«لقد عملت في مجال الذكاء الاصطناعي لمدة 13 عاماً، وقابلت كثيراً من الأشخاص الذين يشعرون بالقلق بشأنه»، يقول جورج كايلاس (*) الرئيس التنفيذي لشركة «بروسبيرو إيه آي ProsperoAi». ويضيف: «وفي رأيي، إنهم قلقون بشأن الأمور والجوانب الخاطئة له».
المخاوف من الذكاء الاصطناعي
لكن مخاوفهم تنقسم عموماً إلى فئتين:
1. الروبوتات القاتلة: متى ستكون هنا بالقرب منا؟ وإلى أي مدى ستكون قاتلة؟ هل لدينا فرصة للوقوف ضدها؟
2. الذكاء الفائق: عقل يرى كل شيء، والكاميرات وأي جهاز متصل بالإنترنت من «عيونه وآذانه». ويمكنه إجراء اتصالات وتوقعات تتجاوز فهمنا حرفياً.
وهذا الذكاء الخارق يبدو ملاصقاً في توجهاته للروبوتات القاتلة. على سبيل المثال، كان «Terminator» روبوتاً قاتلاً جرى إرساله إلى الوراء، في الوقت المناسب لقتل شخص بواسطة «Skynet»، وهو برنامج مستقبلي بذكاء فائق. ومثال آخر على الذكاء الفائق في الثقافة الشعبية، يحتوي برنامج «Person of Interest» على كومبيوتر شامل العلم يرى كل شيء ويمكنه التنبؤ بالمستقبل بما يتجاوز فهمنا.
مخاوف غير مبرَّرة
لا أجد أياً من هذه المخاوف ذات أهمية خاصة؛ لأننا لا نملك سبباً لاعتقاد أن الآلات ستكون عدوانية. لماذا نطبق أسوأ سمات البشرية على الآلات؟ إنها بالتأكيد ليست مثلنا.
لكن بخلاف ذلك، لا يمكننا حقاً الاقتراب من فهم كيف يفكر الذكاء الفائق. ربما يكون أقرب إلى ما قد يفكر فيه كثيرون على أنه صنم أعلى (إله اصطناعي)، وليس إنساناً.
مخاوف الذكاء الاصطناعي في إنفاذ القانون
وفي حين أن الذكاء الفائق والروبوتات القاتلة لم يظهرا بعدُ، فإليك ما أعتقد أنه يجب أن تقلق بشأنه الآن.
* التنبؤ بالجرائم المستقبلية. تعتزم الأرجنتين، من بين أمور أخرى، التنبؤ بالجرائم المستقبلية باستخدام الذكاء الاصطناعي. وفي المظهر يبدو هذا رائعاً، إذ تساعدنا أجهزة الكومبيوتر في تحسين الموارد، طوال الوقت.
* نظام رصد إطلاق النار. وفي هذا المجال، استخدمت شركة «بالتيمور تكنولوجيا» نظام «ShotSpotter (راصد الإطلاقات)»، الذي يحدد، على الفور، الموقع الذي يجري إطلاق النار منه، بوصفه جزءاً من نهج حديث للحد من الجريمة.
وهذا تطور إيجابي، لكنني قلِق بشأن مستقبل قريب مظلم وأكثر قتامة.
* الإجرام الجنسي. لدينا سِجل للمجرمين الجنسيين لكي يعرفهم الآباء المعنيون. ماذا لو لم يرتكب شخص جريمة بعدُ، لكن برنامج الذكاء الاصطناعي وجد أنه من المرجح بنسبة 80 في المائة أن يكون مجرماً جنسياً؟ هل سيبدأ هذا الشخص فقدان بعض حقوقه الدستورية؟
لا شك في أننا نعيش في عالم مخيف، لكن هل نحن مستعدّون للتعامل مع عواقب المجرمين المحتملين للغاية؟ وقبل أن تجيب بسرعة كبيرة، هل تكون مستعداً لتغيير حياة أحد أحبائك إذا قرر الكومبيوتر أن هناك احتمالاً لقيامه بشيء خاطئ، حتى لو لم يفعل ذلك بعد؟ متى قد نتجه إلى هذا الطريق؟
درجة الأمانة الشخصية
كانت هناك حلقة من مسلسل «المرآة السوداء (Black Mirror)»، حيث كان على امرأة رفع درجتها الاجتماعية للعيش في أفضل الشقق، والحصول على امتيازات الطيران وتأجير السيارات. وجرى تقييم المرأة من قِبل أشخاص آخرين بعد كل تفاعل. تخيل مستقبلاً، حيث تحاول المرور عبر باب آلي إلى متجرك المفضل، ويجري مسحُ وجهك وتكتشف أنه لم يعد يُسمح لك بدخول هذا المتجر.
من المؤسف أن أبلِّغكم بأن هذه ليست مجرد حلقة من ذلك المسلسل، فهناك بالفعل برنامج مماثل في الصين أدانته جماعات حقوق الإنسان. وفي إحدى الحالات، لم يُسمح لمحام بشراء تذكرة طائرة، إذ كانت المحكمة قد قررت أن اعتذاره عن تصرفٍ ما كان «غير صادق».
التزييف العميق للفيديوهات
قد تُشكل مقاطع الفيديو المزيفة أيضاً مشاكل للمجتمع. ففي هونغ كونغ، هرب المحتالون بأكثر من 25 مليون دولار، بعد إنشاء اجتماع افتراضي مزيف بالكامل، حيث كان جميع المشاركين، باستثناء الضحية، عبارة عن صور وأصوات مُفَبركة لأشخاص حقيقيين. واستخدم المحتالون صوراً وصوتاً متاحة للجمهور لإنشاء مقاطع فيديو مزيَّفة للموظفين، بما في ذلك مقطع فيديو مزيف للمدير المالي للشركة.
في المستقبل، قد يصبح الأمر أكثر رعباً. ماذا يحدث إذا تلقيتَ مكالمة من «والدتك» تقول إن هناك حالة طوارئ تتطلب أموالاً، أو تعتقد أنك رأيت أحد الساسة يقول لك شيئاً ما، لكنه كان مقطع فيديو للذكاء الاصطناعي.
كما أن هناك التفاعلات المحتملة مع الروبوتات الحقيقية أو البشر الآليين الذين لم يصلوا إلى الذكاء الفائق، لكن من المؤكد أنهم قد يخدعونك.
قلق من كيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي
إن الذكاء الاصطناعي يحوّل عالمنا، بالفعل، بطرق نحتاج إلى الانتباه إليها الآن. في حين أن الخوف من الروبوتات القاتلة والذكاء الفائق يجذب خيالنا، فهذه ليست التهديدات المباشرة التي نواجهها.
إن القلق الحقيقي هو كيف يجري تطبيق الذكاء الاصطناعي، اليوم - التنبؤ بالجرائم قبل حدوثها، وتحديد مَن «المستحق» في نظام الائتمان الاجتماعي، واختلاق واقع افتراضي كامل من خلال التزييف العميق.
أسئلة أخلاقية واجتماعية
تثير هذه التطورات أسئلة أخلاقية ومجتمعية خطيرة. هل نحن مستعدون للعيش في عالم حيث يمكن لدرجات احتمالية الآلة أن تحدد حريتنا، أو مكانتنا الاجتماعية، أو حتى ثقتنا في الواقع؟
مع تقدمنا في مجال الذكاء الاصطناعي، من الأهمية بمكان التأكد من كوننا أناسا متأملين ومتمرسين في كيفية استخدامنا تلك التكنولوجيا، وموازنة الابتكار مع القيم والحقوق التي تحددنا بصفتنا مجتمعاً.
لا يتعلق مستقبل الذكاء الاصطناعي بـ«الديستوبيا (المدينة الفاسدة التي تسودها المظالم)» البعيدة، إنه هنا بالفعل، لذا فان اختياراتنا للتنقل فيه هي التي ستشكل العالم الذي نعيش فيه غداً.
* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».