توسع أحكام الإعدام في السودان بمزاعم التعاون مع «الدعم السريع»

هيئة حقوقية: ما يحدث للنساء في ولاية النيل الأزرق «جرائم ضد الإنسانية»

شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT
20

توسع أحكام الإعدام في السودان بمزاعم التعاون مع «الدعم السريع»

شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

قالت هيئة حقوقية سودانية إن الأجهزة الأمنية المُوالية للحكومة في العاصمة المؤقتة بورتسودان، احتجزت أخيراً، 5 نساء تعسفياً، بمزاعم التعاون مع قوات «الدعم السريع»، مِن بينهن محامية، مشيرة إلى امتلاء المعتقلات والسجون بأعداد كبيرة من السجناء والسجينات بالتهم نفسها.

وأفادت عضو المكتب التنفيذي لهيئة «محامو الطوارئ»، رحاب مبارك، بأن الخلية الأمنية بمدينة الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق، جنوب شرقي البلاد، ألقت القبض على النساء، يوم الاثنين الماضي؛ لأسباب «جهوية وعرقية بحتة». وقالت، لــ«الشرق الأوسط»، إن النساء معتقلات في «وضع سيئ جداً ويمارَس بحقِّهن الابتزاز والتهديد بالسجن لفترة لا تقل عن 10 سنوات؛ لإجبارهن على الاعتراف قسراً بتعاونهن مع قوات (الدعم السريع)».

وأضافت أن الجيش السوداني ظل يرفض كثيراً من طلبات اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المعتقلات، علماً بأن غالبيتهن أمهات لا يجري السماح بزيارتهن. ولم يتسنَّ الحصول على تعليق من المتحدث باسم الجيش حول هذه الاتهامات.

تجدد الاشتباكات بين قوات «الدعم السريع» والجيش أجبرت آلاف السودانيين على الفرار من مساكنهم (أ.ف.ب)
تجدد الاشتباكات بين قوات «الدعم السريع» والجيش أجبرت آلاف السودانيين على الفرار من مساكنهم (أ.ف.ب)

وعدَّت القانونية ما يحدث للنساء في مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق وغيرها من مناطق السودان، أنه «يدخل ضمن الجرائم ضد الإنسانية ترتكبها الاستخبارات العسكرية والخلية الأمنية التابعة للجيش، وفقاً لتصنيفات عرقية». وقالت رحاب مبارك إن المعتقلين بمزاعم التعامل مع «الدعم السريع» يتجاوز عددهم المئات، حيث تصدر يومياً في محاكم الطوارئ والمحاكم الجنائية بمختلف ولايات البلاد أحكام بالإعدام والسجن المؤبد أو السجن لفترة تتراوح بين 6 و10 سنوات.

محاكمات سياسية

وأكدت مبارك أن هذه الأحكام، التي صدرت بحق المئات من المواطنين السودانيين، «محاكمات سياسية» لا يتوفر فيها أدنى مقومات الشفافية والعدالة بحقِّ مَن يجري اعتقالهم بهذه التهم.

وألقت السلطات الأمنية القبض على المئات من السودانيين في المناطق التي استردّتها من قوات «الدعم السريع»، ووجَّهت لهم تُهماً تحت مواد من القانون الجنائي تتعلق بالتعاون مع «منظومة إرهابية».

ويواجه الجيش السوداني والميليشيات التي تُقاتل في صفوفه اتهامات بارتكاب أعمال قتل خارج نطاق القانون، وانتهاكات واسعة ضد المدنيين العُزل في مناطق النزاع.

ورصدت هيئات حقوقية مستقلة، خلال الأشهر القليلة الماضية، توسع السلطات السودانية في إصدار أحكام الإعدام شنقاً حتى الموت ضد عشرات من الرجال والنساء؛ لإدانتهم، بموجب المواد 50 و51 و65 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، المتعلقة بإثارة الحرب ضد الدولة، والمشاركة مع قوات «الدعم السريع» في ارتكاب جرائم جنائية ضد المدنيين.

وقال قاضي درجة أولى، لــ«الشرق الأوسط»، إن «أغلب الأحكام يتأسس على بلاغات بالتعاون أو التخابر، أو شخص جرى تجنيده من قِبل (الدعم السريع)، بالإضافة إلى الأشخاص الذين تثبت عليهم تُهم الاشتراك في أعمال العنف أو النهب، مثلما حدث في كثير من مناطق النزاعات».

وأضاف القاضي، الذي طلب حجب هويته، أن كثيراً من هذه الأحكام تسقط في درجات الاستئناف، وقد لا تجد التأييد في المحاكم العليا. وأوضح أنه إذا لم تثبت للنيابة بيِّنة لانخراط المتهم في موجبات الاتهام فوق مرحلة الشك المعقول لنشاطه مع قوات «الدعم السريع»، يُخلى سبيل المتهم دون محاكمة. وقال القاضي إن أغلب البلاغات والأحكام، التي صدرت ضد الأشخاص بالتعاون مع «الدعم السريع»، سُجّلت في ولايات البحر الأحمر ونهر النيل والولايات الشمالية.

القضاء الحالي غير معتمد

بدوره قال قانوني وخبير في حقوق الإنسان إن العقوبات الصادرة من القضاء الحالي لا يُعتدّ بها قانوناً؛ لكونها تتلقى الأوامر من الأجهزة الرسمية والحكومية. وأضاف القانوني، الذي فضل عدم ذكر اسمه لوجوده داخل البلاد، «أن هذه الأحكام ذات طابع سياسي، وأصبحت من أدوات الحرب، وطالت كثيراً من الأبرياء». وأشار إلى أنه منذ اندلاع الحرب، درجت السلطات الأمنية، التابعة للجيش السوداني، على القبض بالاشتباه على الفارّين من العاصمة الخرطوم وغيرها من الولايات، مما عرّض كثيراً من الأشخاص للاعتقال والتعذيب دون وجه حق.

وقال إن الغرض من هذه الأحكام مخاطبة الخارج بالانتهاكات التي ترتكبها قوات «الدعم السريع»، لتحقيق مكاسب سياسية، وليس لها أي علاقة بالقانون والعدالة. وأشار، في هذا الصدد، إلى البلاغات «الكيدية ذات الطابع السياسي»، التي سبق أن دوَّنتها النيابة العامة في مواجهة قادة «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)»، التحالف السياسي الأكبر في البلاد، وخاطبت الإنتربول الدولي بالقبض عليهم.

وأصدر قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في مطلع أغسطس (آب) من العام الماضي، قراراً بتشكيل لجنة لجرائم الحرب وانتهاكات «الدعم السريع» برئاسة النائب العام، وعضوية ممثلين عن القوات المسلحة، والمخابرات العامة، والداخلية، والشرطة، ومفوضية حقوق الإنسان، ووزارتي العدل والخارجية.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأفريقي يعرب عن قلقه من تصاعد العنف في السودان

شمال افريقيا صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر تصاعد الدخان في مخيم زمزم الذي يستضيف النازحين وسط الصراع الدائر في السودان في شمال دارفور 11 أبريل 2025 (رويترز)

الاتحاد الأفريقي يعرب عن قلقه من تصاعد العنف في السودان

عبّر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، اليوم (الاثنين)، عن القلق البالغ إزاء تصاعد العنف في السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا سودانيون فرّوا من مخيم زمزم للنازحين داخلياً بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» يسيرون في مخيم مؤقت بالقرب من بلدة طويلة في منطقة دارفور غرب السودان خلال 13 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: 400 قتيل على يد «الدعم السريع» في دارفور

قُتل أكثر من 400 شخص في الهجمات التي نفّذتها أخيراً «قوات الدعم السريع» في إقليم دارفور بغرب السودان، حسب ما نقلت الأمم المتحدة عن «مصادر موثوقة»، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون من غرب دارفور بالسودان في مستشفى أدري بتشاد 16 يونيو 2023 (رويترز)

الأمم المتحدة: أكثر من مليون سوداني عبروا الحدود إلى تشاد

قال مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إن أكثر من مليون سوداني عبروا الحدود إلى تشاد، مشددا على ضرورة بذل كل جهد ممكن لإحلال السلام في السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
العالم العربي 50 مليون سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في ظل أزمات صحية متزامنة ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية (أ.ف.ب)

«أطباء بلا حدود»: السودان يشهد تفشياً لأمراض الحصبة والكوليرا والدفتيريا

حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، اليوم الاثنين، من أن السودان يشهد تفشياً لأمراض الحصبة والكوليرا والدفتيريا، نتيجة سوء الأوضاع المعيشية، وتعطل حملات التطعيم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
خاص عناصر في الجيش السوداني يحتفلون بعد استعادتهم القصر الجمهوري في الخرطوم 21 مارس (أ.ب) play-circle 01:38

خاص حرب السودان في عامها الثالث... «البندقية» تلاحق المدنيين

تزداد الحرب السودانية، وهي تدخل اليوم عامها الثالث، بشاعة كل يوم؛ إذ ترتفع وتائر القتل الميداني، وإطلاق الرصاص على الهوية والعِرق والجهة... والمواطن هو الهدف.

أحمد يونس (كمبالا)

حرب السودان... عام ثالث ولا حلول في الأفق

نازحون من مخيم زمزم الذي استولت عليه «قوات الدعم السريع» في شمال دارفور 14 أبريل 2025 (أ.ف.ب)
نازحون من مخيم زمزم الذي استولت عليه «قوات الدعم السريع» في شمال دارفور 14 أبريل 2025 (أ.ف.ب)
TT
20

حرب السودان... عام ثالث ولا حلول في الأفق

نازحون من مخيم زمزم الذي استولت عليه «قوات الدعم السريع» في شمال دارفور 14 أبريل 2025 (أ.ف.ب)
نازحون من مخيم زمزم الذي استولت عليه «قوات الدعم السريع» في شمال دارفور 14 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

تدخل حرب السودان، اليوم، عامها الثالث، من دون أفق واضح لحل قريب، إذ يتمسك طرفا الحرب؛ الجيش و«قوات الدعم السريع»، بعدم التفاوض وحسم الصراع عسكرياً.

وقدرت تقارير أممية الخسائر المادية بـ200 مليار دولار، والبشرية بمئات الآلاف من القتلى والجرحى، مع دمار أكثر من 60 في المائة من البنية التحتية، وتشريد نحو 15 مليون شخص بين نازح ولاجئ، في أزمة وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها الأسوأ في القرن الـ21، فيما وصفتها منظمة الهجرة الدولية بأنها «أكبر كارثة نزوح في العالم».

في غضون ذلك، تنتشر بكثافة مقاطع تصور المآسي والإعدامات الميدانية، وإطلاق الرصاص على الهوية والعِرق والجهة. وكوْن الحرب دارت داخل المدن، فقد كانت حصيلتها ضخمة؛ إنسانياً ومادياً.

وينظر السودانيون بشيء من الأمل إلى مخرجات مؤتمر دولي يعقد في لندن، اليوم، بمشاركة وزراء خارجية 20 دولة، لبحث سبل إنهاء الصراع الدامي.