها الأهالي من إحياء سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتأدية صلاة العيد في الساحات خارج المساجد، من دون خوف من قصف النظام. ونقل عن أحد المصلين المسنين قوله صباحاً للفريق: «لأول مرة نصلي من دون أن ننظر إلى السماء خوفاً من قصف الطائرات. لقد صلينا وعيوننا على الأرض مطمئنين».

«فريق سامي التطوعي» الذي نظم صلاة عيد الفطر في القصير بمحافظة حمص السورية (الشرق الأوسط)
«فريق سامي التطوعي» الذي نظم صلاة عيد الفطر في القصير بمحافظة حمص السورية (الشرق الأوسط)

ولفت زيد إلى مشاركة النساء في صلاة العيد، وهي أول مرة أيضاً في القصير؛ فقد «قمنا بتقسيم الساحة إلى مكان للرجال وآخر للنساء مع فاصل عدة أمتار». وبعد الصلاة تحولت الساحة إلى مكان لتبادل التهاني والتبريكات والحوار بين الأهالي والمسؤولين عن المنطقة؛ المدنيين والعسكريين المشاركين في الصلاة؛ فالعيد كان «أعياداً»؛ فرح العيد، وفرح النصر، وفرح العودة إلى القصير، وفرح التنظيم والانضباط... وكلها «نعيشها لأول مرة».

نساء أمام مبنى متضرر من الحرب في بلدة القصير في محافظة حمص وسط سوريا (أ.ف.ب)
نساء أمام مبنى متضرر من الحرب في بلدة القصير في محافظة حمص وسط سوريا (أ.ف.ب)

وحول الأوضاع الأمنية أكد زيد حربا، أنها تحسنت كثيراً عما كانت عليه في الأسابيع الأولى من التحرير؛ فقد «تراجعت الانتهاكات والسرقات بشكل ملحوظ، كما بات حضور قوى الأمن العام أكثر وضوحاً»، لافتاً إلى العرض العسكري الذي شهدته المدينة عشية العيد. وقال: «كان مشهداً مستجداً وغير مألوف لنا. خرج الأهالي على الأسطح والشوارع للتهليل والتقاط الصور؛ فنحن لم نعتد على العلاقة الودية مع السلطات الأمنية التي طالما أرعبتنا في عهد النظام البائد».


مقالات ذات صلة

التحالف الدولي يقود وساطة بين تركيا و«قسد» لوقف المواجهات قرب سد تشرين

المشرق العربي أحد عناصر الفصائل السورية الموالية لأنقرة يتابع عن بُعد قصفاً تركياً لمحور سد تشرين (أ.ف.ب)

التحالف الدولي يقود وساطة بين تركيا و«قسد» لوقف المواجهات قرب سد تشرين

تقود قوات التحالف الدولي وساطة بين تركيا و«قوات سوريا الديمقراطية»، لخفض التوتر ونزع فتيل المواجهات العسكرية في محيط سد تشرين وفك الحصار عن مدينة عين كومباني.

كمال شيخو (القامشلي (سوريا))
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع (رويترز)

الشرع يعين عبد القادر الحصرية حاكماً لمصرف سوريا المركزي

عيّن الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع حاكماً جديداً للمصرف المركزي هو عبد القادر الحصرية، بحسب ما أعلنت وكالة الأنباء الرسمية «سانا».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص قوات الأمن السورية تفرض سيطرتها في منطقة الساحل بعد أحداث اللاذقية وطرطوس (د.ب.أ)

خاص «تقرير أولي» للجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري... وطلب تمديد مرجح

كشف الناطق باسم لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري ياسر الفرحان، لـ«الشرق الأوسط»، أن اللجنة التي تنتهي مهمتها الأربعاء ربما تطلب تمديد عملها.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون خلال مؤتمر صحافي في جنيف بسويسرا في 29 يناير 2021 (رويترز)

المبعوث الأممي: ناقشت مع الشرع عملية الانتقال السياسي في سوريا

قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون إنه ناقش مع أحمد الشرع عملية الانتقال السياسي الجارية في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مجلس الأمن يستمع في ديسمبر الماضي إلى آخر المستجدات حول سوريا ويبدو على الشاشة توماس فليتشر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة (أ.ف.ب)

الخارجية السورية: تعديل الوضع القانوني لبعثتنا في نيويورك تقني وإداري

قال مصدر في وزارة الخارجية السورية إن الإجراء المتعلق بتعديل الوضع القانوني للبعثة السورية في نيويورك، هو إجراء تقني وإداري بحت.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مقترح مصري معدّل يحيي آمال تهدئة في غزة


فتى فلسطيني يعاين أمس آثار دمار خلَّفته غارة إسرائيلية على دير البلح وسط غزة (أ.ف.ب)
فتى فلسطيني يعاين أمس آثار دمار خلَّفته غارة إسرائيلية على دير البلح وسط غزة (أ.ف.ب)
TT
20

مقترح مصري معدّل يحيي آمال تهدئة في غزة


فتى فلسطيني يعاين أمس آثار دمار خلَّفته غارة إسرائيلية على دير البلح وسط غزة (أ.ف.ب)
فتى فلسطيني يعاين أمس آثار دمار خلَّفته غارة إسرائيلية على دير البلح وسط غزة (أ.ف.ب)

أحيا مقترح مصري جديد آمالاً باستعادة التهدئة في قطاع غزة. وقال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن القاهرة عدّلت بنوداً اقترحتها سابقاً من بينها عدد الأسرى، وطرحت «إطلاق نحو 8 رهائن أحياء من غزة، مقابل هدنة لوقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين 40 و70 يوماً».

وأشار المصدر إلى أن «القاهرة حاولت تلبية أكبر قدر من طموحات كل طرف، حيث إن (حماس) كانت تريد الإفراج عن رهينتين فقط مقابل هدنة الخمسين يوماً، في حين ترغب إسرائيل في نصف الرهائن».

في غضون ذلك، أكد الرئيسان المصري والفرنسي والعاهل الأردني، خلال قمة ثلاثية في القاهرة، أمس، أن «السلطة الفلسطينية الممكّنة» يجب أن تتولى حصراً مسؤولية حكم غزة بعد الحرب، داعين إلى «عودة فورية» لوقف إطلاق النار.

إلى ذلك، تراجع الجيش الإسرائيلي عن مطالبته للحكومة بضرورة إدخال مواد غذائية ودوائية لقطاع غزة تفادياً لمخالفة القانون الدولي.