دخل الاستثمارات والعمليات يدفع البنوك السعودية لتحقيق أعلى أرباح ربعية في تاريخها

وصلت إلى 5.47 مليار دولار في الربع الثالث من 2024 بزيادة 13.49%

العاصمة السعودية الرياض توجد بها مقار رئيسية لأكبر البنوك (رويترز)
العاصمة السعودية الرياض توجد بها مقار رئيسية لأكبر البنوك (رويترز)
TT

دخل الاستثمارات والعمليات يدفع البنوك السعودية لتحقيق أعلى أرباح ربعية في تاريخها

العاصمة السعودية الرياض توجد بها مقار رئيسية لأكبر البنوك (رويترز)
العاصمة السعودية الرياض توجد بها مقار رئيسية لأكبر البنوك (رويترز)

واصلت البنوك السعودية تسجيل مستويات قياسية جديدة في الأرباح الربعية، خلال الربع الثالث من 2024، بعد أن نما صافي أرباحها بنسبة 13.49 في المائة، عن الربع المماثل مع العام السابق، ولتحقق أعلى أرباح فصلية في تاريخها بـ5.47 مليار دولار (20.52 مليار ريال) مقابل تحقيقها لنحو 4.8 مليار دولار (18.08 مليار ريال) في الربع المماثل من العام السابق، وبزيادة قدرها 651 مليون دولار (2.44 مليار ريال).

يأتي هذا النمو في صافي أرباح البنوك، واستمرار تسجيلها لأرباح ربعية قياسية بفعل ارتفاع استثمارات البنوك وزيادة دخل العمليات الناشئة من العمولات الخاصة وعمليات تمويل الأفراد والمنشآت ورسوم الخدمات البنكية والمصرفية.

وبحسب إعلانات البنوك السعودية الـ10، المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول)، لنتائجها المالية، سجلت جميع البنوك نمواً في صافي أرباحها خلال الربع الثالث من 2024 مقارنةً بالربع المماثل من العام السابق، باستثناء البنك السعودي الفرنسي (بي إس إف) الذي تراجعت أرباحه بنسبة 7.79 في المائة، لتستقر أرباحه عند 1.15 مليار ريال.

في المقابل، استمر البنك الأهلي السعودي في استحواذه على النصيب الأكبر من صافي الأرباح المجمعة للبنوك، وارتفعت أرباحه عن الربع المماثل بنحو 7.11 في المائة، لتسجل 5.37 مليار ريال، مقارنة بنحو 5.01 مليار ريال في الربع ذاته من العام السابق، كما جاء مصرف الراجحي في المرتبة الثانية بوصفه الأعلى ربحية؛ إذ بلغت أرباحه 5.1 مليار ريال، وبارتفاع بنحو 22.82 في المائة على أساس سنوي، مقارنة بـ4.15 مليار ريال للربع الثالث من العام السابق.

فيما حقق بنك الرياض أعلى وتيرة نمو بين البنوك خلال الربع الثالث من 2024 بنسبة نمو وصلت إلى 27.03 في المائة وليحقق ثالث أعلى ربحية، بعد تحقيقه لأرباح بلغت 2.65 مليار ريال، مقارنة بأرباح الربع المماثل من العام الماضي، التي سجلت 2.08 مليار ريال.

وخلال الأرباع الثلاثة المنتهية من العام الحالي 2024 سجلت البنوك السعودية نمواً في صافي أرباحها بنسبة 11.6 في المائة، وبلغت أرباحها لكامل الفترة نحو 15.7 مليار دولار (58.7 مليار ريال) مقابل تحقيقها لأرباح بنحو 14 مليار دولار (52.6 مليار ريال) خلال ذات الفترة من العام السابق 2023، وبزيادة تقدر بـ1.6 مليار دولار (6.1 مليار ريال).

ووصف أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام محمد بن سعود، الدكتور محمد مكني خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أداء البنوك السعودية خلال الربع الثالث من 2024 بـ«القوي» وأنه جاء مدعوماً بزيادة دخل العمولات، مما يعكس تحسناً ملحوظاً في أنشطة الإقراض رغم تراجع هامش صافي إيرادات التمويل والاستثمارات، مضيفاً أنه يظهر قوة البنوك السعودية في مواجهة التحديات الاقتصادية.

وأشار الدكتور مكني إلى أن أبرز العوامل التي دعمت هذا النمو هو تراجع المخصصات بنسبة 8 في المائة، لتصل إلى أدنى مستوياتها خلال أكثر من 6 سنوات، مما يعكس التحسن في إدارة المخاطر.

وأضاف أن مصرف الراجحي الذي يعد ثاني أكبر البنوك السعودية من حيث الموجودات، كان له دور رئيسي في دفع أرباح القطاع إلى جانب النمو الملحوظ في أعمال بنك الرياض، لافتاً إلى أن تسجيل البنك الفرنسي تراجعاً في الأرباح بعكس باقي البنوك، يستدعي دراسة عميقة لفهم الأسباب وراء هذا الأداء المخالف لبقية البنوك، مشيراً إلى أنه رغم النمو الإيجابي لصافي أرباح البنوك فإن هناك بعض الضغوط على السيولة بسبب النمو في محفظة التمويل بنسبة 12.4 في المائة، بينما نمت الودائع بنسبة 10.5 في المائة فقط، وهذا الفارق يضع البنوك تحت ضغط محدود في إدارة السيولة، وزاد أن التغيير في أسعار الفائدة كان له أثر على ربحية بعض البنوك، حيث تراجع هامش صافي إيرادات الفوائد في البنوك السعودية إلى 48 في المائة خلال الربع الثالث، مقارنة بنحو 53 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي.

وأضاف الدكتور مكني أن نتائج البنوك في الربع الثالث بشكل عام تعكس أداء قوياً للبنوك السعودية مع نمو إيجابي في الأرباح والتمويل ونجاح في إدارة السيولة، مشيراً إلى أنه من أجل ضمان الاستمرار في تحقيق نتائج إيجابية في الفترات المقبلة، يجب أن تكون البنوك مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات الاقتصادية، مما سيجعل البنوك قادرة على تحقيق نمو مستدام في الأرباح.

وتوقع أن تستمر البنوك السعودية في تحقيق صافي أرباح خلال الربع الأخير من 2024 بسبب نمو النشاط التجاري والقطاع الخاص، وهو ما يدعم الأداء المالي للبنوك، كما توقع أن تزداد فرص الإقراض في المستقبل مما سيعزز من قاعدة العملاء، وكذلك الاستثمار في المشاريع الكبيرة وزيادة الاستثمارات الأجنبية والتي ستسهم في تعزيز الطلب على الخدمات المصرفية.

من جهته، أرجع محلل الأسواق المالية عبد الله الكثيري، خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط»، نمو صافي أرباح البنوك السعودية وتحقيقها أرباحاً قياسية منذ مطلع العام الماضي 2023 واستمرار ربحيتها خلال الأرباع الماضية من العام الحالي إلى ارتفاع استثمارات البنوك والعمولات الناشئة عنها، وكذلك دخل العمولات الخاصة من عمليات تمويل الأفراد والمنشآت، مضيفاً أن البنوك لا تزال تقدم أداءً جيداً وتزيد من أعمالها وخدماتها المقدمة للعملاء، وأغلب هذه الزيادة جاءت من توسع أعمال الشركات وبالذات الشركات التي تجاوبت مع قرار الحكومة السعودية في افتتاح مقار لها داخل المملكة، وتوجهها لطلب التمويل والاقتراض من البنوك السعودية، لتغطية توسع أعمالها، وما تزامن مع ذلك من نمو في النشاط الاقتصادي في السوق السعودية.

ويتوقع المحلل الكثيري أن تستمر أرباح البنوك في النمو خلال الأرباع المقبلة مع تزايد حجم الودائع لدى جميع البنوك من دون استثناء وباختلاف أحجام ونسب نموها بين كل بنك وآخر، وكذلك النمو في حجم ومحافظ الإقراض والتمويل، لافتاً إلى أن بعض البنوك تجاوزت حجم الودائع في عمليات الإقراض، مما سيؤدي لزيادة صافي أرباحها والدخل، رغم ارتفاع مخاطر ذلك، كما أن بعض البنوك بدأت تتجه لإصدار صكوك وسندات مالية وحسابات توفير لاستقطاب الأموال وتغطية أحجام طلبات التمويل والإقراض.

مضيفاً أنه في حال صحة التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة خلال الأرباع المقبلة، فسوف تزداد ربحية البنوك من خلال زيادة الطلب على تمويل الأفراد وكذلك الشركات التي أوقفت في فترات سابقة عمليات التوسع والاقتراض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وستعود خلال الفترات المقبلة إلى طلب التمويل والاقتراض وإكمال خططها التوسعية.


مقالات ذات صلة

كيف تواجه أسواق الخليج الديون المتعثرة دون صدمات؟

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

كيف تواجه أسواق الخليج الديون المتعثرة دون صدمات؟

في وقتٍ تحافظ فيه اقتصادات الخليج على مستويات مرتفعة من السيولة يبرز ملف الديون المتعثرة وإعادة الهيكلة بوصفه أحد المؤشرات الدقيقة على متانة النظام المالي.

زينب علي (الرياض)
عالم الاعمال بنك الجزيرة يطلق هويته الجديدة تحت شعار «هنا تنمو الثروات»

بنك الجزيرة يطلق هويته الجديدة تحت شعار «هنا تنمو الثروات»

أعلن بنك الجزيرة عن إطلاق هويته الجديدة تحت شعار «هنا تنمو الثروات».

العاصمة السعودية الرياض (واس)

البنوك السعودية تحافظ على زخم النمو في الربع الثالث

سجل القطاع المصرفي السعودي نمواً مستقراً في الإقراض خلال الربع الثالث من عام 2025؛ إذ ارتفع إجمالي القروض والسلف بنسبة 2.5 في المائة على أساس فصلي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد لافتة شارع «وول ستريت» أمام «بورصة نيويورك» (رويترز)

بنوك «وول ستريت» تحافظ على هيمنتها في السوق الأوروبية رغم «الرسوم»

عززت بنوك «وول ستريت» ريادتها في سوق الخدمات المصرفية الاستثمارية الأوروبية خلال عام 2025، حيث حافظ العملاء على ولائهم رغم اضطرابات السوق العالمية والرسوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رسم بياني لمؤشر الأسهم الألماني «داكس» يظهر في بورصة فرانكفورت (رويترز)

الأسهم الأوروبية تتجه لختام أسبوعي قوي رغم تباين الأداء

اتسم أداء الأسهم الأوروبية بالهدوء يوم الجمعة، حيث حدّت مكاسب البنوك الكبرى من خسائر أسهم التكنولوجيا والسلع الاستهلاكية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

حمّى الذكاء الاصطناعي... مليارات الدولارات تُعيد تشكيل صناعة التكنولوجيا

شعار شركة «أوبن إيه آي» في رسم توضيحي (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» في رسم توضيحي (رويترز)
TT

حمّى الذكاء الاصطناعي... مليارات الدولارات تُعيد تشكيل صناعة التكنولوجيا

شعار شركة «أوبن إيه آي» في رسم توضيحي (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» في رسم توضيحي (رويترز)

يشهد قطاع التكنولوجيا العالمي أضخم موجة استثمارية في تاريخه الحديث؛ إذ تحولت حمى الذكاء الاصطناعي من مجرد ابتكارات برمجية إلى معركة وجودية على البنية التحتية والسيادة التقنية. وفي ظل هذا المشهد، لم تعد الصفقات تُقاس بالملايين، بل باتت المليارات هي وحدة القياس الجديدة لتحالفات استراتيجية تجمع بين عمالقة الرقائق مثل «إنفيديا» و«إنتل»، ورواد الحوسبة السحابية مثل «أمازون» و«غوغل»، وقادة النماذج اللغوية مثل «أوبن إيه آي» و«أنثروبيك».

وفيما يلي أبرز صفقات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والرقائق الأخيرة، والتي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات:

1. صفقات «أوبن إيه آي»

«أمازون» و«أوبن إيه آي»: تدرس «أمازون» استثمار نحو عشرة مليارات دولار في «أوبن إيه آي»، رغم أن المحادثات لا تزال غير مكتملة، وفق مصدر مطلع طلب عدم الكشف عن هويته نظراً لطبيعة المفاوضات السرية.

«ديزني» و«أوبن إيه آي»: ستستثمر شركة «والت ديزني» مليار دولار في «أوبن إيه آي»، وستسمح للشركة الأم لـ«تشات جي بي تي» باستخدام شخصيات «حرب النجوم» و«بيكسار» و«مارفيل» في مولّد الفيديو الخاص بـ«سورا إيه آي»، في خطوة قد تُحدث نقلة نوعية في صناعة المحتوى بهوليوود.

وبموجب اتفاقية الترخيص الممتدة لثلاث سنوات، ستبدأ شركتا «سورا» و«تشات جي بي تي إميدجز» إنتاج فيديوهات تضم شخصيات «ديزني» المرخصة، مثل «ميكي ماوس» و«سندريلا» و«موفاسا»، مطلع العام المقبل، مع استثناء استخدام صور أو أصوات الشخصيات.

«برودكوم» و«أوبن إيه آي»: دخلت «أوبن إيه آي» في شراكة مع «برودكوم» لإنتاج أول معالجات ذكاء اصطناعي خاصة بها، في أحدث تعاون لأغلى شركة ناشئة في مجال الحوسبة وسط ارتفاع الطلب على خدماتها.

«إيه إم دي» و«أوبن إيه آي»: وافقت «إيه إم دي» على تزويد «أوبن إيه آي» برقائق الذكاء الاصطناعي ضمن صفقة متعددة السنوات، تمنح مطور «تشات جي بي تي» خيار شراء نحو 10في المائة تقريباً من أسهم الشركة المصنعة للرقائق.

شعار شركة «إنفيديا» خلال معرض لمعاينة الإنتاج في تايبيه يوم 21 مايو 2025 (أ.ف.ب)

«إنفيديا» و«أوبن إيه آي»: تستعد «إنفيديا» لاستثمار ما يصل إلى مائة مليار دولار في «أوبن إيه آي»، وتزويدها برقائق مراكز البيانات، في صفقة تمنح الشركة المصنعة للرقائق حصة مالية في «أوبن إيه آي»، التي تُعد بالفعل أحد عملائها الرئيسيين.

«أوراكل» و«أوبن إيه آي»: أفادت التقارير بأن «أوراكل» أبرمت إحدى كبرى صفقات الحوسبة السحابية مع «أوبن إيه آي»، والتي بموجبها ستشتري الشركة قوة حوسبة بقيمة ثلاثمائة مليار دولار تقريباً على مدى خمس سنوات.

«كور ويف» و«أوبن إيه آي»: وقّعت «كور ويف» عقداً لخمس سنوات بقيمة أحد عشر ملياراً وتسعمائة مليون دولار مع «أوبن إيه آي» في مارس (آذار)، قبل الطرح العام الأولي للشركة الناشئة المدعومة من «إنفيديا».

مشروع مركز بيانات «ستارغيت»: يُعد «ستارغيت» مشروعاً مشتركاً بين «سوفت بنك» و«أوبن إيه آي» و«أوراكل» لبناء مراكز بيانات، أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في يناير (كانون الثاني)؛ إذ ستستثمر الشركات نحو خمسمائة مليار دولار لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

2. صفقات «ميتا»

«ميتا» و«كور ويف»: وقّعت «كور ويف» اتفاقية بقيمة أربعة عشر مليار دولار لتزويد «ميتا» بقدرات حاسوبية.

«ميتا» و«أوراكل»: تجري «أوراكل» محادثات مع «ميتا» لعقد صفقة حوسبة سحابية متعددة السنوات بقيمة تقارب عشرين مليار دولار، لتأمين وصول أسرع للقدرات الحاسوبية.

«ميتا» و«غوغل»: أفادت «رويترز» في أغسطس (آب) أن «غوغل» أبرمت صفقة حوسبة سحابية لمدة ست سنوات مع «ميتا» بقيمة تزيد على عشرة مليارات دولار.

«ميتا» و«سكيل إيه آي»: استحوذت «ميتا» على 49 في المائة من «سكيل إيه آي» مقابل نحو أربعة عشر ملياراً وثلاثمائة مليون دولار، وعينت رئيسها التنفيذي ألكسندر وانغ، البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً، لقيادة استراتيجية الذكاء الاصطناعي.

3. صفقات «إنفيديا»

«إنفيديا» و«غروك»: وافقت «إنفيديا» على ترخيص تقنيات الرقائق من «غروك»، وتعيين رئيسها التنفيذي جوناثان روس، الذي ساهم في إطلاق برنامج رقائق الذكاء الاصطناعي لـ«غوغل»، إلى جانب مهندسين آخرين. كما أشارت تقارير إلى أن «إنفيديا» وافقت على الاستحواذ على أصول «غروك» مقابل عشرين مليار دولار.

«مايكروسوفت» و«إنفيديا» و«أنثروبيك»: ستستثمر «مايكروسوفت» ما يصل إلى خمسة مليارات دولار، في حين تستثمر «إنفيديا» نحو عشرة مليارات دولار، في «أنثروبيك»، مع تخصيص الشركة المصنعة للمعالجات ثلاثين مليار دولار لتشغيل تطبيقاتها على سحابة «مايكروسوفت». وستخصص «أنثروبيك» ما يصل إلى غيغاواط واحدة من قدرات الحوسبة باستخدام أجهزة «غريس بلاكويل» و«فيرا روبين» من «إنفيديا»، مع التعاون لتحسين الرقائق ونماذج الذكاء الاصطناعي.

يتحدث ساتيا ناديلا رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت» في سياتل (أ.ف.ب)

مجموعة مدعومة من «إنفيديا» ومراكز بيانات «ألايند»: تستحوذ مجموعة استثمارية تضم «بلاك روك» و«مايكروسوفت» و«إنفيديا» على «ألايند داتا سنترز» الأميركية، إحدى كبرى شركات تشغيل مراكز البيانات بالعالم، والتي تمتلك نحو ثمانين مركزاً، في صفقة بقيمة أربعين مليار دولار.

«إنفيديا» و«إنتل»: ستستثمر «إنفيديا» خمسة مليارات دولار في «إنتل»، ما يمنحها نحو 4 في المائة من الشركة بعد إصدار أسهم جديدة.

«كور ويف» و«إنفيديا»: وقّعت «كور ويف» طلبية أولية بقيمة ستة مليارات وثلاثمائة مليون دولار مع «إنفيديا»، لضمان شراء أي سعة سحابية غير مستخدمة للعملاء.

4. صفقات «غوغل»

«غوغل» وتكساس: تستثمر «غوغل» أربعين مليار دولار في ثلاثة مراكز بيانات جديدة في تكساس حتى عام 2027، ضمن شبكتها العالمية التي تضم اثنتين وأربعين منطقة سحابية.

«غوغل» و«ويندسرف»: استقطبت «غوغل» كوادر رئيسية من «ويندسرف» الناشئة المتخصصة في توليد أكواد الذكاء الاصطناعي، ودفع مليارَي دولار وأربعمائة مليون دولار كرسوم ترخيص لاستخدام بعض تقنيات الشركة بشروط غير حصرية.

شعار «غوغل» المطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد على جهاز «آبل ماك بوك» في رسم توضيحي (رويترز)

صفقات أخرى

مجموعة «نيبيوس» و«مايكروسوفت»: ستزود مجموعة «نيبيوس» شركة «مايكروسوفت» ببنية تحتية لمعالجات الرسوم، في صفقة قيمتها سبعة عشر ملياراً وأربعمائة مليون دولار على مدى خمس سنوات.

«إنتل» ومجموعة «سوفت بنك»: تحصل «إنتل» على تمويل بقيمة مليارَي دولار من «سوفت بنك»، ما يجعل المستثمر الياباني واحداً من أكبر عشرة مساهمين في الشركة الأميركية.

«تسلا» و«سامسونغ»: وقّعت «تسلا» صفقة بقيمة ستة عشر ملياراً وخمسمائة مليون دولار لتوريد رقائق إلكترونية من «سامسونغ إلكترونيكس»؛ إذ سيُنتج مصنع «سامسونغ» الجديد في تكساس رقاقة «إيه آي 6» من الجيل التالي لـ«تسلا».

«أمازون» و«أنثروبيك»: ضخّت «أمازون» أربعة مليارات دولار في «أنثروبيك»، مضاعِفة استثمارها في المنافس القوي لـ«أوبن إيه آي»، المعروف ببرنامج الدردشة الآلي «جين إيه آي كلود».


من السنتات إلى التريليونات... هل سلبتنا «سوق الظل» بياناتنا؟

أصبح «اقتصاد الظل الرقمي» أمراً واقعاً من جمع البيانات ووسطاء بيعها إلى تدريب النماذج... إلى التزييف العميق والابتزاز والاحتيال (رويترز)
أصبح «اقتصاد الظل الرقمي» أمراً واقعاً من جمع البيانات ووسطاء بيعها إلى تدريب النماذج... إلى التزييف العميق والابتزاز والاحتيال (رويترز)
TT

من السنتات إلى التريليونات... هل سلبتنا «سوق الظل» بياناتنا؟

أصبح «اقتصاد الظل الرقمي» أمراً واقعاً من جمع البيانات ووسطاء بيعها إلى تدريب النماذج... إلى التزييف العميق والابتزاز والاحتيال (رويترز)
أصبح «اقتصاد الظل الرقمي» أمراً واقعاً من جمع البيانات ووسطاء بيعها إلى تدريب النماذج... إلى التزييف العميق والابتزاز والاحتيال (رويترز)

قبل نحو 12 عاماً، حين أدّت النجمة الأميركية سكارليت جوهانسون دور الصوت الأنثوي لنظام ذكاء اصطناعي في فيلم «هي» Her، لم يكن المشاهد يرى أكثر من حكاية رومانسية مستقبلية عن علاقة بين إنسان وآلة. لكن بعد أكثر من عقد، خرجت جوهانسون نفسها لتقول إن صوتاً «يشبهها بشكل مخيف» استُخدم في منتج تجاري للذكاء الاصطناعي، وإن أقرب المقربين منها لم يتمكنوا من التمييز بين الصوت الحقيقي والمستنسخ.

لم تكن الواقعة مجرد خلاف فني أو جدل حول حقوق الأداء الصوتي، بل علامة فارقة على واقع جديد، فالأصوات والوجوه والملامح البشرية لم تعد ملكاً حصرياً لأصحابها، بل تحولت مادةً قابلة للاستخلاص والتداول والتكرار، رغماً عن إرادتهم.

بعد أسابيع قليلة من هذه الواقعة، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب قانوناً جديداً يستهدف الصور الحميمية المصنوعة بالذكاء الاصطناعي، ويلزم المنصات بإزالتها ويشدد العقوبات على تداولها. ولم يكن القانون موجّهاً للقطاع التقني بقدر ما كان اعترافاً سياسياً صريحاً بأن الضرر لم يعد نظرياً، وأن الذكاء الاصطناعي تجاوز حدود المختبرات إلى حياة الناس وسمعتهم وأمنهم الشخصي.

من هذه النقطة، يتفرع السؤال الأكبر: إذا كان الصوت والصورة والبيانات السلوكية قد أصبحت مادة خاماً لاقتصاد ضخم، فمن يملك الحق في تقرير مصيرها؟ ومن يحصد قيمتها؟ ومن يدفع ثمنها حين يُساءُ استخدامها؟

سعت «الشرق الأوسط» من خلال هذا التحقيق لتتبع خيوط ما يمكن تسميته «اقتصاد الظل الرقمي»؛ من جمع البيانات ووسطاء بيعها، إلى تدريب النماذج، إلى التزييف العميق والابتزاز والاحتيال، وصولاً إلى فراغ قانوني عالمي يجعل «ملكية الوجه والصوت» سؤالاً بلا إجابة.

تحوَّل اقتصاد الظل الرقمي مصدراً لتهديد البشر مع تداول بياناتهم في سوق سوداء (شاترستوك)

* اقتصاد يتوحّش في الظل

ويرسم تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الخلفية الكبرى لهذا التحول. ففي 43 اقتصاداً تمثل نحو 75 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ارتفعت التجارة الإلكترونية بين الشركات من 17 تريليون دولار عام 2016 إلى 27 تريليون دولار عام 2022، بنمو يناهز 60 في المائة خلال ست سنوات فقط.

لكن ما يتجاوز التجارة هو سيل البيانات الناتج من هذا التوسع. فالهواتف الذكية، والساعات، والسيارات، والكاميرات، والمنازل الذكية... وكل جهاز متصل بشبكة الإنترنت هو نقطة جمع محتملة لبيانات الموقع، والسلوك، والصورة، والصوت. وبينما يُسوَّق ذلك بوصفه «تخصيصاً» و«راحة» للمستخدم، يظهر لاعب أساسي بعيداً عن الأضواء، وهم: وسطاء البيانات (Data Brokers)، وهم أفراد وشركات تجمع معلومات هائلة عن الأفراد ثم تعيد بيعها في أسواق مغلقة أو شبه مغلقة.

تقديرات أبحاث السوق تشير إلى أن سوق وسطاء البيانات بلغ عام 2024 ما بين 250 و280 مليار دولار، مع توقعات بتجاوزه نصف تريليون دولار خلال أقل من عقد، وبمعدل نمو سنوي يتجاوز 7 في المائة، وذلك حسب تقارير منصات ومؤسسات مثل «غراند فيو ريسيرش» و«ماركت ريسيرش مونيتور» و«إس إن إس إنسايدر». لكن الأخطر هنا ليس حجم السوق... بل طريقة تسعير الإنسان داخلها.

وفي واحدة من أكثر الإشارات فجاجة على رخص «الهوية الرقمية»، توثق جلسة استماع رسمية منشورة على موقع الكونغرس الأميركي، أن صناعة وسطاء البيانات «قد تبيع أي معلومات عن أي شخص - مهما كانت حساسة - مقابل 7.9 سنتات للاسم الواحد»، مع مثال صادم عن قوائم لضحايا اعتداءات جنسية جرى الاتجار بها بالسعر نفسه.

وفي جلسة أخرى حول ملكية البيانات، نُشرت كذلك على الموقع الرسمي للكونغرس، جرى الاستشهاد بتقديرات نقلتها صحيفة «فاينانشيال تايمز» تفيد بأن «القيمة المالية» لبعض قوائم البيانات قد تكون أقل من بنس واحد للفرد، مثل قوائم مشتري السيارات بنحو 0.0021 دولار للاسم، وقوائم صحية بنحو 0.26 دولار للاسم.

هذه السنتات القليلة، عند تجميع مليارات السجلات وإعادة تدويرها عبر طبقات من الوسطاء، تتحول مليارات الدولارات. وعندما تنتقل البيانات من «سجل تسويقي» إلى «هوية قابلة للاستغلال» في السوق الإجرامية (انتحال، أو اختراق، أو ابتزاز، أو تزوير صوت وفيديو) تقفز قيمتها أضعافاً مضاعفة، حسب مصادر من «الإنتربول».

أصبح «اقتصاد الظل الرقمي» أمراً واقعاً من جمع البيانات ووسطاء بيعها إلى تدريب النماذج... إلى التزييف العميق والابتزاز والاحتيال (رويترز)

* «الخدمة المجانية»... الوهم الأكبر

يختصر عاصم جلال، استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في شركة «جي آند كيه» (G&K)، التحول الذي شهدته البيانات الشخصية خلال العقدين الأخيرين في عبارة واحدة: «المنصات لا تمنحك خدمة مجانية... بل تشتري منك معلوماتك».

ويشرح جلال، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن انتهاك وتجارة البيانات لم تعد أثراً جانبياً للتكنولوجيا، بل أصبحت بوابة أساسية للتسويق وصناعة القرار الاقتصادي؛ إذ تسمح للشركات بفهم أنماط الشراء والاهتمامات والسلوكيات اليومية للمستخدمين، ومن ثم استهدافهم بدقة أو حتى إعادة تصميم المنتج نفسه ليتلاءم مع هذه الأنماط.

وفي هذا النموذج، لا تكون القيمة في الاشتراك أو في عدد المستخدمين الظاهر فقط، بل في قدرتهم على توليد بيانات مستمرة. المستخدم يتصفح، يضغط، يشاهد، يتوقف، يعيد المحاولة، وكل حركة تُسجل وتُحلل وتُعاد صياغتها في صورة ملف رقمي متكامل. وهكذا تقوم معادلة غير معلنة: خدمة تبدو مجانية، مقابل تبرع دائم بالمعلومات.

هذه المعادلة هي ما يسميه هشام الناطور، المتخصص في التطوير التكنولوجي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، جوهر الاقتصاد الرقمي الحديث. فـ«شركة بلا مستخدمين قيمتها صفر»، ليس لأن التكنولوجيا بلا قيمة، بل لأن البيانات هي الوقود الحقيقي.

ويصف الناطور لـ«الشرق الأوسط» المشهد بـ«حرب الخوارزميات»، حيث تتنافس الشركات على امتلاك نماذج أذكى وأسرع وأكثر قدرة على فهم الإنسان والتنبؤ بسلوكه؛ لأن من يسبق في جمع البيانات وتحليلها يسبق في الأرباح والهيمنة.

* كتلة عربية ضخمة تترقب قوة تشريعية

ويُظهر هذا التحول مفارقة لافتة في المنطقة العربية. فحسب دراسات نُشرت في وسائل دولية متخصصة، يقترب عدد مستخدمي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في الدول العربية من حجم الاتحاد الأوروبي، مع معدلات نمو أعلى. أي أن المنطقة تمثل كتلة رقمية ضخمة من حيث العدد والتفاعل.

غير أن عاصم جلال يرى أن هذه الكتلة تفتقر إلى عنصر الحسم الحقيقي، وهو التشريع الموحد. فالشركات العملاقة لا تتأثر بعدد المستخدمين بقدر ما تتأثر بالقوانين والغرامات والقيود القابلة للتنفيذ. ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي، رغم تفاوت لغاته وثقافاته، استطاع فرض قواعد صارمة لحماية البيانات، جعلت الشركات تعدّل سياساتها أو تواجه عقوبات بمئات الملايين من اليوروات.

في المقابل، تعمل معظم الدول العربية بتشريعات متفرقة ومحدودة التأثير؛ ما يجعل الوزن الاقتصادي للمستخدمين غير مترجم إلى نفوذ فعلي. ويؤكد جلال أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، كما تفعل بعض دول الخليج، يظل مهماً اقتصادياً، لكنه غير كافٍ لحماية المستهلك إذا لم يواكبه إطار قانوني جماعي يضغط على مصالح الشركات.

أصبح «اقتصاد الظل الرقمي» أمراً واقعاً من جمع البيانات ووسطاء بيعها إلى تدريب النماذج... إلى التزييف العميق والابتزاز والاحتيال (رويترز)

* عقد إذعان عالمي

في قلب هذه المعادلة يقبع زر صغير في كل موقع أو تطبيق نستخدمه مكتوب عليه: «أوافق»، وهو ما يمثل بوابة الفخ العملاق. ويرى جلال أن ما يحدث ليس موافقة حرة بالمعنى القانوني، بل «عقد إذعان» شبيه بالعقود المرتبطة بالخدمات الأساسية، حيث لا يملك المستخدم خيار التفاوض أو الرفض الحقيقي. فإما أن يوافق على شروط طويلة ومعقدة، أو يُحرَم من الخدمة بالكامل.

الدكتور محمد عزام، عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لإدارة التكنولوجيا، يذهب أبعد من ذلك، عادَّاً أن التكنولوجيا فرضت «عقداً اجتماعياً رقمياً جديداً» بين الأفراد من جهة، والدول والشركات من جهة أخرى. عقد غير متكافئ، يتبرع فيه المستخدم ببياناته مقابل دخول عالم رقمي بات ضرورياً للحياة والعمل والتعليم.

ويذهب عزام في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إلى توصيف أكثر حدة، عادَّاً أن منصات التكنولوجيا الكبرى تحولت «إمبراطوريات العصر الحديث»، حيث يرى أن السيطرة لم تعد بيد الحكومات التقليدية، بل بيد شركات تمتلك البيانات.

أصبح «اقتصاد الظل الرقمي» أمراً واقعاً من جمع البيانات ووسطاء بيعها إلى تدريب النماذج... إلى التزييف العميق والابتزاز والاحتيال (رويترز)

* اللاعب الخفي

وإذا كانت المنصات الكبرى تجمع البيانات علناً، فإن وسطاء البيانات يعملون في الظل. ويشرح أشرف العمايرة، خبير تكنولوجيا المعلومات، أن هؤلاء الوسطاء يجمعون كميات ضخمة من البيانات من مصادر متعددة، ثم يعيدون بيعها لمعلنين وشركات وجهات أخرى، غالباً دون علم المستخدم أو قدرته على الاعتراض.

وتكمن الخطورة، بحسب العمايرة في حديثه مع «الشرق الأوسط»، في أن المستخدم يعرف المنصة التي يتعامل معها، لكنه لا يعرف الوسيط الذي اشترى بياناته لاحقاً، ولا الغرض الذي ستُستخدم فيه. وفي ظل غياب رقابة فعالة، قد تنتقل هذه البيانات من الاستخدام التجاري إلى السياسي أو الأمني، أو حتى إلى الجريمة المنظمة.

بينما يؤكد هشام الناطور من جهته أن المشكلة ليست في الأرقام الزهيدة مقابل البيانات الفردية، بل في الأثر التراكمي. فالصورة أو الصوت أو الموقع الجغرافي الذي لا يساوي شيئاً منفرداً، يصبح كنزاً حين يُدمج مع آلاف الإشارات الأخرى، ويُستخدم لتوجيه إعلان، أو تدريب نموذج، أو بناء ملف سلوكي شديد الدقة.

* الذكاء الاصطناعي يلتهم الماضي

وتقدّر دراسات دولية أن حجم البيانات العالمية تجاوز 150 زيتابايت (وحدة قياس رقمية هائلة تعادل تريليون غيغابايت) في عام 2024، وهي كمية هائلة تراكمت على مدار أكثر من عقدين. هذه البيانات أصبحت المادة الأساسية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، التي باتت اليوم تقدم خدمات طبية وتعليمية وتحليلية عالية الدقة. ويؤكد الخبراء أن الذكاء الاصطناعي لم يعد يكتفي بالنصوص، بل أصبحت الوجوه والأصوات المدخل الجديد للقيمة وللخطر معاً.

وفي طبقة أعمق من القصة، تشير تقارير دولية إلى أن 98 في المائة من محتوى «التزييف العميق» المتداول إباحي، وأن 99 في المائة من الضحايا نساء، مع نمو تجاوز 550 في المائة بين عامي 2019 و2023، وفق دراسات «ديب تريس» و«هوم سيكيوريتي هيروز».

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، تحولت تايلور سويفت مثالاً صارخاً عندما انتشرت صور مزيفة لها على نطاق واسع؛ ما دفع منصة «إكس» إلى تقييد البحث مؤقتاً عن اسمها.

لكن الدكتور محمد عزام يحذّر من أن السؤال الأخلاقي والقانوني لم يُحسم بعد: هل يملك الفرد حق الاعتراض على استخدام بياناته التاريخية؟ وهل يحق للمنصات الاستفادة من محتوى أُنتج في سياق اجتماعي أو إعلامي سابق دون مقابل؟

ويشير إلى أن الذكاء الاصطناعي لم يخلق جرائم جديدة، بل منح الجرائم القديمة أدوات أسرع وأكثر تأثيراً، من الانتحال وسرقة الهوية، إلى التزييف العميق والابتزاز.

* البيانات والتنظيم؟

في هذا المشهد المعقد، يتغير سلوك المستخدمين أنفسهم. ويرى أشرف العمايرة أن كثيرين باتوا يفضلون المنصات التي يشعرون بأنها أكثر أماناً أو أقل تدخلاً، حتى لو كان هذا الشعور جزئياً أو غير مدعوم بضمانات حقيقية. ويضرب مثالاً بتغير أنماط الاستخدام في أوقات الأزمات السياسية، حيث يبتعد المستخدمون عن منصات بعينها خوفاً من التتبع أو المحاسبة.

لكن هذا التحول الفردي لا يكفي، ما لم يُدعَم بإطار قانوني ورقابي قادر على فرض قواعد واضحة. فالقوة الحقيقية، كما يرى الخبراء، لم تعد في جمع البيانات وحده، بل في القدرة على تنظيمها وحمايتها ومحاسبة من يسيء استخدامها.

تحوَّل اقتصاد الظل الرقمي مصدراً لتهديد البشر مع تداول بياناتهم في سوق سوداء (غيتي)

* من يملك وجوهنا؟

وفي نهاية المطاف، قد تُباع صورتك أو عينة من صوتك أو جزء من سلوكك اليومي بسنتات معدودة. لكن هذه السنتات، حين تُجمع من مليارات البشر، وحين تُعاد معالجتها داخل نماذج الذكاء الاصطناعي، تتحول تريليونات الدولارات من القيمة الاقتصادية.

لكن الثمن الحقيقي لتلك التجارة لا يُقاس بالمال وحده؛ فقد يكون سمعة تُدمَّر، أو وظيفة تُفقد، أو قراراً يُتخذ عنك لأن خوارزمية تعلمت من بياناتك دون علمك.

وفي عصر يمكن فيه نسخ الوجه والصوت كما تُنسخ الملفات، لم يعد السؤال: كيف نحمي الخصوصية؟ بل كيف نحمي الإنسان ذاته من أن يتحول بنداً صغيراً في ميزانية اقتصاد الظل الرقمي؟


«المركزي الروسي» يقلص تدخلاته في سوق الصرف إلى النصف مع بداية 2026

يرفرف العلم الوطني الروسي فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
يرفرف العلم الوطني الروسي فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
TT

«المركزي الروسي» يقلص تدخلاته في سوق الصرف إلى النصف مع بداية 2026

يرفرف العلم الوطني الروسي فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
يرفرف العلم الوطني الروسي فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)

أعلن البنك المركزي الروسي، الجمعة، أنه سيخفض تدخلاته في سوق الصرف الأجنبية إلى النصف ابتداءً من العام الجديد، في خطوة متوقعة من شأنها الحد من دعم الروبل خلال 2026، وسط توقعات الاقتصاديين بانخفاض قيمته.

وقد أسهمت مبيعات العملات الأجنبية المشتركة بين البنك المركزي ووزارة المالية في تعزيز قوة الروبل خلال 2025، إلا أن هذه السياسة واجهت انتقادات من الشركات المصدرة التي تأثرت أرباحها سلباً جرّاء ارتفاع الروبل بنسبة 45 في المائة هذا العام، وفق «رويترز».

وأشار البنك المركزي إلى أنه سيبيع عملات أجنبية بقيمة 4.62 مليار روبل (59.81 مليون دولار) يومياً خلال النصف الأول من عام 2026، بانخفاض عن 8.94 مليار روبل حالياً.

وتأتي هذه الخطوة لتُقلل إجمالي مبيعات الدولة من العملات الأجنبية، بما يشمل معاملات البنك المركزي نفسه وأنشطته نيابة عن صندوق الثروة الوطنية، بنسبة 30 في المائة، لتصل إلى 10.22 مليار روبل اعتباراً من 12 يناير (كانون الثاني). وستظل الأحجام الجديدة سارية حتى 15 يناير، عندما تعلن وزارة المالية عن أهداف شهرية جديدة لصندوق الثروة الوطنية، الذي يشتري العملات الأجنبية عند وجود فائض في إيرادات الطاقة، ويبيعها لتغطية العجز عند انخفاض هذه الإيرادات.

وقالت صوفيا دونيتس، كبيرة الاقتصاديين في «بنك تي»: «يُعد هذا أحد العوامل التي من المتوقع أن تُسهم في ضعف الروبل، إلى جانب انخفاض أسعار الصادرات، وتخفيف السياسة النقدية للبنك المركزي».

ولم تستخدم الحكومة صندوق الثروة الوطنية لتغطية العجز خلال النصف الثاني من 2025، مفضلةً الاقتراض المحلي، رغم توقعات بانخفاض إيرادات النفط والغاز الشهرية إلى أدنى مستوياتها منذ أغسطس 2020.

ومن المتوقع أن تستمر الحكومة في اتباع هذه السياسة في 2026، ما لم يحدث انخفاض إضافي في إيرادات الطاقة بسبب تراجع الأسعار العالمية أو فرض مزيد من العقوبات الغربية في حال فشل المفاوضات الرامية للتوصل إلى تسوية سلمية في أوكرانيا.

ولم يُظهر الروبل رد فعل حاداً، إذ ارتفع بنسبة 0.4 في المائة إلى 77.7 مقابل الدولار الأميركي في التداولات خارج البورصة، واستقر عند 11.04 مقابل اليوان الصيني في بورصة موسكو.