الخيام الرمضانية... من ظاهرة مرفوضة إلى فعاليات تجذب الزوّار في السعودية

البداية خلال السبعينات والانتشار بالتسعينات... والإقبال المجتمعي بعد الألفية

0 seconds of 55 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:55
00:55
 
TT
20

الخيام الرمضانية... من ظاهرة مرفوضة إلى فعاليات تجذب الزوّار في السعودية

للخيام الرمضانية أشكال متعددة وليست مرتبطة بالخيمة التي تُنصب في الصحراء (تصوير: تركي العقيلي)
للخيام الرمضانية أشكال متعددة وليست مرتبطة بالخيمة التي تُنصب في الصحراء (تصوير: تركي العقيلي)

صوت أذان المغرب يصدح في الأرجاء، والمشهد يعج بالحركة، بينما يهمّ صديقان بدخول «خيمة رمضانية» وسط العاصمة السعودية الرياض، وهما يتبادلان الابتسامات وينظران حولهما بسعادة، في ظل ازدحام واضح من الزوار.

 

وفي داخل الخيمة، الطاولات ممتلئة بالزوار الذين بدأوا الإفطار، وبينما يسمع الجميع صوت نافورة الماء الصغيرة في قلب المكان، تتعالى أصوات الضحك والحديث لتتداخل مع موسيقى العود الناعمة، والمضيفون يتنقّلون بين الطاولات حاملين المشروبات الرمضانية، فيما تتدلّى فوانيس وأهلّة رمضان من أماكن متفرقة في المكان.

 

جانب من استعدادات إحدى الخيام الرمضانية في الرياض لاستقبال الزوّار (تصوير: تركي العقيلي)
جانب من استعدادات إحدى الخيام الرمضانية في الرياض لاستقبال الزوّار (تصوير: تركي العقيلي)

وجرياً على العادة المتبعة خلال السنوات الماضية، أظهرت جولة ميدانية لـ«الشرق الأوسط» في الرياض، أن كثيراً من فنادق «الخمسة نجوم»، وبعض الفنادق من فئة «الأربعة نجوم»، كثفت استعداداتها قبل حلول الشهر الفضيل؛ لاستقبال الضيوف وتوفير قائمة بأشهى الأطعمة لهم داخل خيام رمضانية منصوبة في ساحاتها.

 

التحدي لدى الخيامة الرمضانية في القيمة المضافة التي تقنع بها الزائر بمغادرة منزله ليتناول الإفطار في هذه الخيامة. (تصوير: تركي العقيلي)
التحدي لدى الخيامة الرمضانية في القيمة المضافة التي تقنع بها الزائر بمغادرة منزله ليتناول الإفطار في هذه الخيامة. (تصوير: تركي العقيلي)

فالديكورات والفوانيس الرمضانية الشهيرة التي حرصت الفنادق على وجودها داخلها وفي محيطها، والتي تأتي في أشكال وأحجام وألوان مختلفة، أعطت إيحاء بالراحة والطمأنينة، وعكست حالة من الفرح لنزلائها وزوّارها، بالإضافة إلى توفر مائدة رمضانية أعدها الطهاة لترضي جميع الأذواق، وتقام بجانبها عروض رمضانية ممتعة لكل خيمة.

لا توجد إحصائية رسمية توضّح عدد الخيام الرمضانية في السعودية أو الرياض (تصوير: تركي العقيلي)
لا توجد إحصائية رسمية توضّح عدد الخيام الرمضانية في السعودية أو الرياض (تصوير: تركي العقيلي)

يلاحظ المتابع أن الخيام الرمضانية هي الاسم المتعارف عليها لتجمعات الإفطار والسحور خارج المنزل في الفنادق أو المطاعم أو في ساحات عامة، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يعبّر المكان عن الخيمة التي تُنصب في الصحراء؛ فالأشكال والتصاميم الخارجية لتلك الخيام متعددة، ومن أشهرها التجمع حول حوض السباحة المحاط بجلسات ومقاعد وثيرة مع أصوات موسيقى هادئة، أو في مكان مفتوح بمقاعد كلاسيكية، وتتدلى من الأسقف شرائط أقمشة تستخدم في الخيام، بينما تحضر معالم شهر رمضان في كل زوايا المكان.

 

يكشف أدهم الأحمد (37 عاماً)، وهو أحد القائمين على أكبر الخيام الرمضانية في الرياض، عن أن الخيام تشهد زيارات أعلى خلال وجبة السحور تحديداً، بينما يكون زوّار فترة الإفطار أقل، إلا في حالات حفلات الإفطار التي يقيمها بعض المؤسّسات لمنسوبيها.

 

عدد من الجهات الحكومية ساهم في إنشاء خيام رمضانية ضمن فعاليات موسمية ترافق شهر رمضان (واس)
عدد من الجهات الحكومية ساهم في إنشاء خيام رمضانية ضمن فعاليات موسمية ترافق شهر رمضان (واس)

الأحمد أشار إلى أن التحدي أمام الخيمة الرمضانية يتمحور حول القيمة المضافة التي يمكن أن تنجح عبرها في إقناع المواطن أو المقيم بمغادرة منزله ليتناول الإفطار في هذه الخيمة، مع ما يعنيه الإفطار مع العائلة من قيمة روحانية وإنسانية. وأضاف أن التنافس بين الخيام يزداد عاماً بعد عام مع رفع مستوى جودة الخدمة المقدّمة، واستخدام تقنيات بصرية جديدة، وأساليب تسويقية تجذب المستفيد وتتناسب مع المرحلة.

 

ولكن متى بدأت ظاهرة «الخيام الرمضانية» في الرياض؟

الكاتب والباحث منصور العسّاف أوضح أن ظاهرة «الخيام الرمضانية» داخل فنادق الرياض قديمة، وتابع أن انتشارها بدأ من فنادق مثل «زهرة الشرق» و«اليمامة» و«صحاري»، وتابع أن المطاعم سبقت الفنادق من خلال «البوفيهات المفتوحة» منذ السبعينات، ومطعم «السرايا» في مطلع الثمانينات، ثم مطاعم «يامال الشام»، و«وردة الرياح»، و«مطعم العجمي».

 

وفي توضيح أكثر، يبيّن العساف أنه «في السبعينات والثمانينات الميلادية كانت هذه الظاهرة موجودة، وزاد انتشارها بشكل كبير في التسعينات وما بعدها، وبدأ في ذلك الحين انتشار ظاهرة الولائم التي تقيمها الشركات والمؤسسات»، وأوضح أن «المطاعم كانت تقدِّم بوفيهات مفتوحة للإفطار والسحور، ولكن كانت تشهد إقبالاً أكبر على وجبة السحور تحديداً».

 

عدد من الجهات الحكومية ساهم في إنشاء خيام رمضانية ضمن فعاليات موسمية ترافق شهر رمضان (واس)
عدد من الجهات الحكومية ساهم في إنشاء خيام رمضانية ضمن فعاليات موسمية ترافق شهر رمضان (واس)

 

العسّاف لفت إلى أن معظم المجتمع السعودي في مرحلة ما قبل التسعينات، «لم يكن يتقبل الإفطار في الخيام الرمضانية، أو ما شابهها في الفنادق والمطاعم، ولكن في التسعينات بدأ الموضوع يتغير؛ فأصبحت هذه الخيام الرمضانية مكاناً لكسر الروتين الرمضاني؛ فيخرج بعض العائلات أحياناً أو يتجمع عدد من الأصدقاء في تلك الخيام»، وأشار إلى أن هذا النوع من الاجتماعات «يكون غالباً في السحور وليس الإفطار، وأضاف أنه بعد عام 2000 أصبح انتشاره أكثر، والتعاطي المجتمعي معه أكبر انفتاحاً، لدرجة أن بعض العوائل يذهب بمعدل مرتين خلال رمضان للإفطار أو السحور في الخيام الرمضانية».

 

ولا توجد إحصائية رسمية توضّح عدد الخيام الرمضانية في السعودية أو الرياض، غير أن كثيراً من الناس باتوا يتداولون مواقع الخيام لكل عام، وينتظرون رمضان الجديد كل عام ليجربوا عدداً من المواقع الأخرى، وسط تقدم كبير باتت تشهده العاصمة السعودية وزيادة في عدد الزوّار.


مقالات ذات صلة

السيرة الهلالية والفنون الشعبية تجدِّد ذكريات رمضان في القاهرة التاريخية

يوميات الشرق السيرة الهلالية في مقهى نجيب محفوظ بالسيدة زينب (هيئة قصور الثقافة المصرية)

السيرة الهلالية والفنون الشعبية تجدِّد ذكريات رمضان في القاهرة التاريخية

جددت رواية السيرة الهلالية وفرق الفنون الشعبية والتراثية ذكريات رمضان في الحديقة الثقافية بحي السيدة زينب بالقاهرة التاريخية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق فيلم «الدشاش» شهد عودة محمد سعد إلى السينما بعد سنوات (الشركة المنتجة)

إيرادات هزيلة للسينما المصرية خلال موسم رمضان

طقوس موسم رمضان واجتذاب المسلسلات للناس وراء هذا الانخفاض الملحوظ في الإيرادات السينمائية، والذي يُتوقّع استمراره حتى موسم عيد الفطر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق نقاط عدّة تجمعه بشخصية الدكتور «آدم» (إنستغرام)

سعيد سرحان لـ«الشرق الأوسط»: أنتظر نهاية «بالدم» لنحتفل بالإنجاز

يرى سعيد سرحان أنّ المنتج جمال سنان سار بخطّة مُحكَمة. فلم يتسرَّع عندما أدرك قدرات أولاد بلده الفنّية. وتطلّب الأمر جرأة لم يتشجّع أحد مؤخراً للإقدام عليها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق سوق ليالي البينالي الرمضانية تجربة متكاملة غنية بمذاقات متنوعة (بينالي الفنون الإسلامية)

ختام فعاليات «ليالي البينالي» الرمضانية تجربة ثقافية تُزاوج بين التراث والحداثة

اختتمت فعاليات برنامج «ليالي البينالي» الرمضاني الذي أقيم ضمن النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بعد شهر حافل من الفعاليات

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أطفال سودانيون ضمن ضيوف برش الرياض (تصوير: بشير صالح)

«إفطار البرش»... مبادرة سودانية تجهِّز موائدها قبل أذان الإفطار

أطلق، مع بداية شهر رمضان الكريم، مجموعة من السودانيين مبادرات «إفطار البرش».

فتح الرحمن يوسف (الرياض)

صديقان يعثران على كنز تاريخي بقيمة 4 ملايين دولار فينتهي بهما الأمر في السجن... لماذا؟

جورج باول (يمين) ولايتون ديفيز (بي بي سي)
جورج باول (يمين) ولايتون ديفيز (بي بي سي)
TT
20

صديقان يعثران على كنز تاريخي بقيمة 4 ملايين دولار فينتهي بهما الأمر في السجن... لماذا؟

جورج باول (يمين) ولايتون ديفيز (بي بي سي)
جورج باول (يمين) ولايتون ديفيز (بي بي سي)

تحوّل صديقان بريطانيان من «كاشفي معادن» إلى «سجينين» بعد أن أُدينا بسرقة أحد أكبر الكنوز المكتشفة في تاريخ الجزر البريطانية، بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني (نحو 4 ملايين دولار).

وتعود جذور القصة إلى أكثر من ألف عام، وتحديداً إلى أوائل العصور الوسطى في بريطانيا، عندما دُفنت مجوهرات ذهبية وسبائك فضية ومئات العملات المعدنية على يد شخص مجهول، يُرجَّح أنه عضو في أحد جيوش الفايكنغ التي كانت تنسحب من بريطانيا آنذاك، وفق ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وفُقدت هذه الكنوز في غياهب التاريخ حتى صباح أحد أيام يونيو (حزيران) 2015، عندما بدأ كاشفا المعادن جورج باول، من مدينة نيوبورت الويلزية، وصديقه لايتون ديفيز، من بونتيبريد المجاورة، في مسح أرض في حقل بمقاطعة هيريفوردشاير، وعندها اكتشف الثنائي الكنز المفقود منذ زمن طويل، وظنا أنهما سيُصبحان أغنياء وأن حياتهما ستتغير إلى الأبد.

لكن واحدة فقط من الأمنيتين تحققت، فقد تغيرت حياتهما إلى الأبد.

ويحتاج أي شخص إلى إذن من مالك الأرض للكشف في أرضه، ولم يكن لدى باول وديفيز إذن بالوجود في الحقل الذي اكتشفا فيه الكنز. ثم، بدلاً من إبلاغ مالك الأرض والطبيب الشرعي المحلي بالاكتشاف خلال 14 يوماً كما يقتضي القانون، وضع الثنائي الكنز في كيس بلاستيكي وعادا من حيث أتيا، ونشرا صور اكتشافهما على موقع متخصص في الكشف عن الكنوز.

وحذف الصديقان الصور من الموقع ومن هواتفهما بعد ذلك بوقت قصير، لكن الإنترنت وبرامج الكشف التابعة للشرطة «لا تنسى أبداً»، وفق «بي بي سي».

وحاول باول معرفة المزيد عن الكنز بالتواصل مع تاجر العملات، بول ويلز، في متجر تحف بكارديف. وكان ويلز برفقة تاجر التحف، جيسون سلام، وعندما رأى نحو 12 عملة فضية معروضة على طاولة، صُدم. وقال ويلز: «بدت كما لو أنها دُفنت في الأرض يوم سكها. كما لو أنها لم تُستخدم قط لشراء شيء». وأضاف: «للوهلة الأولى، ظننت أنها من العصور الوسطى، من القرن الحادي عشر أو الثاني عشر». أما سلام فكان أكثر حماسة وقال إنها ربما تعود إلى القرن السابع أو الثامن.

كذب باول وديفيز وأخبرا التجار أنهما حصلا على إذن من مالك الأرض للحفر، قبل أن يُخرجا «أجمل ما عُثر عليه»، ثلاث قطع من المجوهرات الذهبية.

وحذّر التاجران الرجلين من أنهما في منطقة خطرة، وعليهما الإعلان بصورة قانونية عن هذا الاكتشاف، لكن ويلز قال إن باول «لم يُصغِ لما قاله». وافق ويلز بعد ذلك على أخذ بعض العملات المعدنية و«الاعتناء بها».

تناهى الأمر إلى مسامع بيتر ريفيل، الذي كان مسؤولاً عن الاكتشافات في برنامج الآثار المحمولة بالمتحف البريطاني عام 2015. وقال: «كانت هناك إشاعة تدور حول العثور على شيء مهم، والتفاصيل هي أن أحدهم عثر على كنز ضخم من العملات المعدنية من العصور الوسطى، وكان هناك ما لا يقل عن 300 عملة معدنية».

استعان ريفيل بشبكة خبراء الكشف الأثري لديه لمعرفة ما إذا كان أي شخص قد سمع أي شيء مؤكد، وعادوا جميعاً قائلين إنهم سمعوا الشيء نفسه تقريباً: «عُثر على كنز ضخم من العصور الوسطى».

وصلت الصور المحذوفة التي نشرها باول وديفيز على الإنترنت إلى ريفيل، الذي بحث عن عنوان بريد إلكتروني للصديقين، وأخبرهما أن أمامهما 14 يوماً للإبلاغ عن الاكتشاف. لكن باول وديفيز لم يلتزما بالنصيحة مرة أخرى.

فلقد سلما المجوهرات لمتاحف ويلز، لكن معظم العملات المعدنية الـ300 ظل «مفقوداً». وعند هذه النقطة، بدأت الشرطة التحقيق.

وفي عام 2019، تمت إدانة باول وديفيز بالسرقة و«إخفاء ما عثرا عليه». وحُكم على باول بالسجن عشر سنوات، خُفِّضت لاحقاً إلى ست سنوات ونصف عند الاستئناف، بينما سُجن ديفيز ثماني سنوات ونصف، خُفِّضت لاحقاً إلى خمس سنوات. وأُدين ويلز، تاجر العملات، بـ«إخفاء ما عثر عليه»، وحُكِم عليه بالسجن 12 شهراً مع إيقاف التنفيذ.

قضى باول وديفيز عقوبتيهما، لكن المحكمة أمرتهما لاحقاً برد نحو 600 ألف جنيه إسترليني لكلٍّ منهما، لاعتقاد القاضي أنهما ما زالا يُخفيان بشكل غير قانوني ما يصل إلى 270 قطعة نقدية ومجوهرات بهدف التربح منها.

وبعد جلسة استماع لإنفاذ الحكم في سبتمبر (أيلول) 2024، حُكم على ديفيز بالسجن خمس سنوات وثلاثة أشهر إضافية لتخلفه عن سداد مبلغ الـ600 ألف جنيه إسترليني. أما باول، فقد فر هارباً، وأُلقي القبض عليه في نهاية المطاف واحتُجز في إدنبرة، قبل إطلاق سراحه في ديسمبر (كانون الأول). لكن عندما كان من المقرر أن يمثل أمام المحكمة في يناير (كانون الثاني) 2025 للرد على تهمة عدم سداد مبلغ الـ600 ألف جنيه إسترليني، هرب مرة أخرى، ولا يزال هارباً حتى الآن.