السودان: تعديلات دستورية تُكرس سلطة مطلقة للبرهان

قانونيون: هاجر بالدستور من المدنية لاسترضاء حلفائه الإسلاميين

قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر في بورتسودان (أ.ف.ب)
قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر في بورتسودان (أ.ف.ب)
TT
20

السودان: تعديلات دستورية تُكرس سلطة مطلقة للبرهان

قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر في بورتسودان (أ.ف.ب)
قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر في بورتسودان (أ.ف.ب)

عزَّز رئيس «مجلس السيادة»، القائد العام للجيش السوداني، من قبضته على الحكم، ليصبح صاحب سلطة سيادية مطلقة بإقراره تعديلات على الوثيقة الدستورية لعام 2019، وذلك بعد ساعات من توقيع قوى سياسية وعسكرية، من بينها «الدعم السريع» في نيروبي، على ميثاق سياسي لتأسيس سلطة موازية لحكومة بورتسودان في البلاد.

واعترض مختصون في مجالات القانون الدستوري، على إطلاق مسمى تعديلات على هذه الإجراءات المتخذة من قِبَل البرهان، لأنها -حسب رأيهم- «أجندة سياسية تُعبر عن توجه واضح من حكومة بورتسودان للتحالف مع الإسلاميين وتمكينهم من السلطة في الفترة المقبلة».

ومنحت التعديلات الجديدة البرهان حقَ تعيين رئيس الوزراء وإعفائه بعد توصية من السلطة التشريعية الانتقالية، وجرى تمديد الفترة الانتقالية لمدة لا تتجاوز 39 شهراً ما لم يتم التوصل لتوافق وطني أو إجراء انتخابات، ما يعني فعلياً استمراره في الحكم لفترة أطول، وفق القانونين.

وأصبحت هذه «التعديلات» سارية بعد نشرها ليل الأحد-الاثنين الماضي في الجريدة الرسمية (الغازيتا).

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة سابقة لقاعدة «فلامنغو» البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة سابقة لقاعدة «فلامنغو» البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)

كما نصّت على تشكيل «مجلس السيادة» من 11 عضواً، 6 منهم تُعينهم القوات المسلحة السودانية، و3 ترشحهم الأطراف الموقعة على «اتفاق جوبا» للسلام، مع تمثيل المرأة وأقاليم السودان.

كما منحت رئيس المجلس، عبد الفتاح البرهان، تعيين وإعفاء حكام الأقاليم وولاة الولايات، وتعيين وإعفاء رئيس القضاء ونوابه، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من مجلس القضاء العالي، (الذي يُعينه البرهان)، ومن ضمن سلطاته تعيين وإعفاء المراجع العام وفق القانون.

وأيضاً، يرأس البرهان جميع القوات النظامية الأخرى، بالإضافة إلى تعيين وإعفاء مدير الشرطة وهيئة قيادة الشرطة بناءً على توصية من وزير الداخلية، وتعيين وإعفاء مدير المخابرات العامة ونوابه.

كما منحت الإجراءات رئيس «مجلس السيادة»، البرهان، وضع السياسة الخارجية والإشراف على تنفيذها، وإعلان الحرب بناءً على توصية من «مجلس الأمن والدفاع»، بعد مصادقة السلطة التشريعية، وأيضاً من حقه إعلان حالة الطوارئ، بتوصية من مجلس الوزراء، على أن تصادق عليه السلطة التشريعية.

ونصّت الإجراءات على تكوين مجلس الوزراء من رئيس وزراء، وعدد من الوزراء من كفاءات وطنية مستقلة، لا يزيد عددهم على 26 وزيراً، يُعينهم رئيس الوزراء بعد المصادقة عليهم من «مجلس السيادة»، عدا وزراء أطراف العملية السلمية، أي وزيري الدفاع والداخلية اللذين يجري ترشيحهما بواسطة قيادة القوات النظامية مراعاة لتمثيل ولايات السودان.

صورة ملتقطة 18 فبراير 2025 في نيروبي تُظهر ممثلين عن جماعات سياسية وعسكرية سودانية لتشكيل حكومة موازية بالسودان (د.ب.أ)
صورة ملتقطة 18 فبراير 2025 في نيروبي تُظهر ممثلين عن جماعات سياسية وعسكرية سودانية لتشكيل حكومة موازية بالسودان (د.ب.أ)

وألغت التعديلات المادة 16 في «الوثيقة الدستورية» المعنية بالتحقيق في جريمة فضّ الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم، التي قتل وجرح فيها المئات من المعتصمين، واستبدلت بها المادة 8، التي تقول «بالعمل على إنهاء الحروب، وتقديم كل من ارتكب جرائم في حق الشعب السوداني للعدالة».

ومن أبرز التعديلات، دمج أي قوات مسلحة وعسكرية أو شبه عسكرية داخل القوات النظامية قبل 6 أشهر من انقضاء أجل الفترة الانتقالية، على أن تتحول الحركات المسلحة التي تُقاتل حالياً إلى جانب الجيش، لكيانات سياسية.

وأوضح القانوني معتز المدني، أن الوثيقة الدستورية لعام 2019، نتاج لاتفاق بين «المجلس العسكري»، الذي كان يضم الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»من جهة، وتحالف «قوى الحرية والتغيير» من جهة أخرى، وبعد انقلاب الجيش على الحكومة المدنية الانتقالية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أصبحت الوثيقة بلا قيمة.

وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الغرض من أي اتفاق بين طرفين هو إحداث أثر قانوني أو سياسي محدد، لكن ذلك انتفى بعد الانقلاب، وجرى إبعاد الطرف الثاني، أي «قوى التغيير».

الرئيس السوداني المعزول عمر البشير في أثناء إلقائه خطاباً بولاية جنوب دارفور سبتمبر 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس السوداني المعزول عمر البشير في أثناء إلقائه خطاباً بولاية جنوب دارفور سبتمبر 2017 (أ.ف.ب)

وأضاف: «من الواضح أن هدف البرهان من هذه التعديلات هو الهيمنة على السلطة لتشكيل حكومة لمناهضة الحكومة الموازية لمجموعة نيروبي، إلا أنها تكشف عن حالة ارتباك حادة تعيشها حكومة بورتسودان».

وعدّ التعديلات التي تمنح «البرهان حق تعيين رئيس الوزراء وإعفائه والمصادقة على تعيين بعض الوزراء، تدخلاً سافراً في الجهاز التنفيذي، كما أنها تشير إلى نيات لتمكين حزب النظام المعزول، والحركة الإسلامية، وتتويج نفسه صاحب سلطة فردية مطلقة».

وقال الخبير في القانون الدستوري الدكتور سامي عبد الحليم سعيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن الفريق البرهان، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، كان في مقدروه إصدار مراسيم دستورية تلبي الشروط القانونية التي تتطلبها ظروف قيادته حكومة حرب.

وأضاف: «إن المراسيم في تلك الأوضاع تكون مرنة بطبيعتها، وقابلة للتعديل وفق معطيات الحال، وهو نهج راسخ في ظروف الحرب الاستثنائية المشابهة». وأشار إلى «أن الرئيس المخلوع عمر البشير، سبق أن استخدم المراسيم الدستورية لمدة تقارب 10 سنوات في ظروف مماثلة، وكان على البرهان اتباع النهج نفسه دون الحاجة إلى قواعد دستورية، إن أوفت بالغرض اليوم، فقد لا تفي به في الغد».

مندوبون تابعون لـ«قوات الدعم السريع» السودانية يتفاعلون خلال اجتماع (رويترز)
مندوبون تابعون لـ«قوات الدعم السريع» السودانية يتفاعلون خلال اجتماع (رويترز)

وبشأن السلطة المخولة للبرهان بصفته قائد الجيش، أوضح عبد الحليم «أن من حقه إصدار مراسيم مؤقتة، لكن إصدار الدستور يجب أن يكون جزءاً من عملية سياسية مصممة بهدف إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار السياسي». وقال: «في ظني أن هذه التعديلات الدستورية كانت متعجلة، ولا يوجد مبرر واضح لها».

ومن جهة ثانية، رأى قانوني دستوري تحدث لـ«الشرق الأوسط» -لكنه طلب عدم ذكر اسمه- أن التعديلات على الوثيقة الدستورية «توجه سياسي لشراكة بين الجيش والإسلاميين»، ودلَّ على ذلك في نص: «أن تكون مصادر التشريع مبادئ الدين الإسلامي والمعتقدات الدينية الأخرى والتوافق الشعبي، وقيم وأعراف وتقاليد الشعب السوداني».

وقال: «إن البرهان أراد من إيراد هذا النص أن يُعلن للإسلاميين أنه معهم في تبني شعارات دولة الشريعة، وأن ما كان يُصرح به ضدهم في السابق هو مجرد استهلاك سياسي».

وعدّ القانوني هذه المواقف «تطرفاً في مواجهة الحملة العميقة للحكومة الموازية التي ينتظر إعلانها في مناطق سيطرة (الدعم السريع)».

وأضاف: «إن البرهان بهذه التعديلات يعلن الهجرة بالدستور قيمياً من الدولة المدنية إلى دولة الشريعة الإسلامية لاسترضاء حلفائه من القوى الإسلامية».

جنود من الجيش السوداني يحتفلون بتحرير مصفاة نفط في «شمال بحري» يوم 25 يناير 2025 (رويترز)
جنود من الجيش السوداني يحتفلون بتحرير مصفاة نفط في «شمال بحري» يوم 25 يناير 2025 (رويترز)

بدوره قال المحامي، حاتم إلياس، إن هذه التعديلات «لا تمت بصلة للقانون والتشريع، وفي الواقع أنشئت وثيقة دستورية جديدة على أنقاض السابقة، وقصد من هذه التعديلات الإيحاء بأن الوثيقة لا تزال مستمرة ويعمل بها».

وأضاف: «أن كلمة تعديل لها محتوى قانوني وتشريعي تُعبر عنه آليات قانونية ودستورية محددة، وقد غابت منذ انقلاب الجيش على الحكم المدني، وإبعاد الأطراف المؤسسين لهذه الوثيقة بشرعية الثورة، وتعطيل العمل بها». وأوضح: «أن التعديل يتم على أمر قائم ونافذ، وليس على ترتيبات دستورية وقانونية تم تعطيلها».

وقال: «نحن أمام شكل قانوني محكوم بقوة الأمر الواقع لسلطة بورتسودان، والمقصود من هذه الإجراءات تكريس السلطة بالكامل في يد البرهان وأنصار المؤتمر الوطني».


مقالات ذات صلة

الفاشر: مدينة تئن تحت النار والجوع وانسداد الأفق

شمال افريقيا النزوح من مخيمات النزوح ظاهرة جديدة في مدينة الفاشر المحاصرة منذ عدة أشهر(الشرق الأوسط) play-circle 00:35

الفاشر: مدينة تئن تحت النار والجوع وانسداد الأفق

بين سندان الموت تحت القصف والجوع والمرض، ومطرقة النزوح إلى المجهول، يواجه مئات الآلاف من سكان مدينة الفاشر بدارفور، والمخيمات حولها، واقعاً إنسانياً مؤلماً.

أحمد يونس (كمبالا)
العالم العربي صورة من الأقمار الاصطناعية لمدينة الفاشر المحاصرة في إقليم دارفور (أ.ف.ب)

السودان: أكثر من 30 قتيلاً جراء قصف «الدعم السريع» لمدينة الفاشر بدارفور

قتل أكثر من 30 شخصا جراء قصف مدفعي شنته «قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر المحاصرة في إقليم دارفور، بحسب ما أعلن ناشطون اليوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (بورت سودان (السودان))
شمال افريقيا سودانيون عائدون إلى بلادهم (وكالة الأنباء السودانية)

تسهيلات جديدة تُشجّع سودانيين بمصر على العودة

أكد وزير النقل السوداني، أبو بكر أبو القاسم، توفير رحلات نقل نهرية عبر الباخرة «سيناء» من أسوان إلى وادي حلفا.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (الشرق الأوسط)

بدء محاكمة حميدتي وشقيقه غيابياً في السودان

بدأت محكمة سودانية، يوم الأحد، أولى جلسات محاكمة غيابية لقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» وشقيقه عبد الرحيم، بتهمة قتل والي ولاية غرب دارفور.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
العالم العربي لاجئة سودانية تحمل ابنها خلال مغادرتهما السفينة «يو إس إن إس برونزويك» في ميناء جدة (أ.ب) play-circle

في الفاشر السودانية المحاصَرة... إسعافات أولية بمواد بدائية ونباتات طبية

في مدينة الفاشر السودانية مرضى لا ينامون من الألم، ومناشدات من منظمات دولية لإدخال المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))

وفاة الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع

الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع (أرشيفية)
الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع (أرشيفية)
TT
20

وفاة الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع

الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع (أرشيفية)
الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع (أرشيفية)

توفي الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع الأربعاء عن عمر 91 عاما، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام محلية.

وشغل المبزع منصب الرئيس المؤقت للبلاد إثر هروب الرئيس الراحل زين العابدين بعد انتفاضة شعبية أطاحت بنظامه في 2011. وفي نهاية 2011 اندلعت تظاهرات في محافظ سيدي بوزيد إثر حرق البائع الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على تعامل الشرطة معه واتسعت رقعتها لتشمل كامل البلاد واضطر اثرها بن علي إلى الهروب خارج البلاد.

وترأس المبزع مجلس نواب الشعب التونسي من العام 1997 وحتى 2011. كما شغل مناصب وزارية تنقل فيها بين الخارجية والشباب والرياضة والصحة خلال عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وبن علي.