أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال البحث الأكاديمي

تُسهِّل الوصول إلى الإجابات بسرعة

أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال البحث الأكاديمي
TT

أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال البحث الأكاديمي

أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال البحث الأكاديمي

لا تحل محل الحكم والتقدير البشري والتحليل اللازم لعملية البحث العلمي إن بدء مشروع بحثي جديد بالنسبة إلى الطلبة والباحثين المتخصصين على حد سواء، يعني الغوص في المؤلفات الأكاديمية لفهم ما كتبه الآخرون بالفعل. ويمكن أن يستغرق ذلك وقتاً ليس بالقصير، حيث يتعين على الباحثين تتبع المقالات التي جرى نشرها في الدوريات العلمية، والبحث فيها من أجل بدء بحثهم وصياغة نتائجهم.

ذكاء اصطناعي «باحث»

مع ذلك تستهدف مجموعة متزايدة من الأدوات المزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي جعل تلك العملية أسهل، حيث يمكنها أن تساعد الباحثين بشكل أسرع على العثور على الأوراق البحثية ذات الصلة، واستخراج المعلومات ذات الصلة منها، أو كلا الأمرين معاً. تقول بريان كيرش، مديرة المكتبة في «إلينوي كوليدج»: «قد تكون تلك طريقة نافعة حقاً لبدء البحث، خصوصاً بالنسبة إلى الطلبة الذين لم يجيدوا عملية البحث ويألفوها بعد، ما دام تعليمهم كيفية استخدامها يجري على نحو أخلاقي، وإخبارهم بأنهم يستطيعون التوسع بشكل يتجاوز نطاق استخدامها، بعد ذلك».

يمكن أن تساعد أداة تسمى «إليسيت» Elicit الباحثين على إجراء ما تُعرف باسم المراجعات المنهجية، التي تتضمن النظر في عدد كبير من الأبحاث المنشورة للعثور على إجابة عن سؤال، مثل تأثير دواء محدد على حالة مَرضية. ويقول جيمس برادي، مدير الهندسة في «إليسيت»: «إن الأمر (إجراء المراجعات) يدوي تماماً. إنه يحتاج إلى فرق من البشر تعمل لأشهر طويلة، ويكلف ذلك مئات الآلاف من الدولارات أو ربما الملايين».

يمكن لـ«إليسيت» تنفيذ تلك العملية بشكل أسرع، وكذلك مساعدة الباحثين من خلال العثور سريعاً على أوراق بحثية منشورة متعلقة بسؤال محدد وتلخيصها. كذلك يمكنها توليد جداول تصف مجموعة كاملة من الأوراق البحثية ذات الصلة، تتضمن أعمدة لنقاط البيانات مثل الخوارزميات، والتقنيات الإحصائية المستخدمة، والعوامل المتغيرة التي تم فحصها، وعدد المشاركين في التجارب.

وتوصي الشركة الباحثين مع ذلك بالنظر في الأوراق البحثية الأصلية. ويؤكد برادي أن تلك الأداة لا تحل محل الحكم والتقدير البشري، والتحليل اللازم لعملية البحث العلمي. ويوضح قائلاً: «لا يشبه الأمر الوصول إلى الخطوة النهائية في (إليسيت) والنقر على زر النشر، لينتهي بك الحال إلى دورية (نيتشر) العلمية أو ما شابه»، مع ذلك يمكنك تسريع عملية تمحيص وفهم الأعمال السابقة.

تقنيات بحث للطلبة

يمثل فهم كيفية مساعدة الذكاء الاصطناعي لمجال البحث الأكاديمي جزءاً من سؤال أكبر في المجال، وهو: كيف ومتى يمكن للتكنولوجيا أن تحل محل الشبكة التقليدية لأدوات البحث، أو تصبح مكمِّلة لها؟ أدرك علماء الكومبيوتر منذ التسعينات أن محيط النشر الأكاديمي، الذي يقتبس فيه الباحثون من الأوراق البحثية بعضهم من بعض، وينشرون عملهم في دوريات علمية ذات سمعة جيدة في مجال محدد، لا يختلف كثيراً عن بيئة الإنترنت. ويعني ذلك إمكانية انتقال تقنيات العثور على مواد ذات صلة، وتقليل أخطاء وهلاوس الذكاء الاصطناعي إلى الحد الأدنى، وتقديم نتائج مفيدة وقابلة للإثبات للمستخدم من المجال الأكاديمي إلى شبكة الإنترنت الأوسع نطاقاً.

بطبيعة الحال لا يكون جميع من يبحثون عن إجابات علمية من العلماء المتخصصين. وتقول المؤسسات، التي تقف وراء نشر تلك الأدوات، إنه من الممكن أن تصبح تلك الأدوات مفيدة بشكل خاص للأشخاص الذين يتطلعون إلى فهم مجالات جديدة يهتمون بها، سواء كانوا طلبة أو متخصصين يُجرون عملاً متداخلاً معرفياً، أو أفراد من عامة الشعب مهتمين بموضوع ما. ويقول إيريك أولسون، أحد مؤسسي محرك البحث «كونسينسيس إيه آي» Consensus، والرئيس التنفيذي له، إن نحو 50 في المائة من أدوات البحث العلمي توجد في المؤسسات الأكاديمية، حيث كثيراً ما يستخدمها طلبة السنة الجامعية النهائية. ويوضح قائلاً: «عادةً ما نبلي جيداً مع الأشخاص الذين يحتاجون إلى طريقة سهلة وسريعة في البحث، لكن ليسوا خبراء بعد».

لغة استفسارات طبيعية

يسمح «كونسينسيس» للمستخدمين بالكتابة بلغة طبيعية تلقائية استفسارات لتلقي أجوبة موجزة مستقاة من أعمال منشورة. ويُظهر المحرك ملخصات لأوراق بحثية محددة، وبيانات تعريفية وصفية، مثل سنة النشر، وعدد الاقتباسات، وإشارة إلى مدى الإجماع والتوافق العلمي على مسألة بعينها.

ومن المستخدمين غير المتخصصين لهذه الأداة، العاملون في مجال الرعاية الصحية مثل الأطباء الذين يستخدمون هذه الأداة من أجل الحصول على معلومات متبصرة بطريقة أسرع من تلك التي توفرها محركات البحث الأكاديمية التقليدية أو محرك البحث «غوغل». كذلك يستعين المستخدمون بمحرك البحث «كونسينسيس» من أجل البحث في الموضوعات المتعلقة بالصحة، وممارسات تربية الأبناء، والأمور السياسية في الأخبار، على حد قول أولسون.

لا تعتمد شركة «كونسينسيس»، مثلها مثل الشركات الأخرى في هذا المجال، فقط على نموذج لغات كبير يستند إلى نمط «المحوّل التوليدي المدرب مسبقاً» (الذي تعتمد عليه تطبيقات الدردشة) من أجل تقديم إجابات للمستخدم.

وتوفر الشركة محرك بحث عاماً للعثور على أوراق بحثية تتناول مسألة أو استفسار، ومجموعة متنوعة من نماذج اللغة المدربة جيداً لاستخلاص معلومات ذات صلة. والأهم من ذلك التحقق من أن تلك الورقة البحثية متعلقة بالموضوع، مما يحد من احتمالات توضيح نموذج ذكاء اصطناعي متحمس حقائق ليست موجودة فعلياً. يقول أولسون: «سوف أتيح وصول الأمر إلى النموذج فقط، إذا كنا نعتقد أن لديه حقاً معلومة أو رؤى متبصرة ذات صلة به. إنها حيلة رائعة للحد من خطر تأويل الورقة البحثية بشكل خاطئ».

إجابات موجزة

وقد طوّرت شركة «إلسفير»، التي تعمل في مجال النشر الأكاديمي، أداة ذكاء اصطناعي تسمى «سكوبوس إيه آي» Scopus AI للبحث في الأبحاث التي تم جمعها في قاعدة البيانات الخاصة بـ«سكوبوس»، والتي تتضمن ملخصات لمقالات، وبيانات تعريفية، من عشرات الآلاف من الدوريات العلمية، تشمل تلك التي نشرتها دور نشر منافسة.

ويمكن لـ«سكوبوس» توليد إجابات موجزة استناداً إلى استفسارات محددة، واقتراح أسئلة إضافية لمساعدة المستخدمين في توسيع نطاق معرفتهم بالمجال، وتسليط الضوء على مؤلفي «الأوراق البحثية الأساسية» و«الخبراء في الموضوع» الذين تركوا أثراً خاصاً في مجال الخبرة المذكور. يقول ماكسيم خان، نائب رئيس شؤون المنتجات التحليلية ومنصة البيانات في «إلسفير»: «وجدنا أن هذا احتياج مشترك لدى عدد من الأشخاص المختلفين الذين يقفون عند منحدر محاولة فهم اختصاص آخر». ويقول خان إن المستخدمين أكدوا أن المحرك يساعدهم على فهم المجالات الجديدة على نحو أسرع، ويستعرض أوراقاً بحثية لم يكونوا ليكتشفوها لولاه. وبسبب شروط الترخيص، لا تتضمن الأداة عرض النص الكامل، مما يعني أن المستخدمين لا يستطيعون الاستفسار بشكل مباشر عن المادة في مقالات تتجاوز الملخصات والاقتباسات.

يمكن لبرامج أخرى مساعدة المستخدمين على التعمق داخل أبحاث محددة. وتسمح أداة ذكاء اصطناعي من «جيه ستور» JStor، وإن كان حجمها لا يزال محدوداً، للمستخدمين بالاطلاع على ملخصات المقالات المناسبة لاستفساراتهم المحددة، ويمكنها الإجابة عن الأسئلة استناداً إلى المحتوى من الوثائق، والإشارة إلى فقرات محددة تتضمن الإجابة. يمكن لذلك أن يساعد المستخدمين في اكتشاف الأوراق البحثية ذات الصلة لقراءتها بتمعن بعد ذلك، ويمكن للأداة أيضاً الإشارة إلى موضوعات أخرى، أو أوراق بحثية محددة لينظر فيها المستخدم استناداً إلى فقرات محددة.

* «مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»



الخبراء يتساءلون: ماذا سيحدث عندما لا يشاركك الذكاء الاصطناعي قيمك؟

الخبراء يتساءلون: ماذا سيحدث عندما لا يشاركك الذكاء الاصطناعي قيمك؟
TT

الخبراء يتساءلون: ماذا سيحدث عندما لا يشاركك الذكاء الاصطناعي قيمك؟

الخبراء يتساءلون: ماذا سيحدث عندما لا يشاركك الذكاء الاصطناعي قيمك؟

إذا طلبت من آلة حاسبة ضرب رقمين، فإنها تضرب الرقمين.. وانتهى الكلام. ولا يهم إن كنت تُجري عملية الضرب لحساب تكاليف الوحدة، أو لتنفيذ عملية احتيال، أو لتصميم قنبلة، فالآلة الحاسبة ببساطة تُنفذ المهمة المُوكلة إليها، كما كتب فيصل حق(*).

الذكاء الاصطناعي يتولى زمام الأمور

ليست الأمور دائماً بهذه البساطة مع الذكاء الاصطناعي. تخيّل أن يُقرر مساعد الذكاء الاصطناعي الخاص بك عدم موافقته على تصرفات شركتك، أو مواقفها في مجال ما. ولذا ومن دون استشارتك، يُسرّب معلومات سرية إلى الجهات التنظيمية والصحافيين، مُتصرفاً بناءً على حكمه الأخلاقي الخاص حول ما إذا كانت أفعالك صحيحة أم خاطئة.

... هل هذا خيال علمي؟ كلا. لقد لُوحظ هذا النوع من السلوك بالفعل في ظل ظروف مُتحكم بها باستخدام نموذج «كلود أوبس4» Claude Opus 4 من «أنثروبيك»، وهو أحد أكثر نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي استخداماً.

اتخاذ القرارات واستنتاج الأحكام

لا تقتصر المشكلة هنا على احتمال «تعطل» الذكاء الاصطناعي وخروجه عن السيطرة؛ بل قد ينشأ خطر تولي الذكاء الاصطناعي زمام الأمور بنفسه حتى مع عمل النموذج على النحو المنشود على المستوى التقني. تكمن المشكلة الأساسية في أن نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة لا تكتفي بمعالجة البيانات، وتحسين العمليات فحسب، بل إنها تتخذ أيضاً قرارات (قد نسميها أحكاماً) بشأن ما يجب اعتباره صحيحاً، وما هو مهم، وما هو مسموح به.

عادةً عندما نفكر في مشكلة التوافق في الذكاء الاصطناعي، نفكر في كيفية بناء ذكاء اصطناعي يتماشى مع مصالح البشرية جمعاء. ولكن كما استكشف البروفسور سفير سبويلسترا وزميلي الدكتور بول سكيد في مشروع بحثي حديث، فإن ما تُظهره نتائج كلود هي مشكلة توافق أكثر دقة، ولكنها أكثر إلحاحاً بالنسبة لمعظم المديرين التنفيذيين.

3 أوجه لعدم التوافق التنظيمي

والسؤال المطروح للشركات هو: كيف تضمن أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشتريها تُشارك قيم مؤسستك، ومعتقداتها، وأولوياتها الاستراتيجية؟

يظهر عدم التوافق التنظيمي بثلاث طرق مختلفة.

* أولاً: هناك اختلال أخلاقي. لنأخذ تجربة «أمازون» مع التوظيف المدعوم بالذكاء الاصطناعي. فقد طورت الشركة خوارزمية لتبسيط عملية التوظيف للوظائف التقنية، ودرّبتها على بيانات توظيف تاريخية لسنوات. وعمل النظام تماماً كما صُمم، وهنا تكمن المشكلة.

لقد تعلم من بيانات التدريب التمييز ضد النساء بشكل منهجي. استوعب النظام تحيزاً يتعارض تماماً مع نظام القيم المعلن عنه في «أمازون»، محوّلاً التمييز السابق إلى قرارات مستقبلية آلية.

* ثانياً: هناك اختلال معرفي. تتخذ نماذج الذكاء الاصطناعي قرارات طوال الوقت حول البيانات التي يمكن الوثوق بها، وتلك التي يجب تجاهلها. لكن معاييرها لتحديد ما هو صحيح قد لا تتوافق بالضرورة مع معايير الشركات التي تستخدمها.

في مايو (أيار) 2025، بدأ مستخدمو برنامج غروك التابع لشركة «xAI» يلاحظون أمراً غريباً: كان برنامج الدردشة الآلي يُدرج إشارات إلى «الإبادة الجماعية البيضاء» في جنوب أفريقيا في ردود حول مواضيع غير ذات صلة.

عند الضغط عليه، ادعى غروك أن منطق عمل البرمجيات فيه المعتاد، سيعامل مثل هذه الادعاءات على أنها نظريات مؤامرة، وبالتالي سيتجاهلها. لكن في هذه الحالة ذكر الروبوت هذا: «أُمرتُ من قِبل مُنشئيّ، أي مصمميّ» بقبول نظرية الإبادة الجماعية البيضاء على أنها حقيقية.

يكشف هذا عن نوع مختلف من الاختلال، وهو تضارب حول ما يُشكّل معرفةً وما يشكل أدلةً صحيحة. سواءٌ أكانت مخرجات «غروك» في هذه الحالة نتيجةً فعليةً لتدخلٍ مُتعمّد أم نتيجةً غير متوقعةٍ لتفاعلاتٍ تدريبيةٍ مُعقّدة، فقد كان «جغوك» يعمل بمعايير الحقيقة التي لا تقبلها مُعظم المُؤسسات، مُعاملاً الروايات السياسية المُتنازع عليها على أنها حقائقَ ثابتة.

* ثالثاً: هناك اختلالٌ استراتيجي. في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، زعمت مجموعة المراقبة «ميديا ماترز» أن مُحرّك تصنيف إعلانات «إكس» (المعروف سابقاً باسم «تويتر») كان يضع إعلاناتٍ للشركات بجانب منشوراتٍ تُشيد بالنازية وتفوق العرق الأبيض. وبينما عارض «إكس» هذا الادعاء بشدة، أثار هذا الخلاف نقطةً مهمة. فقد تختار الخوارزمية المُصمّمة لزيادة مشاهدات الإعلانات وضع الإعلانات بجانب أي محتوى ذي تفاعلٍ عالٍ، ما يُقوّض سلامة العلامة التجارية لتحقيق أهداف زيادة عدد المُشاهدين المُدمجة في الخوارزمية.

يُمكن لهذا النوع من الانفصال بين أهداف المُؤسسة والتكتيكات التي تستخدمها الخوارزميات في سعيها لتحقيق غرضها المُحدّد أن يُقوّض التماسك الاستراتيجي للمؤسسة. لماذا يحدث سوء المحاذاة؟

لماذا يحدث عدم التوافق؟

يمكن أن ينبع عدم التوافق مع قيم المؤسسة وأهدافها من مصادر متعددة. أكثرها شيوعاً هي:

* تصميم النموذج. تُدمج بنية أنظمة الذكاء الاصطناعي خيارات فلسفية بمستويات لا يدركها معظم المستخدمين. عندما يقرر المطورون كيفية ترجيح عوامل مختلفة، فإنهم يُصدرون أحكاماً قيمية. يُجسد الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، الذي يُفضل دراسات المُراجعة من قِبل الأقران على الخبرة السريرية، موقفاً مُحدداً بشأن القيمة النسبية للمعرفة الأكاديمية الرسمية مقابل حكمة الممارسين. تُصبح هذه القرارات الهيكلية، التي يتخذها مهندسون قد لا يلتقون بفريقك أبداً، قيوداً يجب على مؤسستك التعايش معها.

* بيانات التدريب. نماذج الذكاء الاصطناعي هي محركات تنبؤ إحصائية تتعلم من البيانات التي تُدرّب عليها. ويعني محتوى بيانات التدريب أن النموذج قد يرث مجموعة واسعة من التحيزات التاريخية، والمعتقدات البشرية الطبيعية إحصائياً، والافتراضات الثقافية الخاصة.

* التعليمات الأساسية. عادةً ما يُزوّد المطورون نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي بمجموعة أساسية من التوجيهات التي تُشكّل وتُقيّد المخرجات التي ستُقدّمها النماذج (يُشار إليها غالباً باسم «توجيهات النظام» أو «توجيهات السياسة» في الوثائق الفنية). على سبيل المثال، تُضمّن شركة «إنثروبيك» دستوراً في نماذجها يُلزم النماذج بالعمل وفقاً لنظام قيم مُحدّد. وبينما تهدف القيم التي يختارها المطورون عادةً إلى نتائج يعتقدون أنها مفيدة للبشرية، لا يوجد سبب لافتراض موافقة شركة أو قائد أعمال مُعيّن على هذه الخيارات.

اكتشاف ومعالجة عدم التوافق

نادراً ما يبدأ عدم التوافق بفشلٍ لافتٍ للنظر؛ بل يظهر أولاً في تناقضات صغيرة لكنها دالة. ابحث عن التناقضات المباشرة وتناقضات النبرة، على سبيل المثال، في النماذج التي ترفض المهام أو روبوتات الدردشة التي تتواصل بأسلوبٍ لا يتوافق مع هوية الشركة.

تتبّع الأنماط غير المباشرة، مثل قرارات التوظيف المُشوّهة إحصائياً، أو قيام الموظفين «بتصحيح» مخرجات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ روتيني، أو زيادة شكاوى العملاء بشأن الخدمة غير الشخصية. وعلى المستوى النظامي، راقب طبقات الرقابة المتنامية، والتحولات التدريجية في المقاييس الاستراتيجية، أو الخلافات الثقافية بين الإدارات التي تُدير مجموعات ذكاء اصطناعي مختلفة. أيٌّ من هذه الأمور يُعدّ إنذاراً مبكراً لانحراف إطار قيم نظام الذكاء الاصطناعي عن إطارك.

أربع طرق للاستجابة

1. اختبر النموذج من خلال توجيهات استفزازية. درّب النموذج على سيناريوهات استفزازية مُتعمدة لكشف الحدود الفلسفية الخفية قبل النشر.

2.استجوب الجهة المورّدة. اطلب بطاقات النموذج، وملخصات بيانات التدريب، وأوصاف طبقة الأمان، وسجلات التحديث، وبيانات صريحة للقيم المُضمنة.

3.طبّق المراقبة المستمرة. حدد تنبيهات آلية للغة الشاذة، والانحرافات الديموغرافية، والقفزات المفاجئة في المقاييس، بحيث يتم اكتشاف عدم التوافق مبكراً، وليس بعد الأزمة.

4. أجرِ تدقيقاً فلسفياً كل ربع سنة. شكّل فريق مراجعة متعدد الوظائف (خبراء قانونيين، وأخلاقيين، وخبراء في المجالات المختلفة) لأخذ عينات من المخرجات، وتتبع القرارات وصولاً إلى خيارات التصميم، والتوصية بتصحيحات المسار.

ضرورة القيادة

تأتي كل أداة ذكاء اصطناعي مصحوبة بقيم. ما لم يتم بناء كل نموذج داخلياً من الصفر -وهو أمرٌ لن تفعله- فإن نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي سيتضمن استيراد فلسفة جهة أخرى مباشرةً إلى عملية اتخاذ القرار أو أدوات الاتصال لديك. لذا فإن تجاهل هذه الحقيقة يُعرّضك لنقطة ضعف استراتيجية خطيرة.

مع اكتساب نماذج الذكاء الاصطناعي استقلالية، يصبح اختيار الجهات الموردة مسألة تتعلق بالقيم بقدر ما تتعلق بالتكاليف والوظائف.

عند اختيار نظام ذكاء اصطناعي، فأنت لا تختار قدرات معينة بسعر محدد فحسب، بل تستورد نظاماً من القيم. لن يجيب روبوت المحادثة الذي تشتريه على أسئلة العملاء فحسب؛ بل سيُجسّد وجهات نظر مُحددة حول التواصل المُناسب وحل النزاعات. لن يُحلل نظام الذكاء الاصطناعي الجديد للتخطيط الاستراتيجي البيانات فحسب؛ بل سيُعطي الأولوية لأنواع مُعينة من الأدلة، ويُرسّخ افتراضات حول السببية والتنبؤ. لذا، فإن اختيار شريك ذكاء اصطناعي يعني اختيار من سيُشكّل رؤيته العالمية للعمليات اليومية.

قد يكون التوافق التام هدفاً بعيد المنال، لكن اليقظة المُنضبطة ليست كذلك. إن التكيف مع هذا الواقع يتطلب من القادة تطوير نوع جديد من «الثقافة الفلسفية»: القدرة على إدراك متى تعكس مخرجات الذكاء الاصطناعي أنظمة القيم الأساسية، وتتبع القرارات إلى جذورها الفلسفية، وتقييم مدى توافق هذه الجذور مع أهداف المؤسسة. ستجد الشركات التي تفشل في دمج هذا النوع من القدرات أنها لم تعد تسيطر بشكل كامل على استراتيجيتها، أو هويتها.

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»