بداية ذوبان الجليد مع بيلاروسيا تشير إلى تغييرات عميقة في سياسات واشنطن

غموض في خطة ترمب رغم احتمال التوصل إلى اتفاق حول أوكرانيا

لوكاشينكو مع حليفه بوتين (أ.ب)
لوكاشينكو مع حليفه بوتين (أ.ب)
TT
20

بداية ذوبان الجليد مع بيلاروسيا تشير إلى تغييرات عميقة في سياسات واشنطن

لوكاشينكو مع حليفه بوتين (أ.ب)
لوكاشينكو مع حليفه بوتين (أ.ب)

في مؤشر على عمق التغييرات التي تحدثها إدارة الرئيس دونالد ترمب في سياسات أميركا الخارجية، كشفت تقارير إعلامية أميركية عن أن كريستوفر سميث، نائب مساعد وزير الخارجية، ومسؤولَين أميركيَين آخرَين، زاروا العاصمة البيلاروسية، مينسك، يوم الأربعاء، للقاء الرئيس «المكروه» من الغرب، ألكسندر لوكاشينكو، ورئيس جهاز الأمن الخاص به.

كان هذا أول اجتماع للوكاشينكو مع مسؤول كبير في وزارة الخارجية منذ خمس سنوات، ما قد يكون بداية ذوبان للعلاقات المجمدة بين الولايات المتحدة وأقرب حليف لروسيا، فضلاً عن التداعيات الكبيرة المتوقعة من هذا التغيير، المترافق مع التغييرات الكبرى التي طرأت على علاقات واشنطن بحلفائها الغربيين.

الحدود البيلاروسية البولندية (أ.ف.ب)
الحدود البيلاروسية البولندية (أ.ف.ب)

ورغم أن زيارة سميث غير المعلنة إلى مينسك، التي جاءت بعد يوم واحد فقط من إجراء الرئيس ترمب مكالمة هاتفية طويلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أثمرت عن إطلاق سراح ثلاثة أشخاص مسجونين، هم أميركي وسجينان سياسيان بيلاروسيان، غير أنها تشير إلى أن واشنطن قد ابتعدت عن سياسة استمرت لسنوات في محاولة عزل القادة غير المرغوب فيهم في الغرب بسبب سياساتهم القمعية والحرب في أوكرانيا.

وأشاد سميث بالإنجاز الناجح لما أسماه «عملية خاصة»، ووصف إطلاق سراح السجناء بأنه «فوز كبير واستجابة لأجندة الرئيس ترمب للسلام من خلال القوة». وأضاف سميث في تجمع للدبلوماسيين الغربيين، الخميس، في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، أن الخطوة التالية هي صفقة كبرى محتملة بموجبها سيطلق لوكاشينكو سراح مجموعة من السجناء السياسيين، بما في ذلك السجناء البارزون. وفي المقابل، ستخفف الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على البنوك البيلاروسية وصادرات البوتاس، التي تعد بيلاروسيا منتجاً رئيسياً لها.

وكان لوكاشينكو قد أطلق في الأشهر الأخيرة سراح أكثر من 200 سجين سياسي، بما في ذلك أميركيان تم إطلاق سراحهما منذ تولي ترمب منصبه، لكن نشطاء المعارضة يقولون إن المزيد من الأشخاص قد تم اعتقالهم خلال الفترة نفسها.

رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشنكو (أرشيفية - أ.ب)
رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشنكو (أرشيفية - أ.ب)

مساحة تنفس للوكاشينكو خارج روسيا

وقال سميث، وفقاً للدبلوماسيين الذين حضروا إحاطته، إن الهدف الأساسي للولايات المتحدة ليس فقط تأمين الحرية لمزيد من السجناء السياسيين، ولكن أيضاً منح لوكاشينكو «بعض مساحة التنفس» خارج مدار النفوذ الروسي.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن بيوتر كراوزيك، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البولندي السابق، الذي عمل مع إدارة ترمب الأولى على تخفيف قبضة روسيا على بيلاروسيا، قوله إن بيلاروسيا «جزء من نهج أميركي أوسع نطاقاً تجاه روسيا». وقال إن الولايات المتحدة «تواجه روسيا في أوكرانيا، وفي أفريقيا، وفي قطاع النفط والغاز، وفي الكثير من المجالات الاستراتيجية الأخرى». وعد التفاوض مع بيلاروسيا أنه «يخلق نفوذاً إضافياً للولايات المتحدة للإشارة إلى روسيا أنها يجب أن تكون أكثر انتباهاً للحجج الأميركية».

المرشحة للانتخابات الرئاسية هانّا كاناباتسكايا (أ.ب)
المرشحة للانتخابات الرئاسية هانّا كاناباتسكايا (أ.ب)

ورغم تزايد الاحتمالات بقرب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في أوكرانيا في الأسابيع المقبلة، بعد المكالمة «الودية» بين ترمب وبوتين، كان من الواضح أن هناك نقاطاً كثيرة يجب تسويتها، وما هي الأفكار الأميركية لمعالجتها؟ فالتساؤلات تدور حول ما هي الحدود بين القوات الأوكرانية والروسية؟ وما هي الضمانات الأمنية التي ستحصل عليها أوكرانيا من حلف شمال الأطلسي لضمان عدم هجوم بوتين مرة أخرى؟ وهل سيتم استخدام الأصول الروسية المجمدة في الغرب لإعادة بناء أوكرانيا؟ وبحسب محللين، هناك أيضاً قضية مهمة يجب أن تكون فوق التساؤل ويجب أن تدرج بالضرورة في التسوية وهي مصير جميع أسرى هذه الحرب.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقّع على أمرين تنفيذيين في المكتب البيضاوي (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقّع على أمرين تنفيذيين في المكتب البيضاوي (إ.ب.أ)

إطلاق أسرى الحرب

وهنا يبرز الدور السعودي في هذه القضية، بعدما اتفق ترمب وبوتين على عقد اجتماعهما الأول في السعودية. فقد لعبت الرياض دوراً مهماً في عمليات تبادل الأسرى، سواء بين روسيا وأوكرانيا، أو بين الولايات المتحدة وروسيا أيضاً. فقد أطلق الشهر الماضي تحالف من جماعات حقوق الإنسان الأوكرانية والروسية حملة لوضع الأسرى في مركز المفاوضات. وهناك مجموعة أخرى تطالب المنظمات الأوكرانية والروسية بالإفراج عن الأسرى بوصفه جزءاً من وقف إطلاق النار.

ووفقاً للأرقام المتاحة للعامة التي تعترف جماعات حقوق الإنسان بأنها غير مكتملة، تحتجز روسيا ما يقرب من 1500 سجين سياسي، وهو عدد أكبر من إجمالي عدد السجناء السياسيين في الاتحاد السوفياتي في منتصف الثمانينات. وفي الأسبوع المقبل وحده، من المقرر محاكمة ما لا يقل عن 215 شخصاً في قاعات المحاكم في جميع أنحاء روسيا بتهم ذات دوافع سياسية. وتتألف الفئة الأسرع نمواً في هذه القائمة من الروس الذين احتجوا على الحرب في أوكرانيا، وهو الفعل الذي قام بوتين بتجريمه خلال الأيام الأولى للغزو.

أليس بيالياتسكي (أ.ب)
أليس بيالياتسكي (أ.ب)

مواقف فريق ترمب غير واضحة

ومع ذلك، وفيما لا يزال ترمب مُصرّاً على أنه سينهي الحرب في أوكرانيا بسرعة، ويبدو حريصاً على البدء في المفاوضات، غير أن مواقف فريقه الدقيقة بشأن القضايا الرئيسية لا تزال غير واضحة. ومن المعروف أن ترمب مهتم بتأمين الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا. وتحدثت تقارير أخيرة عن أن النسبة التي يرغب في السيطرة عليها لا تقل عن 50 في المائة منها. وفيما لا يزال بعضها تحت السيطرة الأوكرانية غير أن البعض الآخر استولت عليه روسيا بالفعل. كما لا يزال احتياطي الليثيوم الرئيسي الذي تحتفظ به أوكرانيا يقع على بُعد نحو 16 كيلومتراً فقط من خط المواجهة. ولم يتم تحديد القيمة الإجمالية لرواسب أوكرانيا بشكل ثابت، لكن ترمب قال هذا الشهر إنه مهتم بصفقة من شأنها أن تتاجر بشكل أساسي بالمعادن الأوكرانية، مثل الليثيوم والتيتانيوم واليورانيوم، مقابل استمرار المساعدة الأميركية.

وقال ترمب هذا الشهر: «نحن نتطلع إلى عقد صفقة مع أوكرانيا، حيث سيؤمنون ما نقدمه لهم من معادن أرضية نادرة وأشياء أخرى». وسافر وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، هذا الأسبوع إلى كييف، حيث وصف صفقة المعادن بأنها «درع أمني» لأوكرانيا ما بعد الحرب. كما أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعداده لمتابعة مثل هذه الصفقة. والتقى يوم الجمعة بأعضاء من مجلس الشيوخ الأميركي على هامش مؤتمر ميونيخ، حيث ناقش التعاون الاقتصادي، بما في ذلك المعادن.


مقالات ذات صلة

​بوتين يعلن هدنة في أوكرانيا وروبيو يرى أسبوعاً «حرجاً للغاية»

الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ف.ب)

​بوتين يعلن هدنة في أوكرانيا وروبيو يرى أسبوعاً «حرجاً للغاية»

أكدت واشنطن أن الأسبوع الحالي «حرج للغاية» لوساطتها فيما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدنة لـ3 أيام في حرب أوكرانيا لمناسبة ذكرى الانتصار على النازية.

علي بردى (واشنطن)
تحليل إخباري مقاتلتان إسبانيتان تشاركان في تدريبات لـ«الناتو» في جنوب إسبانيا الاثنين (أ.ب)

تحليل إخباري أوروبا تنظم دفاعاتها «لئلا يتجاوزها التاريخ»... بحلول 2030

الأوروبيون يسعون لتعزيز قدراتهم الدفاعية للتعامل مع الأخطار المستجدة، وعلى رأسها الخوف من روسيا، والقلق من سحب المظلة الأميركية، وانعكاساتها على قارتهم.

ميشال أبونجم (باريس)
الولايات المتحدة​ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلن وقفاً لإطلاق النار من دون أي التزام بوقف كامل لإطلاق النار والتوصل إلى اتفاق (رويترز)

 ترمب يمهل بوتين وزيلينسكي أسبوعين لإنهاء الحرب

بدا واضحاً أن صبر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بدأ ينفد، وأنه يريد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا في وقت قريب.

هبة القدسي (واشنطن)
أوروبا الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحملان وثيقة الشراكة بين بلديهما بعد توقيعهما عليها في بيونغ يانغ في 19 يونيو 2024 (أ.ب)

بوتين يشيد بـ«بطولات» جيش كوريا الشمالية في كورسك

أشاد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بما وصفه بـ«بطولات» عسكريين من كوريا الشمالية شاركوا في معركة كورسك.

رائد جبر (موسكو)
الاقتصاد مجسم لناقلة غاز طبيعي مسال وخلفها العلم الأميركي (رويترز)

رغم توتر العلاقات التجارية... أميركا تتوقع زيادة إمداداتها من الغاز لأوروبا

صرّح وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، خلال زيارته العاصمة البولندية وارسو، بأن إمدادات الغاز الطبيعي المسال الأميركية إلى أوروبا ستستمر في الارتفاع.

«الشرق الأوسط» (وارسو)

إدانة 3 قُصّر في السويد بإطلاق نار على شركة إسرائيلية للمعدات الدفاعية

علم السويد بأحد شوارع استوكهولم (رويترز)
علم السويد بأحد شوارع استوكهولم (رويترز)
TT
20

إدانة 3 قُصّر في السويد بإطلاق نار على شركة إسرائيلية للمعدات الدفاعية

علم السويد بأحد شوارع استوكهولم (رويترز)
علم السويد بأحد شوارع استوكهولم (رويترز)

أدين 3 قُصّر في السويد، اليوم الاثنين، بالضلوع في إطلاق نار على مكتب لشركة «أنظمة إلبيت» الإسرائيلية للمعدات الدفاعية بمدينة غوتنبرغ العام الماضي، وفقاً لـ«رويترز».

وأفلت قاصر رابع من المحاكمة بعد اتهامه بتنفيذ إطلاق النار على مدخل المبنى في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ نظراً إلى أن عمره كان 13 عاماً فقط وقت الهجوم؛ أي أقل من السن التي تتيح محاكمته بموجب القانون السويدي.

ولم يسفر إطلاق النار عن إصابات. ولم يُشر الحكم إلى أي دافع للهجوم.

وقالت محكمة غوتنبرغ الجزئية في الحكم إن فتى كان عمره 15 عاماً في ذلك الوقت، أدين بتهمة التحريض على الشروع في القتل، وأصدرت حكماً باحتجازه 20 شهراً في منشأة معاقبة الأحداث.

وقالت إن الفتى أقنع القاصر منفذ الهجوم بإطلاق النار، مع علمه بأنه من الممكن بشكل كبير أن يسفر ذلك عن سقوط قتلى. ورفض محامي الفتى التعليق على الحكم.

ومع تبرئة القاصرين الآخرين من تهمة الشروع في القتل، فقد أدينا بتهم أقل خطورة؛ هي: المساعدة في تهديدات، وجرائم بالأسلحة، وإشراك شخص قاصر في جريمة.

وقالت الشرطة السويدية في مايو (أيار) الماضي إنها عززت الإجراءات الأمنية حول المؤسسات الإسرائيلية واليهودية في البلاد، بعد أن سمع رجال شرطة خلال إحدى الدوريات دوياً يشتبه في أنه إطلاق نار بالقرب من السفارة الإسرائيلية في استوكهولم.

وشهدت السويد انتشاراً واسع النطاق للعنف المسلح في السنوات القليلة الماضية، وذلك في المقام الأول من جانب العصابات الإجرامية.

وينص القانون السويدي على أن الحد الأدنى لسن تحمل المسؤولية الجنائية في البلاد هو 15 عاماً.