كشف لغز تلف الحمض النووي المستمر ودوره في نشوء السرطان

الإفلات من آليات إصلاحه يزيد خطر ظهور الأورام الخبيثة

عملية تكرار الحمض النووي "دي ان ايه" :  (الى اليسار) السلسلة الجديدة تولد سلسلة جديدة
عملية تكرار الحمض النووي "دي ان ايه" : (الى اليسار) السلسلة الجديدة تولد سلسلة جديدة
TT

كشف لغز تلف الحمض النووي المستمر ودوره في نشوء السرطان

عملية تكرار الحمض النووي "دي ان ايه" :  (الى اليسار) السلسلة الجديدة تولد سلسلة جديدة
عملية تكرار الحمض النووي "دي ان ايه" : (الى اليسار) السلسلة الجديدة تولد سلسلة جديدة

كشفت أبحاث رائدة من معهد «ويلكوم سانجر» في المملكة المتحدة، عن اكتشاف مثير يتمثل في أن بعض أشكال تلف الحمض النووي يمكن أن تفلت من آليات الإصلاح الخلوية وتستمر دون إصلاح لسنوات. وهذا الاستمرار يتيح فرصاً متكررة لحدوث طفرات ضارة تزيد بشكل كبير من خطر تطور السرطان، كما أنها تشكل تحولاً جوهرياً في فهم العلماء لآليات الطفرات وعلاقتها بعلم الأورام؛ ما يفتح آفاقاً جديدة لفهم أفضل للسرطان وتطوير استراتيجيات علاجية ووقائية فعّالة.

التمييز بين تلف الحمض والطفرات

ولفهم أهمية هذا الاكتشاف من الضروري التمييز بين تلف الحمض النووي والطفرات. إذ يشير تلف الحمض النووي إلى تغييرات كيميائية في هيكل الحمض النووي على غرار وجود حرف غير واضح أو غير مفهوم في نص معين. بينما تحدث الطفرات عندما يتم إدخال إحدى القواعد الأربع للحمض النووي (A أو T أو G أو C) بشكل غير صحيح أثناء النسخ وهو أشبه بخطأ مطبعي. ورغم أن تلف الحمض النووي نفسه ليس طفرة، فإنه يمكن أن يؤدي إلى حدوث طفرة إذا لم يتم إصلاحه.

وقد يتم تفسير الحمض النووي التالف بشكل خاطئ أثناء عملية النسخ؛ ما يؤدي إلى أخطاء تصبح طفرات دائمة. ثم تتراكم هذه الطفرات بمرور الوقت؛ الأمر الذي قد يعطل العمليات الخلوية الطبيعية؛ ما يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض مثل السرطان. ولحسن الحظ، يتم عادةً إصلاح معظم تلف الحمض النووي بسرعة بواسطة آليات الخلايا ذاتها؛ ما يحافظ على استقرار الجينوم. ومع ذلك، تكشف الدراسة الجديدة عن أن بعض أنواع التلف يمكن أن تمر دون اكتشاف لسنوات؛ ما يزيد من احتمالية تسببها في أضرار.

اكتشاف الضرر المستمر

قد يؤدي تلف الحمض النووي إلى قراءة التسلسل الجيني بشكل خاطئ ونسخه أثناء انقسام الخلايا، وهو ما يُعرف باسم تكرار الحمض النووي DNA replication، وهذا يؤدي إلى حدوث طفرات دائمة يمكن أن تساهم في تطور السرطانات. ومع ذلك، فإن تلف الحمض النووي نفسه يتم التعرف عليه عادةً وإصلاحه بسرعة من خلال آليات الإصلاح في خلايانا. وإذا ما تمكن الباحثون من فهم أسباب وآليات الطفرات بشكل أفضل فقد يتمكنون من التدخل وإبطائها أو إزالتها.

وببساطة، قام الباحثون في الدراسة التي نُشرت في مجلة Nature في 15 يناير (كانون الثاني) 2025 بجمع معلومات من سبع دراسات سابقة عن «أشجار العائلة» الخاصة بالخلايا التي تُعرف باسم التسلسلات الجسدية النشوء والتطور somatic phylogenies. وهذه الأشجار هي مثل خرائط تُظهر كيف ترتبط الخلايا ببعضها بعضاً عبر الزمن. وشملت البيانات التي جمعوها 103 أشجار جسدية من 89 شخصاً وغطّت أنواعاً مختلفة من الخلايا، مثل الخلايا الجذعية في الدم والخلايا التي تبطّن الشعب الهوائية وخلايا الكبد.

ووجد الفريق أنماطاً غير متوقعة لوراثة الطفرات في أشجار العائلة، كاشفاً عن أن بعض تلف الحمض النووي يمكن أن يستمر دون إصلاح عبر جولات متعددة من انقسام الخلايا. وكان هذا واضحاً بشكل خاص في الخلايا الجذعية في الدم، حيث كان بين 15 و20 في المائة من الطفرات ناتجة من نوع معين من تلف الحمض النووي الذي يستمر لمدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات في المتوسط، وفي بعض الحالات لفترة أطول.

ولهذا الاستمرار أهمية كبيرة، حيث إنه مع كل انقسام للخلية التي تحتوي على الحمض النووي التالف يزداد خطر حدوث طفرات جديدة. أي بعبارة أخرى، يمكن لحالة واحدة من تلف الحمض النووي أن تولد طفرات متعددة لكل منها القدرة على إحداث تأثيرات ضارة. والأهم من ذلك، أنه على الرغم من ندرة هذه الأنواع من تلف الحمض النووي، فإن وجودها طويل الأمد يجعل تأثيرها كبيراً مثل أشكال التلف الأكثر شيوعاً والتي يتم إصلاحها بسرعة.

اكتشاف مهم لأبحاث السرطان

تشكل هذه النتائج تحدياً للمفاهيم التقليدية حول كيفية حدوث الطفرات. ففي السابق كان يُعتقد أن معظم الطفرات تنشأ من أشكال تلف الحمض النووي الشائعة وقصيرة الأمد أو من التعرض البيئي الضار مثل التدخين. لكن اكتشاف تلف الحمض النووي المستمر يضيف عاملاً جديداً في مشهد الطفرات.

ويمثل تلف الحمض النووي المستمر تهديداً فريداً، حيث تتيح طبيعته طويلة الأمد فرصاً متكررة لحدوث أخطاء أثناء انقسام الخلايا؛ ما يزيد بشكل كبير من خطر الطفرات الضارة التي قد تؤدي إلى السرطان. وإن فهم هذه العملية قد يفتح آفاقاً جديدة للوقاية من السرطان وعلاجه.

كل انقسام للخلية الحاوية على الحمض النووي التالف يزيد خطر حدوث طفرات جديدة ضارة

ويسلط هذا البحث الضوء على الحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية دراسة الطفرات وكيفية تقييم مخاطر السرطان. ومن خلال تحديد أسباب استمرار أنواع معينة من تلف الحمض النووي في خلايا محددة مثل الخلايا الجذعية في الدم يمكن للعلماء تطوير تدخلات تستهدف إصلاح أو منع هذا التلف.

علاوةً على ذلك، فإن فهم الآليات وراء تلف الحمض النووي المستمر قد يؤدي إلى استراتيجيات علاجية جديدة. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تركز العلاجات على تعزيز قدرة الخلية على اكتشاف وإصلاح تلف الحمض النووي طويل الأمد؛ ما يقلل من تراكم الطفرات الضارة. بالإضافة إلى ذلك، قد يكشف توسيع الدراسات لتشمل أنواع خلايا وأنسجة أخرى عن وجود أنماط مشابهة لتلف الحمض النووي المستمر في أماكن أخرى من الجسم.

كما تمثل نتائج الدراسة الجديدة لحظة حاسمة في أبحاث الطفرات، حيث تقدم رؤى جديدة حول كيفية تشكل الطفرات وتراكمها بمرور الوقت. وتكشف عن أن استمرار بعض أنواع تلف الحمض النووي لسنوات يغير بشكل جذري فهمنا لاستقرار الجينوم وتطور السرطان.

وأوضح الدكتور مايكل سبنسر تشابمان، من قسم الأورام الدموية معهد بارتس للسرطان لندن المملكة المتحدة المؤلف الأول للدراسة أهمية تحليل السلالات الجسدية، في الكشف عن هذه الأنماط، قائلاً: «من خلال هذه الأشجار العائلية يمكننا تتبع علاقات مئات الخلايا إلى أصلها. وهذا أدى إلى الاكتشاف غير المتوقع بأن بعض تلف الحمض النووي يمكن أن يستمر لسنوات دون إصلاح».

وبالمثل أشارت إميلي ميتشيل، من قسم أمراض الدم جامعة كمبردج البريطانية وإحدى المشاركات في الدراسة، إلى خصوصية هذه النتائج في الخلايا الجذعية في الدم. وأكدت على أن معرفة هذا التلف يدوم لفترات طويلة يفتح مسارات جديدة للتحقيق في طبيعته وآثاره المحتملة.

ووصف الدكتور بيتر كامبل، من معهد كمبردج للخلايا الجذعية المؤلف الرئيسي، الدراسة بأنها تغيير في النموذج التقليدي وان هذه النتائج تتحدى فهمنا التقليدي لكيفية اكتساب الطفرات وتسلط الضوء على الحاجة إلى إعادة التفكير في تصميم الدراسات المستقبلية حول استقرار الجينوم والسرطان.


مقالات ذات صلة

آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

الاقتصاد انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)

آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

من المتوقع أن تشهد صفقات الأسهم الآسيوية طفرة قوية خلال العام المقبل، مدفوعة بطروحات عامة أولية بارزة لشركات في الصين والهند.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ، مومباي )
صحتك تأخذ النساء في أول فحص منزلي للكشف عن فيروس الورم الحليمي البشري «إتش بي في» مسحة مهبلية لتتجنب بذلك الفحص التقليدي باستخدام منظار المهبل في العيادة وترسلها لإجراء الفحص (بيكسباي)

فحص منزلي جديد للكشف عن سرطان عنق الرحم لتجنب الفحوص المزعجة في عيادات الأطباء

بات بإمكان النساء المعرضات لخطر متوسط ​​للإصابة بسرطان عنق الرحم، تجنب الفحوص المزعجة في عيادات الأطباء، وإجراء فحص منزلي آمن للكشف عن الفيروس المسبب للمرض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا منصة «إكس»

شريحة دماغية تُمكّن المرضى من تحريك أطراف روبوتية بمجرد التفكير

شريحة «نيورالينك» تُمكّن مرضى الشلل من تحريك أطراف روبوتية بالتفكير فقط، مع استمرار التجارب السريرية وتوسع مشاركة المرضى في التقنية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس التنفيذي لـ «إنفيديا» جنسن هوانغ يتحدث قبل انطلاق مؤتمر تقنية وحدات معالجة الرسوميات في واشنطن - 28 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

جنون الذكاء الاصطناعي يخلق أزمة جديدة في سلاسل الإمداد العالمية

يُشعل النقص العالمي الحاد في رقاقات الذاكرة سباقاً محموماً بين شركات الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات الاستهلاكية لتأمين إمدادات آخذة في التراجع.

«الشرق الأوسط» (لندن )

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.