«توافق عام» تركي - أميركي على مستقبل سوريا ما بعد الأسد

دعم واشنطن للأكراد يستمر نقطة خلافية

وزيرا الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال إفادة صحافية مشتركة بعد مباحثاتهما في أنقرة الجمعة (رويترز)
وزيرا الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال إفادة صحافية مشتركة بعد مباحثاتهما في أنقرة الجمعة (رويترز)
TT

«توافق عام» تركي - أميركي على مستقبل سوريا ما بعد الأسد

وزيرا الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال إفادة صحافية مشتركة بعد مباحثاتهما في أنقرة الجمعة (رويترز)
وزيرا الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال إفادة صحافية مشتركة بعد مباحثاتهما في أنقرة الجمعة (رويترز)

سيطر ملفان رئيسيان على مباحثات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في أنقرة؛ أولهما مستقبل سوريا ما بعد بشار الأسد، والثاني التباين بين تركيا وأميركا حول مكافحة الإرهاب.

وأبدت تركيا وأميركا توافقاً بشأن «رؤية سوريا مستقرة» خالية من الإرهاب، لكن خلافهما استمر بشأن مسألة مكافحة الإرهاب في سوريا، نظراً للانقسام المزمن بينهما بشأن وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تحاربها القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة، بينما تعدها واشنطن حليفاً رئيسياً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي.

وناقش الجانبان التركي والأميركي، خلال اجتماع بلينكن والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بمطار إيسنبوغا في أنقرة، لدى وصوله إلى العاصمة التركية، مساء الخميس، ثم مباحثاته مع نظيره التركي هاكان فيدان بمقر الخارجية التركية في أنقرة، الجمعة، الدور الذي ستلعبه تركيا وأميركا في تحديد مستقبل سوريا، وأكدا اتفاقهما، بشكل عام، على رغبتهما في رؤية سوريا مستقرة، دون عرض تقييم مفصل لمستقبلها.

مستقبل سوريا

وقال بلينكن، في إفادة صحافية قصيرة مشتركة مع نظيره التركي هاكان فيدان عقب مباحثاتهما، الجمعة، إنهما «يحاولان ضمان استفادة الشعب السوري من الفرصة المتاحة أمامه من أجل مستقبل أفضل بعد التخلص من (الرئيس المخلوع بشار) الأسد»، مضيفاً أن هناك «اتفاقاً عاماً» مع تركيا حول «نوع» سوريا الذي يريدان رؤيته، «بدءاً بالحكومة المؤقتة التي يجب أن تضم عدداً أكبر من الأشخاص، وتحمي حقوق الأقليات والمرأة، وتستمر في تقديم الخدمات للشعب من خلال حماية مؤسسات الدولة، وتزيل الأسلحة الكيميائية -إن وجدت- وترفض العلاقات مع الجماعات المتطرفة، ولا تشكل بأي حال من الأحوال تهديداً لمحيطها وللدول المجاورة».

بلينكن خلال إفادة صحافية في أنقرة (رويترز)

وأكد بلينكن أنه «من خلال تنفيذ هذه الإجراءات، ستضمن الحكومة التعبير عن أفكار وتطلعات الشعب السوري بأفضل طريقة ممكنة، وأن هذه هي الطريقة التي يمكن بها للإدارة الناشئة في سوريا أن تحصل على الدعم والاعتراف الذي تتوقعه من المجتمع الدولي بعد سنوات من الفساد والديكتاتورية والصراعات في البلاد».

وقال إن تركيا والولايات المتحدة ودولاً أخرى في المنطقة ناقشت ما يمكنها فعله من أجل سوريا، وإنهم «متفقون بشكل عام على ما يريدون رؤيته في سوريا».

وأضاف: «ناقشنا الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة وتركيا في مستقبل سوريا، وناقشنا ضرورة مواصلة الجهود لمحاربة (داعش)، لقد عمل بلدانا بجد، وقدما الكثير لسنوات عدة للقضاء على (داعش)، ومنع ظهور هذا التهديد مرة أخرى، ومن الضروري أن نواصل هذه الجهود».

بدوره، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن ضمان الاستقرار في سوريا بأسرع وقت، ومنع الإرهاب من إيجاد موطئ قدم هناك، وضمان عدم سيطرة تنظيمي «داعش» و«حزب العمال الكردستاني - وحدات حماية الشعب الكردية» على مناطق في سوريا، بين أولويات بلاده.

وأضاف فيدان: «هناك اتفاق واسع النطاق مع أميركا على ما نريد رؤيته في سوريا، وناقشنا كيف يمكن لدول المنطقة أن تدعم الفرصة المهمة لنا وللشعب السوري للتحرر من أغلال بشار الأسد».

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال إفادة صحافية في أنقرة الجمعة (رويترز)

وتابع أنه تباحث مع بلينكن حول ما يمكن عمله بشأن استقرار سوريا، وناقشا، بشكل مفصل، المخاوف المشتركة والحلول المناسبة لها. وأكد أنهم مستمرون في العمل من أجل أن يكون للسوريين مستقبل أفضل بكثير وأن يقرروا مستقبلهم.

خلاف مزمن

وبينما اتفق الجانبان بشأن مسألة عدم إتاحة الفرصة لتنظيم «داعش» للظهور مجدداً، عكس الجانب الأميركي مخاوف إدارة الرئيس جو بايدن، التي أوشكت على تسليم سلطتها، للرئيس المنتخب دونالد ترمب، نوعاً من القلق من أن يؤدي فراغ السلطة في سوريا إلى تفاقم التوترات المتصاعدة بالفعل في المنطقة، وتهيئة الظروف لـ«داعش» لاستعادة الأراضي والنفوذ، ومخاوف من أن تضعف عمليات القوات التركية والفصائل السورية المسلحة الموالية لها من عمليات التحالف الدولي للحرب على «داعش» ضد التنظيم، بسبب استهدافها وحدات حماية الشعب الكردية التي تعول عليها واشنطن بوصفها حليفاً في الحرب ضد «داعش»، وتسعى تركيا لإنهاء وجودها قرب حدودها الجنوبية.

ونوقش الموقف التركي من وحدات حماية الشعب الكردية، بشكل مكثف في لقاءي بلينكن مع إردوغان وفيدان، كما ناقشه، نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، جون باس، في اجتماع منفصل مع وزير الدفاع التركي، يشار غولر، مساء الخميس.

نائب وزير الخارجية الأميركي جون باس خلال لقاء مع وزير الدفاع التركي يشار غولر في أنقرة مساء الخميس (وزارة الدفاع التركية)

كما التقى باس مستشار الرئيس التركي للأمن القومي، عاكف تشاغطاي كيليش، ونائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماظ. وقال عقب اللقاءات: «بحثت مع كبار المسؤولين في تركيا الوضع في سوريا، بما في ذلك حماية المدنيين، والحفاظ على سلامة مؤسسات الدولة، ودعم عملية سياسية شاملة بقيادة سوريين، وسنبقى على اتصال وثيق مع نظرائنا الأتراك في الأيام والأسابيع المقبلة».

وهناك إقرار أميركي بأنه يحق لتركيا الدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات المستمرة من جانب حزب العمال الكردستاني، لكن الجناحين السياسي والعسكري لإدارة بايدن أكدا أنه لا يمكن إنهاء العلاقة مع الوحدات الكردية (ذراع العمال الكردستاني في سوريا)، وأنهما سيعملان كما كان الأمر في السابق، في الاتجاهين، بما لا يؤثر على الحرب ضد «داعش».

رفع علم قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور يوم 7 ديسمبر قبل طردها منها لاحقاً (رويترز)

وإجمالاً، تمحورت المناقشات حول نوع الإدارة التي ستنشأ في سوريا بعد انهيار نظام الأسد، وكيف ستكون طبيعة هذه الإدارة وعلاقاتها الإقليمية، وتم بحث الدور الذي سيلعبه البلدان في هذه العملية، وكيفية تحقيق التنسيق في الاجتماعات بين الوزراء.

ولم يخفِ الجانب التركي حقيقة أن إدارة بايدن، التي ينتمي إليها بلينكن، ستسلم السلطة للرئيس المنتخب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو ما يُعد عاملاً يقلل من أهمية المحادثات في أنقرة.

فيدان أثناء وداعه بلينكن بعد انتهاء مباحثاتهما في أنقرة الجمعة (إ.ب.أ)

وتطرق فيدان، بشكل غير مباشر، إلى هذا الأمر في بيانه الصحافي، مشيراً إلى أن هذه الزيارة «ربما كانت الزيارة الأخيرة لبلينكن إلى أنقرة خلال فترة ولايته»، مضيفاً أنه يتمنى له التوفيق في المرحلة المقبلة.

وبطبيعة الحال، ستناقش القضايا المتعلقة بسوريا مرة أخرى بين أنقرة وإدارة ترمب بعد استلامها السلطة، حيث يتوقع الأتراك، بنسبة كبيرة، أن تنهي إدارة ترمب الوجود العسكري الأميركي في شمال سوريا، وأن توقف التعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية.


مقالات ذات صلة

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

العالم أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

تخضع «هيئة تحرير الشام» التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي معاوية صياصنة الذي أشعل شرارة الثورة السورية مراهقا وعاش نشوة سقوط الاسد رجلا (إندبندنت)

المراهق الذي أشعل شرارة الثورة في درعا يعيش نشوة سقوط الأسد

في غمرة غضبهم من الحياة تحت حكم بشار الأسد، كتب معاوية صياصنة الذي كان يبلغ من العمر 16 عاماً وأصدقاؤه أربع كلمات على جدار في ملعب مدرستهم عام 2011.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شمال افريقيا أحداث متسارعة شهدتها سوريا خلال الأيام الماضية (أ.ب)

«الجامعة العربية» تدين توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا

أدانت جامعة الدول العربية توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا، وسلسلة المواقع المجاورة لها بكل من جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بغداد (أ.ف.ب)

مساع أميركية لحكومة جامعة غير طائفية في دمشق

يشارك وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن السبت في اجتماع رفيع المستوى عربي - تركي تستضيفه مدينة العقبة وسط جهود لعملية انتقال غير طائفية بعد إطاحة حكم الأسد.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي تُظهر الصورة الجوية سوريين يحتفلون بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد بالقرب من تمثال السيف الدمشقي التاريخي بساحة الأمويين بوسط العاصمة (أ.ف.ب)

مفوضية اللاجئين: السلطة السورية الجديدة أرسلت إشارات بنّاءة

أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اليوم الجمعة، أن الحكومة السورية الجديدة، التي تولت السلطة بعد سقوط بشار الأسد، أرسلت «إشارة بنّاءة».

«الشرق الأوسط» (جنيف)

صور أقمار اصطناعية تظهر أن روسيا تستعد لسحب عتاد عسكري من سوريا

صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر القسم الشمالي من قاعدة «حميميم» الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)
صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر القسم الشمالي من قاعدة «حميميم» الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)
TT

صور أقمار اصطناعية تظهر أن روسيا تستعد لسحب عتاد عسكري من سوريا

صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر القسم الشمالي من قاعدة «حميميم» الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)
صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر القسم الشمالي من قاعدة «حميميم» الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)

أظهرت صور أقمار اصطناعية نشرتها شركة «ماكسار» بعد إطاحة قوات المعارضة بالرئيس بشار الأسد مطلع الأسبوع الحالي أن روسيا تجمع فيما يبدو عتاداً عسكرياً في قاعدة جوية بسوريا.

وتُظهر الصور التي التقطت، اليوم الجمعة، ما يبدو أنهما طائرتان من طراز «أنتونوف إيه إن - 124»، إحدى كبرى طائرات الشحن في العالم، ومقدمتهما مفتوحة بقاعدة «حميميم» الجوية في محافظة اللاذقية الساحلية.

صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر الطائرة من طراز «An-124» في قاعدة حميميم الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)

وقالت «ماكسار»: «طائرتان للنقل الثقيل من طراز إيه إن - 124 توجدان في المطار، ومقدمتهما مفتوحة وفي وضع استعداد لتحميل العتاد»، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وأضافت الشركة: «في مكان قريب، يجري تفكيك مروحية مقاتلة من طراز كيه إيه - 52 ويجري إعدادها على الأرجح للنقل بينما تستعد أجزاء من وحدة الدفاع الجوي إس - 400 بالمثل للمغادرة من موقع انتشارها السابق في القاعدة الجوية».

صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر تفكيك مروحية «Ka - 52» في قاعدة حميميم الجوية الروسية (رويترز)

وقالت «ماكسار» إن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، مركز الإصلاح والصيانة الوحيد لروسيا في البحر المتوسط، «ما زالت دون تغيير إلى حد كبير منذ تغطيتنا للصور في 10 ديسمبر (كانون الأول) مع استمرار رصد فرقاطتين قبالة سواحل طرطوس».

وقال تلفزيون «تشانال 4» البريطاني الإخباري إنه شاهد قافلة تضم أكثر من 150 مركبة عسكرية روسية تتحرك على أحد الطرق. وأضاف أن الجيش الروسي يتحرك بنظام جيد وأنه تم التوصل فيما يبدو إلى اتفاق يسمح للروس بخروج منظم من سوريا.

صورة بالقمر الاصطناعي تظهر الدفاعات الجوية من طراز «S - 400» في قاعدة حميميم الجوية الروسية (رويترز)

ولم ترد وزارة الدفاع الروسية بعد على طلب «رويترز» للتعليق. ودعمت موسكو سوريا منذ الأيام الأولى للحرب الباردة معترفة باستقلالها في عام 1944 حين سعت دمشق إلى التخلص من الاستعمار الفرنسي. ولطالما عدّ الغرب سوريا تابعاً للاتحاد السوفياتي.

وقال الكرملين إن تركيزه منذ سقوط الأسد ينصب على ضمان أمن قواعده العسكرية في سوريا وبعثاته الدبلوماسية.