هاجم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الولايات المتحدة بأشد العبارات، متهماً خصوم بلاده بالسعي لتركيعها وترسيخ فكرة ضعف إيران بهدف توجيه ضربة عسكرية.
وانتقد بزشكيان، مذكرة وقَّعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لإعادة استراتيجية «الضغوط القصوى» على إيران بما في ذلك تشديد العقوبات النفطية.
وقال بزشكيان في كلمة ألقاها في الذكرى السادسة والأربعين لثورة 1979 التي أطاحت نظام الشاه: «إذا كانت الولايات المتحدة صادقة بشأن المفاوضات، فلماذا فرضت عقوبات علينا؟».
ويقول المحللون إن المؤسسة الحاكمة في طهران ليس لديها خيارات أخرى سوى التوصل إلى اتفاق مع ترمب في ظل الانتكاسات لنفوذ طهران الإقليمي بعد تفكك حلفائها أو إضعافهم بشكل خطير منذ اندلاع الحرب بين حركة «حماس» الفلسطينية وإسرائيل في قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكذلك ازدياد السخط بين الكثير من الإيرانيين بسبب وضع الاقتصاد.
ووجَّهت الضربات إلى جماعة «حزب الله» اللبنانية، الموالية لإيران، وكذلك سقوط بشار الأسد في سوريا في ديسمبر (كانون الأول)، وهو حليف حيوي لطهران، ضربة إلى «محور المقاومة»، وهو شبكة من الجماعات المسلحة الإقليمية والمسلحين والدول المتحالفة مع إيران لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
وذكر بزشكيان في كلمة نقلها التلفزيون من ساحة آزادي (الحرية) في طهران: «يريدون ترسيخ فكرة ضعف إيران لدى الرأي العام، وأن هذا هو أفضل وقت لضربها... لكنهم سيأخذون أحلامهم معهم إلى القبر... هذه الأوهام ستذهب أدراج الرياح بفضل قيادة مرشد الثورة وبوجود الشعب الإيراني في الساحة». كما اتهم «أعداء» بلاده بمحاولة «تحديد هوية علمائنا واغتيالهم».

وتكتسي ذكرى الثورة الإيرانية هذا العام طابعاً خاصاً بعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض. فخلال فترة ولايته الأولى، اتبع الرئيس الأميركي سياسة «الضغوط القصوى» لإجبار طهران على توقيع اتفاق شامل يعالج برنامجها النووي ويلجم أنشطتها الإقليمية وبرنامجها للصواريخ الباليستية.
وفي الصباح، تجمعت الحشود في أماكن عامة في كل أنحاء إيران، على وقع أغانٍ شعبية وأناشيد وطنية للاحتفال بذكرى إطاحة الشاه محمد رضا بهلوي، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
ورفع المشاركون في المسيرات التي تنظمها السلطات سنوياً، وبينهم كثير من طلاب المدارس وموظفي الدوائر الحكومية ومنتسبي الأجهزة العسكرية، أعلام إيران ورايات الفصائل الموالية لها، بما في ذلك «حزب الله» في لبنان، بالإضافة إلى صور المرشد علي خامنئي.
وخرجت الحشود إلى الشوارع في شيراز وبندر عباس (جنوب) ورشت (شمال) ومشهد (شرق) وكرمانشاه وسنندج (غرب)، مرددين شعارات معادية لأميركا وإسرائيل، حسب صور تلفزيونية.

من جهتهم، توجّه سكان طهران إلى مكان التجمع الرئيسي حول برج آزادي («الحرية» بالفارسية) في غرب العاصمة، للاستماع إلى كلمة الرئيس، وكان لافتاً أن قوات «الحرس الثوري» استعرضت عدة صواريخ باليستية.
ونشرت وسائل إعلام رسمية صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وترمب، يرتديان زي السجن ويقفان داخل قفص معدني. وأظهرت صورة أخرى بعض المشاركين في المسيرة وهم يعلقون دمية على شكل ترمب بحبل مشنقة، حسب «رويترز».
وقال بزشكيان: «نحن لا نسعى إلى الحرب»، وأضاف في جزء من تصريحاته: «إنهم يستهدفون علماءنا، يسعون للتعرف عليهم واغتيالهم، لأنهم لا يطيقون وجود أي إنسان حر في هذا البلد. إما أن يشتروا هؤلاء العقول وإما أن يغتالوها، هذه هي خطتهم. إنهم يستهدفون بعض العقول في بلدنا ليجعلوها تشعر بأن إيران لم تعد تناسبها، ويصورون الأمر كأن الغرب قد فرش لهم السجاد الأحمر ليهاجروا خارج الحدود».
واستأنف ترمب، الثلاثاء الماضي، حملة لممارسة «الضغوط القصوى» على إيران، بما في ذلك إجراءات تؤدي لخفض صادراتها النفطية حتى تتوقف تماماً؛ لمنع طهران من حيازة أسلحة نووية.
ولدى توقيعه على المذكرة الرئاسية، وصفها بأنها «قاسية»، وقال إنه كان متردداً في اتخاذ الخطوة. وأضاف أنه منفتح على التوصل إلى اتفاق مع إيران، وعبَّر عن استعداده للتحدث مع بزشكيان الذي قال الأسبوع الماضي إنه سيكون من السهل التحقق مما إذا كانت إيران تطور أسلحة نووية.
وقال المرشد علي خامنئي، الجمعة، إن المحادثات مع الولايات المتحدة «ليست من الفطنة أو الحكمة أو الشرف»، في تصريحات تفسَّر في الفضاء السياسي الإيراني بأنها أوامر لحظر أي محادثات المباشرة مع إدارة ترمب.
وقال بزشكيان: «ترمب يتحدث عن رغبته في التفاوض مع إيران، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن المؤامرات التي يحيكها ضدنا بتوقيعه على قرارات عدائية. يدَّعي أن إيران هي التي تزعزع استقرار المنطقة، بينما الحقيقة أن إسرائيل، بدعم من أميركا، هي التي قتلت الأبرياء في فلسطين، ولبنان، وسوريا، وغزة، وحتى إيران، وهي التي تقصف أي مكان تريده دون رادع».
وأضاف بزشكيان: «أميركا تظن أنها قادرة على تركيع الشعب الإيراني عبر إثارة الانقسامات بين أبنائه. تزعم أنها تريد التفاوض، لكن ماذا عن هذه الأفعال؟ تقول إنها لا ترغب في التصعيد، لكنها تغلق كل الطرق أمامنا، حتى في الدواء، والغذاء، والمياه. لكنها تجهل أن هذه السياسات لم تفلح معنا يوماً، فقد اعتدنا عليها لعقود طويلة».
وعدَّ بزشكيان اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران، نهاية يوليو (تموز) الماضي، محاولة «من أعداء النظام والثورة لبث الفرقة وإثارة النزاعات» في الداخل الإيراني، «لأنهم يخشون وحدة وتلاحم الإيرانيين».
ودعا الإيرانيين إلى الوحدة، وقال: «لا شك أننا إذا اتحدنا فسنتمكن من حل جميع المشكلات. أعدكم بأننا من خلال الوحدة والتلاحم سنتمكن من إزالة كل العقبات، لكنهم يحاولون جاهدين منعنا من تحقيق هذه الوحدة الداخلية».
وأشار إلى أن «كل مخططاتهم تهدف إلى خلق الانقسامات بين الإيرانيين ليستغلوا الوضع لتحقيق أهدافهم الخبيثة، لكننا، بفضل توجيهات مرشد الثورة، لن نسمح لهم بذلك. لقد أثبت قائدنا أننا سنمضي قدماً بقوة، وسنعمل على بناء علاقات أخوية قائمة على الاحترام المتبادل مع جيراننا». وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، للتلفزيون الرسمي: «لا تتفاوض أي دولة تحت الضغط والإكراه ما لم تكن تنوي الاستسلام، خصوصاً عندما نتذكر تاريخاً من الوعود التي لم توفِ بها واشنطن».
وأظهرت بيانات موقع الصرف الأجنبي (الآن جند دوت كوم) أن العملة الإيرانية هبطت اليوم إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق عند 932500 ريال للدولار في السوق غير الرسمية مقارنةً مع 869500 ريال يوم الجمعة.

وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الشهر الماضي، إن إيران تُسرّع عمليات تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60 في المائة، وهو ما يقترب من المستوى اللازم لصنع الأسلحة، والبالغ 90 في المائة تقريباً.
وتمتلك إيران حالياً ما يكفي لتطوير 4 إلى 5 قنابل نووية إذا قرّرت رفع التخصيب إلى مستوى الأسلحة.
وتقول الدول الغربية إنه لا يوجد مبرر لتخصيب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي، في إطار أي برنامج مدني موثوق به، وإنه لا توجد دولة وصلت إلى هذا المستوى من التخصيب، دون أن تُنتج قنابل نووية.