كيف سينعكس الخفض المرتقب للفائدة الأميركية على اقتصادات الخليج؟

خبراء في «ستاندرد آند بورز» توقعوا لـ«الشرق الأوسط» أن تظل ربحية البنوك قوية

شعار وكالة «ستاندرد آند بورز» (رويترز)
شعار وكالة «ستاندرد آند بورز» (رويترز)
TT
20

كيف سينعكس الخفض المرتقب للفائدة الأميركية على اقتصادات الخليج؟

شعار وكالة «ستاندرد آند بورز» (رويترز)
شعار وكالة «ستاندرد آند بورز» (رويترز)

وسط تنامي الترجيحات بخفض «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي أسعار الفائدة مرة أخرى خلال اجتماعه يوم الخميس، تتجه الأنظار نحو تأثير هذا الإجراء الذي يلي الانتخابات الأميركية على اقتصادات دول الخليج وبنوكها.

وتعقد اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في «الاحتياطي الفيدرالي» اجتماعاً ليومين؛ بدءاً من الأربعاء، حيث يتوقع أن تعلن في نهايته خفضاً لأسعار الفائدة الفيدرالية بمقدار 25 نقطة أساس. وهو ما سيواكبه خفض مماثل للفائدة من المصارف المركزية الخليجية المرتبطة عملاتها بالدولار، والتي لا تشمل الكويت التي تعتمد على سلة من العملات، بحسب ما شرح خبراء في وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» لـ«الشرق الأوسط».

وقالت المحللة السيادية في «ستاندرد آند بورز»، ذهبية غوبتا: «يجب أن تعزز أسعار الفائدة المنخفضة اقتصادات الخليج غير النفطية من خلال دعم الطلب على الائتمان وقطاعات مثل العقارات والبناء. ونتوقع أن يبلغ متوسط النمو 3.3 في المائة بدول الخليج من عام 2024 إلى 2027، مقارنة بـ1 في المائة في 2023، مدعوماً بالنشاط غير النفطي القوي والزيادة في إنتاج النفط».

وأضافت أنه يجب أن تؤدي التيسيرات النقدية أيضاً إلى تقليل تكاليف خدمة الدين بالنسبة للحكومات، خصوصاً تلك التي لديها احتياجات اقتراض مرتفعة، مثل السعودية من حيث الأرقام الاسمية، والبحرين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، و«نرجح أن تظل معدلات التضخم منخفضة نسبياً بسبب الأسعار المدارة على عدة سلع وارتباطها بالدولار القوي نسبياً».

البنوك الخليجية

من جانبه، توقع محلل الائتمان الأول في «ستاندرد آند بورز»، الدكتور محمد دمق، لـ«الشرق الأوسط»، أن تظل ربحية البنوك الخليجية قوية في عام 2024، بفضل تأخير خفض أسعار الفائدة، واستمرار مرونة جودة الأصول، بفضل الاقتصادات الداعمة، والرفع المالي المحدود، ومستوى عالٍ من الاحتياطيات الاحترازية.

وقال: «نتوقع تدهوراً طفيفاً في الربحية لعام 2025، حيث سيستمر (الاحتياطي الفيدرالي) في خفض أسعار الفائدة. وبشكل عام، من الممكن أن يكون إجمالي الخفض بمقدار 225 نقطة أساس، شاملة الـ50 نقطة أساس التي تم خفضها بالفعل في سبتمبر (أيلول) 2024، ونتوقع أن تتبع معظم البنوك المركزية الخليجية هذا الاتجاه».

وشرح دمق أن كل انخفاض بمقدار 100 نقطة أساس في أسعار الفائدة يقلل بمعدل نحو 9 في المائة من صافي أرباح البنوك الخليجية المصنفة. وهذا يستند إلى إفصاحات ديسمبر (كانون الأول) 2023، بافتراض ميزانية عمومية ثابتة وتحول متوازٍ في منحنى العائد.

ومن ناحية إيجابية، يرجح دمق أن تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة أيضاً إلى تقليل حجم الخسائر غير المحققة التي تراكمت لدى البنوك الخليجية على مدى العامين الماضيين. ويقدر هذه الخسائر بنحو 2.8 مليار دولار للبنوك التي تقوم الوكالة بتصنيفها، أو 1.9 في المائة في المتوسط من إجمالي حقوق المساهمين بنهاية عام 2023.

تخفيف الأثر السلبي

وتوقع دمق أن يتضاءل الأثر السلبي لانخفاض أسعار الفائدة من خلال ما يلي:

1- إجراءات الإدارة لإعادة هيكلة ميزانيات البنوك. ويمكن أن يتم ذلك من خلال تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية أو تبديل الأسعار المتغيرة بأسعار ثابتة.

2- عودة الودائع إلى أدوات غير مدفوعة الفائدة، حيث شهدنا على مدى العامين الماضيين، انتقال الودائع إلى أدوات مدفوعة الفائدة في بعض الأسواق. وفي السعودية، على سبيل المثال، انخفضت نسبة الودائع تحت الطلب إلى إجمالي الودائع إلى 53 في المائة بنهاية عام 2023 من 65 في المائة بنهاية عام 2021. وتوقع انتقالاً مرة أخرى إلى أدوات غير مدفوعة الفائدة إذا انخفضت أسعار الفائدة، حسب حجم الانخفاض. وأقر بأن الانتقال مرة أخرى قد يستغرق وقتاً.

3- تكلفة محتملة أقل للمخاطر بالنسبة للبنوك: مع انخفاض أسعار الفائدة وإعادة تسعير البنوك للقروض التجارية، قد تتمتع الشركات بمزيد من مجال التنفس الذي يمكن أن يساعد في تحسين جدارتها الائتمانية، وبالتالي تقليل احتياجات البنوك من المخصصات.

4- تسارع محتمل في نمو الإقراض: يمكن أن تعوض الأحجام الأعلى عن الهوامش الأدنى، لا سيما في الأسواق التي تشهد طلباً كبيراً على الإقراض، مثل السعودية بسبب تنفيذ مشروعات «رؤية 2030».

مستويات السيولة

وأوضح دمق أنه من المحتمل أن يكون الأثر لخفض أسعار الفائدة محايداً إلى حد كبير على مستويات السيولة، وتوقع تقليص الخسائر غير المحققة في محافظ استثمار البنوك الخليجية، لكنه قدّر أن المبلغ سيكون صغيراً نسبياً (2.8 مليار دولار بنهاية عام 2023). ويمكن أن تشجع أسعار الفائدة المنخفضة أيضاً البنوك على الاستفادة من أسواق رأس المال الدولية بشكل أكثر قوة في البلدان التي تحتاج فيها إلى سيولة إضافية لتحفيز نمو الإقراض، مثل السعودية.


مقالات ذات صلة

بعد صدمة الرسوم... ما أدوات ترمب في وجه الشركاء التجاريين؟

الاقتصاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى إعلانه الرسوم الجمركية الجديدة في حديقة البيت الأبيض مساء الأربعاء (رويترز) play-circle

بعد صدمة الرسوم... ما أدوات ترمب في وجه الشركاء التجاريين؟

بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الأربعاء، عن مجموعة واسعة من الرسوم الجمركية، يستعد البعض بالفعل لما قد يأتي لاحقاً.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد محافظ مصرف لبنان الجديد كريم سعيد يحضر مراسم تسلم المهام عند توليه منصبه في بيروت (رويترز)

محافظ «المركزي اللبناني» يتعهد بمكافحة غسل الأموال وإعادة هيكلة القطاع المصرفي

تعهَّد محافظ مصرف لبنان المركزي الجديد، كريم سعيد، يوم الجمعة، بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والعمل باستقلالية تامة بعيداً عن التدخلات السياسية.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
الاقتصاد زائر لمعرض الصين التجاري الدولي في العاصمة بكين يمر أمام لافتة لبنك الصين (رويترز)

الصين تدعم البنوك الحكومية بسندات خاصة بقيمة 500 مليار يوان

أعلنت وزارة المالية الصينية الاثنين اعتزام الحكومة بيع سندات خزانة خاصة بقيمة 500 مليار يوان لدعم البنوك التجارية الكبرى المملوكة للدولة

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أشخاص يمرون أمام جناح بنك التعمير الصيني في معرض دولي ببكين (رويترز)

أكبر البنوك الحكومية في الصين تجمع 71.6 مليار دولار لتعزيز رأس مالها

أعلنت أربعة من أكبر البنوك الحكومية في الصين الأحد عن خططها لجمع 520 مليار يوان (71.60 مليار دولار) من خلال طرح خاص من مستثمرين بمن فيهم وزارة المالية

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

«المركزي الأوروبي» يحذر من المخاطر الجيوسياسية ونقص السيولة في ظل التقلبات العالمية

أكدت كلوديا بوخ، رئيسة المجلس الإشرافي في المصرف المركزي الأوروبي، يوم الخميس، أن بنوك منطقة اليورو تتمتع بالمرونة اللازمة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)

أسواق النفط تشهد صدمة فورية لكن «غير مستدامة»

حفارة نفط بالقرب من محطة طاقة توربينية غازية في حقل نفط حوض بيرميان خارج أوديسا تكساس (رويترز)
حفارة نفط بالقرب من محطة طاقة توربينية غازية في حقل نفط حوض بيرميان خارج أوديسا تكساس (رويترز)
TT
20

أسواق النفط تشهد صدمة فورية لكن «غير مستدامة»

حفارة نفط بالقرب من محطة طاقة توربينية غازية في حقل نفط حوض بيرميان خارج أوديسا تكساس (رويترز)
حفارة نفط بالقرب من محطة طاقة توربينية غازية في حقل نفط حوض بيرميان خارج أوديسا تكساس (رويترز)

تتداول أسعار النفط عند أدنى مستوى لها منذ أكثر من 3 سنوات، وذلك بعد أن رفعت الصين الرسوم الجمركية على السلع الأميركية، كرد فعل انتقامي؛ مما أدى إلى ازدياد احتدام حرب تجارية عالمية يخشى المستثمرون من أن تؤدي إلى ركود اقتصادي.

وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 4.56 دولار، أي 6.5 في المائة، إلى 65.58 دولار للبرميل عند التسوية في جلسة الجمعة، آخر تعاملات الأسبوع، وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 4.96 دولار، أي 7.4 في المائة، إلى 61.99 دولار عند التسوية.

وسجَّل خام برنت أكبر خسارة أسبوعية بالنسبة المئوية في عام ونصف العام، بينما تكبَّد خام غرب تكساس الوسيط أكبر خسارة في عامين.

يأتي هذا بعد صدمة قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بفرضه رسوماً جمركية على دول العالم كافة، بحد أدنى 10 في المائة، مع ترقب السوق ردود فعل الدول على هذه الرسوم، وبالإضافة إلى ذلك انعكس قرار «أوبك بلس» باستمرار الزيادة في الإنتاج لتلبية الطلب العالمي على النفط، بشكل فوري على الأسعار، لكن خبير الاقتصاد الكلي وأسواق النفط أحمد معطي، قال: «صدمة فورية غير مستدامة».

وتأتي زيادات «أوبك»، أو بالأحرى تخفيف قيود الإنتاج، بالتزامن مع الإجراءات المحتملة التي قد يتخذها ترمب ضد صادرات النفط الإيرانية، التي قد تؤدي إلى حجب أكثر من مليون برميل يومياً عن السوق، وهو ما سيقدم دعماً للأسعار بشكل فوري.

وتوقَّع معطي لـ«الشرق الأوسط»، أن تجذب أسعار النفط الجاذبة، عند هذه المستويات، كثيراً من الدول إلى الشراء والتخزين بكميات كبيرة، وهو ما قد يرفع الأسعار عند مستويات الـ70 دولاراً أو أكثر.

وأرجع معطي هبوط النفط «بشكل عنيف»، إلى ظروف السوق الحالية. وقال: «هذا شيء طبيعي في هذا الوقت مع كل هذه القرارات التي ضغطت على الأسعار بشكل فوري... وأبرزها الرسوم الجمركية، التي يخشى الجميع من تداعياتها».

وتتوقع «أوبك» زيادة قدرها 1.45 مليون برميل يومياً، للطلب العالمي على النفط، بينما يتوقع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، أن الطلب العالمي على النفط من المتوقع أن يرتفع إلى ما بين مليون و1.5 مليون برميل يومياً هذا العام.

أضاف معطي: «رد الصين بفرض رسوم على الولايات المتحدة، زاد من مخاوف المستثمرين من حرب تجارية شاملة قد تطال الطلب العالمي على النفط، لأن الصين أكبر مستورد للنفط وثاني أكبر مستهلك في العالم، وهو ما زاد من مخاوف من منع كامل لسلع محددة بين البلدين في حال استمرار التصعيد».

وأشار إلى استمرار تقليل «أوبك بلس» تخفيضات الإنتاج، الذي جاء بالتزامن مع إعلان الحرب التجارية الشاملة التي أعلنها ترمب، وهو ما ضغط على أسعار النفط بهذا الشكل.

وقال معطي: «النفط سلعة مؤثرة ومتأثرة بما يحدث حول العالم، ونتيجة الرسوم الجمركية، فإن المستثمرين يقيِّمون حالياً حجم التأثيرات على هذه السلعة المهمة. أتوقع مع تراجع الأسعار لهذه المستويات نتيجة كل هذه التداعيات العالمية، أن تصبح هذه الأسعار مغرية جداً للشراء... وبناء عليه فمن الممكن أن يصعد مرة أخرى لمستويات الـ70 دولاراً... ووقتها سيستقر فترة عند هذه المستويات».

إعفاء النفط من الرسوم

ونظراً لأهمية النفط بوصفه سلعةً رئيسيةً تدخل في كثير من السلع كاملة الصنع، أعلن البيت الأبيض، الأربعاء الماضي، إعفاء واردات النفط والغاز والمنتجات المكررة من الرسوم الجمركية الجديدة الشاملة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ويمثل هذا الإعفاء مصدر ارتياح لقطاع النفط الأميركي، الذي عبَّر عن مخاوفه من أن الرسوم الجديدة قد تربك التدفقات وترفع التكاليف على كل شيء، بدءاً من النفط الخام الكندي الذي يغذي مصافي الغرب الأوسط، ووصولاً إلى شحنات البنزين والديزل الأوروبية إلى الساحل الشرقي.

وأوضح مسؤول في البيت الأبيض أن الحماية التجارية لا تنطبق على واردات الطاقة من كندا أو المكسيك - المُعفاة بالفعل بموجب اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا - ولا تنطبق على واردات الطاقة من أي دولة أخرى.

وكندا والمكسيك هما أكبر مصدرَين للنفط الخام المستورد إلى الولايات المتحدة، في حين تعد أوروبا مصدراً مهماً للوقود المستورد إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة، حيث تقل مصافي النفط.

ونتيجة لذلك، فإن النفط سيكون في تداول حر في أكبر اقتصاد في العالم، نظراً لأهميته الاقتصادية والسياسية أيضاً، وهو نهج قد يذهب إليه كثير من الدول الأخرى التي تفكر في ردود انتقامية على رسوم ترمب.

أميركا تخزن النفط قبل فرض الرسوم

لاحظت «الشرق الأوسط»، أن الإدارة الأميركية قامت بتخزين النفط الخام على مدار الأسبوع الذي سبق إعلان الرسوم الجمركية الشاملة.

فوفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، يوم الأربعاء الماضي، ارتفعت مخزونات النفط الخام الأميركية بشكل حاد، الأسبوع الماضي، وزيادة الواردات، وذلك رغم تراجع معدلات تشغيل المصافي. مع العلم أن النفط كان يتداول عند مستويات الـ70 دولاراً للبرميل وقت تكثيف الشراء من أميركا.

وتوضِّح هذه البيانات توقعات الإدارة الأميركية باضطراب في الأسواق لفترة محدودة، إذ إنها لو كانت تتوقَّع تراجع النفط لمستويات دون الـ70 دولاراً، لكانت انتظرت، غير أن الأسعار الحالية «المغرية» قد تدفعها لزيادة المخزونات التجارية خلال الفترة المقبلة.

وذكرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن مخزونات النفط الخام ارتفعت بمقدار 6.2 مليون برميل إلى 439.8 مليون برميل في الأسبوع المنتهي خلال 28 مارس (آذار)، مقارنة بتوقعات بانخفاض قدره 2.1 مليون برميل.

وارتفعت مخزونات النفط الخام في مركز التسليم لدى كوشينغ بولاية أوكلاهوما بمقدار 2.4 مليون برميل.

وذكرت الإدارة أن صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام ارتفع بمقدار 999 ألف برميل يومياً ليصل إلى 2.585 مليون برميل يومياً.

وبلغت واردات النفط الخام من كندا، أكبر مورِّد للنفط للولايات المتحدة، أعلى مستوى لها منذ 3 يناير (كانون الثاني) الأسبوع الماضي، حيث ارتفعت بمقدار 438 ألف برميل يومياً لتصل إلى 4.42 مليون برميل يومياً.