صوت أذان المغرب يصدح في الأرجاء، والمشهد يعج بالحركة، بينما يهمّ صديقان بدخول «خيمة رمضانية» وسط العاصمة السعودية الرياض، وهما يتبادلان الابتسامات وينظران حولهما بسعادة، في ظل ازدحام واضح من الزوار.
وفي داخل الخيمة، الطاولات ممتلئة بالزوار الذين بدأوا الإفطار، وبينما يسمع الجميع صوت نافورة الماء الصغيرة في قلب المكان، تتعالى أصوات الضحك والحديث لتتداخل مع موسيقى العود الناعمة، والمضيفون يتنقّلون بين الطاولات حاملين المشروبات الرمضانية، فيما تتدلّى فوانيس وأهلّة رمضان من أماكن متفرقة في المكان.

وجرياً على العادة المتبعة خلال السنوات الماضية، أظهرت جولة ميدانية لـ«الشرق الأوسط» في الرياض، أن كثيراً من فنادق «الخمسة نجوم»، وبعض الفنادق من فئة «الأربعة نجوم»، كثفت استعداداتها قبل حلول الشهر الفضيل؛ لاستقبال الضيوف وتوفير قائمة بأشهى الأطعمة لهم داخل خيام رمضانية منصوبة في ساحاتها.

فالديكورات والفوانيس الرمضانية الشهيرة التي حرصت الفنادق على وجودها داخلها وفي محيطها، والتي تأتي في أشكال وأحجام وألوان مختلفة، أعطت إيحاء بالراحة والطمأنينة، وعكست حالة من الفرح لنزلائها وزوّارها، بالإضافة إلى توفر مائدة رمضانية أعدها الطهاة لترضي جميع الأذواق، وتقام بجانبها عروض رمضانية ممتعة لكل خيمة.

يلاحظ المتابع أن الخيام الرمضانية هي الاسم المتعارف عليها لتجمعات الإفطار والسحور خارج المنزل في الفنادق أو المطاعم أو في ساحات عامة، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يعبّر المكان عن الخيمة التي تُنصب في الصحراء؛ فالأشكال والتصاميم الخارجية لتلك الخيام متعددة، ومن أشهرها التجمع حول حوض السباحة المحاط بجلسات ومقاعد وثيرة مع أصوات موسيقى هادئة، أو في مكان مفتوح بمقاعد كلاسيكية، وتتدلى من الأسقف شرائط أقمشة تستخدم في الخيام، بينما تحضر معالم شهر رمضان في كل زوايا المكان.
يكشف أدهم الأحمد (37 عاماً)، وهو أحد القائمين على أكبر الخيام الرمضانية في الرياض، عن أن الخيام تشهد زيارات أعلى خلال وجبة السحور تحديداً، بينما يكون زوّار فترة الإفطار أقل، إلا في حالات حفلات الإفطار التي يقيمها بعض المؤسّسات لمنسوبيها.

الأحمد أشار إلى أن التحدي أمام الخيمة الرمضانية يتمحور حول القيمة المضافة التي يمكن أن تنجح عبرها في إقناع المواطن أو المقيم بمغادرة منزله ليتناول الإفطار في هذه الخيمة، مع ما يعنيه الإفطار مع العائلة من قيمة روحانية وإنسانية. وأضاف أن التنافس بين الخيام يزداد عاماً بعد عام مع رفع مستوى جودة الخدمة المقدّمة، واستخدام تقنيات بصرية جديدة، وأساليب تسويقية تجذب المستفيد وتتناسب مع المرحلة.
ولكن متى بدأت ظاهرة «الخيام الرمضانية» في الرياض؟
الكاتب والباحث منصور العسّاف أوضح أن ظاهرة «الخيام الرمضانية» داخل فنادق الرياض قديمة، وتابع أن انتشارها بدأ من فنادق مثل «زهرة الشرق» و«اليمامة» و«صحاري»، وتابع أن المطاعم سبقت الفنادق من خلال «البوفيهات المفتوحة» منذ السبعينات، ومطعم «السرايا» في مطلع الثمانينات، ثم مطاعم «يامال الشام»، و«وردة الرياح»، و«مطعم العجمي».
وفي توضيح أكثر، يبيّن العساف أنه «في السبعينات والثمانينات الميلادية كانت هذه الظاهرة موجودة، وزاد انتشارها بشكل كبير في التسعينات وما بعدها، وبدأ في ذلك الحين انتشار ظاهرة الولائم التي تقيمها الشركات والمؤسسات»، وأوضح أن «المطاعم كانت تقدِّم بوفيهات مفتوحة للإفطار والسحور، ولكن كانت تشهد إقبالاً أكبر على وجبة السحور تحديداً».

العسّاف لفت إلى أن معظم المجتمع السعودي في مرحلة ما قبل التسعينات، «لم يكن يتقبل الإفطار في الخيام الرمضانية، أو ما شابهها في الفنادق والمطاعم، ولكن في التسعينات بدأ الموضوع يتغير؛ فأصبحت هذه الخيام الرمضانية مكاناً لكسر الروتين الرمضاني؛ فيخرج بعض العائلات أحياناً أو يتجمع عدد من الأصدقاء في تلك الخيام»، وأشار إلى أن هذا النوع من الاجتماعات «يكون غالباً في السحور وليس الإفطار، وأضاف أنه بعد عام 2000 أصبح انتشاره أكثر، والتعاطي المجتمعي معه أكبر انفتاحاً، لدرجة أن بعض العوائل يذهب بمعدل مرتين خلال رمضان للإفطار أو السحور في الخيام الرمضانية».
ولا توجد إحصائية رسمية توضّح عدد الخيام الرمضانية في السعودية أو الرياض، غير أن كثيراً من الناس باتوا يتداولون مواقع الخيام لكل عام، وينتظرون رمضان الجديد كل عام ليجربوا عدداً من المواقع الأخرى، وسط تقدم كبير باتت تشهده العاصمة السعودية وزيادة في عدد الزوّار.