في أول مؤتمر سوري لـ«العدالة الانتقالية»... مطالبات بتسريعها منعاً لتحولها إلى «انتقامية»

والد الناشط غياث مطر شدد على تشكيل محاكم نزيهة

جلسة للمحامين الأحرار مع مجلس مدينة دوما بريف دمشق ضمت الضحايا وذويهم وخبراء قانونيين  (موقع)
جلسة للمحامين الأحرار مع مجلس مدينة دوما بريف دمشق ضمت الضحايا وذويهم وخبراء قانونيين (موقع)
TT

في أول مؤتمر سوري لـ«العدالة الانتقالية»... مطالبات بتسريعها منعاً لتحولها إلى «انتقامية»

جلسة للمحامين الأحرار مع مجلس مدينة دوما بريف دمشق ضمت الضحايا وذويهم وخبراء قانونيين  (موقع)
جلسة للمحامين الأحرار مع مجلس مدينة دوما بريف دمشق ضمت الضحايا وذويهم وخبراء قانونيين (موقع)

في أول فعالية سورية تناقش العدالة الانتقالية في سوريا بعد إسقاط نظام الأسد، لخص والد الناشط غياث مطر رمز شهداء الثورة السلمية، مفهوم هذه العدالة من خلال كلمة ألقاها في جلسة ذوي الضحايا، بأنها تتحقق بـ«رفض الانتقام وتشكيل محاكم نزيهة».

مؤتمر «العدالة الانتقالية نحو الحقيقة والمساءلة والسلام المستدام»، دعت له «رابطة المحامين الأحرار» تحت رعاية نقابة المحامين في سوريا، يوم الاثنين في دمشق. وأكد ممثل الرابطة، سامر الضيعي، في كلمته، أن «العدالة الانتقالية ليست مجرد محاكمات»، وتشمل «الاعتراف بالحقيقة وجبر الضرر وعدم تكرار الانتهاكات، وأن تكون هناك قوانين تحمي السوريين».

العدالة الترميمية

الضيعي لفت إلى أن «عملية المحاسبة عملية تسلسلية، فليس كل من كان جزءاً من النظام سيكون تحت مطرقة المساءلة أو يتعرض للمحاسبة»، وأنه لا بد من «التمييز بين القيادات التي خططت لارتكاب الجرائم، والأفراد الذين نفذوا وأسهموا في هذه الجرائم». كما نوه إلى أهمية القيام «بعملية موازنة نفسية واجتماعية بين قضية الاستقرار والمحاسبة»، وضرورة مراقبة مسار عمل العدالة الانتقالية والمحاسبة، «كي لا تتحول المحاسبة إلى عملية انتقامية». وتحدث الضيعي عن الحاجة إلى ما سمّاها «العدالة الترميمية إلى جانب العدالة الانتقالية».

لقطة عامة لـ«مؤتمر العدالة الانتقالية» في شيراتون دمشق يوم الاثنين

شرح مفهوم العدالة

وتسعى «رابطة المحامين الأحرار» ونقابة المحامين في سوريا، إلى تعريف ذوي الضحايا بمفهوم العدالة الانتقالية وإمكانية تحقيقها بما يتلاءم مع متطلباتهم في المرحلة الراهنة، بحسب ما جاء في مداخلة عضو مجلس فرع نقابة المحامين في حمص، عمار عز الدين أمام المؤتمر، إذ رأى أن مفهوم العدالة الانتقالية «لا يتمثل في معاقبة من ارتكب الانتهاكات فقط، وإنما يجب تأمين الأشخاص الذين وقع عليهم التعذيب».

ولفت إلى أن العدالة الانتقالية ليست وصفة تتحقق خلال فترة قصيرة، بل تتطلب تكاتف جهود نقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، لتحديد الإجراءات المطلوبة، مع الأخذ في الحسبان أن إصدار قانون للعدالة الانتقالية بعد إعلان الدستور المؤقت، «أمر صعب ويحتاج وقتاً طويلاً»، بينما يمكن كسب الوقت من خلال الاستعانة بالقانون السوري ذاته الذي يتيح القبض على مرتكبي الانتهاكات، مضيفاً أن ما نحتاجه هو «إعادة تفعيل الأطر القانونية والقضاء بالدرجة الأولى».

إحدى جلسات مؤتمر العدالة الانتقالية في دمشق (مواقع تواصل)

وحذر عز الدين من أن أي تأخر في تحقيق العدالة الانتقالية «يؤدي إلى خطر كبير على المجتمع»، وهو ما حذر منه الإعلامي أنس ضميرية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، داعياً الحكومة إلى «تبني مسار تطبيق العدالة الانتقالية بسرعة، والإمساك بهذا الملف، كي تثمر جهود رابطة المحامين الأحرار ونقابة المحامين، إنصاف الضحايا ومنع الانتقامات التي تهدد بتقويض الأمن».

شهادات ذوي الضحايا

ولعل «أهم ما يريده ذوو الضحايا اليوم، أن تكون أصواتهم مسموعة، وأن يكونوا جزءاً من رسم سياسات عملية العدالة الانتقالية». وروى ممثلون عنهم قصصاً مروعة عن مجازر ارتكبها النظام في مناطق سورية كثيرة؛ من بينها مجزرة قرية البيضا التابعة لمدينة بانياس على الساحل السوري، حيث وثق أكثر من 400 قتيل ونحو 300 مفقود يعتقد أن قسماً منهم قتل وجمعت جثثهم في مكان واحد وجرى إحراقها، وقسم آخر اعتقل ولا يعرف مصيره، وذلك بحسب شهادات مشاركين في المؤتمر من ذوي ضحايا قضوا في المجزرة، وأكدوا أنهم يعرفون القتلة، وبإمكانهم الانتقام لكنهم يريدون تطبيق العدالة.

«دوار غياث مطر» في داريا بريف دمشق الغربي تخليداً لناشط سلمي قضى تحت التعذيب (الشرق الأوسط)

ومن هؤلاء الأهالي، والد الناشط غياث مطر الذي يعدُّ رمزاً لشهداء الثورة السلمية من المدنيين الذين قتلهم نظام الأسد عند اندلاع الثورة ضد نظامه عام 2011، إذ قال الوالد المكلوم: «أنا أتحدث باسم 3 شهداء من أولادي هم غياث وحازم وأنس مطر، و145 شهيداً من عائلتي. لا نريد انتقامات، نطالب بتشكيل محاكم نزيهة لمحاكمة كل من قتل أبناءنا وكل من أسهم ولو بكلمة في القتل، ولن نسامح بدم أولادنا»، مذكراً بأن غياث الذي قدم الورد والماء لجنود النظام لدى اقتحامهم مدينته داريا في ريف دمشق، اعتقل وقضى تحت التعذيب.

رابطة المحامين السوريين الأحرار التقت المفوض السامي لحقوق الإنسان خلال زيارته إلى دمشق يناير الماضي (موقع)

وتسعى «رابطة المحامين الأحرار» ونقابة المحامين في سوريا، إلى تعريف ذوي الضحايا بمفهوم العدالة الانتقالية وإمكانية تحقيقها بما يتلاءم مع متطلباتهم في المرحلة الراهنة، بحسب ما جاء في مداخلة عضو مجلس فرع نقابة المحامين في حمص، عمار عز الدين أمام المؤتمر، ورأى أن مفهوم العدالة الانتقالية «لا يتمثل في معاقبة من ارتكب الانتهاكات فقط، وإنما يجب تأمين الأشخاص الذين وقع عليهم التعذيب»، كما أن العدالة الانتقالية ليست وصفة تتحقق خلال فترة قصيرة، بل تتطلب تكاتف جهود نقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، لتحديد الإجراءات المطلوبة، مع الأخذ بالاعتبار أن إصدار قانون للعدالة الانتقالية بعد إعلان الدستور المؤقت، «أمر صعب ويحتاج وقتاً طويلاً»، بينما يمكن كسب الوقت من خلال الاستعانة بالقانون السوري ذاته الذي يتيح إلقاء القبض على مرتكبي الانتهاكات، «وما نحتاجه هو إعادة تفعيل الأطر القانونية والقضاء بالدرجة الأولى».

وحذر عز الدين من أن أي تأخر في تحقيق العدالة الانتقالية «يؤدي إلى خطر كبير على المجتمع»، وهو ما حذر منه الإعلامي أنس ضميرية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، داعياً الحكومة إلى «تبني مسار تطبيق العدالة الانتقالية بسرعة، والإمساك بهذا الملف، كي تثمر جهود رابطة المحامين الأحرار ونقابة المحامين، إنصاف الضحايا ومنع الانتقامات التي تهدد بتقويض الأمن».

المصالحة وبناء السلام

بدوره، رأى المدير التنفيذي لمنظمة «العدالة من أجل السلام»، المحامي رامي النومان، أن العدالة الانتقالية ستحاسب الجناة وتؤسس لمجتمع سوري قوي يسوده القانون، بهدف «الوصول إلى المصالحة وبناء السلام»، وأن ذلك يقوم على عدة بنود هي:

المحاسبة وفقاً لآليات مختلفة، إما دولية عن طريق مجلس حقوق الإنسان ومؤسسة المفقودين والأمم المتحدة ولجان التحقيق الدولية ومحكمتي الجنايات الدولية والعدل، أو من خلال آليات وطنية مثل تشكيل محاكم خاصة، وهناك آليات مختلطة مثل تشكيل محاكم خاصة بإشراف دولي.

كذلك، تتطلب الآلية «كشف الحقائق، وجرت العادة أن يتم تشكيل اللجان من المجتمع المدني وذوي الضحايا والحكومة نفسها، لتوثيق الانتهاكات. ثم (جبر الضرر) إما مادياً عبر إنشاء صندوق وطني لدعم الضحايا الحرب، وإما معنوياً من خلال جبر الضرر النفسي لذوي الضحايا. أما البند الرابع لتحقيق المصالحة والسلم، فهو في الإصلاح المؤسساتي، خصوصاً الأجهزة الأمنية والقضائية. وأخيراً تحقيق هدف العدالة الانتقالية، وهو المصالحة الوطنية ونشر السلام».

فئات محسوبة على النظام السابق

يذكر أن عقد المؤتمر الأول للعدالة الانتقالية في العاصمة دمشق الذي غابت عن جلساته الجهات السورية الرسمية، جاء بعد سلسلة جلسات أخيرة، عقدتها «رابطة المحامين الأحرار»، و«نقابات المحامين في مناطق سورية عدة، مثل حمص واللاذقية والسويداء ومصياف بريف حماة وقرية البيضا في ريف بانياس، وداريا بريف دمشق، التقت خلالها ممثلين عن المجتمع المدني وذوي الضحايا، بل حتى مع ممثلين لفئات مجتمعية محسوبة على النظام السابق كخزان بشري لقواته، للتعرف إلى وجهات نظرهم، والتأكيد على أن الجرم يقع على الشخص نفسه».

وهدفت الجلسات إلى تحديد آليات تحقيق العدالة الانتقالية، بالاستناد إلى نتائج الحوارات في المناطق التي شهدت مجازر يجري العمل على توثيق مكان وقوعها ومكان دفن الضحايا وأسماء مرتكبي المجازر، من أجل التوصل إلى وضع خريطة طريق للعدالة الانتقالية تقدم للحكومة لتأخذ طريقها إلى التنفيذ.


مقالات ذات صلة

من منفاهما في روسيا... رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

المشرق العربي عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر في مقر الفرقة الرابعة بدمشق يناير الماضي (رويترز)

من منفاهما في روسيا... رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

كشف تحقيق عن أن اثنين كانا ذات يوم من أقرب رجال بشار الأسد وفرَّا من سوريا بعد سقوطه، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)

قوة إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة بجنوب سوريا

قالت «الوكالة العربية السورية للأنباء»، اليوم (الجمعة)، إن قوة تابعة للجيش الإسرائيلي توغلت في ريف القنيطرة بجنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس براك خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت - لبنان - 22 يوليو 2025 (رويترز)

براك: على لبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»

قال المبعوث الأميركي توم براك، اليوم (الجمعة)، إنه ينبغي للبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»، معبّراً عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شابان سوريان يقفان على تلة في داريا مُطلّة على القصر الرئاسي الفسيح للرئيس السابق بشار الأسد في دمشق أواخر أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

في داريا قرب دمشق... سوريون يعيدون بناء حياتهم وأحيائهم المدمرة

لداريا مكانة خاصة في تاريخ الثورة السورية. تقع على مسافة سبعة كيلومترات فقط من العاصمة دمشق، وعلى مرمى البصر من القصر الرئاسي الفسيح للرئيس السابق بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (داريا (سوريا))
الخليج المهندس أحمد البيز مساعد المشرف العام على المركز للعمليات والبرامج لدى توقيعه البرنامج في الرياض الخميس (واس)

برنامج سعودي لتحسين وضع التغذية في سوريا

أبرم «مركز الملك سلمان للإغاثة» برنامجاً تنفيذياً لتحسين وضع التغذية لأكثر الفئات هشاشة في المناطق ذات الاحتياج ومجتمعات النازحين داخلياً بمحافظات سورية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.


قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
TT

قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)

رأى الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الجمعة، أن تسمية السلطات اللبنانية مدنياً في اللجنة المكلفة مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، هي بمثابة «سقطة» تضاف إلى «خطيئة» الحكومة بقرارها نزع سلاح الحزب.

وخلال حفل حزبي، قال قاسم في خطاب عبر الشاشة: «نرى أن هذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرار الخامس» من أغسطس (آب)، في إشارة إلى القرار الحكومي بنزع سلاح الحزب، لكنه أكد في الوقت نفسه تأييده خيار الدبلوماسية الذي تتبعه السلطات لوقف الهجمات الإسرائيلية.

وانضم، الأربعاء، مندوبان مدنيان لبناني وإسرائيلي إلى اجتماعات اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، في أول لقاء مباشر منذ عقود، قالت الرئاسة اللبنانية إن هدفه «إبعاد شبح حرب ثانية» عن لبنان.


سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
TT

سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)

طالب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلّام خلال لقاء مع وفد من سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (الجمعة)، بتوفير قوة أممية مساندة لملء أي فراغ محتمل بعد انتهاء ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بنهاية عام 2026.

وذكرت الرئاسة اللبنانية في بيان أن سلّام طرح خلال اللقاء مع وفد مجلس الأمن إمكانية أن تعمل هذه القوة تحت إطار «هيئة الأمم المتحدة» لمراقبة الهدنة، أو أن تكون قوة حفظ سلام محدودة الحجم ذات طابع مشابه للقوة العاملة في هضبة الجولان بسوريا.

وقرر مجلس الأمن الدولي في أغسطس (آب) الماضي تمديد ولاية «اليونيفيل»، التي أنشئت في 1978 بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، حتى نهاية العام المقبل. ومن المنتظر أن تبدأ «اليونيفيل» عملية انسحاب تدريجي من جنوب لبنان بعد انتهاء ولايتها.