مليار دولار قيمة الوعود من مؤتمر دعم لبنان... وتركيز على الجيش والشق الإنساني

ميقاتي من باريس لحصر السلاح بيد الدولة

صورة جماعية للرئيس ماكرون ووزير خارجيته والرئيس ميقاتي ووزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب (إ.ب.أ)
صورة جماعية للرئيس ماكرون ووزير خارجيته والرئيس ميقاتي ووزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب (إ.ب.أ)
TT

مليار دولار قيمة الوعود من مؤتمر دعم لبنان... وتركيز على الجيش والشق الإنساني

صورة جماعية للرئيس ماكرون ووزير خارجيته والرئيس ميقاتي ووزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب (إ.ب.أ)
صورة جماعية للرئيس ماكرون ووزير خارجيته والرئيس ميقاتي ووزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب (إ.ب.أ)

مجموعة رسائل وجّهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في كلمته الافتتاحية لمؤتمر دعم اللبنانيين والسيادة اللبنانية: أولاها توجيه اللوم لإيران لتوريط «حزب الله» في الحرب ضد إسرائيل. وقال ماكرون: «أعبّر عن أسفي لأن إيران دفعت (حزب الله) لبدء حربه ضد إسرائيل، بينما المصلحة الوطنية العليا كانت تقضي بالبقاء بعيداً عن حرب غزة».

وجاءت رسالة ماكرون الثانية لإسرائيل، ورئيس وزرائها تحديداً الذي قدّم حربه على لبنان، وقبْلها على غزة، على أنها «حرب حضارات». وقال: «نتحدث كثيراً، هذه الأيام، عن حرب الحضارات، وحضارات يتعيّن الدفاع عنها، لكنني لستُ واثقاً من أننا ندافع عن أي حضارة بالهمجية».

وعبَّر ماكرون عن أسفه من أن إسرائيل «تُواصل عملياتها العسكرية في بيروت والجنوب وأماكن أخرى، في حين أن أعداد الضحايا المدنيين تتراكم»، مُلقياً الملامة عليها في إجهاض مبادرته المشتركة مع الرئيس الأميركي التي أطلقاها في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، ويقول الفرنسيون إن واشنطن تخلّت عنها.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى وصوله إلى مقر المؤتمر محاطاً بوزير الخارجية جان نويل بارو (يمين) ووزير الدفاع سيباستيان لوكورنو (إ.ب.أ)

والرسالة الثالثة وُجهت للبنانيين، الذين قرعهم ماكرون لـ«استجلاب حروب الآخرين إلى لبنان»، ودعاهم إلى «الاتحاد»، مُثنياً على رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، وخطة تطويع آلاف العناصر في الجيش اللبناني. وأكد الرئيس الفرنسي أن فرنسا تقف إلى جانب لبنان، وأنها تريد مواكبته «لبناء لبنان حر، سيد وقادر على تغليب المصلحة الوطنية على الانقسامات»، مشدداً ومكرراً ضرورة وقف إطلاق النار ووقف النزوح.

ميقاتي: السلاح في يد الدولة

في دعوته لوقف إطلاق النار، دعا ماكرون «حزب الله» لوقف هجماته الصاروخية على إسرائيل، كما ندَّد باستهدافه منزل بنيامين نتنياهو في قيساريا بمُسيّرة. وفي سياق توفير السيادة، شدد ماكرون على «الدور الحاسم» المفترَض أن يلعبه الجيش اللبناني، بعد وقف إطلاق النار، وعلى إعادة سيطرة الدولة على كل الأراضي اللبنانية، وخاصة جنوب الليطاني، مع التركيز على أهمية الالتزام بقرار مجلس الأمن. بَيْد أنه أضاف، في نهاية كلمته، جملة حمّالة معان، إذ قال: «نحن نعرف أنه لن تكون هناك عودة للوضع السابق» على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

وإزاء الحاجات الكبرى لمواجهة أزمة النازحين والدمار وتمكين الجيش، أعلن ماكرون أن باريس ستقدم للمؤتمر 100 مليون يورو، وأنها جاهزة لمساعدة قطاعه التربوي، والاستجابة لتسليح الجيش.

وكان ميقاتي «رجل المرحلة» في مؤتمر باريس.

فقد تحدَّث ثلاث مرات: في افتتاح المؤتمر بعد ماكرون، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ثم في لقاء سريع مع الصحافيين بعد انتهاء الاجتماع الموسع، وأخيراً في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية جان نويل بارو.

ورسالة لبنان، التي شدد عليها، تقوم على أولوية المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وتأكيد أن الحل هو التنفيذ الكامل للقرار 1701، وأن لبنان ملتزم تماماً بذلك، داعياً إلى تعزيز وجود الجيش اللبناني في الجنوب، وتعزيز دور «اليونيفيل».

وقال: «كفى دماراً وحروباً لنصل في النهاية إلى تطبيق القرار 1701، فلنطبقه منذ اليوم، ونوفر مزيداً من هدر الدماء والدمار».

وإذ حضّ ميقاتي المجتمع الدولي على «التكاتف ودعم الجهود التي من شأنها إنهاء الاعتداءات المستمرة، وفرض وقف فوري لإطلاق النار»، لم يبدُ متفائلاً جداً إزاء ما قد تفضي إليه الضغوط الدولية على إسرائيل، التي تملك قرار السلم والحرب، وعلى ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة التي لم ترسل وزير خارجيتها للمشاركة في المؤتمر.

رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي متحدثاً في المؤتمر (إ.ب.أ)

في سياق متصل، شدد ميقاتي على ضرورة انتخاب رئيس للبلاد «يلتزم بتطبيق الدستور كاملاً، واتفاق الطائف، وما نتج عنه من وثيقة وفاق وطني تنص صراحةً على أنه يجب على السلطات اللبنانية أن تنتشر على الأراضي اللبنانية، وعلى أن يكون السلاح بيد الجيش اللبناني والدولة اللبنانية فقط». وبهذه الطريقة، يكون رئيس الحكومة قد تجنّب الإشارة إلى المطالبة بتنفيذ القرار الدولي رقم 1559 الذي يدعو إلى حل الميليشيات وجمع السلاح، وهو ما تدعو إليه أطراف كثيرة فاعلة.

أربع خلاصات رئيسية

لعب جان نويل بارو، وزير الخارجية الجديد، دوراً محورياً في المؤتمر الذي أدار أعماله واستخلص نتائجه ولخّصها في أربع؛ أولاها التنويه بالاستجابة المكثفة للأسرة الدولية لدعوة مد يد العون للبنان، والتي تمثلت في الحضور الدولي الكثيف، إنْ على مستوى الدول أو المنظمات الدولية، رغم أن باريس كانت تتمنى حضوراً من مستويات أعلى.

وقالت مصادر فرنسية إن «ضيق الوقت للتحضير، ووجود مجموعة من الاجتماعات رفيعة المستوى في الوقت نفسه، أثّرا على التعبئة».

ميقاتي ووزير الخارجية الفرنسي بارو خلال المؤتمر الصحافي النهائي (إ.ب.أ)

وعلى أية حال، فإن الاستجابة الدولية كانت واضحة، إذ قال بارو إن المشاركين من دول ومنظمات تعهدت بتقديم 800 مليون دولار مساعدات إنسانية، و200 مليون دولار مخصصة للجيش اللبناني، بحيث يكون المؤتمر قد جمع أكثر من ضِعفيْ ما طلبته الأمم المتحدة. يضاف إلى ذلك المساعدات العينية المختلفة. وأشار بارو إلى أن واشنطن وعدت بـ300 مليون دولار، وبرلين بـ96 مليون يورو. والمحصّلة أن أكثر من مليار دولار جرى جمعها.

وتتمثل الخلاصة الثانية في تأكيده أن المعالجة الإنسانية غير كافية، والحاجة مُلحة لحل سياسي أساسه القرار 1701، وبدايته وقف إطلاق النار، وانسحاب الأطراف غير الحكومية من الجنوب، وتسوية الخلافات الحدودية بين لبنان وإسرائيل، ووقف التدخلات الإيرانية التي من شأنها الدفع باتجاه حرب إقليمية.

دمار ناتج عن ضربات جوية إسرائيلية على قرية الخضر في وسط لبنان (أ.ف.ب)

وسألت «الشرق الأوسط» الوزير الفرنسي عن شروط تطبيق القرار المذكور، فأكد أنه «يشكل الإطار اللازم الذي يوفر الأمن لإسرائيل، والسيادة والوحدة للبنان». إلا أنه أقر بأن «تطبيقه يستلزم الدخول في التفاصيل وفي العثور على آلية تسمح بذلك وبشكل دائم». وأردف أن «الحديث عنه أسهل من التوصل عملياً لتطبيقه».

والحقيقة أن هذه المسألة تشكل جوهر الاتصالات القائمة والمقترحات المتضاربة بين إسرائيل التي تريد فرض شروطها، ولبنان الرافض سلفاً والمتمسك بحرفية الاتفاق.

كذلك شدد بارو، في خلاصته الثالثة، على أن الخروج من الأزمة يفترض إعادة قيام دولة لبنانية قوية، والخطوة إلى ذلك انتخاب رئيس للجمهورية، مشيراً إلى أن (اللجنة) «الخماسية» التي تُتابع ملف الانتخابات اجتمعت، برئاسة المبعوث الفرنسي جان إيف لو دريان.

وأخيراً، رأى بارو - الخلاصة الرابعة - أنه يتعين تعبئة الأسرة الدولية لصالح الجيش اللبناني «الضامن الوحيد لوحدة لبنان». وأهم ما قاله في هذا السياق إن «الطائفة الشيعية لها دورها ويجب أن تعيش في حضن الدولة القوية».

تبقى الإشارة إلى أن وزيريْ خارجية عربيين حضرا المؤتمر، في حين تمثلت الدول الأخرى بمستويات مختلفة، بينما حضر ممثل قائد الجيش اللبناني، العميد الركن يوسف حداد.


مقالات ذات صلة

«يونيفيل» تؤكد مواصلة عملها في جنوب لبنان: الوضع يشكل تحدياً بالغ الصعوبة

المشرق العربي آليات تابعة لقوات «يونيفيل» في مرجعيون جنوب لبنان (أ.ف.ب)

«يونيفيل» تؤكد مواصلة عملها في جنوب لبنان: الوضع يشكل تحدياً بالغ الصعوبة

قالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة بجنوب لبنان «يونيفيل»، الجمعة، إن الوضع الأمني على وقع التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل يشكل «تحدياً بالغ الصعوبة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي آلية تابعة لـ«اليونيفيل» في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

انسحاب «اليونيفيل» من موقع بجنوب لبنان بعد استهدافها... والجيش الإسرائيلي «ليس على علم بالحادث»

انسحب جنود حفظ السلام بقوة «اليونيفيل» من موقع مراقبة في بلدة الضهيرة في جنوب لبنان (الثلاثاء) بعد إطلاق قوات إسرائيلية النار عليه، حسبما أعلنت القوة (الجمعة).

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مركبات مدرعة تابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) بدورية بمنطقة مرجعيون جنوب لبنان 24 أكتوبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

في جنوب لبنان... قوات حفظ السلام بين فكي كماشة

تجد نفسها قوات حفظ السلام (يونيفيل) في جنوب لبنان عالقة بين الجيش الإسرائيلي الذي يعدّها مصدر إزعاج، و«حزب الله» الذي يسعى لاستغلالها.

شؤون إقليمية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً على مدخل قصر الإليزيه نجيب ميقاتي عصر الأربعاء (رويترز)

طموحات محدودة لمؤتمر باريس من أجل دعم لبنان

طموحات محدودة لـ«مؤتمر باريس الدولي لدعم اللبنانيين والسيادة اللبنانية»

ميشال أبونجم (فرنسا)
العالم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون لنتنياهو: مقتل السنوار يفتح الطريق أمام محادثات جديدة لوقف النار في غزة

قال مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم إن الرئيس أبلغ بنيامين نتنياهو بأنه يرى في مقتل السنوار فرصة لمرحلة جديدة من مفاوضات وقف إطلاق النار.


مدير منظمة الصحة العالمية: الوضع في شمال قطاع غزة «كارثي»

طفل فلسطيني مصاب يتلقى العلاج في غرفة الطوارئ بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بقطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني مصاب يتلقى العلاج في غرفة الطوارئ بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

مدير منظمة الصحة العالمية: الوضع في شمال قطاع غزة «كارثي»

طفل فلسطيني مصاب يتلقى العلاج في غرفة الطوارئ بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بقطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني مصاب يتلقى العلاج في غرفة الطوارئ بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بقطاع غزة (أ.ف.ب)

حذّر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، السبت، من أن الوضع «كارثي» في شمال قطاع غزة الذي دمرته الحرب، مع «عمليات عسكرية كثيفة تحصل داخل مؤسسات صحية وحولها».

وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عبر منصة «إكس»، إن «الوضع في شمال غزة كارثي»، لافتاً إلى أن «نقصاً خطيراً في اللوازم الطبية، يضاف إليه وصول محدود للغاية (إلى هذه اللوازم)، يحرمان أناساً من علاجات حيوية».

وأشار خصوصاً إلى مستشفى كمال عدوان، آخر مستشفى لا يزال يعمل في شمال قطاع غزة الذي هاجمته القوات الإسرائيلية، الجمعة، حسب وزارة الصحة في غزة.

وأوردت الوزارة أن الهجوم أسفر عن وفاة طفلين، متهمة القوات الإسرائيلية باعتقال مئات من أفراد طاقم المستشفى والمرضى والنازحين.

وأكد الجيش الإسرائيلي أن قواته تنشط حول المستشفى، لكنه أوضح أنه «لم يُبلغ بإطلاق رصاص حي وتنفيذ ضربات في منطقة المستشفى».

ومساء الجمعة، أعلنت منظمة الصحة العالمية إصابة 3 معالجين وموظف في الهجوم على المستشفى، فضلاً عن احتجاز عشرات المعالجين داخله.

وأضاف تيدروس، السبت: «بعد اعتقال 44 من الموظفين الرجال، لم يبقَ سوى موظفة واحدة ومدير المستشفى وطبيب للاهتمام بنحو 200 مريض يحتاجون إلى العلاج في شكل ملحّ».

وتابع أن «المعلومات عن المستشفيات واللوازم الطبية المتضررة أو المدمرة خلال الحصار تدعو إلى الأسف».

بدورها، أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» فقدان أحد جراحيها في المستشفى.

وقالت المنظمة عبر منصة «إكس»: «نحن قلقون بشدة حيال أمن محمد عبيد ومكان وجوده، وهو جراح عظام من (أطباء بلا حدود) لجأ إلى المستشفى ويعمل فيه».

وأضافت: «نحاول الاتصال بزميلنا ونسعى في شكل ملحّ للحصول على معلومات عن مكان وجوده. نطالب بأمنه وحمايته، ومثله جميع الطواقم الطبية في غزة».

وذكّر تيدروس بأن «النظام الصحي بكامله في غزة يتعرّض لهجمات منذ أكثر من عام»؛ أي منذ شنت حركة «حماس» هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وشدّد مدير منظمة الصحة على «وجوب حماية المستشفيات من النزاعات في كل الأوقات»، مكرراً أن «أي هجوم على المنشآت الاستشفائية يشكّل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي».

وأوضح أن «السبيل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من النظام الصحي الآيل إلى الانهيار في غزة هو وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار».