اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» السلطات في شرق ليبيا وغربها باستخدام «مجموعة كبيرة» من القوانين لـ«قمع» المجتمع المدني، بما فيها من عهد الرئيس الراحل معمر القذافي. كما نقلت عن نشطاء تعرضهم لـ«التعذيب»؛ ما اضطرهم إلى مغادرة البلاد.
ورأت المنظمة في بيان الاثنين، أن «استهداف السلطات المتسارع للنشطاء وأعضاء المنظمات الأهلية ومضايقتهم، يهدد بإغلاق المجال بالكامل أمام حرية التجمع وتكوين الجمعيات في البلاد»، وقالت: «ينبغي على السلطات وقف استهداف المنظمات المدنية، والتعجيل بتبني قانون للمجتمع المدني يتسق مع القانون الدولي».
وتوصف البيئة التي يعمل فيها المجتمع المدني في ليبيا بأنها «عدائية» و«طاردة». وسبق أن أعربت «مفوضية حقوق الإنسان» عن «قلق من قمع المجتمع المدني في ليبيا على نحو متزايد»، ودعت السلطات إلى «وقف الحملة ضد المدافعين عن الحقوق، والإفراج عن جميع المعتقلين تعسفياً».
وقالت «هيومن رايتس» إن «السلطات مدعومة بميليشيات غير خاضعة للمساءلة وأجهزة أمن داخلي تعسفية، استخدمت سلسلة من القوانين الموروثة الفضفاضة والصارمة التي تنتهك القانون الدولي، لتهديد أعضاء المجتمع المدني والنشطاء ومضايقتهم واحتجازهم تعسفياً والاعتداء عليهم».
ونقلت المنظمة عن ناشط ممن قابلتهم، أنه «تعرض للتعذيب أثناء الاحتجاز»، وقالت إنه منذ 2011 أصدرت السلطات «مراسيم ولوائح تفرض شروطاً مرهقة للتسجيل والإدارة؛ ما يمنع تأسيس المنظمات أو الحفاظ على وجودها في البلاد؛ ونتيجة لذلك غادر عشرات النشطاء البلاد، ولجأ من بقي منهم إلى الرقابة الذاتية والعمل في الخفاء».
وقالت حنان صلاح، المديرة المساعدة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة: «ينبغي على السلطات الليبية الإسراع بإنهاء سياساتها القمعية التي تسحق الفضاء المدني في البلاد، وتجعل من شبه المستحيل للمنظمات القيام بعملها الضروري».
وأوضحت المنظمة أنها أجرت مقابلات شخصية وهاتفية مع 17 عضواً من منظمات المجتمع المدني الليبي، ونشطاء في ليبيا وتونس، والتقت ممثلي اتحادات طلابية وأعضاء «المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان». ونوّهت إلى أن خمسة فقط من أعضاء المجتمع المدني وافقوا على إجراء مقابلات شخصية في ليبيا، وطلب البقية إجراء مقابلات هاتفية أو رفضوا التجاوب كلياً، خوفاً من مضايقات «جهاز الأمن الداخلي» في طرابلس.
ومن بين القوانين التي تقول المنظمة إنه يتم بها «قمع» المنظمات المدنية، القانون رقم 19 لسنة 2001 المطعون فيه بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية، والذي يقيد عمل المجتمع المدني، ويعتبره بعض الخبراء القانونيين ملغى بسبب اعتماد «الإعلان الدستوري لسنة 2011» من قبل «المجلس الوطني الانتقالي» الليبي، بالإضافة إلى قوانين أخرى تحكم حرية التعبير والجرائم الإلكترونية وقوانين غامضة الصياغة بشأن الجرائم ضد الدولة.
ويفرض قانون العقوبات الليبي عقوبات مشددة، منها الإعدام، على تشكيل تنظيمات «غير مشروعة»، وينص على عقوبات بالسجن على تأسيس جمعيات دولية أو الانتماء إليها دون «إذن مسبق».
ودعت «هيومن رايتس ووتش» السلطات التشريعية الليبية إلى إجراء إصلاحات على مواد قانون العقوبات التي تقوض من حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. وقالت: «ينبغي على السلطات إلغاء عقوبة الإعدام فوراً، بما فيها كعقوبة على تأسيس منظمات غير مشروعة أو المشاركة فيها».
![وزير الداخلية بشرق ليبيا عصام أبو زريبة ووكيلها فرج اقعيم (المكتب الإعلامي للوزارة)](https://static.srpcdigital.com/2025-01/935632.jpeg)
وقالت المنظمة إن السلطات في شرق ليبيا وغربها، والجماعات المسلحة، اعتقلت واحتجزت أعضاء المجتمع المدني، غالباً بتهم «زائفة ذات دوافع سياسية».
ولا يتوقف الجدل في عموم ليبيا بشأن منظمات المجتمع المدني. ففي منتصف أغسطس (آب) 2023 أثيرت حالة من اللغط إثر خطاب مسرّب لوزير الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عماد الطرابلسي، يدعو فيه رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة إلى إلغاء مفوضية المجتمع المدني، وعدم السماح للمنظمات الدولية بالعمل داخل الأراضي الليبية.
والخطاب الذي لم تؤكده الحكومة ولم تنفِه، تضمن طرد منظمات دولية عاملة في ليبيا، من بينها «العفو الدولية»، و«اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، بالإضافة إلى «هيومن رايتس ووتش».
![وزير الداخلية في حكومة الدبيبة عماد الطرابلسي (أ.ف.ب)](https://static.srpcdigital.com/2025-01/935711.jpeg)
واعتقلت السلطات في مناسبات عديدة واحتجزت نشطاء المجتمع المدني تعسفياً، بسبب عملهم في ليبيا. ونقلت المنظمة عن رئيس منظمة حقوقية أنه اعتُقل في ديسمبر (كانون الأول) 2020 أثناء زيارته إلى بنغازي (شرق ليبيا)، موضحاً: «احتُجزت في الحبس الانفرادي، واستُجوبت. كما حُلق شعري. ولم يُطلق سراحي إلا بعد تدخل النائبين الأول والثاني لمجلس النواب. الضمانة الوحيدة هي وجود قانون يحمي منظمات المجتمع المدني».
كما نقلت المنظمة عن ناشط «بارز» آخر من شرق ليبيا، أن مسلحين خطفوه في أجدابيا في يونيو (حزيران) 2021 واحتجزوه في سجن «قنفودة» بالقرب من البيضاء في شرق ليبيا، حيث احتُجز 40 يوماً في «الكتيبة 302 مشاة» التابعة للقوات المسلحة الليبية، وتعرض بشكل منتظم لظروف غير إنسانية وسوء معاملة.
وروى الناشط للمنظمة: «كان يدخل كل يوم عنصر إلى زنزانتي ويركلني، ويضربني بالعصا على كامل جسدي ووجهي ورجلي وظهري لإجباري على الاعتراف بالجرائم التي اتهموني بها. كانوا أحياناً يصورونني. كنت أحصل على رغيف خبز صغير يومياً مع قطعة جبن واحدة، وكنت أشعر بالجوع باستمرار».
ونوّه ستة من النشطاء ممن قوبلوا بأنهم اضطروا إلى مغادرة ليبيا والاستقرار في تونس، أو في بلد آخر، بسبب الخوف من التعرض للاضطهاد بسبب عملهم، وقال أحدهم إنه اضطر إلى مغادرة منطقته والاستقرار في طرابلس.