العلماء الأميركيون «يهاجرون» نحو أوروبا بحثاً عن «مكان آمن للعلوم»

سياسات ترمب تثير مخاوف الجامعات ومراكز البحث العلمي على الحرية الأكاديمية والابتكار

طلاب وموظفون في جامعة كولومبيا يتظاهرون احتجاجاً على سياسات الجامعة الجديدة بعد خضوع إدارتها لشروط الرئيس دونالد ترمب (رويترز)
طلاب وموظفون في جامعة كولومبيا يتظاهرون احتجاجاً على سياسات الجامعة الجديدة بعد خضوع إدارتها لشروط الرئيس دونالد ترمب (رويترز)
TT
20

العلماء الأميركيون «يهاجرون» نحو أوروبا بحثاً عن «مكان آمن للعلوم»

طلاب وموظفون في جامعة كولومبيا يتظاهرون احتجاجاً على سياسات الجامعة الجديدة بعد خضوع إدارتها لشروط الرئيس دونالد ترمب (رويترز)
طلاب وموظفون في جامعة كولومبيا يتظاهرون احتجاجاً على سياسات الجامعة الجديدة بعد خضوع إدارتها لشروط الرئيس دونالد ترمب (رويترز)

هل بدأ بالفعل «موسم هجرة» الأدمغة الأميركية نحو أوروبا؟ سؤال بدا خيالياً إلى حد كبير، حين كانت الجامعات ومراكز الأبحاث العلمية الأميركية هي قبلة الباحثين والعلماء من كل إرجاء العالم، في ظل مناخ الحرية والابتكار والتمويل المتاح لتلك المؤسسات، سواء من متبرعين محليين وأجانب، أو من المساعدات الفيدرالية ومن حكومات الولايات.

اليوم، ومع قرارات إدارة الرئيس دونالد ترمب تقليص الوظائف، وتجميد المنح العلمية كجزء من إجراءاتها الشاملة لخفض الإنفاق الحكومي، والأوامر التنفيذية المتلاحقة، تحولت «حرية البحث العلمي» إلى قضية سياسية بامتياز. وباتت تقسم، ليس الأميركيين فحسب، بل أيضاً وسائل الإعلام التي بدأت تفرد صفحات من التحقيقات لتغطية ما يجري في العديد من المؤسسات التعليمية والبحثية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب متحدثاً في قاعة روزفلت في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب متحدثاً في قاعة روزفلت في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

وما فاقم مخاوف المجتمع العلمي الأميركي، إعلان جامعة كولومبيا، الجمعة الماضي، أنها ستضع قواعد جديدة لتنظيم الاحتجاجات الطلابية وإجراءات التأديب، وستبدأ إصلاحاً شاملاً لقسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا في الجامعة، وتعيين أفراد أمن جدد في الحرم الجامعي يتمتعون بصلاحيات التوقيف.

ويُحذّر مسؤولو الجامعات في جميع أنحاء البلاد من أن امتثال جامعة كولومبيا لمطلب إدارة ترمب بإجراء تغييرات جذرية في سياساتها، مع وجود 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالي على المحك، قد يكون له تأثير جذري على الاستقلال الأكاديمي.

وقال إروين تشيميرينسكي، عميد كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: «هناك مخاوف هائلة بين الجامعات في جميع أنحاء البلاد بشأن ما سيحدث. أعتقد أن هذا يُشجع إدارة ترمب على ملاحقة المزيد من الجامعات بالطريقة نفسها».

طلاب ينظمون احتجاجاً عند مدخل مكتبة جامعة كولومبيا (رويترز)
طلاب ينظمون احتجاجاً عند مدخل مكتبة جامعة كولومبيا (رويترز)

وقالت ماري بابازيان، نائبة الرئيس التنفيذي لرابطة مجالس إدارة الجامعات والكليات: «عندما تُملي الضغوط الخارجية سياسة الحرم الجامعي أو التوجه المؤسسي، فإنها تُخاطر بتقويض كل من الحرية الأكاديمية وحرية التعبير».

تسريح العلماء بالجملة

وعلى مدى الأسابيع الماضية، أُعلن عن تسريحات في مراكز أميركية تُعدّ قمة العلم، بما في ذلك «الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي»، و«المؤسسة الوطنية للعلوم»، و«هيئة المسح الجيولوجي الأميركية»، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. وفصلت المعاهد الوطنية للصحة، أكبر ممول عالمياً للأبحاث الطبية الحيوية، 1200 موظف، وأوقفت مراجعة المنح، ما أدى إلى إغلاق التمويل الحكومي لمشاريع البحث في المختبرات في جميع أنحاء البلاد.

وتأتي هذه التخفيضات في الوقت الذي أزالت فيه بعض الوكالات الفيدرالية مصطلحات من مواقعها الإلكترونية وطلبات المنح، والتي تُعدّ غير مقبولة من إدارة ترمب، التي تسعى إلى تطهير الحكومة الفيدرالية من مبادرات «الوعي»، والمصطلحات التي تُعدّ محظورة، هي: «علم المناخ»، و«التنوع»، و«الجنس».

طلاب يتظاهرون أمام جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك (رويترز)
طلاب يتظاهرون أمام جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك (رويترز)

وأثارت هذه الإجراءات مجتمعة قلقاً في الأوساط الأكاديمية ومعاهد البحث، حيث شعر العلماء بالقلق ليس فقط على وظائفهم، ولكن أيضاً على جدوى أبحاثهم على المدى الطويل. ونظم العلماء الأميركيون مظاهرات في عشرات المدن هذا الشهر؛ «للدفاع عن العلم»، احتجاجاً على جهود الإدارة.

أوروبا تسعى لاستقطاب الأميركيين

وبدا أن الجامعات والحكومات الأوروبية بدأت في استقطاب الباحثين الأميركيين الذين فقدوا وظائفهم، حيث نشرت العديد من وسائل الإعلام الأميركية تقارير تشير إلى أن أكثر من 350 عالماً، وقعوا عريضةً نُشرت هذا الأسبوع في صحيفة «لوموند» الفرنسية، مطالبين المفوضية الأوروبية بإنشاء صندوق طوارئ بقيمة 750 مليون يورو لاستيعاب آلاف الباحثين العاملين في الولايات المتحدة. وصرحت نيكا بلازيفيتش، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، بأنه يجري التخطيط لاجتماع لتنسيق الاستجابة الأكثر فاعلية لتخفيضات إدارة ترمب في تمويل البحث العلمي.

وأشارت التقارير إلى أن فرنسا وهولندا وألمانيا، كانت من بين أكثر البلدان الأوروبية اهتماماً باستقطاب الطاقات العلمية الأميركية «المهاجرة». وبعد ساعات على افتتاح برنامج مخصص لاستقطاب الباحثين الأميركيين سمي «مكان آمن للعلوم»، تلقت جامعة «إيكس» المعروفة ببرامجها العلمية في مدينة مرسيليا الفرنسية أول طلب لها. وكرت سبحة الطلبات حيث تلقت نحو 12 طلباً يومياً ممن صنفتهم الجامعة «طالبي لجوء علمي». كما سارعت جامعات أخرى في فرنسا وأماكن أخرى في أوروبا إلى إنقاذ الباحثين الأميركيين الهاربين من التخفيضات الجذرية في الوظائف والبرامج من قبل إدارة ترمب، بالإضافة إلى الهجمات المزعومة على مجالات بحثية بأكملها.

متظاهرون في واشنطن احتجاجاً على فصل إدارة ترمب لموظفين فيدراليين (أ.ف.ب)
متظاهرون في واشنطن احتجاجاً على فصل إدارة ترمب لموظفين فيدراليين (أ.ف.ب)

ويقول رؤساء الجامعات إن ما هو على المحك ليس الوظائف الفردية فحسب، بل مفهوم البحث العلمي الحر. حيث يسعون إلى سد فجوات هائلة في البحث الجماعي الناجم عن التخفيضات، لا سيما في المجالات التي استهدفتها إدارة ترمب، بما في ذلك دراسات تغير المناخ والصحة العامة والعلوم البيئية والجنس والتنوع، وهي مجالات بحث مشتركة مع الأميركيين.

وحذرت أوساط علمية أميركية من أنه، وفي حال أصبحت هذه الحركة اتجاهاً، فقد يعني ذلك عكس مسار هجرة الأدمغة طويلة الأمد التي شهدت انتقال أجيال من العلماء إلى الولايات المتحدة. وبينما أشار بعض الأوروبيين على الأقل إلى أن التغييرات في الولايات المتحدة تُتيح فرصة فريدة لبناء مراكز بحثية أوروبية أقوى، يرى معظم الأكاديميين أن المنافسة ليست الدافع قصير المدى.

ونقلت «نيويورك تايمز» عن إريك بيرتون، رئيس جامعة «إيكس مرسيليا»، التي تُعدّ رائدة في السعي لاستقطاب الباحثين الأميركيين، وخصصت أكثر من 16 مليون دولار لـ15 وظيفة لمدة ثلاث سنوات، قوله إن البرنامج «يرتبط في نهاية المطاف بالسخط، والقول إن ما يحدث في الولايات المتحدة ليس طبيعياً». وأضاف أن عدد الوظائف الشاغرة «لم يكن كبيراً»، لكن الهدف كان «منحهم بعض الأمل».

مبنى وزارة التعليم في العاصمة الأميركية واشنطن التي أصدر الرئيس دونالد ترمب أمراً تنفيذياً بإغلاقها هذا الشهر (أ.ف.ب)
مبنى وزارة التعليم في العاصمة الأميركية واشنطن التي أصدر الرئيس دونالد ترمب أمراً تنفيذياً بإغلاقها هذا الشهر (أ.ف.ب)

ونقلت الصحيفة عن فيليب بابتيست، وزير التعليم العالي والبحث الفرنسي، الذي كان من بين أكثر القادة الأوروبيين صراحة ونشاطاً في هذه القضية، قوله إن قرارات إدارة ترمب تتطلب استجابة سريعة وقوية من جميع أنحاء العالم. وقال: «إنهم يتخذون قرارات تُشكك في قطاعات واسعة من الأبحاث، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في العالم أجمع، نظراً لوجود عدد هائل من البرامج التي نُنفذها بالاشتراك مع الولايات المتحدة، في مجالات رصد الأرض، والمناخ، والبيئة، والبيانات الصحية، واستكشاف الفضاء. إنها لا تُحصى».

وفيما يعمل بابتيست مع رؤساء الجامعات الفرنسية، لوضع برنامج حكومي، سعى أيضاً إلى استجابة أوروبية شاملة، بما في ذلك صياغة رسالة، وقّعها أيضاً وزراء حكوميون من 11 دولة أوروبية أخرى، تطالب بجهود منسقة وتمويل مُخصص من المفوضية الأوروبية للشركات الناشئة والبحث والابتكار.

وفي بروكسل، أعلنت جامعتان شقيقتان، هما جامعة «فريجي بروكسل الحرة»، و«جامعة بروكسل الحرة»، أن خطتهما لتسويق برنامج للطلاب الأميركيين يقدم 36 وظيفة شاغرة لما بعد الدكتوراه، مفتوحة للباحثين الدوليين من جميع أنحاء العالم. وستركز هذه الوظائف، الممولة بشكل كبير من الاتحاد الأوروبي، على الأبحاث في مجال المناخ والذكاء الاصطناعي ومجالات أخرى تعدّها الجامعات ذات أهمية اجتماعية.


مقالات ذات صلة

اتفاق بين دمشق و«الإدارة الذاتية» لتقديم امتحانات طلبة الشهادات مع المدارس الحكومية

المشرق العربي خلف المطر الرئيس المشارك لهيئة التربية والتعليم بالإدارة الذاتية (حساب «فيسبوك»)

اتفاق بين دمشق و«الإدارة الذاتية» لتقديم امتحانات طلبة الشهادات مع المدارس الحكومية

رعت منظمة «يونيسف» التابعة للأمم المتحدة اتفاقاً بين دمشق و«الإدارة الذاتية» لتقديم امتحانات طلبة شهادتَي الإعدادية والثانوية العامة بالمدارس الحكومية.

كمال شيخو (القامشلي (سوريا))
آسيا الممثلة الخاصة للأمين العام في أفغانستان روزا أوتونباييفا أثناء تقديم إحاطتها أمام مجلس الأمن (الأمم المتحدة)

قلق أممي بشأن استمرار القيود المفروضة على تعليم الفتيات في أفغانستان

أعربت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) عن «خيبة أملها العميقة» إزاء استمرار القيود المفروضة على تعليم الفتيات بعد الصف السادس للعام الرابع.

«الشرق الأوسط» (كابل )
صحتك الأشخاص الأفضل تعليماً قد يعانون من انتكاسات ذهنية أكبر بعد تعرضهم للسكتات الدماغية (رويترز)

السكتات الدماغية أشد تدميراً للأشخاص الأفضل تعليماً

تشير دراسة جديدة إلى أن الأشخاص المتعلمين تعليماً عالياً قد يعانون من انتكاسات ذهنية أكبر بعد تعرضهم للسكتات الدماغية مقارنةً بمن لديهم مستوى تعليمي أقل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر (موقع الوزارة)

مصر توافق على إنشاء 7 جامعات أهلية

أعلنت مصر عن الموافقة على إنشاء 7 جمعيات أهلية جديدة، في إطار خطتها للتوسع في تنفيذ الجامعات الأهلية على مستوى الجمهورية، بهدف الوصول بعددها إلى 32 جامعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
آسيا تلميذات أفغانيات يسرن خارج مبنى مدرسة في كابل بأفغانستان يوم 22 مارس 2025. وصرحت المديرة التنفيذية لـ«يونيسيف» كاثرين راسل بأن الحظر المستمر على تعليم الفتيات بعد الصف السادس في أفغانستان قد يؤدي إلى حرمان أكثر من 4 ملايين فتاة من التعليم بحلول عام 2030 (إ.ب.أ)

أفغانستان: بدء العام الدراسي باستبعاد أكثر من 2.‏2 مليون فتاة من التعليم الثانوي

قالت مسؤولة بارزة في «يونيسيف» السبت، إن العام الدراسي الجديد بدأ في أفغانستان مع استبعاد أكثر من 2.‏2 مليون فتاة من التعليم الثانوي.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد )

ترمب يقاوم ضغوط إقالة مستشاريه بعد «فضيحة سيغنال»

الرئيس دونالد ترمب مجتمعاً بأعضاء حكومته في البيت الأبيض 24 مارس (رويترز)
الرئيس دونالد ترمب مجتمعاً بأعضاء حكومته في البيت الأبيض 24 مارس (رويترز)
TT
20

ترمب يقاوم ضغوط إقالة مستشاريه بعد «فضيحة سيغنال»

الرئيس دونالد ترمب مجتمعاً بأعضاء حكومته في البيت الأبيض 24 مارس (رويترز)
الرئيس دونالد ترمب مجتمعاً بأعضاء حكومته في البيت الأبيض 24 مارس (رويترز)

كشفت «فضيحة سيغنال» أو «سيغنال غيت» كما أصبحت تعرف في الإعلام الأميركي، عن اختلاف جوهري في مقاربة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإدارة حكومته بين ولايتيه الأولى والثانية.

فقد كان ترمب في ولايته الأولى حديث العهد بالسياسة، ومحاطاً بجملة من السياسيين المخضرمين وآخرين قادمين من خارج دوائر صنع القرار ومعجبين بخطابه الشعبوي الذي يدعو إلى كسر «تقاليد اتخاذ القرار» في واشنطن. وكان ترمب ينتقد علناً وبحدّة أي «هفوة» أو خطأ صادر من أي مسؤول عيّنه في إدارته الأولى، ولا يتردّد في إطلاق عبارته الشهيرة «أنت مطرود»، التي عرف بها في برنامجه التلفزيوني «أبرنتيس»، لإنهاء خدمة مسؤولين في مناصب رفيعة.

إلا أنه مقاربته في ولايته الثانية تبدو مختلفة، من ناحية تمسّكه بأعضاء حكومته الذين عيّنهم بناءً على مستوى «ولائهم» له ولسياساته.

ترمب يغير مقاربته

اليوم، وبعد الكشف عن تفاصيل «دردشة سيغنال» التي تداول فيها كبار مسؤولي الأمن القومي ووزارة الدفاع خطط العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، على تطبيق غير آمن، توقّع البعض أن يلجأ ترمب مجدداً لعبارة «أنت مطرود»؛ خصوصاً أنه انتقد رفض الرئيس السابق، جو بايدن، إقالة أي مسؤول في إدارته رغم «الفضائح» التي تورطوا فيها.

وخلال المناظرة الرئاسية الوحيدة بين بايدن وترمب العام الماضي، انتقد الرئيس الـ47 سلفه بسبب عدم طرده أي مسؤول عسكري أو مدني بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان. وقبلها انتقده بسبب عدم طرده لوزير الدفاع لويد أوستن الذي تغيب عن مهامه جراء خضوعه لعملية جراحية من دون إبلاغ رئيسه.

وبينما لا تزال تداعيات فضيحة سيغنال مستمرة، يواجه ترمب ضغوطاً متصاعدة لمعاقبة أحد المتورّطين فيها، ولا سيّما مستشار الأمن القومي مايك والتز، الذي أقرّ بإضافة صحافي أميركي بارز يدعى جيفري غولدبيرغ، للمحادثة.

مايك والتز مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض 25 مارس (رويترز)
مايك والتز مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض 25 مارس (رويترز)

ويرى البعض أن أسباباً عدة تقف وراء إحجام ترمب عن طرد موظفي إدارته الثانية، حتى الآن. وبعدما كان فوزه في انتخابات 2016 مفاجئاً له ولفريقه، كان مجبراً على الاعتماد بشكل أكبر على سياسيي واشنطن. لكن فوزه الكاسح في انتخابات 2024 منحه تفويضاً ليس لتنفيذ إرادة الشعب كما يراها فحسب، بل الوقوف في وجه معارضيه كذلك.

ويشعر ترمب هذه المرة أن أحداً لا يمكنه أن يملي عليه ما يجب فعله. فهو الآن محاط إما بمستشارين تعلموا من أخطاء ولايته الأولى، أو من الموالين له بشدة، ويرفضون المبالغة في ردود الفعل التي يمكن أن تشوه أجندته الرئاسية. وخلافاً لما يُشاع عن وجود انقسامات بين فريق عمله الحكومي، سواء على قضايا السياسات الخارجية أو الداخلية، يدرك الجميع أن ترمب يمسك، ليس فقط بزمام إدارته، ولكن الأهم من ذلك، بحزب أعاد تشكيله على صورته، بعدما حيّد إلى حد كبير من منتقديه الداخليين الذين قد يوجهون انتقادات لاذعة لتعييناته.

«لا تنازل» للمعارضين

يرى البيت الأبيض في فضيحة «سيغنال» أنها أول أزمة حقيقية في ولاية ترمب الثانية. ورغم ذلك، لا يُظهر ترمب أي علامات على التنازل وطرد والتز، أو غيره من المتورّطين في «الدردشة المسرّبة». وبينما يقترح بعض المحافظين أن يكون والتز «كبش فداء»، فإن ترمب يقاوم اتخاذ خطوة يشتبه بعض مساعديه أنها ستؤدي ببساطة إلى تأجيج الانتقادات.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث في حفل إفطار في البيت الأبيض مساء الخميس (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث في حفل إفطار في البيت الأبيض مساء الخميس (إ.ب.أ)

وصرّح ترمب للصحافيين هذا الأسبوع بأن والتز «يبذل قصارى جهده» ولا يحتاج إلى اعتذار. وعندما سُئل عما إذا كان ينبغي لوزير دفاعه بيت هيغسيث إعادة النظر في موقفه، عدّ ترمب الأمر «حملة شعواء» وقال إنه «لا علاقة له» بالتسريب.

ونقلت شبكة «سيمافور» عن السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي التقى ترمب شخصياً بعد الانتخابات، وصوّت إلى جانب الجمهوريين لتمرير بعض القوانين، قوله إنه «ليس مندهشاً» من أسلوب ترمب. وأضاف: «لقد اتبعت (الإدارة) نفس الأسلوب: لا تعتذروا أبداً، لا تعترفوا أبداً، وامضوا قدماً. والمفاجأة الوحيدة ستكون إذا ما انقلبوا». ولمح إلى أن ترمب قد يكون محقاً في افتراضه أن واشنطن ستتجاوز ذلك: «أعتقد أن التاريخ علّمهم، أننا جميعاً سنتجاوز ذلك في النهاية، وسنتحدث عن شيء مختلف».

تعميق الهوة مع الديمقراطيين

وبينما يأمل حلفاء ترمب أن يستمر على موقفه ومقاربته الجديدة، يرى الرئيس أن الفرصة لا تزال متاحة أمامه لتعميق الهوة بين «حزبه» الجمهوري، والديمقراطيين الذين دخل حزبهم، ولا يزال، في أزمة عميقة منذ خسارتهم الانتخابات، ويجهدون لتوحيد صفوفهم.

وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث وإيلون ماسك خلال زيارته مبنى البنتاغون 21 مارس (رويترز)
وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث وإيلون ماسك خلال زيارته مبنى البنتاغون 21 مارس (رويترز)

ورغم انخفاض نسبة تأييده إلى أقل من 50 في المائة بعد أكثر من شهرين من عودته إلى البيت الأبيض، يراهن ترمب ليس فقط على تخبط الديمقراطيين، بل وعلى ضعف الاعتراضات الشعبية على إجراءاته وأوامره التنفيذية التي عدّها البعض مدمرة، واقتصارها على معارك أبطالها «قضاة مُسيّسون» ينبغي إقالتهم. ويرى العديد من مسؤولي إدارة ترمب أنه كلّما زادت دعوة الديمقراطيين ومعارضيه إلى طرد شخص ما، زاد احتمال مقاومته للقيام بذلك.