غوانتانامو: ظهور صور السجين الذاتية للتعذيب في سجلات المحكمة الرسمية

«هذه هي كوابيسه» بحسب محامية «مجرم حرب» أَقرّ بذنبه بعد سنوات من الاعتقال

محمد فاريك بن أمين (نيويورك تايمز)
محمد فاريك بن أمين (نيويورك تايمز)
TT

غوانتانامو: ظهور صور السجين الذاتية للتعذيب في سجلات المحكمة الرسمية

محمد فاريك بن أمين (نيويورك تايمز)
محمد فاريك بن أمين (نيويورك تايمز)

وحيداً في زنزانة لا ترافقه فيها سوى أفكاره المظلمة عن أوقات تعيسة، قام السجين بوضع قلم على ورق ورسم صوراً تفصيلية عن كيفية تعذيبه على يد العملاء الأميركيين قبل 20 عاماً.

صورة ذاتية رسمها محمد فاريك بن أمين تظهره مقيداً بمسامير في زنزانة مظلمة (تصوير: محمد فاريك بن أمين)

نوع من العلاج الذاتي

بعض هذه الرسومات كانت نوعاً من العلاج الذاتي للسجين، وهو رجل ماليزي يدعى محمد فاريك بن أمين احتجزته الولايات المتحدة لسنوات في الحبس الانفرادي، بدءاً من عام 2003 في سجن يشبه الزنزانة تديره وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في أفغانستان.

سجن غوانتانامو لا يقدم علاجاً محدداً للأشخاص الذين تعرَّضوا للتعذيب. فبعض هذه الرسومات كانت واجباً قانونياً كلفته بها محاميته، كريستين فونك، التي تفاوضت على صفقة الإقرار بالذنب التي عاد بمقتضاها إلى وطنه، الأربعاء. طلبت السيدة فونك من بن أمين رسم ما تعرَّض له بدلاً من البحث عن صيغة للحديث عن ذلك.

قالت السيدة فونك: «هذه هي كوابيسه. هذا ما عايشه».

قال المعتقلون إن محققي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قيَّدوهم بالأغلال ورفعوا أذرعهم فوق رؤوسهم لحرمانهم من النوم وكسر إرادتهم في مقاومة الاستجواب (تصوير: محمد فاريك بن أمين)

جزء من الأدلة

عرض محامو بن أمين رسوماته على هيئة محلفين عسكرية خلال محاكمته التي جرت في يناير (كانون الثاني). أقرّ بالذنب في جرائم حرب وتحدث عن ندمه لمساعدته مجموعة متطرفة من جنوب شرقي آسيا تدعى «الجماعة الإسلامية»، التي نفَّذت تفجيرات 2002 في بالي، إندونيسيا، والتي أسفرت عن مقتل 202 شخص. اعترف بن أمين بتورطه في الهجوم من خلال مساعدته للمتهم الرئيس في الفرار من الاعتقال.

دأبت المحامية السيدة فونك على الدفاع عن المجرمين العنيفين منذ عام 1994 وكرَّست سنوات من حياتها المهنية للتفاعل بين علوم الطب الشرعي والقانون. لذلك؛ راقت لها فكرة تقديم تحليل جنائي لمعاناة بن أمين القاسية أثناء استعدادها للمحاكمة.

شرع بن أمين في رسم لوحاته منذ نحو خمس سنوات، وعمل فريقه القانوني على رفع السرية عنها. وفي 25 يناير، عرضت فونك رسوماته على شاشة ضخمة فوق منصة الشهود، ليشاهدها الجمهور وهيئة المحلفين دون اعتراض من المدعين الحكوميين.

رسم سجناء آخرون رسومات تُظهر ما يتذكرونه عن التعذيب في زنازين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. لكن لأول مرة، يظهر سجل محاكمة يتعلق بمجرم حرب سابق من وكالة الاستخبارات المركزية، حيث يجري الآن توثيق ما حدث له في محاكمة الجرائم بعد 11 سبتمبر (أيلول)، التي لا تزال تتعامل مع إرث التعذيب المدعوم من الولايات المتحدة.

ولأول مرة منذ عرضها في المحكمة، يتم نشر هذه الرسومات ليتمكن الجمهور من رؤيتها هنا.

الحرمان من النوم

أفاد المعتقلون بأن المحققين من وكالة الاستخبارات المركزية قيَّدوهم في حين كانت أذرعهم مرفوعة فوق رؤوسهم لحرمانهم من النوم وإضعاف رغبتهم في مقاومة الاستجواب. لكن الكلمات لم تكن كافية لوصف هذه التقنية. هنا في هذه الصورة، يظهر بن أمين عارياً، حليقاً من رأسه حتى قدمه، وهو ينقل ارتكازه من ساق إلى أخرى في محاولة لتخفيف الألم.

وضعية الضغط بعصا المكنسة

في هذه الصورة الذاتية، تظهر أذرع بن أمين مقيدة خلف ظهره بينما يُجبَر على الجلوس في وضعية القرفصاء بعصا مكنسة مثبتة خلف ركبتيه، وهي تقنية غير مصرح بها، أثارت قلق محققين آخرين لدرجة أنهم أبلغوا المقر الرئيس لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. يظهر بن أمين عارياً أيضاً في هذه الرسمة، لكنه يستخدم الظلال لحجب أعضائه التناسلية عن الأنظار.

في عام 2004، جرى إعفاء المحقق الرئيس في وكالة الاستخبارات المركزية من عمله في السجون السرية التابعة للوكالة بعد استخدامه تقنية عصا المكنسة وتعليمها للمحققين الجدد، وفقاً للشهادة التي أدلى بها جيمس ميتشل، وهو طبيب نفسي ساعد وكالة الاستخبارات المركزية في تصميم ما يسمى تقنيات الاستجواب المحسنة، في غوانتانامو عام 2020. كان المحقق الرئيس، المعروف في المحكمة باسم «إن إكس 2»، قد تم إخباره بأن هذه التقنية محظورة، لكنه استمر في استخدامها، حسب إفادة الدكتور ميتشل.

نزع الثياب والتقييد

قطع الحراس الذين يرتدون زياً شبه عسكري ملابس بن أمين يوم اعتقاله في تايلاند عام 2003 وقيَّدوا معصميه خلف ظهره باستخدام أسلاك. في جلسة المحاكمة، قال بن أمين إنه ظل محتجزاً عارياً «طوال الوقت» خلال «الأسابيع القليلة» التي قضاها في تايلاند.

تصويره عارياً

وأفاد سجناء سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية بأنهم كانوا يُصوَّرون عراة بشكل روتيني. في هذه الصورة، يظهر حارس مجهول بجانب بن أمين بينما يصوره حارس آخر عارياً أثناء نقله من تايلاند إلى سجن قاسٍ تابع لوكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان. كان الحراس لم يحلقوا كل شعره بعد، وذكر بن أمين في المحكمة أنه لم يُصوَّر عارياً من قبل، وأنه حاول تغطية أعضائه التناسلية. لكن الحارس المقنع صفع يده بعيداً.

في اليوم الذي تم القبض فيه على السيد بن أمين في تايلاند عام 2003 قطّع حراس يرتدون ملابس شبه عسكرية ملابسه وربطوا معصميه خلف ظهره بأربطة بلاستيكية. وفي جلسة النطق بالحكم قال السيد بن أمين إنه كان محتجزاً عارياً «طوال الوقت» خلال «الأسبوعين» اللذين قضاهما محتجزاً في تايلاند (نيويورك تايمز)

الإيحاء بالغرق

يُظهر رسمه أربعة حراس، بعضهم يرتدي أقنعة يطلق عليها «بالاكلافا»، ممسكين بأطراف السجين على الأرض بينما يجلس حارس خامس على جسده ويصبّ الماء على جسمه ووجهه. كانت الزنزانة باردة، بحسب إفادة بن أمين، وكذلك كان الماء، وقال: «كان الحراس يستجوبوني ويضربون وجهي أثناء التعذيب بالماء».

لم تعترف وكالة الاستخبارات المركزية أبداً بأنها استخدمت تقنية الإيحاء بالغرق. التقنية المستخدمة معه تُسمى أحياناً «رش الماء». قال بن أمين إنه تمدد على شريط بلاستيكي على الأرض، بدلاً من السرير الطبي الذي استخدمته وكالة الاستخبارات المركزية مع ثلاثة سجناء اعترفت الوكالة بأنها غمرتهم بالماء.

الحبس الانفرادي المقيد بالقناع

أفاد السجناء بأنهم تم احتجازهم في الحبس الانفرادي لفترات طويلة. يوضح بن أمين كيف عايش هذه التجربة: عارياً ومعصوب العينين على أرضية زنزانة ومعصماه مقيدان خلف ظهره وكاحلاه مربوطان معاً وساقاه ممدودتان. كانت عملية تعصيب العينين روتينية، بحسب إفادته. وكان الضجيج جانباً من التعذيب.

ويُظهر الرسم الذراع اليمنى لـبن أمين ممدودة ومقيدة إلى مسمار على جدار زنزانته. قال إنه كان محتجزاً في الظلام وعانى من هذه «الوضعية المجهدة» التي تركت خدوشاً وتقرحات على يده اليمنى وكلتا قدميه، وكانت مؤلمة خصوصاً لظهره وكتفه.

* «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانامو الأميركي

الولايات المتحدة​ معسكر «غوانتانامو» حيث يُحتجَز أسرى «القاعدة» (نيويورك تايمز)

إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانامو الأميركي

أعلن البنتاغون الثلاثاء أنّه أطلق سراح سجين كيني من غوانتانامو، لينخفض بذلك عدد الذين ما زالوا محتجزين في هذا السجن العسكري الواقع داخل قاعدة أميركية في كوبا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ «لقد مات عدد كبير للغاية من أفراد العائلات وهم ينتظرون بدء المحاكمة العسكرية في غوانتانامو... ناهيك عن تحقيق العدالة»... هذا ما كتبه السيناتور ريتشارد جيه دوربين الديمقراطي من إلينوي ورئيس لجنة القضاء في رسالة (نيويورك تايمز)

سيناتور أميركي يدعو أوستن إلى قبول تسوية مع المتهمين بتخطيط هجمات سبتمبر

دعا السيناتور ريتشارد دوربين، وزيرَ الدفاع لويد أوستن إلى قبول صفقة إقرار بالذنب مع المتهم بتخطيط الاعتداءات، وهي الصفقة التي كان أوستن قد ألغاها في السابق.

كارول روزنبرغ (غونتانامو ( كوبا) )
الولايات المتحدة​ البوابة الرئيسية لسجن «غوانتانامو» في القاعدة البحرية الأميركية (أرشيفية - أ.ف.ب)

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

أفاد قاضٍ عسكري في غوانتانامو بأنه سيواصل قبول إقرارات الذنب من ثلاثة متهمين مقابل أحكام بالسجن المؤبد.

كارول روزنبرغ (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)

من هي وكيلة العقارات التي حسمت قضية 11 سبتمبر؟

أثارت موافقة سوزان إسكالييه على صفقة الإقرار بالذنب، وهو واحد من أهم القرارات في تاريخ محكمة الحرب في خليج غوانتانامو.

كارول روزنبرغ
آسيا عبد الرحيم غلام رباني المعتقل السابق في غوانتانامو  (وسائل الإعلام الباكستانية)

بعد 18 عاماً بغوانتانامو... باكستاني يتوفى بكراتشي

بعد سنوات طويلة من المرض ونقص الرعاية الصحية، توفي عبد الرحيم غلام رباني، مواطن باكستاني أمضى 18 عاماً بسجن غوانتانامو في كراتشي، مسقط رأسه.

عمر فاروق (إسلام آباد )

الولايات المتحدة تفرض عقوبات على إيران وكيانات مرتبطة بالحوثيين

أنصار جماعة الحوثي اليمنية (د.ب.أ)
أنصار جماعة الحوثي اليمنية (د.ب.أ)
TT

الولايات المتحدة تفرض عقوبات على إيران وكيانات مرتبطة بالحوثيين

أنصار جماعة الحوثي اليمنية (د.ب.أ)
أنصار جماعة الحوثي اليمنية (د.ب.أ)

ذكر موقع وزارة الخزانة الأميركية، الخميس، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على شخصيات وكيانات مرتبطة بإيران وجماعة الحوثي اليمنية.

ووفقاً لـ«رويترز»، ذكر موقع الوزارة عدداً من الأفراد والكيانات والسفن طالتهم العقوبات.