مصر: تكلفة التعليم الأجنبي تتصاعد... والإقبال عليه أيضاً

المدارس الإنترناشيونال رافد مميز ضمن منظومة التعليم المصرية (مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة)
المدارس الإنترناشيونال رافد مميز ضمن منظومة التعليم المصرية (مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة)
TT
20

مصر: تكلفة التعليم الأجنبي تتصاعد... والإقبال عليه أيضاً

المدارس الإنترناشيونال رافد مميز ضمن منظومة التعليم المصرية (مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة)
المدارس الإنترناشيونال رافد مميز ضمن منظومة التعليم المصرية (مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة)

تدرس ثلاث فتيات للأم المصرية، دينا محمد، في ثلاث مراحل تعليمية مختلفة بإحدى المدارس الدولية بالقاهرة، تتطلب منها دفع مصروفات باهظة التكلفة، لا سيما مع زيادات سنوية تقرها المدرسة موزّعة على «بنود تعليمية» مختلفة.

تقول الأم الأربعينية لـ«الشرق الأوسط»: «خلال آخر عامين دراسيين تراوحت الزيادة المطلوبة في مدرسة (مصر الحديثة) بـ(القاهرة الجديدة)، من 20 إلى 30 ألف جنيه سنوياً، ليصل متوسط المصروفات لنحو 150 ألف جنيه للطالب، إلى جانب مبالغ أخرى تخص الأنشطة والامتحانات».

ورغم الارتفاع الملحوظ في تكاليف التعليم في المدارس والجامعات الدولية في مصر، اللتين تعدان رافداً مميزاً ضمن منظومة التعليم المصري، فإن الأمر لم يثنِ أسراً مصرية عن السعي المتواصل للالتحاق بهما، وسط شكاوى من ارتفاع التكاليف المعيشية.

ولا تستغرب دينا التي تقطن بحي «التجمع» الراقي شرق القاهرة، من زيادة الإقبال على الالتحاق بالمدرسة، رغم تلك الزيادات المتتالية، حتى إنها كانت تخشى مع بداية العام الدراسي الحالي ألّا تلتحق ابنتها الصغيرة بأختَيها في نفس المدرسة؛ نظراً للأعداد الكبيرة المتقدمة إليها، واضطرار إدارة المدرسة لوضع بعض المتقدمين في قوائم انتظار، لكن «لحسن الحظ وضعت أولوية القبول لمن يكون له أشقاء بالمدرسة»، على حد قولها.

مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة إحدى أبرز المدارس الدولية
مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة إحدى أبرز المدارس الدولية

والمدارس الدولية (الإنترناشيونال) هي مدارس خاصة تطبق منهجاً دولياً معترفاً به عالمياً، ومعتمداً من وزارة التربية والتعليم المصرية. وتعد مدرسة الكلية الأميركية بالقاهرة الأعلى تكلفة؛ إذ سجلت مصروفاتها لمرحلة رياض الأطفال (الأقل في الرسوم) 13.500 دولار للعام الدراسي الحالي 2025/2024 (الدولار يساوي 50.60 جنيه)، في حين بلغت في العام الدراسي 2021/2020 نحو 12 ألف دولار لنفس المرحلة.

ويقل متوسط مصروفات المدارس الدولية الأخرى تدريجياً، لـ«يتراوح بين 80 و300 ألف جنيه حسب المرحلة الدراسية، ووفق أنظمة وجودة التعليم المطبقة، مع زيادات سنوية أيضاً».

تقول الدكتورة داليا الحزاوي، مؤسسة «ائتلاف أولياء أمور مصر»، والخبيرة التربوية والاجتماعية، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم إيجابيات التعليم الدولي، فإن هناك بعض المدارس الخاصة والدولية تقوم باستغلال أولياء الأمور ذوي المكانة الاجتماعية والاقتصادية المرتفعة، بزيادة المصروفات الدراسية بشكل مبالغ فيه، وهو ما تستجيب له الأسر، معتبرين أن هذا الإنفاق هو سلاح للأبناء للحصول على مستقبل أفضل».

ووفق «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار»، التابع لمجلس الوزراء المصري، فقد تم افتتاح أول مدرسة دولية بمصر عام 2002، في حين ارتفع عدد المدارس الدولية من 168 مدرسة عام 2011 إلى 785 مدرسة عام 2020.

ويبرر الخبير الاقتصادي المصري، عادل عامر، زيادة الإقبال على تلك النوعية من المدارس رغم ارتفاع تكلفتها، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «خريجو التعليم الأجنبي يحظون بفرص أفضل وأسرع في سوق العمل، مقارنة بنظرائهم من المدارس والجامعات الحكومية».

ويضيف: «أيضاً التكلفة تتصاعد نظراً لتحول التعليم إلى (بزنس) من جانب بعض المستثمرين الذين يتجهون للاستثمار في إنشاء جامعات ومدارس، والتي باتت أكثر وأسرع ربحاً، مستغلين شغف بعض فئات المجتمع المصري في تعليم مميز».

وتوسعت مصر خلال الأعوام الماضية في إنشاء أفرع لجامعات دولية عريقة؛ إذ تضم حالياً 9 أفرع لجامعات أجنبية، و9 جامعات باتفاقيات دولية وإطارية، بحسب بيانات وزارة التعليم العالي.

وتشهد هذه الجامعات ارتفاع مصروفاتها مقارنة بالجامعات الحكومية، وتأتي في مقدمتها الجامعة الأميركية؛ إذ يصل معدل المصروفات الدراسية لكل ساعة معتمدة إلى 667 دولاراً أميركياً لطلاب دراسات البكالوريوس المصريين، و735 دولاراً أميركياً لطلاب دراسات البكالوريوس الأجانب.

وتولي الدولة المصرية اهتماماً كبيراً بإنشاء أفرع جامعات دولية على أرضها، وبحسب تصريحات سابقة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، أيمن عاشور، فإن «تدويل التعليم يُعد من الملفات المهمة التي أكدت عليها الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي».

ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فقد بلغ عدد الطلاب المقيدين بالعام الدراسي 2024/2023 بالجامعات الخاصة (تشمل فروع الجامعات الأجنبية والاتفاقيات الدولية) والأهلية 364.990 طالباً، مقارنة بـ284.456 طالباً في العام السابق له.

الدكتورة أماني عاطف، الباحثة بـ«مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار»، التابع لمجلس الوزراء المصري، ترى أن الإمكانات المالية أصبحت محدداً رئيسياً لمستوى تعليم الأبناء في مصر؛ فكلما ارتفع مستوى معيشة الأسرة اتجهت إلى نمط أعلى من أنماط التعليم، مع تعدد تلك الأنماط والتفاوت الواضح بين تكاليف كل منها.

وتفسر أماني، صاحبة الورقة البحثية «الوجاهة الاجتماعية وانتشار ثقافة المدارس الدولية»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أسباب تزايد إقبال العديد من الأسر على التعليم الأجنبي رغم ارتفاع نفقاته، إلى «الرغبة في تعميق الدراسة باللغات الأجنبية، خاصة الإنجليزية كلغة عالمية، وكذلك ارتفاع جودة التعليم الدولي، وإتاحة الفرصة لإكمال التعليم في الخارج، فضلاً عن تحول التعليم بمستوياته المختلفة إلى وسيلة للوجاهة الاجتماعية والتفاخر بين الأسر».

وتوضح الحزاوي أن كثيرين باتوا يرون الالتحاق بالمدارس الخاصة والدولية، ومن بعدها الجامعات الدولية، استثماراً طويل المدى في مستقبل الأبناء؛ كون هذه المؤسسات توفر بيئة تعليمية داعمة ومتطورة وآمنة، وتنمية مهارات الطالب، وتعزيز الإبداع والابتكار لديه. لكن في المقابل، تشير إلى بعض التداعيات المجتمعية السلبية بسبب المدارس والجامعات الدولية، فيما يتعلق بتعميق التمايز الطبقي، وترسيخ بعض العادات والتقاليد الغربية، وتراجع الاهتمام باللغة العربية.


مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى عودة سفن الشحن لعبور قناة السويس

شمال افريقيا عبور السفن بقناة السويس المصرية (مجلس الوزراء المصري)

مصر تدعو إلى عودة سفن الشحن لعبور قناة السويس

دعت الحكومة المصرية إلى «ضرورة عودة سفن الشحن العالمية للمرور عبر قناة السويس» مرة أخرى في ضوء أعمال التطوير التي تنفذها بالمجرى الملاحي.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا كانت أكبر نسبة تراجع لتحويلات المصريين بالخارج بين عامي 2022 و2023 (رويترز)

«قفزات متتالية» في تحويلات المصريين بالخارج... ما الأسباب؟

واصلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج تسجيل «قفزات قياسية متتالية» وغير مسبوقة، بحسب بيانات حكومية رسمية

هشام المياني (القاهرة)
يوميات الشرق إغلاق فروع لمحلات حلويات بالجيزة (محافظة الجيزة)

مصر: إغلاق فروع لشركة حلويات «شهيرة» يثير تساؤلات

أثار إغلاق عدد من الفروع التابعة لشركة حلويات شهيرة في مصر حالة من الجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأربعاء، وسط تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار

رشا أحمد (القاهرة )
شمال افريقيا بنايات في وسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر تشدد على دعمها للأردن في مواجهة الإرهاب و«المخططات الهدّامة»

شددت مصر على وقوفها بشكل كامل جنباً إلى جنب مع الأردن في مواجهة كل أشكال الإرهاب والجماعات المتطرفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا طواقم طبية داخل مستشفيات مصرية (وزارة الصحة المصرية)

غضب بين أطباء مصر عقب مقترحات برلمانية وإعلامية للحد من «هجرتهم»

انتابت أطباء مصريين حالة غضب عقب مقترحات برلمانية وإعلامية تدعو إلى الحد من «هجرتهم» عبر منع سفر خريجي كليات الطب للخارج عدة سنوات.

أحمد إمبابي (القاهرة )

محادثات مصرية - رواندية بشأن التهدئة بـ«شرق الكونغو» وتعاون دول حوض النيل

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس رواندا بول كاغامي عام 2024 (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس رواندا بول كاغامي عام 2024 (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
TT
20

محادثات مصرية - رواندية بشأن التهدئة بـ«شرق الكونغو» وتعاون دول حوض النيل

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس رواندا بول كاغامي عام 2024 (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس رواندا بول كاغامي عام 2024 (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع نظيره الرواندي بول كاغامي، الخميس، تهدئة الأوضاع في إقليم شرق الكونغو، والتوصل إلى حل سياسي سلمي يهدف إلى استعادة السلم والأمن الإقليميين، وسبل تعزيز التعاون بين دول حوض النيل، بما يحقق المصالح المشتركة لجميع دول الحوض.

وأفادت الرئاسة المصرية، في بيان صحافي، بأن الرئيس المصري أجرى اتصالاً بنظيره الرواندي، وتطرق إلى الأوضاع في وسط أفريقيا، مع التركيز على سبل استعادة الهدوء في إقليم شرق الكونغو.

اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الرواندي بول كاغامي (الرئاسة المصرية)
اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الرواندي بول كاغامي (الرئاسة المصرية)

وتَجدد النزاع، الذي يعود إلى نحو 3 عقود، بشكل لافت في يناير (كانون الثاني) الماضي، مع شنّ المتمردين، الذين تقودهم عرقية «التوتسي» والمدعومين من رواندا، هجوماً في شرق الكونغو الديمقراطية، متقدمين نحو مدينة غوما؛ ثانية كبرى مدن شرق الكونغو الديمقراطية وعاصمة إقليم شمال كيفو الذي يضم مناجم للذهب والقصدير، وكذلك نحو مدينة بوكافو الاستراتيجية؛ كبرى مدن شرق الكونغو وعاصمة إقليم جنوب كيفو، في أكبر توسّع بالأراضي الخاضعة لسيطرة حركة «إم 23» منذ بدء أحدث تمرد لها في عام 2022، وبعد صعود وهبوط في المواجهات التي تصاعدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

خلال الاتصال الهاتفي، أكد الرئيس المصري مع نظيره الرواندي «حرص مصر على تقديم الدعم الكامل لكل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تهدئة الأوضاع في إقليم شرق الكونغو، والتوصل إلى حل سياسي سلمي يهدف إلى استعادة السلم والأمن الإقليميين».

ولم تتوقف الوساطات الأفريقية في محاولة تقريب وجهات النظر منذ اندلاع النزاع، ووصل الرئيس التوغولي فور غناسينغبي، الخميس، إلى كينشاسا في زيارة رسمية، وذلك في إطار مهمته الجديدة باعتباره وسيطاً للاتحاد الأفريقي في النزاع، فيما انضمت قطر لقطار الوساطة الشهر الماضي عقب استضافة رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، ورئيس رواندا بول كاغامي، في لقاء مفاجئ دعا خلاله الزعيمان إلى وقف إطلاق النار، دون أن يتحقق بعد.

كما ناقش الرئيس المصري مع نظيره الرواندي خلال الاتصال الهاتفي «سبل تعزيز التعاون بين دول حوض النيل، بما يحقق المصالح المشتركة لجميع دول الحوض، وذلك من خلال تعزيز التعاون والالتزام بالتوافق بين الأطراف كافة».

وبحث الجانبان أيضاً «سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، خاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية، والمشروعات المشتركة في مختلف القطاعات، بما يعكس عمق العلاقات التاريخية بين الدولتين ويحقق المصالح المشتركة لشعبيهما».

وعلى مدار سنوات، تستهدف القاهرة، تعميق تعاونها الثنائي مع دول حوض النيل، لتأمين حصتها من نهر النيل، المورد الرئيسي لها من المياه، في ظل استمرار أزمة «سد النهضة»، الذي أقامته إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل منذ عام 2011، وقالت إنها تستهدف توليد الكهرباء، وسط مخاوف من دولتي المصب (مصر والسودان) من تأثر حصتيهما من مياه نهر النيل بسبب مشروع السد وتطالبان باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات «ملء وتشغيل السد».

وتعاني مصر عجزاً مائياً، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات وزارة الري المصرية.

ويضم حوض نهر النيل 11 دولة أفريقية؛ بين دول المنبع: بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، وجنوب السودان، فضلاً عن دولتَي المصب (مصر والسودان).