«تفكيك الحصون»... إسرائيل توسّع نشاطها «الهندسي» في مخيمات الضفة

مخيم جنين أصبح منطقة غير صالحة للعيش... و21 ألفاً نزحوا منه

آليتان إسرائيليتان تتوغلان في مخيم جنين بالضفة الغربية يوم 20 مارس الجاري (رويترز)
آليتان إسرائيليتان تتوغلان في مخيم جنين بالضفة الغربية يوم 20 مارس الجاري (رويترز)
TT
20

«تفكيك الحصون»... إسرائيل توسّع نشاطها «الهندسي» في مخيمات الضفة

آليتان إسرائيليتان تتوغلان في مخيم جنين بالضفة الغربية يوم 20 مارس الجاري (رويترز)
آليتان إسرائيليتان تتوغلان في مخيم جنين بالضفة الغربية يوم 20 مارس الجاري (رويترز)

زاد الجيش الإسرائيلي نشاطه الهندسي في كل مخيمات الضفة الغربية، ضمن العملية الواسعة المسماة «الجدار الحديدي» التي انطلقت في شمال الضفة قبل أكثر من شهرين، وأدت إلى تدمير مخيمات كاملة وتهجير أهلها.

وذكر موقع «واللا» الإسرائيلي أن زيادة الجيش نشاطه الهندسي جاء في إطار قرار اتخذه قائد المنطقة الوسطى، اللواء آفي بلوط، بتفكيك مخيمات اللاجئين في مدينتي جنين وطولكرم بوصفها «حصناً» للمسلحين، وتحويلها إلى «حي» آخر في أحياء المدينتين. وأطلق جيش الاحتلال في الفترة الأخيرة عملية هندسية واسعة النطاق «لإنشاء محاور جديدة في المخيمات، بهدف فتح عدة نقاط وصول للقوات، مما يسمح لها بمفاجأة البنى التحتية (للمسلحين) التي تحاول ترسيخ وجودها في المنطقة».

كانت عملية «الجدار الحديدي» قد بدأت في مخيم جنين في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد قليل من إدراج الضفة الغربية على قائمة أهداف الحرب.

جاءت العملية بعد توصية رئيس الشاباك رونين بار، الذي أبلغ المجلس الأمني والوزاري المصغر بأنه يجب اتخاذ إجراءات أوسع لتغيير الواقع والقضاء على المجموعات المسلحة في الضفة، مطالباً بـ«التعلم من الذي حصل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)»، في إشارةٍ إلى نجاح حركة «حماس» في خداع إسرائيل قبل شن هجوم «طوفان الأقصى» عام 2023. وحذّر بار من أن الانخفاض الكبير في العمليات في الضفة الغربية «مخادع ومضلل» و«لا يعكس حجم تطور الإرهاب على الأرض».

وقتلت إسرائيل حتى الآن أكثر من 88 شخصاً في مخيمات جنين وطولكرم، واعتقلت 300 مطلوب، وحوّلت المخيمات إلى مواقع غير قابلة للسكن.

وقال رئيس بلدية جنين محمد جرار، السبت، إن مخيم جنين أصبح منطقة غير صالحة للعيش البشري، مؤكداً أن حجم الدمار الذي خلّفه الاحتلال طال 600 منزل فيه، إضافة إلى تدمير البنية التحتية بشكل كامل.

وأضاف جرار أن الاحتلال يفرض حصاراً شاملاً على منطقة في شمال الضفة الغربية يقطنها 360 ألف نسمة، كما تشهد حملة اعتقالات كبيرة طالت المئات من أبنائها، فيما وصل عدد النازحين من مخيم جنين وحده إلى 21 ألفاً.

ودخلت العملية في مخيم جنين، السبت، يومها الـ68 واليوم الـ62 في مخيم طولكرم، واليوم الـ49 في مخيم نور شمس في طولكرم كذلك.

مخيم جنين في الضفة الغربية محور عملية إسرائيلية مستمرة منذ 68 يوماً (رويترز)
مخيم جنين في الضفة الغربية محور عملية إسرائيلية مستمرة منذ 68 يوماً (رويترز)

ونزح 21 ألف فلسطيني من مخيم جنين، وأكثر من 4000 عائلة من مخيمي طولكرم ونور شمس.

وقالت مصادر إسرائيلية إن التحدي الأكبر حتى الآن هو التعامل مع الواقع الذي فرضته الكتائب المسلحة التي حوّلت مخيمات اللاجئين إلى مدن حصينة في السنوات الأخيرة.

وقال موقع «واللا» إن الجيش كان ملزماً في السابق، عندما كان يريد تنفيذ عمليات اغتيال أو اعتقال داخل المخيم، إدخال قوات «مستعربين» في ظروف خطرة، أو قوات كبيرة وصاخبة، مما يسمح للمطلوبين بالفرار. ومن أجل استعادة حرية عمله، كان يجب استعادة حرية الحركة وإنشاء استجابة ميدانية سريعة، وبناءً على ذلك قرر قائد المنطقة الوسطى تفكيك مخيمات اللاجئين بوصفها «حصناً» وتحويلها إلى حي آخر في مدينتي جنين وطولكرم.

وأضاف الموقع: «بعد إحباط عشرات الإرهابيين واعتقال المئات منهم وتدمير البنية التحتية، بدأ الجيش عملية هندسية كبيرة ومتطورة تعتمد على الاستخبارات وتهدف إلى إنشاء محاور حركة جديدة وتوسيع الطرق القائمة، مما يسمح للجيش بدخول المخيمات من اتجاهات متعددة ومباغتة لأي محاولة من البنية التحتية الإرهابية لإعادة تأسيس نفسها في المنطقة».

وقال ضابط كبير في القيادة المركزية إن الهدف هو خلق فضاء واسع وتمكين القوات من الدخول إلى أي نقطة بمركبة «جيب» مدرعة من دون عوائق.

ويبدو من تحركات أخرى يقوم بها الجيش في بقية مخيمات الضفة الغربية، أنه ينوي جعل مخيمات جنين وطولكرم نموذجاً يمكن تطبيقه بشكل فوري في بقية المخيمات في الضفة.

وقالت مصادر أمنية فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش الإسرائيلي اقتحم معظم مخيمات الضفة في الأسابيع القليلة الماضية، مصحوباً بخرائط هندسية ووضع علامات محددة لشق شوارع واسعة.

وأضافت: «الخطة تعني إلحاق دمار واسع بالمخيمات المكتظة. وتكرار تجربة مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس. إنها حرب على المخيمات».

طفل فلسطيني نازح يلعب على دراجته داخل بيت غير مكتمل البناء تأوي فيه عائلته بمخيم جنين بالضفة الغربية يوم 20 مارس الجاري (رويترز)
طفل فلسطيني نازح يلعب على دراجته داخل بيت غير مكتمل البناء تأوي فيه عائلته بمخيم جنين بالضفة الغربية يوم 20 مارس الجاري (رويترز)

وأكد فلسطينيون لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش وضع علامات هندسية على منازلهم داخل المخيمات تمهيداً لهدمها عندما يحين الوقت المناسب.

كانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» قد أكدت أن خطة الجيش الأوسع في مخيمات الضفة تهدف إلى خلق واقع أمني جديد، مضيفةً أن جيش الاحتلال لديه خطة مماثلة لتدمير مخيمات اللاجئين الـ18 في الضفة.

وإضافة إلى خلق واقع أمني جديد، تهدف العملية إلى طمس فكرة اللاجئين المرتبطة بحق العودة.

وأوضحت مصادر أمنية إسرائيلية أن الخطط لجميع المخيمات في الضفة موضوعة، لكن لن يتم تفعيلها إلا إذا حذت هذه المخيمات حذو مخيم جنين وتحولت إلى بؤرة لمسلحي الفصائل.

حقائق

العمليات الإسرائيلية في مخيمات الضفة... بالأيام

دخلت العملية في مخيم جنين (السبت) يومها الـ68 والـ62 بـ«طولكرم» واليوم الـ49 بـ«نور شمس»


مقالات ذات صلة

مقتل طفل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة

المشرق العربي جندي إسرائيلي يوجه سلاحه أثناء تركيب بوابة حديدية على مدخل مخيم جنين بالضفة الغربية (رويترز)

مقتل طفل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة

كشفت وزارة الصحة الفلسطينية اليوم الأربعاء أن طفلاً فلسطينياً قتل برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
شؤون إقليمية دورية راجلة لجنود من الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية (أرشيفية - رويترز)

الجيش الإسرائيلي: «تحييد» شخص أطلق النار على جنود في الضفة

قال الجيش الإسرائيلي إنه «حيد» شخصاً أطلق النار على جنوده في مستوطنة حومش بالضفة الغربية اليوم الأحد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية بطريرك القدس بييرباتيستا بيتسابالا يقود قداس عيد الفصح في كنيسة القيامة بالبلدة القديمة الأحد (رويترز)

«فصح الفلسطينيين»... آلام لا تنتهي وآمال بالانتصار

بلا احتفالات، أحيا المسيحيون في الأراضي الفلسطينية عيد الفصح، يوم الأحد، وسط آمال بانتهاء الحرب والانتصار.

كفاح زبون (رام الله)
شؤون إقليمية فلسطينيون يبتهلون خلال صلاة الجمعة يوم 11 أبريل 2025 خلال احتجاج على الاستيطان قرب الخليل بالضفة الغربية (رويترز)

هكذا تفرض إسرائيل ضم الضفة الغربية أمراً واقعاً

تباهى رئيس مديرية الاستيطان بوزارة الدفاع الإسرائيلية بأن ضم الضفة الغربية لم يعد هدفاً تسعى إسرائيل لتحقيقه، بل أضحى «واقعاً» يفرض نفسه ولا يجد ما يعرقله.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي القوات الإسرائيلية تحاصر مقلعاً قرب قرية قباطية بالضفة الغربية (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يقتل شابين فلسطينيين في الضفة

كشف مسؤولون فلسطينيون، اليوم (الجمعة)، عن أن جنوداً إسرائيليين أطلقوا النار على 3 فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)

هل تعزز زيارة ترمب للمنطقة فرص «هدنة غزة»؟

رد فعل فلسطيني على مقتل طفل في غارة إسرائيلية على مدرسة حُوّلت إلى ملجأ في مستشفى الشفاء بمدينة غزة (أ.ف.ب)
رد فعل فلسطيني على مقتل طفل في غارة إسرائيلية على مدرسة حُوّلت إلى ملجأ في مستشفى الشفاء بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT
20

هل تعزز زيارة ترمب للمنطقة فرص «هدنة غزة»؟

رد فعل فلسطيني على مقتل طفل في غارة إسرائيلية على مدرسة حُوّلت إلى ملجأ في مستشفى الشفاء بمدينة غزة (أ.ف.ب)
رد فعل فلسطيني على مقتل طفل في غارة إسرائيلية على مدرسة حُوّلت إلى ملجأ في مستشفى الشفاء بمدينة غزة (أ.ف.ب)

عد تنازلي بدأ لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنطقة، ومعه تتصاعد حالة الترقب لمسار الحرب في غزة، وسط اتصالات وتحركات مكثفة من الوسطاء لطرح «أفكار جديدة» لإبرام هدنة جزئية أو طويلة، ومناشدات عربية وأوروبية تطالب بالعودة لوقف إطلاق النار.

تلك الزيارة المرتقبة بين 13 و16 مايو (أيار) المقبل للسعودية، وقطر، والإمارات تحمل بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» فرصاً حقيقية لاستئناف اتفاق الهدنة في قطاع غزة، وسط ضغوط جدية متوقعة من ترمب تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكذلك ضغوط من الوسطاء على «حماس» لإنجاز هدنة في أسرع وقت.

وأعلن البيت الأبيض الثلاثاء أن ترمب سيزور السعودية، وقطر، والإمارات في الفترة من 13 إلى 16 مايو المقبل، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت للصحافيين، إن ترمب يتطلع إلى تعزيز العلاقات في جولة الشرق الأوسط.

وبالتزامن مع إعلان البيت الأبيض، أجرى ترمب مباحثات هاتفية مع نتنياهو، وأفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأن الجانبين ناقشا «وقف إطلاق النار في غزة، وصفقة المحتجزين، ورغبة واشنطن في القيام بمحاولة أخرى هذا الأسبوع لتحقيق اختراق بشأن حرب غزة».

وحث وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، في بيان مشترك، الأربعاء، على ضرورة العودة إلى وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وضمان تدفق المساعدات إلى القطاع.

فتاة فلسطينية تنعى أحد أقاربها قُتل في غارة إسرائيلية على مدرسة حُوّلت إلى ملجأ في مستشفى الشفاء بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فتاة فلسطينية تنعى أحد أقاربها قُتل في غارة إسرائيلية على مدرسة حُوّلت إلى ملجأ في مستشفى الشفاء بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وفي اجتماع لوزراء الخارجية العرب بالجامعة العربية، بالقاهرة، طالب الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط الأربعاء، بـ«بوقف فوري لحرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد سكان غزة»، وشدد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، على أن «الأردن سيستمر في العمل مع الأشقاء والمجتمع الدولي من أجل التوصل لوقف فوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة».

وأكد الصفدي «دعم جهود مصر وقطر مع الولايات المتحدة لتحقيق ذلك»، مشدداً على أهمية تنفيذ اتفاقية التبادل التي أنجزت بكل مراحلها، والتي أعلنت في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وانهار آخر اتفاق لوقف إطلاق النار في 18 مارس (آذار) عندما استأنفت إسرائيل قصف غزة، ورفضت دخول المرحلة الثانية الممهدة لإنهاء الحرب، ولم تنجح مقترحات مصرية إسرائيلية أميركية في مارس الماضي، وأوائل أبريل (نيسان) الحالي في حلحلة الأزمة.

زيارة «هادئة»

ويعتقد الخبير السياسي المصري الدكتور عمرو الشوبكي أن زيارة ترمب للمنطقة تعزز فرص التوصل لهدنة في غزة، باعتباره «فاعلاً رئيساً بالأحداث، وله دور وقدرة على التأثير على الطرف الإسرائيلي».

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن ترمب يريد زيارة المنطقة وهناك تهدئة، خاصة وهو يدرك أن السعودية التي سيزورها لديها موقف منحاز للحقوق الفلسطينية، وسيحاول أن يحقق مسار الهدنة كأولوية قبل جولته، لافتاً إلى أن الاتصال الذي جمع نتنياهو بالرئيس الأميركي يؤكد أن ثمة تحركاً سيسفر عن تهدئة قريبة.

ويأتي إعلان زيارة ترمب مع ترقب لمخرجات زيارة يجريها وفد من «حماس» للقاهرة بعد زيارة لتركيا، ولم تصدر حتى الأربعاء تفاصيل رسمية بشأن المحادثات، غير أن مصدراً مطلعاً في حركة «حماس»، كشف، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، الثلاثاء عن طرح ستقدمه الحركة في اجتماع بالقاهرة، يتضمن 5 بنود، من ضمنها صفقة شاملة، وإتمام هدنة طويلة تصل إلى خمس سنوات، مع اشتراط ضمانات إقليمية، ودولية.

وتحدثت «تايمز أوف إسرائيل»، الثلاثاء، عن وصول وفد إسرائيلي إلى القاهرة مساء الأحد، وأنه أجرى في اليوم التالي محادثات مع وسطاء في محاولة لتحقيق اختراق في المفاوضات مع «حماس» بشأن وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن من غزة.

ويعتقد الشوبكي أن «حماس» لديها ورقة وحيدة وأخيرة هي ورقة الرهائن، وبالتالي لن تفرط فيها إلا بهدنة طويلة، خاصة وهي تدرك أن وقف إطلاق النار المؤقت لن يؤدي لشيء، وإسرائيل قد تنقلب عليه، وتعود للحرب مجدداً، لافتاً إلى أن الدول العربية لو نجحت في تقديم طرح واضح خلال زيارة ترمب فقد نرى هدنة طويلة ووقفاً للحرب، وسيضغط ترمب على نتنياهو لإتمام ذلك.

ويرجح الرقب أن تقبل «حماس» أي مقترح يقود لإنهاء الحرب حتى لو كان مؤقتاً، ولكن بضمانات حقيقية، مشدداً على أن واشنطن إن أرادت تهدئة طويلة فستضغط على نتنياهو، وسنرى ذلك واقعاً قريباً.