في ظل تراجع الصناعة... ألمانيا تغفل فرص النمو بقطاع الخدمات

البيروقراطية الثقيلة ونقص العمالة من بين أبرز التحديات

منظر لمطعم في ماربورغ (رويترز)
منظر لمطعم في ماربورغ (رويترز)
TT

في ظل تراجع الصناعة... ألمانيا تغفل فرص النمو بقطاع الخدمات

منظر لمطعم في ماربورغ (رويترز)
منظر لمطعم في ماربورغ (رويترز)

ربما تكون السياسات الألمانية، التي ركزت بشكل أساسي على محاولة إنقاذ الشركات الصناعية الكبرى في البلاد، قد تجاهلت إمكانات النمو غير المستغَلة في قطاع الخدمات. ورغم أن ألمانيا كانت تُعد محرك النمو الاقتصادي في أوروبا، فإن أداءها كان أضعف من نظيراتها بمنطقة اليورو منذ عام 2018، وتواجه تحديات اقتصادية متزايدة، حيث تخطط شركة «فولكس فاجن» لإغلاق بعض مصانعها في الداخل.

وفي ظل هذه الصعوبات، انهار الائتلاف الحاكم في ألمانيا، يوم الأربعاء، بعد أن أقال المستشار أولاف شولتس وزير ماليته، مما أنهى أشهراً من التوترات والصراعات بشأن السياسات المالية واتجاه الاقتصاد، وفق «رويترز».

وفي حين كان شولتس يميل إلى خفض تكاليف الطاقة، وتمويل تدابير الدعم الحكومي لإنقاذ الوظائف في قطاع السيارات المتعثر، كان الوزير المؤيد للسوق كريستيان ليندنر يدعو إلى خفض الإنفاق والضرائب، وتقليص التنظيم؛ من أجل الحفاظ على «قلب الصناعة الألمانية».

ومع ذلك يعتقد كثيرون أن ألمانيا بحاجة لبدء التركيز على قطاع الخدمات، الذي يُعد أصغر من قطاعات الاقتصادات الأوروبية الأخرى، ولكنه ينمو بشكل أسرع من قطاع التصنيع في البلاد، وفقاً لمقابلات أجرتها «رويترز» مع 12 من المديرين التنفيذيين ورجال الأعمال والاقتصاديين.

وقال غونترام وولف، وهو زميل بارز بمعهد «بروغل» للأبحاث وأستاذ الاقتصاد بجامعة بروكسل الحرة: «إذا تمكنا من تعزيز قطاع الخدمات إلى حد ما، فقد يؤدي ذلك إلى تعويض التراجع في التصنيع». وسجل قطاع الخدمات، الذي يشمل مجالات مثل الضيافة والتمويل وتكنولوجيا المعلومات، نمواً بنسبة 1.6 في المائة، خلال النصف الأول من هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في حين انكمش قطاع التصنيع بنسبة 2.8 في المائة، وفقاً لبيانات المعهد الاقتصادي الألماني «آي دبليو».

وأسهم قطاع الخدمات بنحو 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا، العام الماضي، مقارنة بنحو 78 في المائة في فرنسا، و72 في المائة في إيطاليا، و75 في المائة في إسبانيا، وفقاً لبيانات «يوروستات».

ويدعو عدد من المديرين التنفيذيين ومؤسسي الشركات إلى وضع حد لما يصفونه بالبيروقراطية المفرطة وثقافة التنظيم الثقيل، التي تخنق نمو الأعمال الجديدة وخلق فرص العمل، وخاصة لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تشكل 55 في المائة من القوى العاملة بالبلاد.

وقال رائد الأعمال المشارك والمؤسس المشارك لشركة «سيلينا فاينانس»، الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، ليونارد بينينغ: «في المملكة المتحدة، كان من السهل جداً بدء شركتي؛ حيث كان بإمكاني إعدادها عبر الإنترنت، والحصول على رقم تعريف ضريبي في غضون أيام. في ألمانيا، عندما أسست شركة لشراء وتشغيل آلات البيع تحت اسم (داب جي إم بي إتش)، استغرقت العملية أكثر من أربعة أشهر من الأعمال الورقية مع السلطات والمحاسبين، وتكلفت آلاف اليورو، مقارنة بمبلغ 50 جنيهاً إسترلينياً فقط (64.57 دولار) في المملكة المتحدة».

ورغم أن البيروقراطية مشكلة تؤثر على جميع قطاعات الاقتصاد، فإن 56 في المائة من المشاركين في استطلاع أجرته غرفة التجارة والصناعة الألمانية، في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشاروا إلى أن اللوائح كانت شاغلهم الرئيسي. وفي المقابل، قال المشاركون من القطاع الصناعي إن مخاوفهم الرئيسية تركز على المخاطر المتعلقة بالطلب المحلي وأسعار الطاقة، وفق الاستطلاع نفسه.

كما أن إجراءات التصديق والاعتماد الطويلة والمكلِّفة تعوق أيضاً دخول الشركات الصغيرة والشابة السوق الألمانية، وخاصة في القطاعين المالي والصحي، وفقاً لدانييل بريتينغر، أحد المسؤولين التنفيذيين في «بيتكوم»؛ رابطة صناعة تكنولوجيا المعلومات الألمانية.

وأوضح بريتينغر، الذي تمثل جمعيته 2200 شركة، أن «النتيجة هي أن الابتكار يحدث في بلدان أخرى».

العوائق مستمرة

يؤدي الإفراط في التنظيم إلى تفاقم أزمة نقص العمالة، حيث أفادت 50 في المائة من الشركات بقطاع الخدمات في ألمانيا بأنها تواجه صعوبة في العثور على موظفين، وفقاً لتقرير غرفة التجارة والصناعة لعام 2023.

ويتطلب عدد من المهن في قطاع الخدمات، مثل القانون والمحاسبة والطب، معايير وشهادات قانونية محددة للعمل. لكن في ألمانيا، هذه المتطلبات أكثر صرامة وتغطي مجموعة واسعة من الوظائف. ووفقاً لتقرير المفوضية الأوروبية لعام 2021، فإن ألمانيا لديها 33 في المائة من إجمالي قوتها العاملة في المهن المنظمة، وهو ما يفوق متوسط ​​الاتحاد الأوروبي البالغ 21 في المائة، وأعلى حصة بين دول الاتحاد الأوروبي.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «بريتيوم أسوشيتس»، وهي شركة استشارات مالية للشركات المتوسطة الحجم، مارسيل كريب، إن «ألمانيا بلد العناوين الرئيسية»؛ وذلك بسبب متطلبات التأهيل الصارمة التي تجعل من الصعب العثور على موظفين شباب لشركته.

ووفق تقرير نشرته غرفة المحاسبين العموميين الألمانية، في يوليو (تموز) الماضي، فإن 1.4 في المائة فقط من المحاسبين في ألمانيا تقل أعمارهم عن 30 عاماً، في حين أن 31 في المائة تتراوح أعمارهم بين 50 و59 عاماً.

ولتجاوزِ هذه العوائق، يتطلب الأمر جذب انتباه صانعي السياسات.

لكن في حين يمكن للمصنعين الاعتماد على جماعة الضغط التجارية الألمانية القوية «بي دي آي»، المعروفة باسم «صوت الصناعة الألمانية»، فإن قطاع الخدمات المحلية لا يزال مجزأ جداً ويمثله كثير من الجمعيات الصغيرة، كما اشتكى كريب وغيره من المديرين التنفيذيين.

ينشر المكتب الإحصاء الاتحادي الألماني أكثر من 20 مجموعة بيانات شهرية عن القطاع الصناعي، بما في ذلك أرقام مفصّلة لقطاعات السيارات والمواد الكيميائية والأدوية. وقال خبراء الاقتصاد في بنك «هامبورغ التجاري»، سايروس دي لا روبيا: «إنه دليل على رؤية منحازة للاقتصاد». لكن الأرقام الشهرية للخدمات محدودة وتقتصر على مبيعات التجزئة وعدد الأشخاص العاملين بالقطاع والإيرادات في أماكن الإقامة والضيافة. ويرى دي لا روبيا أن ندرة البيانات تشكل مثالاً بارزاً على قلة الاهتمام السياسي بهذا الجزء الحيوي من الاقتصاد الألماني.


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت يتحدث خلال فعالية (رويترز-أرشيفية)

حاكم تكساس الأميركية يأمر أجهزة الولاية بوقف الاستثمار في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري غريغ أبوت، الأجهزة المعنية بوقف استثمار أموال الولاية في الصين، وبيع هذه الاستثمارات في أقرب فرصة.

«الشرق الأوسط» (أوستن (تكساس))
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر مفوضية الاتحاد في بروكسل (رويترز)

تدهور حاد في النشاط التجاري بمنطقة اليورو خلال نوفمبر

شهد النشاط التجاري في منطقة اليورو تدهوراً حاداً هذا الشهر، حيث انكمش القطاع الخدمي المهيمن في المنطقة، بينما استمر التصنيع في التدهور بشكل أعمق في الركود.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد تظهر سحب داكنة فوق مبنى الرايخستاغ مقر البرلمان الألماني في برلين (رويترز)

الاقتصاد الألماني يتباطأ مجدداً... نمو أقل من المتوقع

نما الاقتصاد الألماني بوتيرة أقل من التقديرات السابقة في الربع الثالث، بحسب ما أعلن مكتب الإحصاء يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد متسوقون يمشون في شارع أكسفورد في لندن (رويترز)

تراجع مبيعات التجزئة البريطانية أكثر من المتوقع قبيل موازنة ستارمر

تراجعت مبيعات التجزئة البريطانية بشكل أكبر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية التي أضافت إلى مؤشرات أخرى على فقدان الزخم الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

اليابان تدرس رفع الحد الأدنى لضريبة الدخل ضمن حزمة التحفيز

مشاة يعبرون طريقاً في منطقة تجارية وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)
مشاة يعبرون طريقاً في منطقة تجارية وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)
TT

اليابان تدرس رفع الحد الأدنى لضريبة الدخل ضمن حزمة التحفيز

مشاة يعبرون طريقاً في منطقة تجارية وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)
مشاة يعبرون طريقاً في منطقة تجارية وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)

قالت الحكومة اليابانية إنها ستدرس رفع الحد الأدنى الأساسي للدخل المعفى من الضرائب في إطار تخفيضات ضريبية دائمة فعالة تصل قيمتها إلى 51 مليار دولار، وهي الخطوة التي قد تساعد أيضاً في تخفيف القيود المفروضة على العاملين بدوام جزئي وسط تفاقم نقص العمالة.

وتأتي خطة الحكومة، التي وردت في حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 39 تريليون ين (253 مليار دولار) أُعلن عنها يوم الجمعة، بعد أن رضخت الحكومة الائتلافية لضغط من جانب حزب معارض رئيسي يعتبر تعاونه حاسماً لبقاء الحكومة الائتلافية في السلطة.

وإذا تم رفع عتبة ضريبة الدخل من 1.03 مليون ين (6674 دولاراً) سنوياً إلى 1.78 مليون ين كما طالب حزب المعارضة الديمقراطي من أجل الشعب، فإن عائدات الضرائب ستنخفض بمقدار 7 تريليونات ين (45.36 مليار دولار) إلى 8 تريليونات ين، وفقاً لتقديرات الحكومة. وبينما لم تتم مناقشة مستوى العتبة الجديد بعد، يقول صناع السياسات إن الزيادة الكاملة إلى 1.78 مليون ين غير مرجحة.

ويزعم حزب الشعب الديمقراطي أن 1.03 مليون ين كانت أيضاً بمثابة تقييد للعاملين بدوام جزئي من الطلاب؛ حيث يفقد آباؤهم معاملة خصم الضرائب إذا كان أطفالهم القاصرون المعالون يكسبون أكثر من المستوى... ويقدر معهد «دايوا» للأبحاث أن نحو 610 آلاف طالب يحدون حالياً طواعية من ساعات عملهم لتجنب الوصول إلى العتبة.

وبحسب تقديرات «دايوا»، فإن زيادة عتبة الاستقطاع إلى 1.8 مليون ين من شأنها أن تعزز المعروض من العمالة بنحو 330 مليون ساعة، وتعويضات العمال بنحو 456 مليار ين، وزيادة الاستهلاك الخاص بنحو 319 مليار ين.

لكن المنتقدين متشككون في التأثير على المعروض من العمالة، مشيرين إلى وجود حواجز دخل أخرى تمنع العاملين بدوام جزئي من العمل لفترة أطول. كما أن رفع عتبة ضريبة الدخل من شأنه أن يجعل اليابان حالة شاذة بين الدول المتقدمة التي ألغت في الغالب التحفيز.

وقال سايسوكي ساكاي، كبير الاقتصاديين في شركة ميزوهو للأبحاث والتكنولوجيا: «هذه في الواقع سياسة توزيع متخفية في هيئة قضية عمالية». وأضاف أن «هدف اليابان المتمثل في تحقيق فائض في الميزانية الأولية في السنة المالية المقبلة سيكون مستحيلاً تماماً. وفي ظل عدم اهتمام أي شخص بالانضباط المالي، فإن المخاوف بشأن ديون اليابان قد تشتد بين المستثمرين».

وفي حزمة التحفيز، ستنفق الحكومة 13.9 تريليون ين من حسابها العام لتمويل التدابير الرامية إلى التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على الأسر. وسيتحول التركيز الآن إلى كيفية تمويل الميزانية.

وقال بنك «جي بي مورغان» في تقرير للعملاء، إنه يتوقع نحو 10 تريليونات ين في سندات حكومية جديدة إضافية لأحدث حزمة تمويل.

ومع ذلك، فإن التوقعات بشأن الميزانية للسنة المالية المقبلة اعتباراً من أبريل (نيسان) أصبحت غير واضحة؛ حيث ستؤثر نتائج المناقشات حول مراجعة الضرائب على عائدات الضرائب لهذا العام.

وفي مؤتمر صحافي، رفض وزير المالية كاتسونوبو كاتو التعليق على ما إذا كان هدف الحكومة المتمثل في تحقيق فائض الميزانية الأولية العام المقبل يمكن تحقيقه، قائلاً إنه ستكون هناك عوامل متعددة في الحسبان.

وبرز إصلاح المالية العامة الممزقة بوصفه مهمة أكثر إلحاحاً بالنسبة لليابان مع تحرك بنكها المركزي للخروج من سنوات من السياسة النقدية شديدة التيسير، التي أبقت تكاليف الاقتراض منخفضة للغاية... ويبلغ الدين العام لليابان أكثر من ضعف حجم اقتصادها، وهو الأكبر بين الاقتصادات الصناعية.

وفي الأسواق، أغلق المؤشر «نيكي» الياباني مرتفعاً، يوم الجمعة، بعد خسائر لجلستين متتاليتين، إذ صعدت أسهم الشركات المرتبطة بالرقائق الإلكترونية مقتفية أثر شركة «إنفيديا» العملاقة لرقائق الذكاء الاصطناعي.

وارتفع المؤشر «نيكي» 0.68 في المائة ليغلق عند 38283.85 نقطة، لكنه انخفض 1.6 في المائة خلال الأسبوع. وتقدم المؤشر «توبكس» الأوسع نطاقاً 0.51 في المائة إلى 2696.53 نقطة، لكنه تكبّد خسارة أسبوعية 1.06 في المائة.

وقال ناوكي فوجيوارا، المدير العام في شركة «شينكين» لإدارة الأصول: «رفعت مكاسب (إنفيديا) المعنويات وأعاد المستثمرون شراء الأسهم اليابانية».