«لحظة شك نادرة» بين إيران وحلفائها في العراق

الفصائل الموالية امتنعت عن التدخل في سوريا... ولم تسمع من قاآني

عناصر من حركة «النجباء» خلال عرض عسكري في بغداد (إكس)
عناصر من حركة «النجباء» خلال عرض عسكري في بغداد (إكس)
TT

«لحظة شك نادرة» بين إيران وحلفائها في العراق

عناصر من حركة «النجباء» خلال عرض عسكري في بغداد (إكس)
عناصر من حركة «النجباء» خلال عرض عسكري في بغداد (إكس)

مع التمدد السريع للفصائل السورية المسلحة، تمتنع مجموعات شيعية عراقية عن الانخراط في المعارك، ما يضع الحكومة التي يقودها محمد شياع السوداني، أمام ضغط مزدوج من الإيرانيين والأميركيين على حد سواء، بشأن التعاطي مع الحكومة السورية.

ووصل وزير الخارجية السوري بسام الصباغ، الخميس، إلى بغداد، بانتظار وصول وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الجمعة، وتقول مصادر إنه «سيطلب المساعدة لكبح الفصائل السورية، أو على الأقل حماية مناطق استراتيجية للرئيس السوري بشار الأسد وطهران»، لكنّ تلبية هذا الطلب «محل شك».

قدرة إيران

قاد تقاطع اتصالات بين فاعلين عراقيين في الحكومة ومجموعات شيعية إلى قناعة شبه راسخة بأن «الثقة بقدرة إيران على التماسك قد تزعزعت الآن».

وقالت مصادر موثوقة، إن بغداد «تلقّت طلباً من الحكومة السورية لتزويدها بمساعدات عسكرية»، بينما يدفع سياسيون من تحالف «الإطار التنسيقي» الحاكم إلى «إرسال قوات عراقية»، إلا أنهم سمعوا تقديرات حكومية بأن «مساراً إقليمياً قيد التشكل هو مَن سيُحدد الدور العراقي».

ولم يتسنّ التحقق من هذه المزاعم من مصادر مستقلة، لكن قيادات شيعية أكدت، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفصائل الشيعية تركت الملف السوري للحكومة، بعد امتناعها عن التدخل، على خلفية انعدام الثقة بقدرة إيران على حماية خطوط الدعم في الميدان السوري».

وكانت «كتائب حزب الله» العراقية، قد أعلنت مطلع الأسبوع أنها تراقب المعارك في سوريا «عن كثب»، دون أن تتخذ قراراً بالمشاركة، لكنها حثّت رئيس الحكومة على «إرسال قوات لمساعدة الأسد».

وقال أشخاص، ينشطون في تلك المجموعات الشيعية، إنها «أجرت حسابات معقدة للتواصل إلى قرار بعدم رمي ثقلها البشري والعسكري للقتال إلى جانب الجيش السوري، ضد الفصائل السورية المسلحة».

وزعم أحدهم، أن «الفصائل الشيعية و(الحرس الثوري) الإيراني توصلا إلى تقدير مشترك بأن إرسال مقاتلين شيعة إلى سوريا انتحار إضافي لمحور المقاومة». وأضاف: «سوريا مهمة بالطبع، لكن الطرف المؤهل للقيام بشيء هو الحكومة».

ولم تشهد العلاقة بين الفصائل العراقية و«الحرس الثوري» سياق عمل يعتمد على «تقديرات مشتركة»، لأن طهران «ترسل الأوامر فقط»، كما قال شخص آخر ينشط في فصيل مسلح كان في سوريا.

وأشار هذا إلى أن «الفصائل الشيعية تلقّت هذا الأسبوع أوامر من إيران بالذهاب إلى دمشق، لكنها رفضت ذلك».

السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (إعلام حكومي)

لحظة نادرة

يبدو أن رفض الفصائل العراقية «موقف نادر»، إلى حد أن سياسيين سنة وأكراداً يشككون فيه، لأنه «من الصعب تفسير هذا الانعطاف في سياق علاقات الولاء بين طهران ووكلائها في العراق»، إلا أن أحداثاً مفصلية فرضتها الحرب في غزة ولبنان قادت إلى هذا التحول، الذي لا يمكن التكهن بنتائجه الآن.

قال مستشار سياسي عراقي، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث علناً، إن «مجموعة عوامل تضافرت لتشجيع فصائل المقاومة العراقية على إنشاء مقاربة مختلفة عن الإيرانيين». وأضاف: «من الصعب القول إنه انفكاك، لكنها لحظة تكتيك غير مألوفة بين الطرفين».

«جزء من الفصائل شريك في الحكومة ومؤسساتها، مثل (عصائب أهل الحق)، وهي محيدة تماماً منذ أشهر، كما أن بقية المجموعات التي كانت نشطة في هجمات ضد الأميركيين والإسرائيليين محاصرة اليوم بأسئلة فنية عن طبيعة الدعم الإيراني، بعد أحداث (حزب الله) تحديداً».

بغداد عزّزت من وجودها العسكري بوحدات من الجيش والحشد الشعبي على طول الحدود مع سوريا (أ.ف.ب)

شكوك الفصائل العراقية

وقاطعت «الشرق الأوسط» مزاعم مقربين من الفصائل، وسياسيين شيعة، مع آخرين منخرطين في دائرة اتصالات بين طهران وبغداد، ويمكن تلخيص الظروف المحيطة بموقف الفصائل من المعارك السورية، على النحو الآتي:

* تعاظم الشعور داخل الفصائل الشيعية العراقية بوجود اختراق خارجي يشمل القيادات الميدانية، وخطوط الإمداد والمعسكرات، ما يجعل قرار التدخل في سوريا انتحاراً.

* يطرح قادة فصائل شيعية أسئلة حول نجاعة الدور الإيراني منذ «طوفان الأقصى»، وفيما إذا كانت الخطة الإيرانية في «وحدة الساحات» قد نجحت بالفعل أم أنها أسهمت في تفكيك «المحور».

* إيران نفسها تواجه مشكلات في التواصل مع الفصائل الشيعية العراقية منذ اغتيال زعيم «حزب الله»، في حين يزعم فاعلون في هذه المجموعات بأنهم «لم يسمعوا شيئاً من قائد (قوة القدس) إسماعيل قاآني، منذ بدء المعارك في سوريا».

* النقاشات الخاصة بين الفصائل العراقية طرحت، أيضاً، أسئلة عن خطوط الإمداد لمقاتليها فيما لو ذهبوا إلى سوريا: «أين تتوزع؟ وكيف ستحميها إيران؟».

لو صحّت مزاعم المصادر بأن الفصائل الشيعية امتنعت بالفعل عن الذهاب إلى سوريا، فإنها قد وصلت إلى هذا القرار بعد عمليات جسّ نبض فاشلة داخل الأراضي السورية.

ففي نهار الاثنين، 2 ديسمبر (كانون الأول) 2024، حاولت مجموعات شيعية مسلحة عبور الحدود العراقية نحو ألبو كمال، لكنها تعرّضت لضربات جوية عند منطقة الميادين جنوب شرقي دير الزور.

وتقول مصادر أمنية موثوقة إن الأميركيين حذّروا من هذه النقطة، آخر من يمكن الوصول إليه في الأراضي السورية.

وفي مساء الأربعاء، 4 ديسمبر 2024، اشتركت مجموعة شيعية مسلحة في التفاف مع قوات «قسد» في محاولة للاستيلاء على بلدة الخفسة، شمال شرقي حلب، لكن العملية فشلت.

السوداني خلال جلسة سرية للبرلمان العراقي 4 ديسمبر 2024 (إعلام حكومي)

حسابات بغداد

منح رئيس الحكومة العراقية الانطباع بأنه قد أمسك بالموقف العراقي حيال الأزمة السورية، ويعتقد سياسيون عراقيون أن لهجة التصعيد التي أظهرها بعد محادثة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كانت تهدف إلى «تنفيس الاحتقان» في العراق، لكن حسابات بغداد بشأن المعارك في سوريا تحكمها عوامل إقليمية متشابكة.

وكان السوداني قد حذّر من «التطهير المذهبي للمكونات والمذاهب في سوريا»، ولاحقاً قال أمام البرلمان إن «العراق يراقب التطورات في سوريا، وهو متنبه أيضاً لوضع إقليمي شائك».

ويرى سياسيون شيعة، أن السوداني يرى في الأزمة السورية «فرصة لإعادة التموضع السياسي، بعد هزات وضربات وجهها له خصوم شيعة داخل (الإطار التنسيقي)».

ويبدو أن تأخر الإيرانيين عن إظهار رد فعل في سوريا شجّع العراقيين على البقاء في منطقة رمادية، كما أن تمدد الفصائل السورية المسلحة يقلل عملياً من تأثير أي دور عسكري عراقي في دمشق.

مع ذلك، يُعتقد أن عراقجي سيضغط على العراقيين للانخراط أكثر في المعارك بسوريا، حينما يلتقي في بغداد يوم الجمعة، رئيسي الحكومة والجمهورية ووزير الخارجية، بالتزامن مع طلبات عاجلة من دمشق.

وزعمت مصادر شيعية، أن «الحكومة السورية طلبت من بغداد دعماً من سلاح الجو العراقي لمعالجة أهداف على طرق استراتيجية، لتسهيل جهود الجيش السوري لاستعادة مناطق خسرها خلال الأيام الماضية». حتى الآن لم يسمع من بغداد أي رد.

وقال المستشار السياسي العراقي، إن «التماهي التام من إيران، يكلف الكثير (...) من الصعب القيام بشيء يريده الإيرانيون ويرفضه الأميركيون، ويفتح الباب لحسابات خاطئة مع الأتراك».

وكان أبو محمد الجولاني، زعيم «هيئة تحرير الشام» قد حثّ رئيس الحكومة العراقية على مواصلة «الحياد الذي نجحت بغداد فيه خلال الصراع بين إيران وإسرائيل»، في الأشهر الماضية.


مقالات ذات صلة

بغداد بعد دمشق... أسئلة «اليوم التالي»

تحليل إخباري مروحيات تابعة للخارجية الأميركية ترافق الوزير أنتوني بلينكن أثناء توجهه نحو سفارة بلاده في بغداد في 13 ديسمبر 2024 (رويترز)

بغداد بعد دمشق... أسئلة «اليوم التالي»

يقول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إنها «لحظة مناسبة للعراق ليعزز سيادته»، بينما تغرق أحزاب بغداد في «نظريات مؤامرة» حول ما سيجري بعد «زلزال» دمشق.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي سوريون يحتفلون في مدينة أربيل شمال العراق بانهيار نظام الأسد في سوريا (أ.ف.ب)

العراق يدقق هويات جنود سوريين سلموا أنفسهم

يواصل العراق تعزيز حدوده مع سوريا بمزيد من القوات الأمنية، بينما أغلق معبر «القائم» بعد دخول جنود سوريين سلّموا أسلحتهم وخضعوا للتدقيق الأمني، وفقاً لمسؤولين.

حمزة مصطفى (بغداد)
تحليل إخباري مقاتلون يرفعون علماً يمثّل فصائل سورية مسلحة وسط حلب (أ.ف.ب)

تحليل إخباري كيف سيُسمع صدى «معركة دمشق» في بيروت وبغداد؟

تتزايد احتمالات أن يتحول تمدّد الفصائل السورية المسلحة إلى صراع مفتوح وربما طويل الأمد بين قوى إقليمية متنافسة، تشهد الآن انقلاباً في المعادلة على نحو مفاجئ.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي دمار عند معبر حدودي قصفته إسرائيل اليوم الجمعة بين لبنان سوريا في منطقة العريضة (أ.ب)

تمدد الفصائل يُقلق دول الجوار السوري

ما تداعيات ما يحصل في سوريا على دول الجوار؟ إسرائيل تتمسك بتحجيم «حزب الله» وإيران. تركيا ترى فرصة. لبنان يخشى التداعيات. العراق بين نارين. والأردن قلِق.

كميل الطويل (لندن)
المشرق العربي العراق قال إن الحدود مع سوريا التي تبلغ 600 كيلومتر باتت مؤمنة (أ.ف.ب)

بغداد لا تشجع «الحلول العسكرية» للأزمة السورية

شجّعت الحكومة العراقية الحلول الدبلوماسية لإنهاء الأزمة السورية، وأعلنت أنها تنسق مع إيران وروسيا وأميركا لإعادة الاستقرار رغم التمدد السريع للفصائل المسلحة.

حمزة مصطفى (بغداد)

إيران تعتقل مغنية بثت حفلاً على «يوتيوب» دون حجاب

عناصر من الشرطة الإيرانية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الشرطة الإيرانية (أرشيفية - رويترز)
TT

إيران تعتقل مغنية بثت حفلاً على «يوتيوب» دون حجاب

عناصر من الشرطة الإيرانية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الشرطة الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اعتقلت السلطات الإيرانية مغنية بعد أن أدت حفلاً افتراضياً على «يوتيوب»، حسبما أفاد محامٍ.

وقال ميلاد بناهيبور، المحامي الإيراني، إن باراستو أحمدي (27 عاماً)، اعتُقلت في مدينة ساري، عاصمة محافظة مازندران الشمالية، يوم السبت.

يوم الخميس، أقامت السلطة القضائية قضية تتعلق بأداء باراستو أحمدي في الحفل؛ حيث غنت مرتدية فستاناً أسود طويلاً بلا أكمام ولا ياقة ودون حجاب، وكان برفقتها 4 موسيقيين ذكور.

ونشرت باراستو أحمدي حفلها على «يوتيوب» قبلها بيوم، قائلة: «أنا باراستو، فتاة تريد أن تغني للناس الذين تحبهم. هذا حق، الغناء لأرض أحبها بشغف». وقد تمت مشاهدة الحفل الافتراضي أكثر من 1.4 مليون مرة.

قال بناهيبور، لوكالة «أسوشييتد برس»: «للأسف، لا نعرف التهم الموجهة ضد باراستو أحمدي، أو من اعتقلها، أو مكان احتجازها، لكننا سنتابع الأمر من خلال السلطات القانونية».

وأضاف أن اثنين من الموسيقيين في فرقة أحمدي، هما سهيل فقيه نصيري وإحسان بيرغدار، اعتُقلا في طهران يوم السبت.

شهدت إيران احتجاجات في عام 2022 بعد وفاة مهسا أميني (22 عاماً)، بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق في البلاد بسبب عدم ارتدائها الحجاب.