قمة «بريكس» تكسر «عزلة بوتين»... وتتحدّى ضغوط الغرب

أولويات روسيا... مواجهة العقوبات وتوحيد جهود الجنوب العالمي

جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)
جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)
TT

قمة «بريكس» تكسر «عزلة بوتين»... وتتحدّى ضغوط الغرب

جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)
جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)

يكاد الاهتمام السياسي والإعلامي في روسيا يكون منصباً بالكامل على مجريات قمة «بريكس» المنتظرة والنتائج المتوقعة منها؛ ذلك أنها «الحدث الأكبر فعلاً»، كما قال مساعد الرئيس لشؤون السياسة الدولية يوري أوشاكوف. وفضلاً عن منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الذي تراجعت أهميته بعض الشيء خلال السنوات الأخيرة، فإن قمة «بريكس» تُعد المناسبة الوحيدة التي تنظمها موسكو على هذا المستوى منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

32 دولة مشاركة

يشارك في القمة ممثلو 32 دولة، بينهم وفقاً لأوشاكوف 24 رئيساً أو رئيس وزراء، علماً أن الدعوة وُجهت إلى 38 بلداً، هي البلدان التي تتمتع بعضوية المنظمة أو أبدت رغبة بالتعاون معها. وفي هذا الشأن تقول موسكو إن واشنطن مارست ضغوطاً كبرى على بعض البلدان لمقاطعة القمة، أو على الأقل لتقليص مستوى الحضور فيها.

بيد أن روسيا، باعتبارها البلد المستضيف لهذا الحدث، دعت زعماء بلدان «رابطة الدول المستقلة»، وجميعهم أكدوا مشاركتهم. كذلك وجهت الدعوات للدول التي ترأس اتحادات التكامل الإقليمي في جنوب شرقي آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط.

وبناءً عليه، يُنتظر حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لـ«منظمة شنغهاي للتعاون» تشانغ مينغ، والأمناء العامّين لـ«رابطة الدول المستقلة» و«الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» و«دولة الاتحاد» مع بيلاروسيا، بالإضافة إلى رئيسة بنك التنمية الجديد ديلما روسيف. ويعتقد أوشاكوف أن «التمثيل الجغرافي الرفيع المستوى والواسع النطاق في قمة قازان يشهد على دور (بريكس) ومكانتها على الساحة الدولية، وأيضاً الاهتمام المتزايد بهذه الرابطة من جانب الدول التي تنتهج سياسة خارجية مستقلة».

أبعاد السياسة... وحوار الاقتصاد

يبرز في التحضيرات التي قامت بها موسكو التركيز على البُعد السياسي للحدث، على الرغم من أن أجندة الحوار في القمة تبدو مخصّصة أكثر للقضايا الاقتصادية.

وإلى جانب اللقاءات الثنائية التي تعوّل عليها موسكو كثيراً، رتّب الكرملين متعمّداً شقّين للقمة يحمل كل منهما دلالات مهمة.

الشق الأول، بطبيعة الحال، هو اجتماع الدول الأعضاء في المنظمة، وهي عشرة بلدان حالياً بعدما توسّعت المجموعة العام الماضي بضم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران وإثيوبيا. وهو سيخصص لموضوع «تعزيز التعدّدية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين»، وهذا في الواقع شعار الرئاسة الروسية لمجموعة «بريكس» في عام 2024.

أما الشق الثاني فهو اجتماع بصيغة «بريكس بلس»، الذي يضم أيضاً ضيوف القمة وممثلين عن دول أعربت عن رغبة في الانضمام إلى المجموعة، وهنا يبرز أكثر البُعد السياسي الذي تتطلّع إليه موسكو، لكون اللقاء يعقد تحت شعار «بريكس والجنوب العالمي... بناء عالم أفضل بشكل مشترك».

توسيع المجموعة

موسكو سعت إلى تجاوز التباينات الداخلية في المجموعة حول ملف التوسيع المحتمل لـ«بريكس»، وكان قد برز الخلاف سابقاً بشكل واضح بين الصين، المتحمسة للتوسيع، والهند التي وضعت تحفّظات على التعجّل في هذا الشأن. لكن الرئاسة الروسية توصلت، على ما يبدو، إلى «حل وسط» يرضي الطرفين الكبيرين، ثم إنه خلال الاستعدادات للقمة نوقشت فكرة إطلاق مستوى من التعاون من دون ضم بلدان جديدة حالياً... عبر ابتكار صيغة «الدول الشريكة» لمجموعة «بريكس». وتشير التقديرات الروسية إلى أن عدد البلدان التي ترغب بالانضمام رسمياً إلى المجموعة يبلغ اليوم 34 بلداً، الأمر الذي يعني أن مستقبل المجموعة ماضٍ نحو تعزيز حضورها بشكل واثق على الصعيدين السياسي والاقتصادي في العالم.

وحقاً، حدّد الكرملين أولوياته في هذا الشأن عبر الإشارة إلى أن «أبواب (بريكس) مفتوحة للدول ذات التفكير المماثل والتي تتشارك في المبادئ والأهداف الأساسية». ولكن مع هذا، أقرّ «صانعو السياسة» الروس بأن المجموعة لم تتبنَّ بعدُ نهجاً موحّداً حيال ملف التوسيع وضم أعضاء جدد.

وهنا أوضح أوشاكوف أن «بعض الدول ترى أن علينا أن نتوقّف عند الأعضاء العشرة وتأجيل التوسع، في حين يؤيد البعض الآخر قبول أعضاء جدد، بل وحتى تسمية دول محددة يمكن أن تصبح أعضاء في المنظمة».

على أي حال، يتركز الخلاف - كما تقول أوساط روسية - حول المخاوف من تشتيت الجهد وظهور عراقيل قوية أمام توحيد المواقف في حال وُسعت عضوية المجموعة بشكل عجول. وبالفعل، يرى البعض أن المطلوب حالياً «بذل أقصى جهدنا لضمان اندماج الدول الأعضاء حالياً بسلاسة في جميع أشكال التعاون»؛ ولذا يبدو أن إحدى نتائج القمة الأساسية ستتركز على إقرار الصيغة الروسية حول «الدول الشريكة».

أولويات اقتصادية

جدير بالذكر أن الكرملين كان قد حدّد منذ مطلع العام أولويات روسيا في فترة رئاستها للمجموعة، وعلى رأسها تطوير آليات الاعتماد على العملات المحلية في التبادل التجاري بين الأعضاء، ودفع مسار إنشاء عملة موحّدة على الرغم من الصعوبات البالغة التي تعترض طريقه.

ولقد أجمل وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، على أبواب القمة، قائمة بالمهام المطروحة حالياً، عبر الإشارة إلى تطوير «نظام مستقل للتسويات المالية» لمجموعة «بريكس». وتكلّم عن «آفاق لصناعة العملات المشفّرة» في روسيا والدول الشريكة. كذلك أشار سيلوانوف إلى أن حزمة القوانين التي اعتُمدت أخيراً في روسيا لتنظيم سوق العملات المشفّرة «تفتح فرصاً جديدة لاستخدام الأصول الرقمية في التجارة الدولية»، وأنه «بات حالياً من الممكن استخدام العملة المشفّرة كوسيلة للدفع في التجارة مع الشركاء الأجانب».

ورأى الوزير الروسي أنه في سياق تجزئة الاقتصاد العالمي والقيود السياسية من الغرب، بات إنشاء نظام مالي مستقل خاص بالمجموعة على رأس المهام المُلحّة.

وفي هذا الإطار أيضاً، تبحث المجموعة إنشاء نظام إيداع مشترك، وإطلاق شركة تأمين خاصة بدول المجموعة لتقديم خدمات التأمين في إطار العلاقات التجارية بين دول «بريكس». وتعوّل موسكو على أن نشاط مجموعة «بريكس» المشترك سيسفر عن دفع جدّي لمعدلات التنمية في بلدانها. وفي هذا الصدد، أشار الوزير سيلوانوف إلى الحصة المتزايدة لدول «بريكس» في الاقتصاد العالمي. ووفقاً لمعطياته، فإن المجموعة باتت تتقدم بالفعل على «مجموعة السبع» من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وسوف تستمر في زيادة نفوذها الاقتصادي.

وفي سياق متصل، فإن العنصر الرئيسي في قوة المجموعة يكمن - كما يقول الكرملين - في كونها «تجمع فرص التجارة والاستثمار وتبادل التكنولوجيات والمعرفة الجديدة». وبحسب الوزير سيلوانوف، فإن هذا الواقع «يعطي زخماً إضافياً لتنمية اقتصاداتنا»، ثم هناك عنصر ثانٍ مهم يكمن في محاربة هيمنة الدولار الأميركي. وهذا العنصر يشكل إحدى ركائز تحرك الكرملين في إطار «بريكس». وعلى الرغم من بطء التقدم في هذا المسار، ترى القيادة الروسية أن تحقيق اختراقات كبرى أمر ممكن، مع وصول حجم التبادل بالعملات المحلية إلى نحو النصف مع بعض بلدان المجموعة.


مقالات ذات صلة

محمد بن سلمان وروبيو يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية

الخليج ولي العهد السعودي لدى استقباله وزير الخارجية الأميركي الاثنين في جدة (واس) play-circle 00:17

محمد بن سلمان وروبيو يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية

استقبل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، في جدة مساء الاثنين، وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.

«الشرق الأوسط» (جدة)
المشرق العربي السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (رويترز) play-circle 02:52

روسيا تقول إنها تنسق مع أميركا بشأن سوريا

نقلت وكالة «تاس» للأنباء، اليوم الاثنين، عن السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا قوله إن روسيا تنسق مع الولايات المتحدة بشأن أعمال عنف في سوريا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
خاص مقاتلون تابعون للقيادة السورية الجديدة في نقطة تفتيش عند مدخل قاعدة حميميم العسكرية بمحافظة اللاذقية 29 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

خاص مصدر روسي لـ«الشرق الأوسط»: لا علاقة لموسكو بأحداث الساحل والتنسيق مع دمشق متواصل

أكد مصدر دبلوماسي روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، أن موسكو لا علاقة لها بتطورات الأحداث في الساحل السوري.

رائد جبر (دمشق)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لدى استقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في جدة يونيو 2024 (واس)

السعودية ترسِّخ مكانتها وسيطاً موثوقاً في الدبلوماسية العالمية

تعيد المملكة العربية السعودية رسم ملامح دورها في الدبلوماسية العالمية، وسيطاً موثوقاً ومنصةً رئيسيةً للمفاوضات الحساسة بين القوى الإقليمية والدولية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
أوروبا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (إ.ب.أ)

الكرملين: الطريق أمام استعادة العلاقات الروسية الأميركية صعب

قال الكرملين اليوم (الاثنين) إن روسيا ترى أن استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة مهمة طويلة وشاقة لكنها تعتقد أن هناك إرادة سياسية لدى الجانبين للمضي قدما.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

«قمة فلسطين» محطة أولى في مسار طويل لصد التهجير

من القمة (رويترز)
من القمة (رويترز)
TT

«قمة فلسطين» محطة أولى في مسار طويل لصد التهجير

من القمة (رويترز)
من القمة (رويترز)

الدورة غير العادية من اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة، عقدت في القاهرة، بناء على طلب دولة فلسطين، لمواجهة تحدي «التهجير» الذي زادت خطورته مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن مقترح لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي. ولقد أعقبه كلام عن عزمه على السيطرة على القطاع وتحويله إلى ما وصفه بـ«ريفييرا الشرق الأوسط»، وهو المقترح الذي قوبل بانتقادات عربية ودولية واسعة.

تنسيق عربي واسع

ورغم الرفض العربي الواضح منذ اليوم الأول لمقترح ترمب، فإن انعقاد القمة استدعى كثيراً من التحضيرات والاتصالات بدأت باجتماع «خماسي عربي» في القاهرة مطلع فبراير (شباط) الماضي، شارك فيه وزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وخلصت الجهود العربية إلى توجيه رسائل عدة إلى ترمب على رأسها «رفض التهجير».

لم تتوقف الأمور هنا، بل استمرّت البيانات والمباحثات بشأن مستجدات القضية الفلسطينية مع تفاقم «تحدي التهجير»، حتى أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن «اتصالات مكثفة مع دول عربية عدة لبحث مستجدات القضية الفلسطينية».

وتلا ذلك الإعلان عن استضافة القاهرة قمة عربية «طارئة» هدفها بحث التطورات «المستجدة والخطيرة» للقضية الفلسطينية. وكان مقرراً عقدها في 27 فبراير الماضي، لكنها أرجئت إلى 4 مارس (آذار) الحالي لـ«استكمال التحضير الموضوعي واللوجيستي»، بحسب إفادة رسمية للخارجيّة المصرية.

التحضير لـ«القمة الطارئة»

تطلّب التحضير تنسيقاً للمواقف العربية - العربية واتصالات واجتماعات على مدار الساعة، كان أبرزها لقاء أخوي تشاوري جمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، الشهر الماضي في الرياض، رحّب بعقد «القمة العربية الطارئة». وجرى خلاله تبادل وجهات النظر حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، خصوصاً الجهود المشتركة الداعمة للقضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في قطاع غزة.

التزام بدعم القضية

وتأكيداً على قضية العرب المركزية حملت هذه الدورة غير العادية اسم «قمة فلسطين»، وعكست كلمات القادة والزعماء المشاركين فيها موقفاً موحداً رافضاً للتهجير داعماً لإعادة إعمار قطاع غزة، والأهم كونه مؤيداً لخيار السلام، مع توجيه دعوات للرئيس الأميركي لدعم مسار السلام، استناداً إلى مبدأ «حل الدولتين».

وجاء «بيان القاهرة» في ختام فعاليات القمة الطارئة متضمناً 23 بنداً، من بينها «اعتماد الخطة المقدّمة من مصر، بالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين والدول العربية واستناداً إلى الدراسات التي أُجريت من قبل البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة، بشأن التعافي المبكّر وإعادة إعمار غزة باعتبارها خطة عربية جامعة». وأيضاً، حمل البيان تحذيراً واضحاً من «أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني»، وعدّها «تهديداً لأسس السلام في الشرق الأوسط، وينسف آفاقه المستقبلية ويقضي على طموح التعايش المشترك بين شعوب المنطقة».

لبّت مخرجات «قمة فلسطين» العربية الطارئة، الكثير من «التطلعات والآمال التي كانت معقودة عليها»، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

إذ قال السياسي والحقوقي الجزائري، محمد آدم المقراني، إنها «عكست التزاماً عربياً جماعياً بدعم القضية الفلسطينية». ورأى الدكتور عبد الحكيم القرالة أستاذ العلوم السياسية بالأردن أنها كانت «متوائمة مع حجم الظرف الطارئ الذي تمر به القضية الفلسطينية من أطروحات للتهجير وتصفية القضية». وبينما ذكر السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أنها تضمنت «حلولاً سياسية وأمنية عملية تلبي كثيراً من التطلعات»، لفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور، أحمد يوسف أحمد، إلى أن قرارات القمة جاءت «متناسبة مع التحديات، لا سيما تبنيها الخطة المصرية لإعادة الإعمار وتصورها لإدارة وحكم قطاع غزة وطرحها لقضية الإصلاح الداخلي الفلسطيني».

معضلة «حماس»

في بيانها الختامي، أكدت القمة أن خيار العرب الاستراتيجي هو «تحقيق السلام العادل والشامل». ودعت إلى «تكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة، من أجل تحقيق السلام». ولكن بعد ساعات من اعتماد جامعة الدول العربية خطة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، رفضت كل من أميركا وإسرائيل المقترح. وفي حين ادعى البيت الأبيض أن الخطة «لا تعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع»، عدّت إسرائيل عبر وزارة خارجيتها أن القمة «لم تعالج واقع ما بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

في المقابل، بينما حثّت القمة على توحيد الصف الفلسطيني، ورحبت بـ«تشكيل لجنة إدارة غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية» و«بجهود دولة فلسطين المستمرة في إطار الإصلاح الشامل»، لم يشر البيان الختامي إلى مصير حركة «حماس» في قطاع غزة، وهذه «معضلة» وضعتها إسرائيل والولايات المتحدة شرطاً لأي اتفاق مستقبلي، كما شددت دول أوروبية عدة في أعقاب اجتماع لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، على رفض أن يكون لـ«حماس» أي دور في قطاع غزة مستقبلاً.

غير أن رئيس الوزراء وزير الخارجية الفلسطيني، محمد مصطفى، أبدى تفاؤلاً إزاء هذه النقطة، وقال في مؤتمر صحافي ختامي للقمة: «لا نريد أن نعطي لأحد الذرائع... مطلوب من الجميع تقديم أفضل ما عنده لتجاوز العقبات... والمسؤول الأول عن الوضع الحالي هو إسرائيل». وأضاف مصطفى: «ضمن التوافقات الفلسطينية نحن كفيلون بتجاوز هذه القضايا ونعتمد على وطنية الجميع لحل أي خلاف».

من جهة ثانية، مع تأكيد الدكتور أحمد أن تحقيق وحدة الصف الفلسطينية «أمر ليس بالسهل»، لفت إلى «مؤشرات إيجابية» من بينها ترحيب «حماس» بقرارات القمة، وتحميل إسرائيل المسؤولية. واتفق معه الدكتور الرقب بقوله إن «المؤشرات الحالية توحي بقدر من البراغماتية الفلسطينية في التعامل مع الموضوع ورغبة في حل القضايا الداخلية العالقة».

بالتوازي، وفق أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قدمت القمة «بديلاً واضحاً وعملياً وواقعياً لمقترح إخراج الفلسطينيين من أراضيهم». وأشار في مؤتمر صحافي في ختام أعمال القمة، إلى أن الخطة «ليست فنية فقط، بل ترسم مساراً لسياق أمني وسياسي جديد في غزة، يتضمن تشكيل لجنة تكنوقراط غير فصائلية، تتولى إدارة القطاع لمدة 6 أشهر تحت إشراف السلطة الفلسطينية... وهذه خطة مرنة وقابلة للتطوير حسب مقتضيات الواقع».

التحدي الصعب

في المقابل، عدّ الرقب أنه بقدر قوة قرارات القمة فإنها «تحتاج إلى خطوات إجرائية لتنفيذها على أرض الواقع... ومعظم القرارات بما في ذلك إعادة الإعمار تتطلب التزاماً إسرائيلياً بمراحل اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاباً كاملاً من قطاع غزة». وأكد السياسي الفلسطيني «ضرورة تحرك الدبلوماسية العربية للتأثير على الإدارة الأميركية وإقناعها بالخطة المصرية لإعادة الإعمار... كيلا تكون قرارات القمة ككثير من القرارات السابقة حبراً على ورق». وأردف: «نحتاج لخطوات إجرائية فعلية وعمل دؤوب كيلا نكون أمام خيارات صفرية». وفي هذا السياق، دعا الدكتور القرالة لحشد الدعم الدولي من أجل أفق سياسي واضح للقضية الفلسطينية... «لأن مخرجات القمة تحتاج إلى دعم وإسناد خلال الأيام المقبلة، بهدف البناء على الرؤية العربية والموقف الجامع لحل القضية الفلسطينية وانتشال المنطقة من براثن العنف».

من زاوية أخرى يبدو أن وضع مقررات القمة موضع التنفيذ «هو التحدي الأساسي الأصعب أمام القمة»، بحسب الدكتور أحمد، لا سيما مع رفض إسرائيل والولايات المتحدة لها، إذ قال: «القمة خطوة أولى تستتبعها خطوات أكثر صعوبة». وهذا تحد أشار إليه أيضاً أبو الغيط بقوله إن «القمة محطة أولى في مسار طويل أتمنى ألا يكون شاقاً». أما المقراني فرهن فعالية مخرجات القمة بـ«مدى التنسيق المستقبلي بين الدول العربية، وقدرتها على تجاوز الخلافات وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات المشتركة».

الواقع أن البيان الختامي يشير إلى «التنسيق في إطار اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية المشتركة لإجراء الاتصالات والقيام بالزيارات اللازمة للعواصم الدولية من أجل شرح الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، والتعبير عن الموقف المتمسك بحق الشعب الفلسطيني بالبقاء على أرضه وحقه في تقرير مصيره». لكن الدكتور يوسف يلفت إلى «سير الإدارة الأميركية الحالية في اتجاهات متضاربة»، ويقول: «هذا لا يعني أنه لا مجال للتحرك، ولكن تبقى مواقف الإدارة الأميركية الحالية صعبة وتحتاج إلى مجهود لتغييرها ودفعها لدعم الخطة العربية».

وهكذا، انتهت القمة لكن العمل العربي لمواجهة تحدي «التهجير» وتصفية القضية لم ينته بعد، وهو ما يستدعي البدء في «مرحلة كسب المزيد من الدعم للخطة العربية».