مصر: تكلفة التعليم الأجنبي تتصاعد... والإقبال عليه أيضاً

المدارس الإنترناشيونال رافد مميز ضمن منظومة التعليم المصرية (مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة)
المدارس الإنترناشيونال رافد مميز ضمن منظومة التعليم المصرية (مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة)
TT

مصر: تكلفة التعليم الأجنبي تتصاعد... والإقبال عليه أيضاً

المدارس الإنترناشيونال رافد مميز ضمن منظومة التعليم المصرية (مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة)
المدارس الإنترناشيونال رافد مميز ضمن منظومة التعليم المصرية (مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة)

تدرس ثلاث فتيات للأم المصرية، دينا محمد، في ثلاث مراحل تعليمية مختلفة بإحدى المدارس الدولية بالقاهرة، تتطلب منها دفع مصروفات باهظة التكلفة، لا سيما مع زيادات سنوية تقرها المدرسة موزّعة على «بنود تعليمية» مختلفة.

تقول الأم الأربعينية لـ«الشرق الأوسط»: «خلال آخر عامين دراسيين تراوحت الزيادة المطلوبة في مدرسة (مصر الحديثة) بـ(القاهرة الجديدة)، من 20 إلى 30 ألف جنيه سنوياً، ليصل متوسط المصروفات لنحو 150 ألف جنيه للطالب، إلى جانب مبالغ أخرى تخص الأنشطة والامتحانات».

ورغم الارتفاع الملحوظ في تكاليف التعليم في المدارس والجامعات الدولية في مصر، اللتين تعدان رافداً مميزاً ضمن منظومة التعليم المصري، فإن الأمر لم يثنِ أسراً مصرية عن السعي المتواصل للالتحاق بهما، وسط شكاوى من ارتفاع التكاليف المعيشية.

ولا تستغرب دينا التي تقطن بحي «التجمع» الراقي شرق القاهرة، من زيادة الإقبال على الالتحاق بالمدرسة، رغم تلك الزيادات المتتالية، حتى إنها كانت تخشى مع بداية العام الدراسي الحالي ألّا تلتحق ابنتها الصغيرة بأختَيها في نفس المدرسة؛ نظراً للأعداد الكبيرة المتقدمة إليها، واضطرار إدارة المدرسة لوضع بعض المتقدمين في قوائم انتظار، لكن «لحسن الحظ وضعت أولوية القبول لمن يكون له أشقاء بالمدرسة»، على حد قولها.

مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة إحدى أبرز المدارس الدولية

والمدارس الدولية (الإنترناشيونال) هي مدارس خاصة تطبق منهجاً دولياً معترفاً به عالمياً، ومعتمداً من وزارة التربية والتعليم المصرية. وتعد مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة الأعلى تكلفة؛ إذ سجلت مصروفاتها لمرحلة رياض الأطفال (الأقل في الرسوم) 13.500 دولار للعام الدراسي الحالي 2025/2024 (الدولار يساوي 50.60 جنيه)، في حين بلغت في العام الدراسي 2021/2020 نحو 12 ألف دولار لنفس المرحلة.

ويقل متوسط مصروفات المدارس الدولية الأخرى تدريجياً، لـ«يتراوح بين 80 و300 ألف جنيه حسب المرحلة الدراسية، ووفق أنظمة وجودة التعليم المطبقة، مع زيادات سنوية أيضاً».

تقول الدكتورة داليا الحزاوي، مؤسسة «ائتلاف أولياء أمور مصر»، والخبيرة التربوية والاجتماعية، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم إيجابيات التعليم الدولي، فإن هناك بعض المدارس الخاصة والدولية تقوم باستغلال أولياء الأمور ذوي المكانة الاجتماعية والاقتصادية المرتفعة، بزيادة المصروفات الدراسية بشكل مبالغ فيه، وهو ما تستجيب له الأسر، معتبرين أن هذا الإنفاق هو سلاح للأبناء للحصول على مستقبل أفضل».

ووفق «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار»، التابع لمجلس الوزراء المصري، فقد تم افتتاح أول مدرسة دولية بمصر عام 2002، في حين ارتفع عدد المدارس الدولية من 168 مدرسة عام 2011 إلى 785 مدرسة عام 2020.

ويبرر الخبير الاقتصادي المصري، عادل عامر، زيادة الإقبال على تلك النوعية من المدارس رغم ارتفاع تكلفتها، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «خريجو التعليم الأجنبي يحظون بفرص أفضل وأسرع في سوق العمل، مقارنة بنظرائهم من المدارس والجامعات الحكومية».

ويضيف: «أيضاً التكلفة تتصاعد نظراً لتحول التعليم إلى (بزنس) من جانب بعض المستثمرين الذين يتجهون للاستثمار في إنشاء جامعات ومدارس، والتي باتت أكثر وأسرع ربحاً، مستغلين شغف بعض فئات المجتمع المصري في تعليم مميز».

وتوسعت مصر خلال الأعوام الماضية في إنشاء أفرع لجامعات دولية عريقة؛ إذ تضم حالياً 9 أفرع لجامعات أجنبية، و9 جامعات باتفاقيات دولية وإطارية، بحسب بيانات وزارة التعليم العالي.

وتشهد هذه الجامعات ارتفاع مصروفاتها مقارنة بالجامعات الحكومية، وتأتي في مقدمتها الجامعة الأميركية؛ إذ يصل معدل المصروفات الدراسية لكل ساعة معتمدة إلى 667 دولاراً أميركياً لطلاب دراسات البكالوريوس المصريين، و735 دولاراً أميركياً لطلاب دراسات البكالوريوس الأجانب.

وتولي الدولة المصرية اهتماماً كبيراً بإنشاء أفرع جامعات دولية على أرضها، وبحسب تصريحات سابقة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، أيمن عاشور، فإن «تدويل التعليم يُعد من الملفات المهمة التي أكدت عليها الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي».

ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فقد بلغ عدد الطلاب المقيدين بالعام الدراسي 2024/2023 بالجامعات الخاصة (تشمل فروع الجامعات الأجنبية والاتفاقيات الدولية) والأهلية 364.990 طالباً، مقارنة بـ284.456 طالباً في العام السابق له.

الدكتورة أماني عاطف، الباحثة بـ«مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار»، التابع لمجلس الوزراء المصري، ترى أن الإمكانات المالية أصبحت محدداً رئيسياً لمستوى تعليم الأبناء في مصر؛ فكلما ارتفع مستوى معيشة الأسرة اتجهت إلى نمط أعلى من أنماط التعليم، مع تعدد تلك الأنماط والتفاوت الواضح بين تكاليف كل منها.

وتفسر أماني، صاحبة الورقة البحثية «الوجاهة الاجتماعية وانتشار ثقافة المدارس الدولية»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أسباب تزايد إقبال العديد من الأسر على التعليم الأجنبي رغم ارتفاع نفقاته، إلى «الرغبة في تعميق الدراسة باللغات الأجنبية، خاصة الإنجليزية كلغة عالمية، وكذلك ارتفاع جودة التعليم الدولي، وإتاحة الفرصة لإكمال التعليم في الخارج، فضلاً عن تحول التعليم بمستوياته المختلفة إلى وسيلة للوجاهة الاجتماعية والتفاخر بين الأسر».

وتوضح الحزاوي أن كثيرين باتوا يرون الالتحاق بالمدارس الخاصة والدولية، ومن بعدها الجامعات الدولية، استثماراً طويل المدى في مستقبل الأبناء؛ كون هذه المؤسسات توفر بيئة تعليمية داعمة ومتطورة وآمنة، وتنمية مهارات الطالب، وتعزيز الإبداع والابتكار لديه. لكن في المقابل، تشير إلى بعض التداعيات المجتمعية السلبية بسبب المدارس والجامعات الدولية، فيما يتعلق بتعميق التمايز الطبقي، وترسيخ بعض العادات والتقاليد الغربية، وتراجع الاهتمام باللغة العربية.


مقالات ذات صلة

مصر تطرح مطار الغردقة أمام القطاع الخاص لـ«الإدارة والتشغيل»

الاقتصاد مطار الغردقة الدولي شهد عمليات تطوير عدة خلال السنوات الماضية (محافظة البحر الأحمر)

مصر تطرح مطار الغردقة أمام القطاع الخاص لـ«الإدارة والتشغيل»

أعلنت وزارة الطيران المدني، الأربعاء، عن فتح باب التقدّم رسمياً أمام التحالفات والشركات المتخصصة لإدارة وتشغيل وتطوير مطار الغردقة الدولي.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)

مصر: ترحيب واسع بإحالة أوراق المتهم في قضية «تحرش الإسكندرية» إلى المفتي

سادت حالة من الارتياح في مصر، الأربعاء، بعد إحالة أوراق المتهم في «واقعة تحرش مدرسة الإسكندرية» إلى مفتي الديار المصرية لإبداء الرأي الشرعي في إعدامه.

أحمد جمال (القاهرة )
شمال افريقيا مصريون أمام أحد المراكز الاقتراع في الانتخابات البرلمانية (حزب حماة الوطن)

مخاوف من «تجاوزات» في انتخابات الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

تجدّدت المخاوف من حدوث «تجاوزات» انتخابية في مصر، مع انطلاق التصويت في انتخابات الإعادة داخل 30 دائرة سبق أن أُلغيت نتائجها بقرار من المحكمة الإدارية العليا.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيرة التركي في القاهرة فبراير 2024 (الرئاسة المصرية)

التعاون الدفاعي المصري - التركي «يربك موازين القوى الإقليمية»

حذر إعلام عبري من «التعاون العسكري بين مصر وتركيا في مجال تصنيع الطائرة الشبحية KAAN»، مما يهدد «التفوق الجوي الإسرائيلي مستقبلاً».

هشام المياني (القاهرة )
شمال افريقيا القائد العام للقوات المسلحة المصرية يلتقي عدداً من قوات حرس الحدود (المتحدث العسكري المصري)

وزير الدفاع المصري يطالب الجيش بـ«الاستعداد الدائم» لمواجهة «التحديات المحتملة»

طالب القائد العام للقوات المسلحة المصرية، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول عبد المجيد صقر، قوات الجيش بـ«الاستعداد الدائم لمواجهة التحديات المحتملة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

العليمي يدعو لاحتواء التصعيد في شرق اليمن ويشيد بدور السعودية

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

العليمي يدعو لاحتواء التصعيد في شرق اليمن ويشيد بدور السعودية

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، رشاد العليمي، الخميس، القوى السياسية والقبلية والاجتماعية في محافظتي حضرموت والمهرة (شرق) إلى توحيد الصف خلف جهود الدولة والسلطات المحلية، بهدف احتواء تداعيات التصعيد الأمني والعسكري في المحافظتين.

وفي حين أشاد العليمي بالدور السعودي لإنهاء التوتر، حذر من انعكاسات هذه التوترات على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي بدأت مؤشراتها بالظهور، مع إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته الحيوية في اليمن نتيجة تفاقم البيئة الأمنية.

ونقل مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أن العليمي شدّد، خلال اتصالَين هاتفيَين مع محافظَي حضرموت سالم الخنبشي، والمهرة محمد علي ياسر، على ضرورة انسحاب جميع القوات الوافدة من خارج المحافظتين، وتمكين السلطات المحلية من أداء دورها الأمني والخدمي وفقاً للدستور والقانون.

كما أعاد التأكيد على توجيهاته السابقة بإجراء تحقيق شامل في جميع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بما وصفها بـ«الإجراءات الأحادية» للمجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مع التشديد على مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وحذّر العليمي من خطورة أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى إراقة مزيد من الدماء ويعمّق الأزمة الاقتصادية والإنسانية، مشدداً على أن الأولوية الوطنية يجب أن تبقى منصبّة على مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، باعتبارها التهديد الأكبر للأمن والاستقرار.

وأشاد بجهود السعودية في خفض التوتر ودعم الاستقرار في محافظتَي حضرموت والمهرة، مؤكداً دعم الدولة الكامل لهذه الجهود، وحرصها على تعزيز دور السلطات المحلية في حماية السلم الاجتماعي ورعاية مصالح المواطنين.

إعادة الأمور إلى نصابها

حسب المصدر الرئاسي، شدد العليمي على ضرورة إعادة الأوضاع في المحافظتين إلى ما كانت عليه قبل التصعيد، واحترام مرجعيات المرحلة الانتقالية، وتمكين الحكومة والسلطات المحلية من أداء واجباتها الدستورية.

وحذر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطنون «لا تحتمل فتح مزيد من الجبهات الداخلية»، داعياً جميع الأطراف إلى تغليب المصلحة العامة وعدم التفريط بالمكاسب الوطنية المحققة خلال السنوات الماضية، بما يضمن تركيز الجهود على المعركة الرئيسية ضد الحوثيين والتنظيمات الإرهابية المتخادمة معهم.

وتأتي دعوة العليمي في سياق أوسع من الرفض للإجراءات الأحادية في الشرق. فقد أصدر مجلس النواب بياناً عبّر فيه عن رفضه القاطع لأي تحركات عسكرية خارج إطار التوافق الوطني والمرجعيات السياسية، معتبراً التطورات الأخيرة «مخالفة صريحة للشرعية الدستورية وصلاحيات مجلس القيادة الرئاسي».

وفد سعودي زار حضرموت في شرق اليمن للتهدئة وتثبيت الاستقرار (سبأ)

وكان اللواء محمد القحطاني، الذي ترأس وفداً سعودياً زار حضرموت، قد شدد على أن الرياض ترفض «أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة» في المحافظتين، وتؤيد عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

وأكد القحطاني أن السعودية، بصفتها قائدة لتحالف دعم الشرعية، تعمل على حلّ الأزمة عبر حزمة من الإجراءات تم الاتفاق عليها مع مختلف الأطراف، بما يشمل المجلس الانتقالي الجنوبي.

وأوضح أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار، ومنع انزلاق شرق اليمن إلى صراعات جديدة. ووفق الإعلام الرسمي اليمني، فقد شملت مباحثات الوفد ترتيبات عاجلة للتهدئة ووقف التحشيدات، بالتوازي مع دعم السلطات المحلية وتمكينها من أداء مهامها.


الأمم المتحدة تطلب 2.5 مليار دولار للاحتياجات الإنسانية في اليمن

مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)
مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة تطلب 2.5 مليار دولار للاحتياجات الإنسانية في اليمن

مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)
مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)

حذّرت الأمم المتحدة من اتساع غير مسبوق في رقعة الاحتياجات الإنسانية باليمن خلال العام المقبل، مؤكدة أن البلاد تتجه نحو إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم ما لم يتوفر التمويل العاجل لخطة الاستجابة.

وأظهر أحدث البيانات الأممية أن 23.1 مليون يمني (نحو ثلثي السكان) سيحتاجون إلى مساعدات منقذة للحياة، في وقت أعلنت فيه المنظمة الدولية حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لتمويل خطة لن تصل إلا إلى أقل من نصف هذا العدد.

وجاء هذا التحذير في سياق نداء تمويلي جديد شددت فيه الأمم المتحدة على أن خطة الاستجابة للعام المقبل ستستهدف فقط 10.5 مليون شخص، وأن التدخلات ستركز بشكل صارم على الجوانب الأشد إلحاحاً، مثل منع المجاعة، وعلاج سوء التغذية، واحتواء تفشي الأمراض، خصوصاً في المناطق النائية والمحرومة من الخدمات.

إلا إن الخطة لم تقدم توضيحات بشأن كيفية تنفيذ الأنشطة في مناطق سيطرة الحوثيين التي تشهد قيوداً متصاعدة، بعد أن أغلقت الجماعة مكاتب تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، واعتقلت العشرات من موظفيها، بينهم 59 موظفاً أممياً.

23.1 مليون يمني سيكونون دون مساعدات مع حلول العام الجديد (إعلام محلي)

وفي سياق استعراضها الأوضاع، أكدت الأمم المتحدة أن استمرار الصراع، وتدهور الاقتصاد، والصدمات المناخية، إلى جانب القيود المفروضة على الوصول الإنساني، ونقص التمويل... كلها عوامل عمّقت الاحتياجات الإنسانية بدرجة غير مسبوقة.

وكشفت بيانات خطة الاستجابة عن وجود 18.1 مليون شخص يواجهون بالفعل انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، منهم 5.8 مليون شخص يعيشون مستويات جوع طارئة، و40 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة المباشرة.

كما يعاني 2.5 مليون طفل دون الخامسة و1.3 مليون امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد، وسط تراجع كبير في برامج التغذية والدعم الغذائي خلال الأشهر الماضية.

تفاقم انهيار الخدمات

أوضحت الأمم المتحدة أن الخدمات الحيوية، مثل الرعاية الصحية، والمياه، والصرف الصحي، والمأوى... تعرضت لانهيار كبير خلال العامين الماضيين، مشيرة إلى أن 8.41 مليون شخص يواجهون صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، فيما يعيش 15 مليوناً في ظل انعدام الأمن المائي، ويُحرم 17.4 مليون شخص من خدمات الصرف الصحي والنظافة.

كما تسبب ضعف البنية الأساسية والاجتماعية في زيادة الاحتياج إلى خدمات الحماية لأكثر من 16 مليون شخص، بينهم 4.7 مليون نازح داخلي يتوزعون على مئات المخيمات ومواقع النزوح، إلى جانب 6.2 مليون شخص (غالبيتهم نساء وفتيات) يحتاجون إلى خدمات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

1.3 مليون يمنية يواجهن سوء التغذية الحاد مع تراجع الدعم الدولي (إعلام محلي)

ويضاف إلى ذلك 2.6 مليون طفل خارج المدرسة؛ بسبب النزوح، والفقر، والتدهور المستمر في البنية التعليمية، فيما تأثر أكثر من 1.5 مليون شخص بالصدمات المناخية، مثل الفيضانات والعواصف خلال العام الحالي.

وتوضح هذه المؤشرات أن الوضع في اليمن يسير نحو مزيد من الانهيار ما لم يُتعامل معه بحزمة عاجلة من التمويل والتدخلات الميدانية، مع رفع القيود التي تعرقل وصول المساعدات إلى الفئات الأضعف.

قيود الحوثيين

ومنذ أغسطس (آب) الماضي، تضاعفت القيود التي يفرضها الحوثيون على أنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الأخرى في مناطق سيطرتهم، حتى وصلت إجراءاتهم إلى اقتحام مكاتب أممية ومصادرة أصولها وإغلاقها؛ مما أدى إلى توقف برامج أساسية، مثل «برنامج الأغذية العالمي» الذي كان يوفر مساعدات لنحو 13 مليون يمني.

وتقول الأمم المتحدة إن هذه الإجراءات حرمت ملايين اليمنيين من التدخلات الأساسية، خصوصاً مع تقييد حركة العاملين الإنسانيين واعتقال موظفين أمميين منذ فترات طويلة دون إجراءات قانونية.

الحوثيون أغلقوا مكاتب الأمم المتحدة واعتقلوا 59 من موظفيها (إعلام محلي)

وفي هذا السياق، جدد الأمين العام للأمم المتحدة الإعراب عن «قلقه البالغ» من استمرار احتجاز الحوثيين 59 من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات العاملين في منظمات غير حكومية وبالمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

وقال المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك، إن المحتجزين يخضعون للعزل عن العالم الخارجي؛ «بعضهم منذ سنوات»، دون أي إجراءات قانونية، في انتهاك واضح للقانون الدولي الذي يكفل لهم الحصانة، خصوصاً بشأن مهامهم الرسمية.

ودعا دوجاريك سلطات الحوثيين إلى التراجع عن إحالة هؤلاء الموظفين إلى محكمتهم الجنائية الخاصة، والعمل فوراً وبحسن نية على الإفراج عن جميع المحتجزين من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والسلك الدبلوماسي.

وأكد أن الأمم المتحدة ستظل ملتزمة دعم الشعب اليمني وتقديم المساعدات الإنسانية «وفق مبادئ الحياد وعدم التحيز»، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه عملها في البلاد.


40 مليون دولار دعم سعودي إضافي للتعليم في اليمن بشراكة أممية

توقيع اتفاقية ثلاثية لدعم التعليم في اليمن بتمويل سعودي قدره 40 مليون دولار (سبأ)
توقيع اتفاقية ثلاثية لدعم التعليم في اليمن بتمويل سعودي قدره 40 مليون دولار (سبأ)
TT

40 مليون دولار دعم سعودي إضافي للتعليم في اليمن بشراكة أممية

توقيع اتفاقية ثلاثية لدعم التعليم في اليمن بتمويل سعودي قدره 40 مليون دولار (سبأ)
توقيع اتفاقية ثلاثية لدعم التعليم في اليمن بتمويل سعودي قدره 40 مليون دولار (سبأ)

شهدت العاصمة السعودية الرياض، الخميس، توقيع اتفاقية شراكة ثلاثية بين وزارة التربية والتعليم اليمنية، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ومنظمة اليونيسكو، بقيمة 40 مليون دولار، بهدف دعم التعليم الأساسي وتطوير البنية التحتية التعليمية في اليمن.

وجاء التوقيع خلال مؤتمر التمويل التنموي المنعقد في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات، في خطوة تُعد من أبرز الاستثمارات الحديثة في القطاع التعليمي اليمني خلال السنوات الأخيرة.

الاتفاقية التي وقعها وزير التربية والتعليم اليمني طارق العكبري، تركز على توسيع فرص الوصول إلى تعليم آمن وشامل، وتمكين الفتيات، وتحسين جودة التعليم من خلال تدريب وتأهيل المعلمين ورفع قدراتهم، إضافة إلى إعطاء الأولوية للمناطق الأشد احتياجاً.

وقال العكبري إن هذا الدعم يأتي في مرحلة حرجة تمر بها البلاد، مؤكداً أن الاتفاقية ستسهم في تحسين البيئة التعليمية وتعزيز التحاق فتيات الريف بالتعليم. كما ثمّن استمرار الدعم السعودي لليمن، خصوصاً في قطاع التعليم.

عشرات المشاريع في مجال التعليم أنجزتها السعودية لليمن خلال السنوات الماضية (سبأ)

من جهته، أكد مساعد المشرف العام على البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، المهندس حسن العطاس، أن المملكة ماضية في دعم مستقبل تعليمي مستدام يسهم في نهضة اليمن وازدهاره، مشيراً إلى تنفيذ البرنامج 56 مشروعاً ومبادرة تعليمية في 11 محافظة، ضمن جهود واسعة شملت 268 مشروعاً ومبادرة في ثمانية قطاعات أساسية، بينها الصحة والطاقة والمياه والنقل والزراعة ودعم قدرات الحكومة اليمنية.

ركيزة للصمود

شددت الرئيسة التنفيذية للشراكة العالمية من أجل التعليم، لورا فريجنتي، على أهمية الاستثمار في التعليم باعتباره ركيزة للسلام والصمود والتنمية في اليمن، مؤكدة أن الشراكة الثلاثية الجديدة ستفتح المجال أمام آلاف الأطفال اليمنيين، خصوصاً الفتيات، للحصول على فرص تعليمية آمنة وذات جودة عالية.

كما أشاد مدير مكتب اليونيسكو الإقليمي لدول الخليج واليمن، صلاح خالد، بالدور الريادي للسعودية في دعم التنمية باليمن، مشيراً إلى أن الجهود السعودية أسهمت في تعزيز استقرار الخدمات الأساسية ودعم البنى الاقتصادية والاجتماعية.

وتأتي هذه الخطوة في وقت تتطلع فيه الجهات الحكومية اليمنية والدولية إلى إعادة بناء النظام التعليمي اليمني المنهك، وخلق بيئة تعليمية قادرة على تلبية احتياجات ملايين الطلاب الذين تضرروا من سنوات الصراع.