ميقاتي يواجه إيران: نرفض تدخلها الفاضح في الشأن اللبناني

موقفه من كلام قاليباف قُوبل بتأييد نيابي وسياسي واسع

رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (يمين) خلال لقائه رئيس مجلس النواب الإيراني محمد باقر قاليباف (يسار) خلال زيارته بيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (يمين) خلال لقائه رئيس مجلس النواب الإيراني محمد باقر قاليباف (يسار) خلال زيارته بيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

ميقاتي يواجه إيران: نرفض تدخلها الفاضح في الشأن اللبناني

رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (يمين) خلال لقائه رئيس مجلس النواب الإيراني محمد باقر قاليباف (يسار) خلال زيارته بيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (يمين) خلال لقائه رئيس مجلس النواب الإيراني محمد باقر قاليباف (يسار) خلال زيارته بيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

في خطوة هي الأولى من نوعها، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، الجمعة، رفضه موقف رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف لجهة قوله إن طهران مستعدةٌ للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، معتبراً ذلك «تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان».

كما طلب ميقاتي من وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت، والاستفسار منه عن هذا الموقف، وإبلاغه الموقف اللبناني.

وقال ميقاتي في بيان صادر عن مكتبه: «نستغرب هذا الموقف الذي يشكل تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان، علماً بأننا كنا أبلغنا وزير خارجية إيران ورئيس مجلس الشورى خلال زيارتيهما إلى لبنان أخيراً بضرورة تفهم الوضع اللبناني، خصوصاً وأن لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق، ونعمل لدى جميع أصدقاء لبنان ومنهم فرنسا للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار».

وأضاف «أن موضوع التفاوض لتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 تتولاه الدولة اللبنانية، ومطلوب من الجميع دعمها في هذا التوجه، لا السعي لفرض وصايات جديدة مرفوضة بكل الاعتبارات الوطنية والسيادية».

ومن ثم طلب ميقاتي من وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت، والاستفسار منه عن حديث قاليباف، كما إبلاغه الموقف اللبناني في هذا الصدد.

يأتي موقف ميقاتي في وقت يغيب فيه موقف «حزب الله» الذي لطالما رفع راية إيران، وبعد الضربات القاسية التي تلقاها واغتيال قادته، على رأسهم أمينه العام حسن نصر الله، في حين تتصاعد فيه مواقف المعارضة التي لطالما أعلنت رفضها الوصاية الإيرانية على لبنان عبر «حزب الله»، بما يعكس شبه إجماع لبناني، وللمرة الأولى حول رفض الوصاية الإيرانية على لبنان.

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت (أ.ف.ب)

كان قد سبق ردّ ميقاتي رد من قبل رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط على وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي زار بيروت قبل أسبوعين، قائلاً: «لا يستطيع وزير الخارجية الإيراني أن يعطينا دروساً في المواجهة».

وكان «حزب الله» قد أوكل، على لسان نائب أمينه العام نعيم قاسم، مهمة التفاوض حول وقف إطلاق النار في لبنان إلى «الأخ الأكبر»، رئيس البرلمان اللبناني، حليفه رئيس «حركة أمل»، نبيه بري.

مواقف داعمة لميقاتي

ولاقت الخطوة التي قام بها ميقاتي مواقف داعمة مع تأكيد على ضرورة المضي قدماً باتجاه استعادة هيبة الدولة اللبنانية.

وكتب رئيس «حزب الكتائب» اللبنانية النائب سامي الجميل على حسابه على منصة «إكس» قائلاً: «موقف دولة الرئيس نجيب ميقاتي من حديث رئيس البرلمان الإيراني، وطلبه استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية لدى لبنان خطوة جيدة باتجاه استعادة هيبة الدولة وسيادتها وقرارها، وندعم هكذا خطوات لوضع حد للتدخل الوقح في الشؤون اللبنانية. المطلوب الآن أن تستكمل ببسط سلطة الدولة على الأرض».

كما صدر عن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع موقف مماثل، وقال في بيان له: «ما صرّح به الرئيس نجيب ميقاتي اليوم تعليقاً على كلام رئيس البرلمان الإيراني يُعطينا بصيص أمل بأن الدولة اللبنانية، ولو بعد خراب البصرة ويا للأسف، بدأت تتحمّل مسؤولياتها».

وأضاف: «إن ما أدلى به الرئيس ميقاتي يعبِّر عن وجهة نظر كل لبناني صميم، ونتمنى لو يُكمل الرئيس ميقاتي ويقول إن الحكومة اللبنانية تطلب وقفاً لإطلاق النار على أساس تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي 1559، 1680 و1701، لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لوقف المجازر المستمرة في لبنان منذ نحو شهرين».

كذلك أعلن تكتل «الاعتدال الوطني» وقوفه خلف ميقاتي «في موقفه الوطني المسؤول الرافض للتدخل الإيراني الفاضح في الشأن اللبناني».

وأكد في بيان أن «ما قاله رئيس الحكومة هو لسان حال كل لبناني ضاق ذرعاً من السياسات الإيرانية والخارجية التي لم تأتِ إلا بالويلات والخراب على لبنان، في إصرارها الدائم على محاولة الهيمنة والوصاية على القرار اللبناني، وتوريطه في أجندات تحقق مصالحها، ولا تكترث لمصلحة لبنان واللبنانيين»، مشدداً: «لبنان لن يقبل بعد اليوم أن يستمر كبش محرقة لأحد».

بيان مشترك

وفي بيان مشترك، رفض النواب إبراهيم منمينة، وبولا يعقوبيان، وملحم خلف، ونجاة صليبا، وياسين ياسين، وفراس حمدان «تصريح رئيس البرلمان الإيراني جملةً وتفصيلاً، ليس فقط لأنه قرر التفاوض عن لبنان حول تطبيق قرار دولي، بل لقيامه بالاستخفاف الواضح بالدولة ومؤسساتها. هذه الفوقية التي تستسهل التعدي على السيادة تفضح الكثير مما كان البعض يحاول إخفاءه طوال السنوات الماضية». ودعم النواب موقف الحكومة ورئيسها، ورأوا فيه خطوة إيجابية يجب البناء عليها.

خطوة جريئة

ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية عماد سلامة أن موقف ميقاتي يعكس تحدياً لنفوذ «حزب الله» في لبنان من جهة، فيما يعكس الموقف الإيراني تراجعاً استراتيجياً من قبل طهران، وهو ما قد يكون مقدمةً لتطبيق قرار مجلس الأمن 1595.

ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط» إن دعوة الرئيس نجيب ميقاتي للسفير الإيراني يمثل خطوة جريئة وغير مسبوقة في السياسة اللبنانية. هذا الاستدعاء يعكس تحدياً واضحاً لنفوذ «حزب الله» في لبنان، ويشير إلى تغيّرات محتملة في موازين القوى داخل البلاد، مشيراً إلى أن ذلك «يظهر تراجعاً نسبياً في سلطة الحزب، خصوصاً بعد أن أصبح الحزب موضع اتهام من قطاعات واسعة من اللبنانيين بسبب سياساته، خصوصاً التفرد بقرارات الحرب والسلم، وفتح جبهة الجنوب مع إسرائيل والنتائج الكارثية على لبنان، بالإضافة إلى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ما زاد من الضغط الشعبي والسياسي على الحزب، ومما جعل من ميقاتي يأخذ هذا الموقف الجريء».

رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف (وسط الصورة) يلوح بيده بعد زيارة موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حي البسطة في بيروت (أ.ف.ب)

وتوقف سلامة عند تصريح رئيس مجلس النواب الإيراني نفسه، معتبراً أنه «يكشف عن أزمة عميقة يعاني منها النظام الإيراني، خصوصاً بعد تراجعاته في عدة مناطق نفوذ مثل لبنان، وفلسطين، وسوريا، واليمن».

ويضيف: «لافت جداً هو التلميح الإيراني للمرة الأولى حول الاستعداد للتفاوض بشأن القرار الأممي 1701، الذي يملي على (حزب الله) التراجع عن الحدود الجنوبية، وبذلك يجرده من دوره كمقاومة في وجه إسرائيل، ويفصل الساحات في المنطقة، خاصة عما يحدث في غزة وفلسطين».

ويوضح أن «إيران كانت ترفض الالتزام بفصل ساحة جنوب لبنان عن صراعاتها الإقليمية، لكنها الآن قد تكون مضطرة للتنازل من أجل الحفاظ على مصالحها القومية. قبول إيران بإزالة سلاح (حزب الله) من الجنوب، وفقاً لقرار مجلس الأمن 1701، يشير إلى تراجع استراتيجي من قبل طهران، والتي قد تكون مقدمة لتطبيق قرار مجلس الأمن 1559 بتجريد (حزب الله) من سلاحه ويعكس تحولاً في سياساتها الإقليمية، مما قد يؤدي إلى تحييد دور (حزب الله) العسكري في المنطقة».


مقالات ذات صلة

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب) play-circle 00:54

مقتل مدير مستشفى و6 من زملائه في قصف إسرائيلي على شرق لبنان

قُتل مدير مستشفى دار الأمل قرب بعلبك في شرق لبنان مع ستة من زملائه العاملين في المستشفى، الجمعة، في ضربة إسرائيلية استهدفت منزله.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».