«سامي»: جاءني «قيصر» بصور ضحايا التعذيب فتقاسمنا الخطورة والهموم

قال إن «سرية المداهمة» قتلت أكثر من نصف الضحايا... وقتلى الفرع 227 الأكثر فقداً لعيونهم (1 من 3)

TT

«سامي»: جاءني «قيصر» بصور ضحايا التعذيب فتقاسمنا الخطورة والهموم

أسامة عثمان خلال المقابلة (الشرق الأوسط)
أسامة عثمان خلال المقابلة (الشرق الأوسط)

على مدى 10 أعوام، انشغل العالم بمعرفة الهوية الحقيقية لرجلين: «سامي» و«قيصر». سرّب الرجلان مشاهد التعذيب في سجون نظام بشار الأسد، فصدر قانون «قيصر» الأميركي وحصلت محاكمات في أوروبا. وبعد سقوط الأسد، اختار «سامي» أن يكشف هويته الحقيقية للمرة الأولى، وهي أسامة عثمان، عبر «الشرق الأوسط». لكن قلق الرجل في اللقاء الأول القصير محدد الهدف وقتها لم يتح كتابة القصة الكاملة لـ«سامي» و«قيصر». فكان هذا اللقاء في باريس مع أسامة عثمان، ليروي لنا كيف وُلِد «قيصر» و«سامي»، ورحلتهما من ريف دمشق إلى محاكم العالم لملاحقة الجلادين.

* بماذا شعرت حين بلغك أن بشار الأسد فرّ من سوريا؟

- الحقيقة أننا حرمنا من أن نعيش الفرحة بسقوط بشار الأسد في لحظة حاسمة. لم يقل: أنا أستقيل أو أتنحى أو سأترك البلاد. هو بكل بساطة ركب طائرته وغادر البلاد. لا نعرف كيف ولم يتم تأكيد سقوطه في لحظة واحدة، وإنما عشنا أياماً عدة حتى نتأكد أن بشار الأسد فعلاً لم يعد في سوريا، وأن سوريا أصبحت سوريا فقط. سوريا الحرة وليست سوريا الأسد. لذلك كانت فرحتنا أيضاً مجتزأة وممتدة على مدى هذه الأيام تختلط بالأمل والخوف والرغبة والترقب، حتى تأكدنا أخيراً أن بشار الأسد قد رحل إلى الأبد عن سوريا.

«وصلنا يا قيصر»

* هل كان هذا رد فعل شريكك «قيصر» نفسه؟

- خلال هذه الأيام لم أتصل بـ«قيصر». كانت مشاعرنا متضاربة، ونحاول أن نصل إلى خبر أكيد بسقوط بشار الأسد، وما الذي ستؤول إليه الأمور. الحقيقة أن زحمة الأحداث والابتهاج المشوب بالقلق حرماني من أن أتصل بـ«قيصر» في هذه اللحظة التي خرجنا في سبيل الوصول إليها والتي تحققت أخيراً. بعد ذلك، ربما ومن خلالكم، أقول له: وصلنا يا «قيصر». تحقق ما كنا نحلم به وأسقطنا الأسد. ليس «سامي» و«قيصر»، وإنما دماء هؤلاء الشهداء في المعتقلات وخارجها، وجهود جميع السوريين الذين دفعوا الكثير من الدماء حتى وصلنا إلى هذه اللحظة اليوم. نحن أحرار، وسوريا حرة.

* هل شعرت أن جهد هذه السنوات الطويلة لم يذهب هدراً؟

- أشعر أن الشعب السوري دفع ثمناً أكبر بكثير مما يستحقه مجرم مثل بشار الأسد. هو لم يكن باقياً في منصبه طوال السنوات السابقة بذكائه ولا بقوته ولا بمحبة الشعب له، وإنما نعلم جميعاً أنه بقي بواسطة الآلة الأمنية القمعية لنظامه ولحلفائه وجميع أفراد الميليشيا المجرمة التي استجلبها إلى سوريا لتستبيح الدماء والأعراض والمقدرات.

* هل تعتبر حلفاء الأسد شركاء في التعذيب؟

- حلفاء الأسد هم شركاء في تدمير سوريا. لكن أنا من موقعي في منظمة حقوقية لدي ملفات تتعلق بمعتقلين ماتوا تحت التعذيب، لا أستطيع أن أقول إن من قام بتعذيب هؤلاء هي الجهة الفلانية أو الجهة الفلانية إلا ما تثبته الوثائق والأدلة الموجودة بين أيدينا. لكن بشكل عام من الناحية المنطقية، طبعاً هؤلاء كانوا شركاء في قتل كل من قُتل في سوريا. وكل قطرة دم سالت في سوريا، حلفاء الأسد شركاء فيها. كل من رفع يده في مجلس الأمن بفيتو ضد قرار يحرر السوريين من سلطة بشار الأسد وهيمنته ونظامه القمعي، هو شريك أيضاً.

الصورة الأولى ولحظة القرار

* متى ولدت فكرة جمع الأدلة على عمليات التعذيب في السجون السورية؟

- في بداية الثورة وبعد مضي شهرين تقريباً - أظن في مايو (أيار) 2011 - اتفقت مع «قيصر» على أن يتم جمع الصور التي ترده والتي كما قال لي حينها تظهر عليها آثار تعذيب شديد. وهذا الأمر لم يكن يحصل سابقاً في قسم الأدلة القضائية؛ لأن اختصاص القسم هو تصوير الحوادث التي يكون أحد أطرافها من مؤسسات الدولة، أو أبناء المؤسسات الأمنية والعسكرية في الجيش السوري بشكل طبيعي وروتيني.

بعد بداية الثورة أصبحت هذه الصور تتضمن أشخاصاً تظهر عليهم آثار تعذيب شديد وتدل على أن وفاتهم لم تكن بشكل طبيعي أو نتيجة حادث. كان «قيصر» في هذه المرحلة لا يريد أبداً أن يكون شريكاً حتى في تصوير هذه الفظائع. أراد أن ينأى بنفسه تماماً عن هذه الآلة المجرمة، إما عبر الانشقاق - وهذا يعرضه لخطر شديد ويعرض عائلته لهذا الخطر - وإما عبر التقاعد أو الاستقالة من الجيش بشكل ما.

في هذه الفترة، كانت لا تزال في ذاكرتي مشكلة المفقودين في مجزرة حماة عام 1982. لدينا في سوريا آلاف الحالات التي لم تعترف الدولة بأنهم اعتقلوا ولم تعترف بأنهم ماتوا. هؤلاء في نظر القانون مفقودون. والمفقود سيسبب مشاكل قانونية وإدارية في نقل الملكية وفي الإرث وفي الطلاق وفي حالات إنسانية كثيرة لعائلته وأبنائه وإخوته. هذه المشكلة كانت كبيرة جداً، والكثير من العائلات السورية عانت منها طوال عقود عدة، فتبادر إلى ذهني أن جمع هذه الأدلة ربما سيوفر لأهلنا السوريين الدليل على أن أبناءهم الذين فقدوا تم اعتقالهم من المظاهرات أو في الشوارع أو في المداهمات، وقد آل بهم الأمر إلى أن يصبحوا ضحايا تحت التعذيب.

رغم بشاعة الأمر، فإنه كان على الأقل سيوفر دليلاً قانونياً واضحاً وأيضاً مريحاً. يعني أنت لن تكون متوازناً نفسياً إذا فُقد لك قريب. (أما) عندما تعلم أنه مات، فلا حول ولا قوة إلا بالله. كانت تتصل بنا بعض الأمهات في مرحلة لاحقة، وتقول إحداهن: «يعني بس بدي أتأكد». تريد أن تصل إلى درجة من الارتياح وتتوقف هذه اللهفة وهذه الهواجس التي تعتريها أن ابنها تحت التعذيب أو أين هو الآن؟ ماذا يُفعل به؟

قررنا أن نقوم بجمع هذه البيانات. قلنا: ربما (بما أن) الثورة المصرية شهران وتونس ثلاثة أشهر. كذلك ربما بضعة أشهر وتنتهي الثورة في سوريا ونقوم بإعلان ما لدينا من وثائق لأبناء شعبنا في سوريا. طال الأمد وامتدت الشهور، وزادت آلة الإجرام للنظام في انتهاك دماء وحرمات السوريين ومقدراتهم. هنا انتقلنا إلى جمع هذه البيانات بشكل رتيب. حتى لم نكن نفكر ماذا سنفعل بعد ذلك. كنا نعيش خوفاً ونسمع القصف العشوائي، وأيضاً المداهمات العشوائية للنظام.

* حين أراك «قيصر» الصورة الأولى، ماذا كان رد فعلك؟ كان عليك أن تتخذ قراراً، إما تناسي هذا الموضوع أو السير فيه. بماذا شعرت؟

- النظام السوري يُتوقع منه كل شيء، ونحن مستعدون نفسياً منذ البداية لمواجهة نظام مجرم لأن ما حصل في الثورة السورية من عمليات اعتقال وقتل تحت التعذيب هو أمر ليس جديداً. الجديد هو الزخم وزيادة عمليات القتل بهذا الشكل الذي رأيناه حتى كادت تصل إلى العشرات يومياً. كان يصل إلى «قيصر» قبل أن يترك عمله عدد كبير من الجثث يومياً للتصوير. أؤكد أن ما تم في الثورة السورية كان يمارسه النظام لعقود بحق السوريين في السجون المختلفة، نظام حافظ الأسد ثم بشار الأسد. الذي حصل الآن أن هذا الأمر ظهر إلى العلن نتيجة الثورة السورية، ونتيجة ما أصبح لدينا من تكنولوجيا متطورة.

* ماذا قلت لـ«قيصر» حين رأيت الصور؟

- في البداية، شعرت بالخوف على «قيصر»؛ لأنه كان من الممكن في أي لحظة أن يتحول إلى صورة مثل هؤلاء. قررت مباشرة أنه ينبغي أن نقوم بجمع هذه الصور، لأن العمل الذي يقوم به «قيصر» والقسم الذي هو فيه في المؤسسة العسكرية التي يعمل بها يمكن من خلاله أن نجمع بيانات كثيرة تفيدنا فيما بعد. وكما ذكرت سابقاً لم أكن بهذه اللحظة، لا أنا ولا «قيصر»، نفكر بأن يتطور الأمر إلى قضاء عالمي، وإلى محاولات محاصرة النظام بهذه الجرائم.

* هل كان «قيصر» متحمساً؟

- «قيصر» كان أمام خيارين: إما أن يترك العمل وهذا يعرضه للخطر ويعرض أهله للخطر، أو أن يجد طريقة قانونية للانسحاب من هذا العمل. لكن هو بنفسه كان يرى أن قرار الانسحاب لا يليق بنا ولا يليق بأهلنا. يعني أنا لم أضغط على «قيصر» كي يستمر في العمل طبعاً. هذا كان قراراً مشتركاً وبتوافق وقناعة من الطرفين. تقاسمنا الخطورة وتقاسمنا الهموم، وتقاسمنا العمل في الداخل وفي الخارج أيضاً.

* هل فكرت أن هذا الموضوع قد يكلفك حياتك في أي لحظة؟

- نظام الأسد يشكل خطراً وتهديداً على حياة كل إنسان في سوريا، سواء ارتكبت شيئاً أو لم ترتكب. يعني عندما تقوم بقصف مدينة بصواريخ «سكود» أو بالبراميل المتفجرة أو بمدفعية الهاون ومدفعية الميدان، فأنت بالتأكيد تشكل خطراً على جميع المدنيين الموجودين في مرمى هذه الأسلحة. لذلك لم نكن نحن بمعزل عن هذه الصورة، ولم نكن منفصلين عن هذا الواقع. نحن نتعرض لهذا الخطر بشكل دائم، وحتى قبل الثورة. ربما الثورة هي التي أفضت إلى تسريع هذه العملية وإظهار إجرام النظام.

أسامة عثمان خلال المقابلة مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط» غسان شربل (الشرق الأوسط)

قيامنا بهذا الأمر، وهو أرشفة هذه البيانات، رتّب علينا خطورة مضاعفة بشكل مؤكد، لكن في خضم هذه الثورة التي يدفع فيها الجميع دماءهم في سبيل الحرية، لم أفكر يوماً أن هذا الأمر الذي أقوم به وهذا الخطر الذي يترتب عليه هو أمر زائد على الآخرين. بالعكس، أنا كنت أجد أنني أقوم بدوري على طريقتي الخاصة في هذه الثورة.

توسيع المجموعة على حسب الحاجة

* في البدايات من كان يعمل في إطار هذا الموضوع؟ أنت و«قيصر» فقط؟

- في الأشهر الأولى، نعم. كان الأمر كما ذكرت سرياً للغاية، حتى على عائلاتنا وأهلنا وبيوتنا. بعد ذلك، كان لا بد من بناء فريق يحيط بنا لتأمين الحماية لي ولـ«قيصر»، وتأمين الكثير من الخدمات التي تحول دون فقدان هذه البيانات فيما لو قُتل أحدنا أو كلانا. لذلك بدأ الفريق يتوسع بعد شهرين أو بعد الأشهر الثلاثة الأولى، وامتد بنا الأمر وأصبح هذا الفريق الأساسي الذي تشكّل في سوريا يضم إليه أشخاصاً آخرين في مراحل مختلفة، حسب الهدف الذي نريد أن نحققه في الداخل أو بعد أن خرجنا.

* كيف حافظتم على السرية في الفريق؟

- السرية الحقيقية لم تكن مطلقة. لا أستطيع أن أزعم أنني كنت محاطاً بسرية كاملة إلا في المرحلة الأولى. يعني في المرحلة التي سبقت خروجنا من البلاد، كان عدد الأشخاص الذين يطلعون على هذه البيانات محدوداً جداً. تقريباً 6 أشخاص، منهم أخي و«قيصر» و3 أشخاص آخرين. وطبعاً زوجتي كانت على اطلاع بهذا الأمر. فإذا أردت أن تحصيهم فهم 7 أشخاص.

* تحركت لأنك شاهدت هذه الصور. أين كانت الصورة الأولى؟ من سجن صيدنايا مثلاً؟

- الصور كانت تأتي من قسم الأدلة القضائية في فرع الشرطة العسكرية، وهذا الأمر يعني أن هذه الصور تتبع الضحايا الذين يتم قتلهم تحت التعذيب في فروع الأمن المنتشرة في مدينة دمشق. ليست لدينا صور مكتوب عليها أو محددة بأنها صور صادرة عن سجن صيدنايا.

«قيصر» مخفياً هويته بمعطف أزرق خلال جلسة نقاش في الكونغرس الأميركي لقانون حماية المدنيين السوريين (أ.ف.ب)

الفرع 227 والعيون المفقودة

* ما هو الفرع الأكثر قسوة؟ هل اختلف التعذيب بين فرع وآخر؟

- بعد أن قمت بأرشفة الصور الأرشفة البدائية، وهي أن أقوم بفرز الصور حسب تبعيتها للفرع، تبين لي أن ما يزيد على 50 في المائة من الضحايا يعودون إلى الفرع 215. هذا الفرع يسمى «سرية المداهمة». هو في الأساس ليس فرعاً أمنياً، وإنما هو سرية مداهمة واقتحام يفترض أنها تقوم بالتعاون مع بقية الفروع الأمنية. لكنها تحولت إلى ما سُمي فيما بعد بـ«الفرع 215»، الذي قام بأكثر من 50 في المائة من عمليات قتل المعتقلين تحت التعذيب، لكن ما لفت انتباهي أن المعتقلين في الفرع 227 كان فيهم نسبة كبيرة من الأشخاص الذين فقدوا عيونهم. لا أستطيع أن أقول ولا أدعي أن هذه العيون انتزعت انتزاعاً من محاجرها، أو أنها تعرضت (لذلك) عندما تم إلقاؤها في العراء. كانت هناك الحشرات التي تقوم بأكل العيون في محاجرها، وهذا نلاحظه من عدد كبير من الصور لتجمع الحشرات على العين بشكل واضح في صور اللقطات القريبة. فربما يكون جفاف العين هو الذي أدى إلى أن يظهر الضحية وكأن عينه مفقودة، أو نتيجة هذه الحشرات التي تقوم بأكلها.

* هل تم معظم القتل بالرصاص أم بآلات حادة؟

- لا يمكنني أن أعطي إجابة لهذا السؤال لأنها مرهونة بالأطباء المختصين بهذا الأمر. ربما يكون لي رأي، ولكن بوصفه ملفاً حقوقياً لا أستطيع أن أقول فيه بالرأي والظن، لذلك قمت بعد أن وصلت إلى أوروبا بتزويد السلطات الألمانية بنسخة كاملة من هذا الملف كي تعمل على تدقيق هذه البيانات. اليوم عندما أقول إن هذه الوثيقة تدين بشار الأسد، لا يكون لكلامي قيمة لأنني لست صاحب اختصاص. لذلك أردت أن أضفي هذه القيمة على «ملفات قيصر» بأن أخرجها من أي تداول إعلامي أو سياسي إلى سياق قانوني بحت، فلجأت إلى السلطات الألمانية والفرنسية. وطلبت حتى من هذه السلطات أخذ شهادتي، حتى إذا تعرض «سامي» لأي مكروه لا تُفقد المعلومات التي يملكها.

في ألمانيا تم تأكيد أن هذا الملف صحيح وحقيقي، وأنه يعود إلى السلطات في سوريا.

* متى تم ذلك؟

- هذا الكلام كله بعد 2015. التواصل مع السلطات الألمانية تم عن طريق مكتب «المركز الألماني للحقوق والحريات الدستورية» بمساعدة محامي صديق سوري اسمه إبراهيم القاسم، عمل معنا في تلك الفترة. وقدمت شهادتي وسلمت نسخة من الملف إلى المدعي العام الاتحادي. بعد ذلك بعام أو أكثر، تم تأكيد أن هذا الملف ملف تعذيب ويشكل انتهاكات لحقوق الإنسان، وأن المسؤول عنه حكومة النظام السوري.

امرأة وأطفال ومرضى بين الضحايا

* هل هناك أطفال ونساء بين صور الضحايا؟

- القسم الذي يسمى «الضحايا تحت التعذيب» في هذا الملف توجد فيه صورة لامرأة واحدة. أما الأطفال، فإذا كنا نتكلم عن الأشخاص دون الثامنة عشرة، فنعم يوجد - ليس فقط أطفال - وإنما يوجد أيضاً مرضى كان واضحاً أنه تم انتزاعهم من المشافي أو تم قتلهم في المشافي، لا أستطيع أن أجزم، ولكن الأجهزة الطبية التي تجدها على أجسادهم مثل الأنابيب في الذراع وملصقات قياس الضغط ودقات القلب والقسطرة وغيرها، و«أكياس السيروم»، وكل هذه تدل على أن هؤلاء كانوا مرضى يتلقون العلاج بطريقة أو بأخرى ثم قُتلوا.

* حين كانوا يقتلون معتقلاً معيناً، ماذا يُسمّون العملية؟

- يكتبون على الملف: وفاة الموقوف رقم كذا فقط.

* من دون شرح الأسباب؟

- فيما بعد يتم تنظيم ضبوط بالضحايا. هذه التفصيلة بالذات أحب أن يقولها «قيصر» بنفسه عندما يقرر أن يظهر، لأنها هي صلب عمل «قيصر». يعني هذا السياق الدقيق من العمل داخل فرع الأمن العسكري أو الشرطة العسكرية؛ فهذا يعود إلى «قيصر»، فإذا تكلمت أنا إنما أتكلم نقلاً أو أتكلم بما سمعت. ولا أستطيع أن أقول بما لم أره؛ لأنني تقدمت كما ذكرت سابقاً بشهادات حقوقية أمام القضاء الألماني وأمام وحدة مكافحة جرائم الحرب الفرنسية.

لذلك لا ينبغي أن أخوض في أي تفاصيل قد تسيء إلى المسار القانوني، لأن العمل الحقوقي والأدلة القضائية ينبغي لهما ألا ينتهكان على صفحات التواصل الاجتماعي وعلى شاشات الإعلام بشكل يفقدهما قيمتهما القانونية. الشعب السوري يعرف ما أقول تماماً، لأننا عانينا كثيراً من فقدان القيمة القانونية لأدلة قاسية جداً، كانت عندما تصل إلى المحكمة تكاد قيمتها القانونية أن تكون معدومة.

* كم تقدر عدد الصور التي احتواها الملف؟

- الملف يتضمن صوراً لضحايا قتلوا تحت التعذيب. ولكل صورة لقطات عدة. أحياناً قد تكون لجثة واحدة لقطتان إلى 5 أو 6 لقطات، حسب الإصابات والعلامات المميزة في جسم الضحية، لذلك لدينا أقل من 27000 لقطة لأقل من 7000 ضحية.

رحلة الخروج من سوريا

* متى توقف جمع الأدلة؟

- في نهاية عام 2013، أصبح هناك خطر كبير على الأشخاص القائمين على هذا الملف وعلى البيانات التي بحوزتنا. كان يمكن أن نبقى ونحصل على بيانات أكثر، ولكن عندما تقارن خطورة الوضع الذي أنت فيه بفائدة أن تجمع صوراً أكثر، تجد أنه من الأنسب أن تخرج بما لديك قبل أن تفقد ما لديك وأن يفقدك أهلك.

* خرجت بأي تاريخ وكيف؟

- أنا لم أكن مطلوباً للنظام. خرجت بشكل طبيعي لاتجاه لبنان في نهاية عام 2013، بعد ذلك تبعتني العائلات و«قيصر»، وانتهت عملية التوثيق. ليست لدينا وثائق بعد سبتمبر (أيلول) 2013. أمضيت في بيروت أقل من أسبوعين. وتنقلت في دول عدة، واستطعت إخراج العائلات وإخراج «قيصر» أيضاً. بعد ذلك كانت محطة مميزة جداً في عمر هذا الملف في قطر.

* هل خرج «قيصر» إلى بيروت أيضاً؟

- «قيصر» لم يكن معي حين خرجت. كنت أنا وشخص آخر. كان «قيصر» في سوريا، ولا يزال على رأس عمله. لم يذهب إلى بيروت، ولا أريد أن أجيب على أسئلة دقيقة حول حركة «قيصر» في فترة خروجه، وأترك هذا له وأيضاً للمحامين.

* تحدثت عن محطة الدوحة. ماذا جرى فيها؟

- في محطة الدوحة كنت أنا و«قيصر» وبعض الإخوة. تم التأكد مرة أخرى من أن هذا الرجل فعلاً كان موظفاً في النظام السوري في المؤسسة العسكرية، وأن هذه الصور حقيقية غير مفبركة، وهذه مرحلة كانت قبل أن أقوم أنا بتسليم نسخة من هذا الملف إلى السلطات الألمانية. هنا، كانت الشرارة الأولى، وهنا كانت ولادة «سامي» و«قيصر».

ولادة اسمي «قيصر» و«سامي»

* من سمّاكما «سامي» و«قيصر»؟ هل أنتما من اخترتما الاسمين؟

- قيصر هو «الشاهد الملك»، كما يقولون، باعتبار أن هذه قضية والشاهد الأهم والأخطر فيها هو «قيصر». في اللغة العربية نقول: «الشاهد الملك»، وهذه كلمة طويلة. الملك ربما يكون كأن نقول «قيصر»، فليكن «قيصر» إذن. لا أستطيع أن أذكر مَنْ مِنَ الحاضرين اقترح هذا الاسم ومن وافق عليه، لكن في النهاية تم إقرار أن هذا هو «قيصر».

* و«سامي»؟

- التفت الحاضرون إليّ وقالوا: وأنت يجب أن يكون لك اسم. اقترحوا أسماء عدة وجدتها غير ذات دلالة وطويلة، فضلت أن أكون «سامي». كان عندي صديق مقرب جداً وأحبه، ربما لم ألتقه الآن منذ 15 عاماً. فقلت «سامي». هذا أيضاً سيكون سهلاً في اللغات الأخرى.

* هل طالت إقامتكما في الدوحة؟

- كانت إقامة محدودة.

* ثم إلى أوروبا؟

- ثم إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.

سنوات ضعف الثورة

* هل تلقيت دعماً من دول أم من منظمات؟ هذه الحركة تحتاج إلى أموال وحماية.

- نحن كأشخاص لم نتلق هذا الدعم. كنا في هذه المرحلة نتعامل مع مجموعة من السوريين في المعارضة وهم قاموا بترتيب هذه اللقاءات من دون أن نكون نحن على علاقة مباشرة مع الجهة المضيفة. يعني أنا في قطر لم أجلس مع الإخوة في الحكومة القطرية بشكل مباشر أبداً. بعد ذلك انتقلنا إلى تركيا. ونحن هنا أشخاص ولسنا منظمة، ولسنا جهة نتلقى تمويلاً أو تحتاج إلى مساعدات أو أي شيء. بعد تركيا انتقلنا إلى أوروبا، وأصبحنا نتصرف كأفراد نحمل هذا العبء. متطوعون منذ اليوم الأول في الثورة، وحتى اليوم.

لاحقاً، حين وجدت أن وتيرة الاهتمام بالملف السوري أصبحت منخفضة جداً، والأرض في سوريا بدأت تعود للنظام بعد التدخل الروسي، وانحسر الاهتمام الدولي بالملف تدريجياً. في هذه المرحلة تساءلت: لماذا تحملت هذه المخاطر وحملت هذه المخاطر لأهلي ولمن هم حولي من دون أن أحصل على فائدة؟ هل الفائدة أن أذهب إلى أوروبا وأصبح لاجئاً هناك؟ هذا ليس ما خرجت لأجله، ولا ما أريده لي ولأبنائي. كانت هناك مهمة أصبحت تذوب أمام عيني وتتفكك. أحسست أنني أخسر هدفي وأخسر السبب الذي خرجت من أجله، لذلك بادرت بشكل مباشر بالتواصل مع السلطات الفرنسية، وقلت لهم: أريد أن أعطيكم نسخة من الملف، وأريد أن أتقدم بشهادتي أمام وحدة مكافحة جرائم الحرب الفرنسية، وقد كان.

فرنسا لم تكن تعمل بمبدأ الولاية القضائية العالمية، يعني إذا لم يكن المجرم أو الضحية فرنسياً أو مقيماً على الأراضي الفرنسية، فإن القضاء الفرنسي لا يستطيع أن يقيم محاكمة. الدولة التي تتحقق فيها هذه الشروط هي ألمانيا. بدأنا برحلة لدعم مسار حقوقي يرسخ مبدأ أساسياً وهو أن هذا النظام مجرم ارتكب انتهاكات حقوق إنسان، وارتكب أعمال إبادة جماعية، والهدف من هذه الحركة أن نحول دون إعادة تلميع هذا النظام بأي شكل من الأشكال، مهما كانت المستجدات على الأرض السورية، سواء كان متغلباً عسكرياً أو حتى لو كان مقبولاً سياسياً من بعض الدول. وضعنا العصا في العجلة وأوقفنا عجلة التطبيع مع النظام، وجعلنا من الصعوبة بمكان أن يُعاد تسويقه.

السياسة لا تعمل بالمبادئ الأخلاقية، لكنْ لدينا ملعب حقوقي يمكن أن نعمل فيه، وبأضعف الوسائل. وقد كان. لذلك أصبح «ملف قيصر» هو العقبة الوحيدة لسنوات عدة من ضعف الثورة السورية وانصراف العالم عنها. كان «ملف قيصر» في هذه اللحظة هو العقبة الوحيدة أمام فرش البساط الأحمر لبشار الأسد في عواصم العالم.

ولذلك رأيت أن نقوم بتشتيت الخطر، فعندما يكون هذا الملف في حوزة أشخاص محدودين، ولا يقومون بأي عمل أو ربما يقومون في المستقبل بأي عمل، قد يُستهدف هؤلاء الأشخاص. لكن عندما تحول هذا الملف إلى مسألة دولية ومسألة حقوقية وتعطي شهادتك، وتعطي نسخة من هذا الملف إلى الجهات التي يمكن أن تعمل عليه وليس جهة واحدة، فأنت تشتت الخطر الذي قد تتعرض له كشخص.

كواليس «قانون قيصر»

* من صاحب فكرة الذهاب إلى أميركا؟

- لم تكن لدينا فكرة أن نذهب إلى أميركا. حصل ضغط علينا من بعض المنظمات السورية العاملة في الولايات المتحدة لعرض هذه القضية على الإدارة الأميركية. كان عندي قناعة أن إدارة الرئيس باراك أوباما لا تريد أن تفتح هذا الملف وغير مهتمة بفتحه، فعندما كنت في الأردن، وصلت الصور الأولى من هذا الملف إلى مكتب الخارجية الأميركية عن طريق عضو مجلس شعب منشق عن النظام السوري اسمه محمد برمو. ولم تبد الخارجية الأميركية أي اهتمام بهذا الأمر إطلاقاً.

بعدها بسنة تقريباً تم الضغط علينا من قبل المنظمات السورية الموجودة في الولايات المتحدة. هم يعلمون تماماً كواليس صنع القرار في الولايات المتحدة ويعرفون كيف يستطيعون أن يصنعوا فارقاً وأثراً باستخدام هذا الملف، حتى لو كان الجالس في البيت الأبيض لا يريد. كانت معركة طويلة خاضها إخوتنا في المنظمات السورية في الولايات المتحدة، وتُوّجت بما سُمي فيما بعد بـ«قانون حماية المدنيين السوريين»، الذي أطلق عليه اسم «قانون قيصر».

* هل تعتقد أن «قانون قيصر» ساهم مساهمة كبيرة في تقويض النظام السوري؟

- هذا السؤال معطل إلى حد كبير. ربما يحتاج إلى دراسات لكي تحدد فعلاً ما الذي فعله «قانون قيصر» بالنظام السوري، لكن بالتأكيد «قانون قيصر» جعل من الصعب على النظام السوري أن يعيد تأهيل آلته العسكرية، وأن يستطيع دعم قواته و«شبيحته» وحتى قوات الميليشيا التي استعان بها من دول أخرى في المزيد من أعمال القمع والقتل في سوريا.

في النهاية هذا القانون هو قانون أميركي يتقاطع مع مصلحة السوريين في نقاط عدة فقط، ولا أقول أبداً إن «قانون قيصر» هو ثمرة «ملف قيصر» فقط. هناك جهود كبيرة بذلت من المنظمات السورية في الولايات المتحدة حتى وصلوا إلى هذه المرحلة وسمي باسم «قيصر»؛ تشريفاً وتكريماً لهذا الرجل، وليس لأن القانون هو امتداد للملف.

غداً حلقة ثانية


مقالات ذات صلة

مثول ليبي أمام «الجنائية الدولية» يقلب الطاولة على رئيس «الوحدة»

شمال افريقيا الهيشري القيادي في «جهاز الردع» الليبية خلال مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية الأربعاء (المحكمة)

مثول ليبي أمام «الجنائية الدولية» يقلب الطاولة على رئيس «الوحدة»

عدّ المجلس الاجتماعي «لسوق الجمعة - النواحي الأربع» في العاصمة الليبية، القبض على الهيشري، «اعتداءً سافراً على سيادة الدولة الليبية وتصفية للقضاء الوطني».

جمال جوهر (القاهرة)
أوروبا كاترينا راتشفسكا الخبيرة القانونية في «المركز الإقليمي لحقوق الإنسان» تحمل صوراً تقول إنها تُظهر أطفالاً أوكرانيين مختطفين أثناء إدلائها بشهادتها أمام لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

كييف تتهم روسيا بإرسال أطفال أوكرانيين إلى معسكرات «إعادة تأهيل» في كوريا الشمالية

اتهمت كييف موسكو، الخميس، بإرسال أطفال أوكرانيين «مختطفين» من المناطق التي تحتلها القوات الروسية إلى «معسكرات إعادة تأهيل» في كوريا الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي كريستوف غليز (أ.ف.ب)

ماكرون يبدي «قلقاً بالغاً» لإدانة صحافي فرنسي في الجزائر

أعلن قصر الإليزيه، الخميس، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «تلقى بقلق بالغ نبأ الحكم بالسجن على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز في الجزائر».

«الشرق الأوسط» (باربس)
شمال افريقيا من مظاهرة سابقة نظمها اتحاد الشغل التونسي في ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

«اتحاد الشغل» التونسي يتظاهر من أجل «مزيد من الحريات»

قاد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، الخميس، مسيرة داعمة للمنظمة النقابية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي المسجون في الجزائر (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

محاكمة صحافي تضع التقارب الجزائري - الفرنسي تحت «اختبار عسير»

شهد محيط محكمة مدينة تيزي وزو شرق العاصمة الجزائرية، الأربعاء، أجواء غير عادية بسبب محاكمة صحافي فرنسي تطالب بلاده بالإفراج عنه.


مقتل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
TT

مقتل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

قالت وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم (الجمعة)، إن فلسطينياً قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وأضافت في بيان: «استشهاد الشاب بهاء عبد الرحمن راشد (38 عاماً) في بلدة أودلا، جنوب نابلس».

وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية: «إن قوات الاحتلال اقتحمت وسط القرية ومحيط المسجد القديم في أودلا، وأطلقت الرصاص الحي وقنابل الغاز السام والصوت تزامناً مع خروج المصلين من المسجد؛ ما أدى إلى اندلاع مواجهات».

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)

وأضافت على موقعها أن هذه المواجهات أدت إلى «إصابة شاب بالرصاص الحي بالرأس أُعلن استشهاده لاحقاً».


من منفاهما في روسيا.. رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)
عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)
TT

من منفاهما في روسيا.. رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)
عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)

نشرت وكالة «رويترز» تحقيقاً من دمشق، اليوم (الجمعة)، ذكرت فيه أن اثنين كانا ذات يوم من أقرب رجال بشار الأسد وفرا من سوريا بعد سقوطه، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين، أملاً في إشعال انتفاضتين ضد الحكومة الجديدة واستعادة بعض ما فقدوه من نفوذ.

وقال أربعة أشخاص مقربين من العائلة إن الأسد، الذي فر إلى روسيا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، استسلم إلى حد كبير لفكرة العيش في المنفى بموسكو. لكن شخصيات بارزة أخرى في دائرته المقربة بينهم شقيقه لم تتقبل فكرة فقدان السلطة.

وجدت «رويترز»، بحسب ما جاء في تحقيقها، أن اثنين كانا من أقرب رجال الأسد، وهما اللواء كمال حسن وابن خاله الملياردير رامي مخلوف، يحاولان تشكيل ميليشيات في الساحل السوري ولبنان تضم أفراداً من الطائفة العلوية التي تنتمي لها عائلة الأسد. ويموّل الرجلان وفصائل أخرى تتنافس على النفوذ أكثر من 50 ألف مقاتل أملاً في كسب ولائهم.

وقال الأشخاص الأربعة إن ماهر، شقيق الأسد، المقيم أيضاً في موسكو والذي لا يزال يحتفظ بولاء آلاف الجنود السابقين، لم يقدّم بعد أموالاً أو يوجّه أي أوامر.

ويسعى حسن ومخلوف حثيثاً للسيطرة على شبكة من 14 غرفة قيادة تحت الأرض شُيّدت عند الساحل السوري قرب نهاية حكم الأسد، بالإضافة إلى مخابئ أسلحة. وأكد ضابطان ومحافظ إحدى المحافظات السورية وجود غرف القيادة السرية التي تظهر تفاصيلها في صور اطلعت عليها «رويترز».

شابان سوريان يقفان على تلة في داريا مُطلّة على القصر الرئاسي الفسيح للرئيس السابق بشار الأسد في دمشق أواخر أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

يواصل حسن، رئيس المخابرات العسكرية في عهد بشار الأسد، بلا كلل إجراء مكالمات هاتفية وإرسال رسائل صوتية إلى قيادات ومستشارين يعبّر فيها بغضب شديد عن فقدان نفوذه ويرسم رؤى طموحة للطريقة التي سيحكم بها الساحل السوري، موطن غالبية السكان العلويين وقاعدة نفوذ الأسد السابقة.

واستغل مخلوف، ابن خال الأسد، إمبراطوريته التجارية في تمويل الرئيس المخلوع خلال الحرب الأهلية قبل أن يصطدم بأقاربه الأكثر نفوذاً وينتهي به الأمر تحت الإقامة الجبرية لسنوات. ويصوّر مخلوف نفسه في أحاديثه ورسائله لأتباعه على أنه «المُخِلص» الذي سيعود إلى السلطة بعد أن يقود «المعركة الكبرى». ويستند في ذلك إلى خطاب ديني ويربط الأحداث بنبوءات تتعلق بنهاية الزمان.

وذكرت «رويترز» أن حسن ومخلوف لم يردا على طلبات للتعليق على هذا التقرير. ولم يتسن الوصول إلى بشار وماهر الأسد. كما حاولت «رويترز» الحصول على تعقيب منهما عبر وسطاء ولم تتلق أي رد.

من منفاهما في موسكو يرسم الرجلان صورة لسوريا مقسّمة ويريد كل منهما السيطرة على المناطق ذات الأغلبية العلوية. وتوصلت «رويترز» إلى أن كليهما ينفق ملايين الدولارات لتشكيل قوات موالية له. وهناك ممثلون لهما في أكثر من دولة.

وللتصدي لهما، استعانت الحكومة السورية الجديدة بشخص آخر كان موالياً للأسد، هو صديق طفولة للرئيس الجديد أحمد الشرع. وكان هذا الرجل، خالد الأحمد، قائداً لقوات شبه عسكرية في عهد الأسد قبل أن يغيّر ولاءه في منتصف الحرب بعدما انقلب الرئيس المخلوع عليه.

جانب من تظاهرات العلويين في اللاذقية في 25 نوفمبر الماضي (رويترز)

وتتمثل مهمة هذا الرجل في إقناع العلويين، سواء الجنود السابقين أو المدنيين، بأن مستقبلهم مع سوريا الجديدة.

وقالت الباحثة أنصار شحود، التي درست الأوضاع في سوريا لأكثر من عقد: «ما يجري هو امتداد لصراع القوة الذي كان سائداً في نظام الأسد. فالمنافسة مستمرة للآن، لكن بدلاً من أن تكون بهدف التزلف للأسد، باتت بهدف خلق بديل له يقود المجتمع العلوي».

وتستند تفاصيل المخطط إلى مقابلات مع 48 شخصاً على دراية مباشرة به اشترطوا جميعاً عدم نشر أسمائهم. وراجعت «رويترز» أيضاً السجلات المالية والوثائق العملياتية والرسائل الصوتية والنصية المتبادلة.

وقال أحمد الشامي، محافظ طرطوس الواقعة على الساحل السوري، إن السلطات السورية على دراية بالخطوط العريضة لهذه المخططات ومستعدة للتصدي لها. وأكد وجود شبكة غرف القيادة أيضاً، لكنه قال إنها «ضعفت بشكل كبير».

وأضاف الشامي لـ «رويترز»، رداً على أسئلة مفصلة حول المخطط: «نحن على يقين بأنهم غير قادرين على تنفيذ أي شيء فعال، نظراً لعدم امتلاكهم أدوات قوية على الأرض وضعف إمكانياتهم».

ولم تستجب وزارة الداخلية اللبنانية ووزارة الخارجية الروسية لطلبات الحصول على تعقيب. وصرح مسؤول إماراتي بأن حكومته ملتزمة بمنع استخدام أراضيها في «جميع أشكال التدفقات المالية غير المشروعة».

وقد تزعزع أي انتفاضة استقرار الحكومة السورية الجديدة في الوقت الذي تلقي فيه الولايات المتحدة وقوى إقليمية بثقلها خلف الشرع الذي أطاح بالأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، ويخوض الآن غمار مشهد سياسي متصدع.

وقد تشعل أي انتفاضة أيضاً شرارة موجة جديدة من العنف الطائفي الدموي الذي عصف بسوريا الجديدة خلال العام المنصرم.

صورة ضخمة لبشار الأسد على الأرض بعد هروبه ملقاة على أرضية القصر الرئاسي في دمشق 8 ديسمبر العام الماضي (أ.ب)

وتبدو فرص نجاح أي انتفاضة ضئيلة في الوقت الراهن.

فالمتآمران الرئيسيان، حسن ومخلوف، على خلاف شديد، وتتضاءل آمالهما في كسب دعم روسيا التي كانت من قبل أقوى داعم سياسي وعسكري للأسد. وكثير من العلويين في سوريا، الذين عانوا أيضاً في عهد الأسد، لا يثقون بالرجلين والحكومة الجديدة تعمل على إحباط خططهما.

وفي بيان مقتضب رداً على نتائج «رويترز»، قال الأحمد، المسؤول عن ملف العلويين في الحكومة السورية، إن «العمل على تحقيق التعافي واقتلاع جذور الكراهية الطائفية وتكريم الموتى هو السبيل الوحيد نحو سوريا قادرة على التصالح مع نفسها من جديد».

يزعم حسن إنه يسيطر على 12 ألف مقاتل، بينما يقول مخلوف إنه يسيطر على 54 ألف مقاتل على الأقل، وفقاً لوثائق داخلية لفصائلهما. وذكر قادة على الأرض أن المقاتلين يتقاضون أجوراً زهيدة ويتلقون أموالاً من الجانبين. وأشار الشامي، محافظ طرطوس، إلى أن عدد المقاتلين المحتملين «في حدود عشرات الآلاف».

ولا يبدو أن حسن أو مخلوف قد حشدا أي قوات حتى الآن. ولم تتمكن «رويترز» من تأكيد أعداد المقاتلين أو تحديد خطط عمل بعينها.

وفي المقابلات، قال مقربون من حسن ومخلوف إنهما يدركان أن عشرات الآلاف من العلويين السوريين قد يتعرضون لانتقام عنيف إذا نفّذا مخططاتهما ضد القيادة السورية الجديدة. وتولت الحكومة الجديدة السلطة بعد أن خرجت منتصرة في الحرب الأهلية التي استمرت قرابة 14 عاماً وأغرقت البلاد في موجات من الاقتتال الطائفي.

وفي مارس (آذار)، قتلت قوات تابعة للحكومة ما يقرب من 1500 مدني على ساحل البحر المتوسط بعد فشل انتفاضة في بلدة علوية. وتعهد حسن ومخلوف بحماية العلويين من انعدام الأمن المستمر منذ ذلك الشهر والذي أدى إلى عمليات قتل وخطف شبه يومية.

وانفجر غضب العلويين تجاه الحكومة الجديدة في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما خرج الآلاف إلى شوارع حمص ومدن ساحلية للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي، والإفراج عن المعتقلين، وإعادة نساء مختطفات. وشكّلت هذه الاحتجاجات أول مظاهرات واسعة النطاق تشهدها سوريا منذ سقوط الأسد.

لم يكن مخلوف أو حسن وراء هذه الاحتجاجات بل رجل دين يعارض كلا الرجلين ودعا الناس علناً إلى التظاهر سلمياً.

وهاجم مخلوف رجل الدين في اليوم التالي في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً «هذه التحركات لن تجلب إلا البلاء لأن الوقت لم يحن بعد».

مقاتل من المعارضة يحمل صاروخاً مضاداً للطائرات أمام صورة مزقها الرصاص للرئيس السابق بشار الأسد (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال أحد كبار المنسقين العسكريين التابعين لحسن لـ «رويترز» إن القتال هو السبيل الوحيد لاستعادة كرامة العلويين.

وأضاف المنسق، وهو ضابط سابق في المخابرات العسكرية في عهد الأسد ويقيم حالياً في لبنان: «نحمد الله أنه حتى الآن لم يمت علويون أكثر من الذين ماتوا برغم كل ما حصل. يمكن أن يموت ألف أو ألفان، ولكن يجب أن يكون هناك كبش فداء لنحمي الطائفة».

ووفقاً لوثائق بتاريخ يناير (كانون الثاني) 2025 اطلعت عليها «رويترز»، وضعت قوات موالية للأسد خططاً أولية لبناء قوة شبه عسكرية قوامها 5780 مقاتلاً وتزويدهم بالعتاد من مراكز القيادة السرية. وهذه المراكز هي بالأساس مخازن كبيرة مجهزة بأسلحة وطاقة شمسية وإنترنت وأجهزة تحديد المواقع (جي.بي.إس) ومعدات اتصال لاسلكية.

لم يُنفذ شيء من تلك الخطة. وكشف مصدران وصور اطلعت عليها «رويترز» أن غرف القيادة، المنتشرة على شريط من الساحل السوري يمتد حوالي 180 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، لا تزال موجودة لكنها شبه معطلة.

وظهرت في صورة غرفة بها خمسة صناديق مكدسة، ثلاثة منها كانت مفتوحة وبداخلها مجموعة من بنادق إيه.كيه-47 (كلاشنيكوف) وذخيرة وعبوات ناسفة. احتوت الغرفة أيضاً على ثلاثة أجهزة كمبيوتر، وجهازين لوحيين، ومجموعة من أجهزة اللاسلكي، وبنك طاقة (باور بنك). وفي المنتصف، وُضعت طاولة خشبية تعلوها خريطة كبيرة.

وقال أحد المصدرين، وهو ضابط يراقب جاهزية الغرف، إن هذه المراكز بالنسبة لحسن ومخلوف «هي جزيرة الكنز، وكلهم مثل القوارب يحاولون أن يصلوا إليها».

وقال الشامي، محافظ طرطوس، إن الشبكة حقيقية لكنها لا تشكل خطراً يُذكر. وأضاف: «هذه المراكز ضعُفت بشكل كبير بعد التحرير... ولا يوجد قلق من استمرار وجودها».

فر كبار المسؤولين العسكريين وشخصيات حكومية بارزة إلى الخارج في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لكن القادة من المستوى المتوسط بقوا ​​في سوريا ولجأ معظمهم إلى المناطق الساحلية التي يهيمن عليها العلويون الذين يشكلون ما يزيد قليلاً على 10 في المائة من سكان سوريا.

وبدأ هؤلاء الضباط في تجنيد مقاتلين، وفقاً لقائد متقاعد شارك في ذلك. وقال القائد: «الجيش والعسكر كانوا أرضية خصبة. آلاف الشباب من الطائفة كانوا مجندين في الجيش الذي انحل فجأة وقت السقوط، وفجأة وجدوا أنفسهم بلا شيء».

رفع صورة رئيس المجلس الأعلى للعلويين في سوريا غزال الغزال خلال تظاهرة في اللاذقية في نوفمبر الماضي (رويترز)

ثم جاءت الانتفاضة الفاشلة في السادس من مارس (آذار)، عندما نصبت وحدة علوية تعمل بشكل مستقل، كميناً لقوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة في ريف اللاذقية، مما أسفر عن مقتل 12 رجلاً وأسر أكثر من 150، وفقاً للضابط الذي قاد الكمين -وهو برتبة عميد- وغادر منذ ذلك الحين إلى لبنان.

وقالت الحكومة السورية الجديدة إن المئات من قواتها الأمنية لقوا حتفهم في القتال الذي اندلع بعد ذلك. وأكد المقاتلون الموالون للأسد ذلك إلى حد كبير.

وذكر العميد أن 128 من القوات الموالية للأسد لقوا حتفهم في الانتفاضة التي أحبطتها الحكومة الجديدة، لكنها أشعلت شرارة أعمال انتقامية أودت بحياة ما يقرب من 1500 علوي.

وقال ضباط كانوا هناك إن التحرك لم يبدأه أو يقوده حسن أو مخلوف، لكن تلك الأيام مثّلت نقطة تحوّل شرعا بعدها في تنظيم صفوفهما.

خلاف داخل عائلة الأسد

بدأ مخلوف في التاسع من مارس (آذار) يُطلق على نفسه «فتى الساحل المؤيد بقوة من الله، لنصرة المظلومين، وتقديم يد العون للمحتاجين«. وقال في بيان «عدنا، والعودُ أحمد». ولم يذكر البيان أنه في موسكو.

هيمن مخلوف على الاقتصاد السوري لأكثر من عقدين بثروات قدرتها الحكومة البريطانية بأكثر من مليار دولار في قطاعات متنوعة، مثل الاتصالات والبناء والسياحة. وموّل مخلوف وحدات الجيش السوري والفصائل المتحالفة معه خلال النزاع الأهلي الذي اندلع في عام 2011.

وأعلن مخلوف ذلك عندما بدا انتصار الأسد مؤكداً في عام 2019، لكن الأسد بعد ذلك بقليل استولى على شركات ابن خاله بحجة أنها مدينة للدولة ووضعه قيد الإقامة الجبرية لسنوات.

هرب مخلوف إلى لبنان في سيارة إسعاف ليلة الثامن من ديسمبر 2024 مع سقوط دمشق في أيدي مقاتلين يقودهم الشرع.

وقال أربعة مقربين من العائلة ومسؤول في الجمارك مطلع على الأحداث إن إيهاب، شقيق مخلوف، حاول الفرار في تلك الليلة بسيارته الفارهة من طراز مازيراتي، لكنه قُتل بالرصاص قرب الحدود وسُرقت ملايين الدولارات التي كانت بحوزته نقداً. لم تتمكن «رويترز» من التحقق بشكل مستقل من أحداث تلك الليلة.

وذكر تسعة مساعدين وأقارب أن مخلوف يعيش حالياً في طابق خاص بفندق راديسون الفاخر في موسكو تحت حراسة أمنية مشددة. ويستشهد كثيراً بآيات من القرآن الكريم في أحاديثه التي يُسهب فيها كثيراً ولا يترك مجالاً للآخرين للرد أو المشاركة. وقالوا إنه أصبح متديناً جداً خلال سنوات الإقامة الجبرية، واستغل وقت العزلة في كتابة سلسلة من ثلاثة مجلدات عن التفسير والتراث الإسلامي.

ولم يرد فندق راديسون في موسكو أو المقر الرئيسي للمجموعة في بروكسل على طلب للحصول على تعقيب.

وكشفت منشورات مخلوف على فيسبوك ورسائله على واتساب إلى مقربين عن اعتقاده بأن الله منحه المال والنفوذ ليتمكن من لعب دور المنقذ في نبوءة دينية عن معركة هرمجدون في دمشق.

صورة ممزقة لماهر الأسد ملقاة على الأرض في فيلته في بلدة يعفور (أ.ف.ب)

ويعتقد مخلوف أن نهاية العالم ستكون بعد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وكشف مدير مالي وإيصالات وكشوف رواتب اطلعت عليها «رويترز» أن مخلوف يحوّل أموالاً عن طريق مديري أعمال يثق بهم في 3 دول إلى ضباط علويين لدفع الرواتب وشراء معدات. تُظهر الوثائق أن الأموال تُحوّل عبر ضابطين سوريين بارزين اجتمع شمل مخلوف بهما في موسكو هما سهيل الحسن وقحطان خليل وكان كل منهما يحمل رتبة لواء.

زعم الحسن وخليل، في وثائق اطلعت عليها «رويترز»، أنهما شكلا قوة موالية لمخلوف يبلغ قوامها 54053 شخصاً يرغبون في القتال، من بينهم 18 ألف ضابط، موزعين على 80 كتيبة ومجموعات في وحول مدن حمص وحماة وطرطوس واللاذقية. لكن العديد من الجنود الذين تم تجنيدهم في عهد الأسد تركوا القتال عندما سقط حكمه.

ولم يرد الحسن ولا خليل على طلبات للتعليق بشأن دورهما في تحويل الأموال.

وأكد مسؤول إماراتي أن الحكومة تمارس رقابة صارمة على جميع قطاعاتها الاقتصادية، وتدعم بشكل كامل أمن وسيادة سوريا على كافة أراضيها.

وقال أحد المديرين الماليين لمخلوف لـ «رويترز» إنه أنفق ستة ملايين دولار على الأقل على الرواتب. وأظهرت كشوف الرواتب وإيصالات استلامها، والتي أعدها مساعدوه الماليون في لبنان، أن مخلوف أنفق 976705 دولارات في مايو (أيار)، وأن مجموعة من خمسة آلاف مقاتل تلقت 150 ألف دولار في أغسطس (آب).

وذكر خمسة قادة لمجموعات عسكرية في سوريا، ممن يتقاضون رواتب من مخلوف ويقودون حوالي خُمس أتباعه، أن إجمالي عدد القوات حقيقي. لكن تمويل مخلوف لا يلبي احتياجاتهم، إذ لا يتجاوز 20 إلى 30 دولاراً شهريا لكل مقاتل.

بالإضافة إلى ذلك، سعى فريق مخلوف لتوفير أسلحة. فقد حددوا المواقع المحتملة لعشرات المخابئ من عهد الأسد، والتي تضم بضعة آلاف من الأسلحة، وفقاً لمخططات اطلعت عليها «رويترز». وهذه المخزونات غير تلك الموجودة في غرف القيادة السرية.

كما أجروا محادثات مع مهربين في سوريا للحصول على أسلحة جديدة، لكن أشخاصاً مطلعين على المناقشات قالوا إنهم لا يعرفون ما إذا كانت أسلحة جديدة قد تم شراؤها أو تسليمها بالفعل.

وذكر القادة العسكريون الخمسة أنهم يقودون في المجمل حوالي 12 ألف رجل في مراحل مختلفة من الجاهزية. وقال أحدهم لـ «رويترز» إن الوقت لم يحن بعد للتحرك.

وسخر قائد آخر من الخمسة من مخلوف، ووصفه بأنه يحاول شراء الولاء بمبالغ ضئيلة.

وأكد القادة الخمسة أنهم قبلوا أموالاً من مخلوف ورئيس المخابرات حسن ولا يرون أي مشكلة في تداخل مصادر التمويل.

وقال أحدهم إن «آلاف العلويين ممن كانوا في الجيش أو المدنيين الي طردوا من وظائف بالدولة يعيشون في حالة فقر مدقع... ليست مشكلة أن يأخذ الشخص قرشين من هذه الحيتان التي مصّت دمنا لسنوات».

مقبرة جماعة وإخفاء الفظائع

أدار حسن منظومة الاحتجاز العسكري في عهد الأسد، المعروفة بابتزاز الأموال على نطاق واسع من عائلات السجناء، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2024. وخلص تحقيق أجرته «رويترز» هذا العام إلى أن حسن هو من اقترح نقل مقبرة جماعية تحتوي على آلاف الجثث إلى صحراء الضمير خارج دمشق لإخفاء حجم الفظائع التي ارتكبتها حكومة الأسد.

ومع انهيار جيش الأسد، لجأ حسن إلى السفارة الروسية في دمشق في ديسمبر (كانون الأول) 2024 لمدة أسبوعين تقريباً. وقال شخصان مقربان منه إنه شعر بالغضب إزاء ما اعتبره سوء معاملة من جانب مضيفيه، الذين وفروا له غرفة واحدة بها كرسي خشبي واحد فقط للجلوس عليه.

امرأتان في مدينة حمص يوم 21 نوفمبر مع اقتراب ذكرى مرور سنة على سقوط نظام بشار الأسد (أ.ب)

وذكر في رسالة صوتية عبر تطبيق واتساب إلى دائرته المقربة في الربيع الماضي اطلعت عليها «رويترز»: «ليس كمال حسن الذي يتم إجلاسه على كرسي خشبي لأيام!». وقال ضابط التقى به خلال الصيف إن حسن انتقل في نهاية المطاف للإقامة في فيلا مكونة من ثلاثة طوابق في ضاحية بموسكو. ووفقاً لشخصين مطلعين على تحركات حسن، فإنه قابل ماهر الأسد مرة واحدة منذ ذلك الحين ويحافظ على علاقات وثيقة مع الروس.

وقال منسق عمليات حسن في لبنان إن رئيس المخابرات العسكرية السابق أنفق 1.5 مليون دولار منذ مارس (آذار) على 12 ألف مقاتل في سوريا ولبنان.

وقال حسن في رسالة صوتية أخرى عبر تطبيق واتساب في أبريل (نيسان) الماضي، والتي بدت موجهة إلى القادة، «اصبروا يا أهلي ولا تسلموا سلاحكم... ونحن الذين سنرجع كرامتكم».

وفي منتصف العام، تم الإعلان عن إنشاء منظمة خيرية أطلق عليها اسم «منظمة إنماء سوريا الغربية»، والتي ذكر أحد أوائل منشوراتها على فيسبوك أنها ممولة «من المواطن السوري اللواء كمال حسن«. ووصف ثلاثة ضباط مرتبطين بحسن ومدير لبناني في المنظمة الأمر بأنه غطاء إنساني حتى يتمكن حسن من بناء نفوذ بين العلويين.

وفي أغسطس (آب)، دفعت الجمعية الخيرية 80 ألف دولار لإيواء 40 عائلة علوية سورية، بحسب إعلان عن أول نشاط لها. ووفقا لوثيقة رواتب اطلعت عليها «رويترز»، أرسل حسن في الشهر نفسه 200 ألف دولار نقداً إلى 80 ضابطاً في لبنان.

وذكر مساعد لحسن في موسكو وأحد المتسللين الإلكترونيين، وهو مهندس كمبيوتر، أن حسن قام أيضاً خلال الصيف بتجنيد حوالي 30 متسللاً إلكترونياً كانوا ينتمون في السابق إلى المخابرات العسكرية. وكانت الأوامر الموجهة لهم هي تنفيذ هجمات إلكترونية ضد الحكومة الجديدة وزرع برامج تجسس في أنظمة الكمبيوتر الخاصة بها.

وبحلول سبتمبر (أيلول)، كانت مجموعات بيانات الحكومة السورية التي قال المهندس إن فريقه سرقها معروضة للبيع على شبكة الإنترنت المظلمة (دارك ويب) مقابل ما بين 150 و500 دولار. وعثرت «رويترز» على عدة مجموعات من البيانات التي حددها المهندس على الإنترنت، بما في ذلك قواعد بيانات موظفي وزارتي الاتصالات والصحة.

وقال المهندس إن رئيس المخابرات السابق حسن يخطط لهجوم متعدد الأوجه لاستعادة مكانته في سوريا. وأضاف أن «اللواء كمال يعرف أن الحرب على كل الجبهات وليست فقط على الأرض».

ماهر الأسد

اللاعب الرئيسي المحتمل في محاولات التحريض على الانتفاضة هو ماهر الأسد، الشقيق الأصغر للديكتاتور السابق.

سيطر ماهر على إمبراطورية تجارية وقاد أقوى وحدة في الجيش السوري وهي الفرقة الرابعة المدرعة. وكشف بحث أجراه معهد نيو لاينز للأبحاث في الولايات المتحدة أن في عهده، اكتسبت الفرقة نفوذاً واستقلالاً مالياً جعلها أشبه بدولة داخل الدولة، إلى الحد الذي جعل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي تفرض عليها عقوبات خاصة.

وقال قائد كبير في الفرقة، موجود الآن في لبنان، إن إمبراطورية ماهر المالية لا تزال تعمل إلى حد كبير باستثناء مبيعاته المزعومة من مخدر الكبتاغون وهو أمفيتامين يُنتج بشكل غير مشروع. ويُعتقد رجل أعمال مقرب من ماهر أن أمواله مخبأة في شركات وهمية داخل سوريا وخارجها.

وذكر القائد أنه بينما يركّز بشار على حياته الخاصة وأعماله، لا يزال ماهر يسعى خلف استعادة النفوذ في سوريا. وأضاف أن الأخ الأصغر لا يستطيع استيعاب كيف يمكن طرد أبناء حافظ الأسد، الرئيس الأسبق ومؤسس حكم العائلة، من سوريا.

ويقول ضابطان في الفرقة إن الكثير من مقاتليها البالغ عددهم 25 ألفاً، داخل سوريا وخارجها، ما زالوا يعتبرون ماهر الأسد قائدهم ويمكنه حشدهم إذا أصدر الأمر.

ولا يسعى مخلوف للحصول على دعم آل الأسد، فقد سخر علناً من أبناء عمته ووصفهم بأنهم «الهاربون». وذكرت ثلاثة مصادر بارزة في كلا المعسكرين أن حسن يعتمد على سنوات من العلاقات الشخصية والتعاون مع آل الأسد، ويسعى للحصول على دعم ماهر.

ووفقاً لستة أشخاص على علم مباشر بمحاولات الرجلين لكسب دعم الكرملين، تحجم روسيا حتى الآن عن دعم حسن ومخلوف. وبينما تؤوي موسكو الرجلين، كانت الحكومة الروسية واضحة في أن أولويتها هي استمرار الوصول إلى القواعد العسكرية التي لا تزال تديرها على الساحل السوري، وفقاً لدبلوماسيين اثنين مطلعين على موقف موسكو.

وفي محاولة للحصول على مساعدة روسيا، تدخلت شخصية رئيسية هي الضابط السوري الكبير أحمد الملا، الذي يحمل الجنسية الروسية منذ بداية الحرب الأهلية. وكشف محضر مكتوب بخط اليد لأحد الاجتماعات اطلعت عليه «رويترز»، أن الملا توسط لعقد اجتماعات غير رسمية منفصلة في موسكو ابتداء من مارس (آذار) بين مسؤولين روس وممثلين عن حسن ومخلوف يقيمان في روسيا. ووفقاً لما ورد فيه، قال الروس «نظموا أنفسكم ودعونا نرى خططكم».

ولم يستجب الملا لطلبات التعليق على دوره في تنظيم الاجتماعات.

لكن شخصين على دراية مباشرة بمواعيد الاجتماعات ذكرا أن هذه الاجتماعات أصبحت نادرة. وقالا إنه لم تُعقد أي لقاءات منذ زيارة الرئيس الشرع لموسكو في أكتوبر (تشرين الأول) سعياً للحصول على دعم الكرملين.

وخلال الزيارة، أثار الشرع قضية حسن ومخلوف مع الحكومة الروسية، وفقاً لما ذكره الشامي محافظ طرطوس. قال الشامي «خلال زيارة السيد الرئيس إلى روسيا، جرى النقاش مع القيادة الروسية حول هذه الشخصيات، إضافة إلى التواصل مع الجانب اللبناني، وقد أبدت الحكومات المذكورة تجاوباً لزيادة التنسيق ومنع أي نشاط لهذه الشخصيات داخل أراضيها».

وقال أحد الدبلوماسيين إن اجتماع الشرع في الكرملين «أرسل إشارة إلى المتمردين العلويين: لا أحد في الخارج سيأتي لإنقاذكم».

وتوجد مؤشرات على أن مخلوف، الذي جُمدت حساباته التجارية بسبب العقوبات، يعاني من مشاكل في السيولة النقدية. ولم تصل رواتب شهر أكتوبر تشرين الأول بعد، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على التحويلات.

القائد على الأرض

منذ أعمال القتل التي وقعت في مارس (آذار)، اعتمدت حكومة دمشق بشكل محوري على خالد الأحمد، صديق الطفولة للرئيس الشرع، لمواجهة المؤامرة.

كان الأحمد، العلوي، ذات يوم ضمن الدائرة المقربة للأسد. عمل دبلوماسياً في الظل وأحد مؤسسي قوات الدفاع الوطني، أكبر قوة شبه عسكرية متحالفة مع الأسد.

ومثل مخلوف، اعتقد الأحمد أنه مسؤول عن انتصار الأسد في الحرب الأهلية. لكن الأسد عامله بنفس الطريقة التي عامل بها ابن خاله وجرّده من الامتيازات وأمر بتجنيده، بحسب ما قال مساعدان.

فر الأحمد إلى قبرص، ثم سافر في عام 2021 إلى إدلب بشمال غربي سوريا للقاء صديقه القديم الشرع حسب روايات ثلاثة أشخاص عملوا مع الرجلين. وأضافوا أنهما ناقشا خطة الشرع للإطاحة بالأسد وهو ما تحقق بالفعل في ديسمبر 2024.

واطلعت «رويترز» على رسائل صوتية من الأحمد عبر تطبيق واتساب أواخر عام 2024 أخبر فيها مسؤولين عسكريين بارزين أنه من غير المجدي التمسك بالديكتاتور الخاسر، ووعدهم بالعفو عنهم إذا تخلوا عنه ومنعوا سفك الدماء.

في بيانه لـ «رويترز»، قال الأحمد إن هدفه كان منع المزيد من الصراع الدموي، لكنه أقرّ بعدم قدرته على «تجنيب السوريين المزيد من الخسائر، أو إرث الطائفية التي لا تزال تُخيم على مجتمعنا».

اليوم يعد الأحمد أبرز شخصية علوية في سوريا، ويتنقل بين شقة فاخرة مطلة على البحر في بيروت وفيلا محصنة في دمشق.

يقول الشامي: «يعمل خالد الأحمد بقوة في مسار السلم الأهلي، منطلقاً من الحرص على أبناء الطائفة العلوية ودمجهم في الحكومة الجديدة. ويُعتبر الدور الذي يقوم به دوراً مهماً في تعزيز الثقة بين المكون العلوي والحكومة الجديدة».

وأشار أربعة مساعدين إلى أن الأحمد يموّل وينسق برامج لتوفير فرص عمل وتنمية اقتصادية، لأنه يعتقد أنهما الحل لارتفاع معدلات البطالة المزعزعة للاستقرار التي أعقبت سقوط الأسد، عندما تم حل الجيش وخسر العلويون وظائفهم الحكومية.

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت وزارة الداخلية اعتقال خلية في منطقة الساحل قالت إنها ممولة من مخلوف وكانت تخطط لاغتيال صحافيين وناشطين. وبحسب محافظ طرطوس أحمد الشامي، بلغ عدد المعتقلين المرتبطين بمخلوف وحسن «حدود العشرات».

وعلى طول الساحل نفسه، تتراكم معدات عسكرية في غرف تحت الأرض، وفقاً لقائد ميداني يشرف على العديد منها. وقال إنها ستكون جاهزة عند الحاجة، لكنه حتى الآن لا يرى أي جانب يستحق أن ينحاز إليه.


إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
TT

إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل، على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112، وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش الإسرائيلي لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وعُقد ليل الخميس - الجمعة، اجتماع مطول بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي كان أعد موازنة وزارته بالتنسيق مع قيادة الجيش الإسرائيلي، التي أكدت الحاجة الماسة لزيادة موازنتها لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وزير الدفاع يسرائيل كاتس طالب بزيادة موازنتة وزارته لمواجهة التحديات (د.ب.أ)

وظهر الجمعة، أقرت الحكومة الإسرائيلية بأغلبية مطلقة الموازنة الجديدة لعام 2026، التي بلغت 662 مليار شيقل، فيما سيبلغ سقف العجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث ستعرض لاحقاً للتصويت في الهيئة العامة للكنيست.

وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، فإن تقليص الموازنة المطلوبة من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية، يعدّ انتصاراً لصالح الخزينة العامة، رغم أن رفعها بنحو 20 مليار شيقل، سيرفع العجز في الميزانية التي يتم إعدادها بنسبة 1 في المائة إضافية، ليكون الإجمالي حتى نحو 4 في المائة.

وقال كاتس في تصريح له عقب الاتفاق مع سموتريتش، إن الميزانية المتفق عليها ستعتمد على استدعاء نحو 40 ألف جندي من الاحتياط للخدمة العسكرية خلال متوسط العام المقبل، وإن الهدف من ذلك تخفيف العبء على جنود الاحتياط في ظل واقع الحرب متعددة الجبهات.

وكانت قيادة الجيش الإسرائيلي طالبت خلال الجلسات التحضيرية لإعداد الموازنة، بالعمل على استدعاء 60 ألف جندي لقوات الاحتياط.

ووفقاً للصحيفة العبرية، فإنه تم الاتفاق على حزمة ميزانية تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة الغربية، بما في ذلك حماية طرق التنقل وتعبيد الطرق، وإنشاء قواعد عسكرية للجيش الإسرائيلي في تلك المناطق، إلى جانب مشاريع تتعلق بالحدود الشرقية مع الأردن، ما يشير إلى وجود اتفاق غير معلن على خفض عدد القوات بالضفة، خصوصاً عند الحدود الشرقية، وتخصيص أموال أكثر بكثير لبناء مزيد من البؤر الاستيطانية، وإعادة تأهيلها وشق طرق لصالحها.

وزير المالية بتسلئيل سموتريتش شكر وزارة الدفاع على تعاونها في عملية تقليص ميزانيتها (رويترز)

وأشارت الصحيفة إلى أن قانون تجنيد الحريديم المتزمتين، الذي يدرس حالياً للتصويت عليه قريباً في الكنيست، سيتسبب في تكاليف باهظة تصل إلى مليارات الشواقل حتى عام 2026، مبينةً أن الإعفاء من التجنيد سيثقل كاهل جنود الاحتياط وميزانية وزارة الدفاع.

وبينت أن تكلفة نشاط الكتائب النظامية أكثر من نصف تكلفة كتائب الاحتياط، ويبدو أن حل كاتس لسد هذه الفجوة يتمثل في تمديد مدة الخدمة الإلزامية العامة إلى 3 سنوات، بينما سيقر الكنيست قانوناً يعفي الشباب الحريديين من التجنيد الإجباري.

وتشير الصحيفة إلى أن الفجوة في التكاليف بين الكتيبة النظامية والاحتياطية شاسعة لدرجة أنها، في بعض الحسابات، تقترب من 50 في المائة، إذ يكلف كل جندي احتياطي إسرائيل 48 ألف شيقل شهرياً، مقارنةً بنحو نصف هذا المبلغ، في المتوسط، للجندي النظامي في الخدمة الإلزامية، وفقاً لحساب أجرته وزارة المالية العام الماضي. إضافةً إلى ذلك، ووفقاً لحسابات الوزارة، يفترض أن تكون تكلفة 60 ألف جندي احتياطي في أي وقت أقل بكثير، بل وأكثر بكثير، مما هي عليه في سنة غير حربية تعرف بـ«زيادة الخدمة العسكرية»، أي ما يقارب 13 - 14 مليار شيقل في عام 2026.

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

وقدم سموتريتش شكره لوزارة الدفاع الإسرائيلية على تعاونها في عملية تقليص ميزانيتها، معتبراً أنها ستعمل على إعادة مسار النمو، وستوفر أفضلية اقتصادية للإسرائيليين، وتتيح تخفيفاً ضريبياً في إطار الميزانية العامة.

وعقدت الحكومة الإسرائيلية، صباح الخميس، اجتماعاً بحث بشكل أساسي إقرار الميزانية، التي ستحدد مسار الاقتصاد الإسرائيلي خلال عام 2026، وعرض سموتريتش كثيراً من الإصلاحات التي يسعى إلى إقرارها.

وفاجأ سموتريتش، وزراء الحكومة الإسرائيلية، حين أبلغهم بأن العجز السنوي سيبلغ ما بين 3.2 و3.6 في المائة، بينما سيصل إلى نحو 4 في المائة بعد الاتفاق مع وزارة الدفاع.

واحتج أمام مقر الحكومة الإسرائيلية بعض رؤساء بلديات مستوطنات وبلدات غلاف غزة، بعد أن تقرر تقليص الموازنة المخصصة لإعادة الإعمار في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023.