«قمة فلسطين» اعتمدت الخطة المصرية بشأن التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة

تتضمن تشكيل «لجنة غير فصائلية» لإدارة القطاع

TT

«قمة فلسطين» اعتمدت الخطة المصرية بشأن التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة

صورة جماعية للقادة والرؤساء وروؤساء الوفود المشاركين في اجتماع القمة العربية الطارئة بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
صورة جماعية للقادة والرؤساء وروؤساء الوفود المشاركين في اجتماع القمة العربية الطارئة بالقاهرة (الرئاسة المصرية)

أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، أن القادة العرب المجتمعين في إطار القمة العربية الطارئة في القاهرة اعتمدوا خطة إعادة إعمار غزة التي تضمن بقاء سكان القطاع المدمر جراء الحرب في أرضهم.

وقال الرئيس المصري في ختام القمة إنه «تم اعتماد» البيان الختامي و«خطة إعادة الإعمار والتنمية في غزة» التي أعدتها مصر. وهو كان قد أعلن في كلمته الافتتاحية أن الخطة تراعي «الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه» وتلحظ تشكيل لجنة مستقلة «غير فصائلية» لإدارة القطاع.

وجاء في البيان الختامي للقمة أن القادة العرب اعتمدوا الخطة المصرية بشأن التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة باعتبارها خطة عربية جامعة. وأضاف أن «أي محاولات آثمة لتهجير الشعب الفلسطيني أو ضم أي جزء من الأرض الفلسطينية سيكون من شأنها إدخال المنطقة مرحلة جديدة من الصراعات».

وأدان قرار وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة وغلق المعابر. وشدد على ضرورة التزام إسرائيل «بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة التي ترفض محاولات تغيير التركيبة السكانية في الأراضي الفلسطينية».

وندّد البيان بـ«سياسات التجويع والأرض المحروقة لإجبار الشعب الفلسطيني على الرحيل من أرضه». وأكد أن «الخيار الاستراتيجي هو تحقيق السلام العادل والشامل الذي يلبي جميع حقوق الشعب الفلسطيني».

وتتضمن الخطة المصرية تشكيل لجنة لتتولى إدارة شؤون قطاع غزة في مرحلة انتقالية لمدة 6 أشهر، على أن تكون مستقلة ومكونة من شخصيات غير فصائلية «تكنوقراط» تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية.

ووفق الخطة، سيتم توفير سكن مؤقت للنازحين في غزة خلال عملية إعادة الإعمار، ومناطق داخل القطاع في 7 مواقع تستوعب أكثر من 1.5 مليون فرد. وقدرت الخطة إعادة إعمار غزة بـ 53 مليار دولار، وستستغرق 5 سنوات.

وأكد البيان «العمل على إنشاء صندوق ائتماني يتولى تلقي التعهدات المالية من كافة الدول ومؤسسات التمويل المانحة بغرض تنفيذ مشروعات التعافي وإعادة الإعمار».

وجاء انعقاد «قمة فلسطين» الطارئة بناءً على طلب فلسطين؛ بهدف الخروج بخطة بديلة، رداً على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، وتحويل القطاع «ريفييرا الشرق الأوسط».

مواجهة مخططات «التهجير»

وفي إطار مواجهة مخططات «التهجير»، قال السيسي، في كلمته الافتتاحية، إنه «بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، تم تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة من الفلسطينيين الإداريين والتكنوقراط توكل لها إدارة قطاع غزة والإشراف على الإغاثة مؤقتاً»، مشيراً إلى أن «القاهرة تعكف على تدريب الكوادر الأمنية الفلسطينية لتولي مهام الأمن في المرحلة المقبلة».

وأضاف أن «مصر عملت بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والمؤسسات الدولية المعنية على بلورة خطة لإعادة الإعمار تتضمن الإغاثة العاجلة والتعافي المبكر وصولاً لإعادة الإعمار»، داعياً إلى «اعتماد الخطة المصرية».

وأشار إلى أنه «بالتوازي مع خطة إعادة الإعمار، لا بد من إطلاق مسار خطة للسلام من الناحيتين الأمنية والسياسية»، داعياً إلى «اعتبار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل نموذجاً لتحويل حالة العداء والحرب والرغبة في الانتقام إلى سلام». وقال: «مصر دشنت السلام منذ خمسة عقود وحرصت عليه، وهي لا تعرف سوى السلام القائم على الحق والعدل وعدم خلق واقع طارد للسكان خارج أراضيهم».

وأعرب الرئيس المصري عن ثقته في قدرة نظيره الأميركي دونالد ترمب على تحقيق السلام فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن «القاهرة سوف تستضيف مؤتمراً لإعادة إعمار غزة الشهر المقبل».

وأكد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في كلمته، رفض بلاده «أي محاولات للتهجير والاستيطان»، مشيداً بـ«مبادرة مصر بشأن قطاع غزة»، داعياً إلى «دعم الخطة المصرية التي تسهم في تقوية روابطنا الأخوية وحماية أمننا القومي وتعزيز قدرتنا على مجابهة التحديات بما يحفظ مكتسباتنا التنموية».

وقال إنه «تأكيداً على ما جاء في (قمة البحرين)، فإن التمسك بمسار السلام الدائم والشامل، هو الضامن لينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في تقرير المصير استناداً لحل الدولتين كما أكدت المبادرة العربية للسلام وجميع القرارات الدولية في هذا الشأن».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (على اليمين) يرحب بملك الأردن عبد الله الثاني قبل «القمة العربية» بشأن غزة (أ.ف.ب)

وأكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن اجتماع القاهرة يستهدف التأكيد على أربعة محاور، وهي الرفض التام للتهجير والتأكيد على دعم خطة واضحة لإعادة إعمار غزة ضمن جدول زمني تُعرض على الشركاء الفاعلين لكسب الدعم والتأييد الدولي، وثانياً دعم جهود السلطة الفلسطينية في الإصلاح وإدارة قطاع غزة وربطها بالضفة وتوفير الخدمات وتحقيق الأمن.

وأضاف أن «المحور الثالث يتعلق بوقف التصعيد الخطير في الضفة لمنع تفجير الأوضاع، ورابعاً التأكيد على أن حل الدولتين لتحقيق السلام العادل والشامل».

ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نظيره الأميركي إلى «دعم خطة إعادة إعمار غزة». وقال إن «دور دولة فلسطين مهم في قطاع غزة من خلال المؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية للسلطة التي ستتسلم مسؤوليتها بعد هيكلة وتدريب كوادرها في مصر والأردن». وأكد أهمية «اعتماد الخطة المصرية - العربية لإعادة إعمار غزة، وتشكيل صندوق ائتمان دولي لإعادة الإعمار وإنجاح المؤتمر الدولي لإعادة الإعمار في مصر».

ودعا إلى «تكليف اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية بإجراء اتصالات وزيارات لعواصم العالم لشرح خطة إعادة الإعمار والتأكيد على دور السلطة الفلسطينية في غزة والعمل من أجل انسحاب إسرائيل من غزة».

وفي سياق الداخل الفلسطيني، أعلن عباس تعيين نائب للرئيس ولمنظمة التحرير الفلسطينية.

وقال عباس «قررنا استحداث منصب جديد وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين». وأكد الرئيس الفلسطيني في كلمته أمام القمة إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة «فتح»، كما أعلن جاهزيته لإجراء انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية، خلال العام المقبل حال توفرت الظروف الملائمة لذلك، في غزة والضفة والقدس الشرقية.

فلسطينيون نازحون من وسط قطاع غزة يعودون إلى منازلهم في شمال القطاع (أ.ب)

بدوره، عدَّ الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، القمة «حدثاً مهماً في تاريخ القضية، قضية شعب ظُلم ولا يصح أن يظلم مرة أخرى بأن يقتلع من أرضه»، وهي قمة عنوانها «ألا ترتكب في حق الفلسطينيين نكبة جديدة وأن يحفظ للشعب حقه في الاستقلال والحرية والعيش الكريم وتقرير المصير».

وقال أبو الغيط إن «إعادة إعمار غزة نضال نختار أن نخوضه، وإعمار غزة ممكن بوجود أهلها... ممكن إن صمت السلام وانسحبت إسرائيل من القطاع»، معرباً عن «تقديره لكل جهود السلام ولدور الولايات المتحدة التاريخي والحاضر». وأضاف، لكن «القبول بمشروعات غير واقعية يزعزع استقرار المنطقة ويقوض هيكل السلام الذي استقر فيها لعقود»، مجدداً «رفض منطق تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه».

 

فلسطينيون في سوق أقيمت في الهواء الطلق قرب أنقاض المباني التي دمَّرتها الضربات الإسرائيلية (رويترز)

وكانت قمة البحرين التي عُقدت بالمنامة في مايو (أيار) الماضي، قد تضمنت دعوة مماثلة لـ«نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين».

 

حل الدولتين

وفي تفاصيل «الخطة المصرية» انه «يمكن التعامل مع معضلة تعدد الجهات الفلسطينية الحاملة للسلاح إذا أزيلت أسبابها من خلال عملية سياسية ذات مصداقية»، مؤكدة «ضرورة أن تصبّ الجهود المبذولة في تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية». ودعت إلى «إبرام هدنة متوسطة المدى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لفترة زمنية محددة بالمناطق الفلسطينية كافة».

وأكدت «الخطة المصرية» أن «حل الدولتين هو الحل الأمثل من وجهة نظر المجتمع والقانون الدوليين، وأن القطاع جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية»، كما أدانت «قتل واستهداف المدنيين، ومستوى العنف غير المسبوق والمعاناة الإنسانية التي خلفتها الحرب على غزة».

وحضّت كذلك على «ضرورة مراعاة حقوق الشعب الفلسطيني وبقائه على أرضه دون تهجير»، مشددة على «ضرورة تكاتف المجتمع الدولي من منطلق إنساني قبل كل شيء لمعالجة الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب». وركزت الخطة على الإشارة إلى أن «محاولة نزع الأمل في إقامة الدولة من الشعب الفلسطيني أو انتزاع أرضه منه لن تؤتي إلا بمزيد من الصراعات وعدم الاستقرار».

مراسلون عرب يشاهدون شاشة تظهر الرئيس المصري (على اليمين) يستقبل رئيس السلطة الفلسطينية (أ.ب)

وفي شأن الهدنة في القطاع، طالبت «الخطة المصرية» بـ«ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة». وقالت: «سيكون من أبرز آثار انهيار وقف إطلاق النار إعاقة الجهد الإنساني وعملية إعادة الإعمار»، مشيرة إلى أن «تنفيذ إعادة الإعمار يتطلب ترتيبات للحكم الانتقالي وتوفير الأمن بما يحافظ على آفاق حل الدولتين».

وذكرت أن هناك «أهمية كبيرة للعمل على مقترح تدريجي يُراعي الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه، فضلاً عن ضرورة مراعاة حقه في تحقيق تطلعاته المشروعة بإقامة دولته مُتصلة الأراضي بقطاع غزة والضفة»، ومطالبة بضرورة «التعاطي مع القطاع بأسلوب سياسي وقانوني يتسق مع الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن». وطالبت الخطة المصرية بضرورة «بدء التفكير في كيفية إدارة المرحلة المقبلة للتعافي المبكر بما يضمن الملكية الفلسطينية». وأكدت أهمية «استمرار جهود السلطة الفلسطينية لاتخاذ مزيد من الخطوات لتطوير عمل المؤسسات والأجهزة الفلسطينية».

وتتكون «الخطة المصرية» من نحو «112 صفحة تتضمن خرائط توضح كيفية إعادة تطوير أراضي غزة وعشرات الصور الملونة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لمشاريع الإسكان والحدائق والمراكز المجتمعية، وميناء تجاري ومركز للتكنولوجيا وفنادق على الشاطئ، بحسب وثيقة حصلت عليها «رويترز».

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

معبر رفح وجبهتها يُسخّنان ملف غزة

العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

معبر رفح وجبهتها يُسخّنان ملف غزة

أعاد خلاف مصري – إسرائيلي حول فتح معبر رفح وهجوم لمسلحين يُرجح أنهم من «حماس» ضد قوات جيش الاحتلال في الجبهة ذاتها، تسخين ملف غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة – تل أبيب) محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي أطفال فلسطينيون يستدفئون بالنار في خان يونس (رويترز) play-circle 00:36

5 قتلى وعشرات المصابين في غارات إسرائيلية على خان يونس

قُتل 5 فلسطينيين على الأقل وأصيب آخرون، مساء الأربعاء، في قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على جنوب وشرق قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تركيب فني لصورة للقيادي الفلسطيني المعتقل لدى إسرائيل مروان البرغوثي في مسقط رأسه قرية كوبر في الضفة الغربية شمال رام الله 27 نوفمبر 2025 (أ.ب)

200 من مشاهير العالم يطالبون بالإفراج عن مروان البرغوثي

دعا أكثر من 200 من المشاهير، بينهم كتاب وممثلون وموسيقيون، في رسالة مفتوحة، الأربعاء، إسرائيل إلى إطلاق سراح السياسي المعتقل مروان البرغوثي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز) play-circle

غوتيريش: «أسباب قوية» للاعتقاد بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الأربعاء، إن هناك «خطأ جوهرياً» في الكيفية التي أدارت بها إسرائيل عمليتها العسكرية في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب) play-circle

مصر تُكذّب مزاعم إسرائيل حول فتح معبر رفح للخروج فقط

كذّبت مصر مزاعم إسرائيلية حول الاتفاق على فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان غزة فقط، في وقت هاجم فيه مقاتلو «حماس» جيش الاحتلال جنوب القطاع.

محمد محمود (القاهرة) «الشرق الأوسط» (غزة)

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».