«حزب الله» يرفض تمديد الهدنة مع إسرائيل

يوظّف تطورات جنوب لبنان لتعويم نفسه داخلياً

تجمع لمواطنين عند نقطة للجيش اللبناني في انتظار السماح لهم بالدخول إلى بلدة كفركلا (إ.ب.أ)
تجمع لمواطنين عند نقطة للجيش اللبناني في انتظار السماح لهم بالدخول إلى بلدة كفركلا (إ.ب.أ)
TT
20

«حزب الله» يرفض تمديد الهدنة مع إسرائيل

تجمع لمواطنين عند نقطة للجيش اللبناني في انتظار السماح لهم بالدخول إلى بلدة كفركلا (إ.ب.أ)
تجمع لمواطنين عند نقطة للجيش اللبناني في انتظار السماح لهم بالدخول إلى بلدة كفركلا (إ.ب.أ)

استغلّ «حزب الله» عودة آلاف المدنيين إلى قرى جنوبية ومواجهتهم الجيش الإسرائيلي، لتقديم خطاب يحاول عبره أن يثبت إمساكه بالوضع الأمني على الأرض، مما يؤشر إلى أنه يحاول الاستفادة من التطورات الأمنية في الجنوب التي سقط فيها 24 قتيلاً وأكثر من 120 جريحاً الأحد، ويبرز تمسكه بفكرة أن «المقاومة وحدها خيار أبناء الجنوب لتحرير أرضهم».

وهذا الأمر عبّر عنه صراحة أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بقوله: «ما جرى في خرق الاتفاق يؤكد حاجة لبنان الى المقاومة»، مؤكداً رفضه تمديد الهدنة مع إسرائيل ومدتها 60 يوماً وانتهت الأحد. وقال في خطاب الاثنين: «على إسرائيل أن تنسحب ولا نقبل بأي مبرر لتمديد مهلة الستين يوماً». وأضاف: «أي تداعيات تترتب على التأخير في الانسحاب تتحمل مسؤوليته الأمم المتحدة والدول الراعية» للاتفاق، الولايات المتحدة وفرنسا. وفي السياق ذاته قال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) النائب حسن فضل الله الذي قال إن «المقاومة وحدها التي تحمي الأرض وتعيد الناس إلى بيوتها»، مؤكداً في تصريح له من الجنوب الأحد أنه «لا يمكن شطب معادلة (الجيش والشعب والمقاومة) من البيان الوزاري».

وإضافة إلى هذه المواقف السياسية، فقد سجّلت مساء الأحد مواكب لدراجات نارية بمناطق عدة في بيروت معروفة بمعارضتها «الحزب»، انطلقت من داخل الضاحية الجنوبية، وجابت شوارع وأحياء العاصمة، وهي ترفع رايات «الحزب» وتردد شعارات طائفية، مما أثار حفيظة أطراف لبنانية عدّة، محذرة من العودة إلى منطق الغلبة والاستقواء.

منطق الغلبة مجدداً

وصنف خبراء ما يجري رسالةً بالغة الدلالة إلى رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام، بأنه لا أحد يستطيع تجاوز حيثية «الحزب» الشعبية، وأنه قادر على خلط الأوراق سياسياً وأمنياً ما لم يحصل على مراده في التركيبة الحكومية وحتى في البيان الوزاري.

وعدّ القيادي في حزب «القوات اللبنانية» النائب السابق أنطوان زهرا أن «(حزب الله) يحاول مجدداً ممارسة منطق الغلبة على اللبنانيين نتيجة هزائمه العسكرية والسياسية، ويسعى إلى أن يعوّض في السياسة ما خسره من وهج وتحكّم بمصير البلد على مدى سنوات طويلة».

وعبّر زهرا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن استغرابه «حالة الإنكار التي يعيشها (الحزب)، واستفزاز المناطق التي احتضنت جمهوره خلال الحرب، ومحاولة ترويع الآمنين»، مشيراً إلى أن «ما حصل أمس (الأحد) محاولة جديدة لإظهار القوة وممارسة منطق الغلبة والهيمنة على أغلبية اللبنانيين».

مواطنون يحملون أعلام «حزب الله» في بلدة كفركلا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
مواطنون يحملون أعلام «حزب الله» في بلدة كفركلا جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وجدد «حزب الله»، في بيان أصدره مساء الأحد، تأكيده أن «مشهد عودة الناس إلى قرى الجنوب، هو مشهد جديد من مشاهد العزة والكرامة التي يخطّها شعب المقاومة العظيم، وهذا الشعب يُشكّل السلاح الأقوى للمقاومة».

وقال بيان «الحزب»: «إنّنا إذ ننحني أمام عظمة شعب المقاومة، نؤكد أنّ معادلة (الجيش والشعب والمقاومة)، التي تحمي ‏لبنان من غدر الأعداء، ليست حبراً على ورق؛ بل واقع يعيشه اللبنانيون يومياً، ويجسدونه بصمودهم وتضحياتهم»، داعياً جميع اللبنانيين إلى «الوقوف صفاً واحداً مع أهل الجنوب، وتجديد معاني التضامن الوطني وبناء ‏سيادة حقيقية عنوانها التحرير والانتصار».

مشهد الجنوب

وأعطى مشهد الجنوب واستعراض القوّة في شوارع وأحياء بيروت، جرعة دعم لـ«الحزب» الذي يحاول استغلالها لفرض شروطه على الحكومة، وتثبيت معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» مرة جديدة في البيان الوزاري الذي يعدّ معظم الأفرقاء اللبنانيين أنه بات «من الماضي». وفي هذا الإطار، أكد زهرا أن «هذه المعادلة لن تبصر النور مجدداً»، قائلاً: «عندما يسيطرون على المجلس النيابي والحكومة من خلال انتخابات ديمقراطية فليفعلوا ما يريدون». وأضاف: «إما يُحكَم البلد بالدستور والقانون، وإما لكل مقام مقال»، مشدداً على أنه «لا أحد قادراً على أن يحكم لبنان وحده، فإما نكون شركاء، وإما نبحث عن صيغة أخرى لحكم البلد». ورداً على سؤال عن طبيعة هذا الصيغة البديلة التي يلمّح إليها، أجاب زهرا: «قد تكون صيغةُ الفيدرالية الحدَّ الأدنى مما يطلبه الناس للتحرر من هيمنة السلاح».

بيئة ملتزمة

وأعطت تطورات الجنوب والرسائل الاستعراضية في بيروت انطباعاً بأن «الحزب» قادر على فرض شروطه في الشارع كما اعتاد فعله منذ عام 2005 حتى الآن، لكنّ الباحث السياسي والخبير في شؤون «حزب الله» قاسم قصير، عدّ أن «(الحزب) لا يحتاج إلى حادثة هنا أو تطور هناك لتعويم نفسه، فقبل مشهد الجنوب كان حاضراً بقوة في المشهد السياسي، وفي مشاورات تشكيل الحكومة، ومن ثمّ في صياغة البيان الوزاري». وأقرّ قصير، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «ما حصل في الجنوب يشكّل رسالة لكل من يشكك في حضور (الحزب) وتراجع قوته الشعبية ودوره المقاوم، وقد أثبتت عودة الناس إلى القرى التي تحتلها إسرائيل رغم الخطر الأمني والخسائر البشرية، أن بيئة (الحزب) ما زالت ملتزمة بخيارات المقاومة، وأن (الحزب) كان في الجنوب خلف الناس وداعماً لتحركاتهم».

تهديد للسلم الأهلي

وأحيت مواكب الدراجات النارية، مساء الأحد، القلق على الوضع الأمني، خصوصاً بعد المواجهات التي وقعت بين عناصر ومؤيدي «الحزب» وسكان عدد من المناطق الآمنة التي دخلوها، مثل عين الرمانة (ذات الغالبية المسيحية) وساقية الجنزير (ذات الغالبية السنيّة)، وتصدّي أبناء المنطقة لهم، جراء قطع الطريق فيها وإطلاق شعارات استفزازية، رغم أن قصير عدّ أن هذه المسيرات، التي انطلقت في الضاحية الجنوبية وبيروت، «تحركات عفوية غير منظمة ولا علاقة لـ(حزب الله) بها، وليست للاستثمار الداخلي»، مذكراً بأن «(الحزب) كان وسيبقى قوياً ولا يمكن تجاوزه في أي معادلة داخلية أو خارجية».

ولاقت هذه المواكب ردود فعل مستنكرة في لبنان، فيما أعلن الجيش اللبناني عن توقيف عدد من الأشخاص.

وقال الجيش في بيان له إنه «على خلفية قيام بعض المواطنين الذين يستقلون دراجات نارية ويرفعون أعلاماً حزبية بمسيرات في عدد من المناطق اللبنانية ليل أمس (الأحد)، تخلّلها إطلاق نار واستفزازات؛ مما يؤدي إلى تهديد السلم الأهلي، سيّرت وحدات من الجيش دوريات لمنع الأعمال المخلّة بالأمن والاستقرار، وأوقفت عدة أشخاص، فيما تستمر ملاحقة بقية المتورطين»، ودعت القيادة «المواطنين إلى التحلي بالمسؤولية والتصرف بحكمة حفاظاً على الوحدة الوطنية والعيش المشترك».

وفي انتقاد منه لهذه المواكب، كتب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، عبر منصة «إكس»: «أهل الجنوب سطّروا ملحمة بطولية، والتوتير الطائفي الذي حصل ليلاً نسف مشهد الوحدة نهاراً، وكأن المقصود تعميق الانقسام. إنّ أكثر ما يخدم أصحاب مشروع التقسيم هو السلوك الاستفزازي لمجموعات تطوف وتهتف مذهبياً. الخلاصة أنّ التطرّف يجلب التطرّف، والنتيجة أن لبنان هو الخاسر».

كذلك، قال رئيس حزب «الكتائب»، النائب سامي الجميل، بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزيف عون: «كلّ كلامنا الإيجابي والمنفتح يُواجَه بحركات كالتي رأيناها ليلاً في شوارع بيروت، ومن لا يقبل الامتيازات لغيره، يجب ألّا يقبلها لنفسه».

وفي رد على سؤال عما إذا كانوا يتخوفون من أن تشكل مشهدية الأحد ضغطاً على البيان الوزاري، مثل تضمينه عبارة «جيش وشعب ومقاومة»، وباتجاه تشكيل الحكومة، أجاب: «لا أعتقد أن هناك من لا يزال من اللبنانيين يتأثر بهذا النوع من الحملة الإعلامية»، مؤكداً أن «ثقتنا كبيرة بالجيش والدولة التي تقوم بكل واجباتها كي تؤمن هذه العودة الآمنة، ويجب ألا يكون هذا الموضوع للاستغلال السياسي».

وفي بيان له، قال حزب «الكتائب اللبنانية» إن «(حزب الله) يعود مجدداً إلى أسلوبه القديم القائم على الاستقواء على الداخل، وبث الفوضى، وزعزعة الاستقرار، وذلك بعد فشل جميع رهاناته السياسية والعسكرية وسقوط شعاراته الفارغة»، لافتاً إلى أن «ما شهدناه ليل الأحد، من مسيرات نظمها (حزب الله) تحمل شعارات مذهبية، يشكّل استفزازاً صارخاً للمواطنين».

من جهته، انتقد حزب «القوات اللبنانية» «مغامرات (حزب الله)»، وقال في بيان له: «يقوم (حزب الله) بحملة واسعة هدفها تصوير ما حصل في الجنوب على أنّه انتصار كبير وهائل لما تسمى (المقاومة)، قافزاً فوق 22 شهيداً سقطوا ضحية مغامراته المستمرة، كما تصوير أنّ الأهالي أخرجوا بالقوة إسرائيل من القرى التي ما زالت تحتلها»، مؤكداً أن «الجيش الإسرائيلي لم ينسحب سوى من القرى التي كان أعلن انسحابه منها ودخلت إليها الناس»، واصفاً ما حدث بـ«الفيلم الهوليوودي».


مقالات ذات صلة

إيران تعلن استعدادها لمحادثات «بناءة» مع لبنان بشأن استئناف الرحلات الجوية

المشرق العربي الجيش اللبناني في مواجهة أنصار «حزب الله» بالقرب من مطار رفيق الحريري في بيروت (أ.ب)

إيران تعلن استعدادها لمحادثات «بناءة» مع لبنان بشأن استئناف الرحلات الجوية

أعلنت إيران، السبت، استعدادها لإجراء محادثات بناءة مع لبنان بهدف استئناف الرحلات الجوية المتبادلة، بعدما أثار حظر هبوط طائرتين إيرانيتين غضب أنصار «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الجيش اللبناني يواجهون معتصمين يرفعون أعلام «حزب الله» على طريق المطار (الشرق الأوسط)

«حزب الله» يخوض أول مواجهة مع الدولة اللبنانية

خاض «حزب الله» اللبناني، السبت، أول مواجهة مع الدولة والعهد الجديد، على خلفية أزمة الطائرة الإيرانية.

نذير رضا (بيروت)
خاص صورة أرشيفية للرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت في يناير 1984 (أ.ف.ب) play-circle 02:50

خاص مروان حمادة: سخر رفعت الأسد من شقيقه ودعا إلى تقسيم لبنان وسوريا

في حلقة اليوم يروي النائب والوزير السابق مروان حمادة أن رفعت الأسد دعا لتقسيم سوريا ولبنان ومغادرة العلاقة مع الاتحاد السوفياتي إلى علاقات مع أميركا وإسرائيل.

غسان شربل (بيروت)
المشرق العربي أنصار «حزب الله» يحتجون أمام مدخل مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت (إ.ب.أ) play-circle

«حزب الله» يعلن انتهاء اعتصام دعا إليه على طريق مطار بيروت

أعلنت جماعة «حزب الله» اللبنانية، اليوم السبت، انتهاء الاعتصام الذي دعت إليه على طريق مطار بيروت «استنكاراً للتدخل الإسرائيلي وإملاء الشروط واستباحة السيادة».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قوات «اليونيفيل» تنفذ دورية في منطقة كفركلا الحدودية بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

هل تحتفظ إسرائيل بـ5 مواقع لاستدراج لبنان لمفاوضات سياسية؟

يقف لبنان على بعد يومين ليس أكثر ليستكمل الجيش اللبناني، بمؤازرة قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل»، انتشاره في جنوب الليطاني قبل حلول الثلاثاء المقبل

محمد شقير (بيروت)

إيران تعلن استعدادها لمحادثات «بناءة» مع لبنان بشأن استئناف الرحلات الجوية

الجيش اللبناني في مواجهة أنصار «حزب الله» بالقرب من مطار رفيق الحريري في بيروت (أ.ب)
الجيش اللبناني في مواجهة أنصار «حزب الله» بالقرب من مطار رفيق الحريري في بيروت (أ.ب)
TT
20

إيران تعلن استعدادها لمحادثات «بناءة» مع لبنان بشأن استئناف الرحلات الجوية

الجيش اللبناني في مواجهة أنصار «حزب الله» بالقرب من مطار رفيق الحريري في بيروت (أ.ب)
الجيش اللبناني في مواجهة أنصار «حزب الله» بالقرب من مطار رفيق الحريري في بيروت (أ.ب)

أعلنت إيران، السبت، أنها مستعدة لإجراء «محادثات بناءة» مع لبنان بهدف استئناف الرحلات الجوية بين طهران وبيروت، بعدما أثار حظر هبوط طائرتين إيرانيتين غضب أنصار «حزب الله».

وتحدّث وزير الخارجية الإيراني ونظيره اللبناني هاتفياً عن «سبل لحل قضية الرحلات الجوية المدنية بين البلدين»، وأكدا «استعدادهما لإجراء محادثات بناءة وبنيّة حسنة»، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية.

وأعلن «حزب الله»، اليوم، انتهاء الاعتصام الذي دعا إليه على طريق مطار بيروت «استنكاراً للتدخل الإسرائيلي وإملاء الشروط واستباحة السيادة». وقال تلفزيون (المنار) التابع للجماعة، إن منظمي الاعتصام أكدوا أن «الرسالة منه وصلت».

وأفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، في وقت سابق اليوم، بأن حشداً كبيراً من أنصار «حزب الله» ووفوداً شعبية شاركوا في الاعتصام على طريق المطار.