«حزب الله» يتمسّك بـ«الإسناد وربط الساحات» برغم الحرب الشاملة على لبنان

أدخل سلاحاً جديداً على المواجهة... وبقي متمسّكاً بـ«قواعد الاشتباك»

خلال تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا بقصف إسرائيلي في بلدة السكسكية الجنوبية (أ.ب)
خلال تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا بقصف إسرائيلي في بلدة السكسكية الجنوبية (أ.ب)
TT

«حزب الله» يتمسّك بـ«الإسناد وربط الساحات» برغم الحرب الشاملة على لبنان

خلال تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا بقصف إسرائيلي في بلدة السكسكية الجنوبية (أ.ب)
خلال تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا بقصف إسرائيلي في بلدة السكسكية الجنوبية (أ.ب)

برغم الغارات الإسرائيلية التي أشعلت لبنان من جنوبه إلى بقاعه، مروراً بالضاحية الجنوبية لبيروت وجرود منطقة جبيل (جبل لبنان)، وبرغم تخطِّي عدد الضحايا الـ500 في اليوم الأول من الحرب على لبنان، لم تخرج بيانات «حزب الله» عن أدبياتها، القائمة على «وحدة الساحات وربط جبهة لبنان بغزّة»، ويُصرّ على تجيير كلّ عملياته «على طريق القدس، ودفاعاً عن فلسطين»، لكنّه أضاف في الساعات الأخيرة على هذه البيانات عبارة: «... ودفاعاً عن الشعب اللبناني»، وفي آخر تحديث لسرديّة الحزب تضمّنت بياناته ما يلي: «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وإسناداً لمقاومته الباسلة ‌‏‌‏‌والشريفة، ودفاعاً عن لبنان وشعبه، قصف مجاهدو المقاومة الإسلامية للمرة الثالثة مطار مجيدو العسكري غرب العفولة بصَلْية من صواريخ فادي 2».

مواقف «حزب الله» المُصرّة على ربط جبهتَي لبنان مع غزّة، وضعها الدكتور رياض قهوجي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إنيغما)، في سياق «المكابرة»، ولفت إلى أن الحزب «يَعُدّ تخلّيه عن ربط ملفّ لبنان بغزّة تخلّياً عن استراتيجية وضعها لنفسه؛ إذ يَعدّ أن كلّ قياديّيه وعناصره الذين اغتالتهم إسرائيل سقطوا على طريق القدس، وهو مستمرّ بهذا الخيار حتى لو أدّى ذلك إلى تدمير لبنان».

وأكّد قهوجي لـ«الشرق الأوسط»، أن «حرب المساندة فُتحت بقرار إيراني، ولو لم تدخل طهران طرفاً في هذه الحرب، لكنها تُصرّ أن تبقى راعية لمحور المقاومة، وهي ابتدعت فكرة وحدة الساحات، ليبقى شعار (تحرير فلسطين) هو العمق الأساسي للثورة الإسلامية»، مشدّداً على «أنّ فكّ الارتباط بين الجبهتين الآن يعني إغلاق جميع الجبهات، خصوصاً أن جبهة لبنان هي الأكثر فاعليةً، أما باقي الجبهات فهي ثانوية، ودورها هامشي، بما فيها الدور الحوثي الذي لم يصِل من قصفه إلى إسرائيل سوى مسيّرة وصاروخ واحد»، مشيراً إلى أن «طهران تريد من الحوثي أن يلعب دوراً إقليمياً في البحر الأحمر»، لافتاً إلى الأسئلة التي بدأت تُطرح على «حزب الله» من بيئته وقاعدته الشعبية ومن خارجها: «لماذا تربط لبنان بغزة؟ ولماذا يدفع لبنان وحده الثمن الكبير؟».

وبالنسبة للعالِمين بما يدور في ذهن «حزب الله»، فإن هذه البيانات لها ما يبرّرها، وأشار الباحث السياسي والخبير في شؤون «حزب الله»، قاسم قصير، إلى أن الحزب «أدخل عبارة إضافية على بياناته هي «الدفاع عن لبنان وشعبه»، ولم يتخلّ عن قاعدته الثابتة، وهي أن «كل عملياته تأتي دفاعاً عن القدس».

ورأى قصير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من الطبيعي ألّا يتخلّى الحزب عن قضيته الرئيسية، أي القضية الفلسطينية، لذلك يستمرّ الإسرائيلي في ضغطه على الحزب للفصل بين جبهة لبنان وجبهة غزّة»، مشدّداً على أن الحزب «يأخذ في الاعتبار مصلحة لبنان، وواضح أننا سنكون أمام مرحلة صعبة وطويلة من العنف، وهو سيطوّر وضعه، سواءً بالأداء أو بالخطاب، والحزب يَعدّها معركة طويلة يُدِيرها بأعصاب باردة بدل الانفعال».

عائلات تبكي أقاربها الذين قُتلوا في قصف إسرائيلي استهدف بلدات في جنوب لبنان الاثنين (أ.ب)

وبالتوازي مع القصف الإسرائيلي الذي دمّر عشرات البلدات في جنوب لبنان، ومناطق وأحياء واسعة في البقاع اللبناني، وأوقع مئات القتلى وآلاف الجرحى، ودمّر مخازن أسلحة وصواريخ، لم تتجاوز هجمات «حزب الله» الصاروخية الجليل والمستوطنات الشمالية، باستثناء قصف قاعدتين عسكريتين جنوب وغرب مدينة حيفا، مؤثراً بذلك عدم التفريط بـ«قواعد الاشتباك» التي ما زال ملتزماً بها، إلّا أن الدكتور رياض قهوجي تحدّث عن تغيير في طبيعة ردود «حزب الله» على إسرائيل، وقال: «لا شكّ أنّ الحزب طوّر عملياته أكثر، وانتقل من الكاتيوشا القصيرة المدى إلى صواريخ (فادي 1) و(فادي 2) المتوسطّة المدى التي بلغ مداها عمق إسرائيل، ولم يبقَ لديه سوى الصواريخ الباليستية التي لم يستخدمها حتى الآن، والتي تصل إلى إيلات وصحراء النقب وغيرها»، ورأى «أن استخدام الصواريخ الباليستية ليس أمراً سهلاً، وهي مخبّأة تحت الأرض وفي الأنفاق، وإسرائيل قادرة على كشف تحرّكها بسرعة، وتحديد مكان استخدامها والفتحات التي يمكن أن تُطلَق منها، ولا أعرف إذا كان النظام السوري يسمح بإطلاقها من أراضيه».

وتابع قهوجي: «الصواريخ الباليستية هي الملاذ الأخير لـ(حزب الله)»، وأضاف: «حُكماً دخلنا في الحرب الشاملة من خلال الحملة الجويّة الإسرائيلية التي تطول كل المناطق اللبنانية، حتى لو لم تبدأ العملية البريّة»، ولفت إلى أنّ الحرب باتت في مرحلة جديدة، والضغوط على (حزب الله) ستشتد، سواءً من المجتمع الدولي، أو حتى من داخل لبنان، وخصوصاً من بيئته، وسنشهد في الأيام المقبلة على أن إسرائيل ستستغلّ تمسّك (حزب الله) بربط لبنان بجبهة غزة لتطوير عملياتها التدميرية في لبنان».

ثمّة معايير عسكرية وميدانية يعتمدها الحزب في الجبهة، وتتحكّم بطبيعة ونوع العمليات التي ينفّذها ضدّ إسرائيل، وإذ اعترف الباحث السياسي قاسم قصير بأن إسرائيل «وجّهت ضربة قويّة للحزب، وأحدثت صدمة كبيرة من خلال غاراتها الكثيفة التي شملت معظم المناطق اللبنانية، من أجل إخضاعه وإجباره على وقف الجبهة، والانسحاب من منطقة جنوب الليطاني، لكن الحزب تمكّن من امتصاص هذه الصدمة، ويَعُدّ أن المعركة ما زالت في بداياتها»، ورأى أن «(حزب الله) لم يصعّد في ردّه لأكثر من سبب، لكنّ السبب الأهم أنه يترك المجال للنازحين للوصول إلى مراكز الإيواء، وترتيب أمورهم».


مقالات ذات صلة

لبنان يستكمل تصحيح علاقته مع سوريا بتعيين سفير في دمشق

المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)

لبنان يستكمل تصحيح علاقته مع سوريا بتعيين سفير في دمشق

يمثّل تعيين السفير اللبناني هنري قسطون في دمشق، بعد تقديم أوراق اعتماده للرئيس السوري أحمد الشرع، الأربعاء، خطوة أساسية في استئناف العلاقات الدبلوماسية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي في بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - إرنا)

وزير الخارجية اللبناني يرفض دعوة لزيارة إيران ويقترح لقاء في «دولة محايدة»

قال الوزير يوسف رجي، الأربعاء، إنه يعتذر عن عدم قبول دعوة لزيارة طهران في الوقت الراهن، واقترح بدلاً من ذلك عقد لقاء «في دولة ثالثة محايدة يتم التوافق عليها».

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي عنصران من الشرطة البلغارية يقودان الروسي إيغور غريتشوشكين إلى قاعة المحكمة في بلغاريا للاستماع إلى إفادته (رويترز)

بلغاريا ترفض تسليم لبنان مالك سفينة «نيترات انفجار المرفأ»

رفضت السلطات القضائية في بلغاريا طلب لبنان تسليم الروسي إيغور غريتشوشكين، مالك السفينة «روسوس»، التي كانت محملة بـ«نيترات الأمونيوم» وانفجرت في مرفأ بيروت.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت الاثنين (الرئاسة اللبنانية)

لودريان: مؤتمر دعم الجيش اللبناني مرتبط بخطوات لاستكمال حصرية السلاح

علمت «الشرق الأوسط» أن لودريان سمع من الرؤساء الثلاثة تأكيداً بتمسكهم بحصرية السلاح، مبدياً ارتياحه للإنجاز الذي حققه الجيش بشهادة لجنة الـ«ميكانيزم».

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي في بيروت ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)

السفير الأميركي في بيروت: إسرائيل تفصل المفاوضات عن الضربات لـ«حزب الله»

أكّد السفير الأميركي في بيروت ميشال عيسى، أن بدء المفاوضات المدنية مع إسرائيل لا يعني توقف إسرائيل عن هجماتها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

سوريا: العثور على مستودع أسلحة يحتوي على صواريخ معدة للتهريب

صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)
صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)
TT

سوريا: العثور على مستودع أسلحة يحتوي على صواريخ معدة للتهريب

صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)
صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)

أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم (الأربعاء)، أن قواتها عثرت على مستودع في ريف درعا يحتوي على صواريخ، قالت إنها كانت معدة للتهريب إلى «مجموعات خارجة عن القانون».

ونقلت «الداخلية السورية»، في بيان عن قائد الأمن الداخلي في محافظة درعا محمد إبراهيم السخني، قوله: «وردت معلومات دقيقة من مصادر موثوقة حول وجود مستودع داخل إحدى المزارع في ريف درعا الشرقي، يحوي صواريخ معدة للتهريب إلى مجموعات خارجة عن القانون».

وأضاف: «باشرت الوحدات المختصة عمليات الرصد والمتابعة الدقيقة، ونفذت عملية أمنية أسفرت عن ضبط المستودع. وقد عُثر بداخله على 42 صاروخاً من نوع (مالوتكا) و4 صواريخ من نوع (ميتيس) مزوّدة بقاعدة إطلاق».

ولم تكشف «الداخلية السورية» عن المزيد من التفاصيل حول المجموعات التي كان سيتم تهريب الصواريخ إليها. وقالت الوزارة إن الجهات المختصة تواصل تحقيقاتها «لكشف جميع المتورطين تمهيداً لتقديمهم إلى القضاء».


خلاف أميركي - إسرائيلي يتعمّق حول «سوريا الجديدة»

قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)
قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)
TT

خلاف أميركي - إسرائيلي يتعمّق حول «سوريا الجديدة»

قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)
قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)

يشهد الملف السوري تحولاً لافتاً في المقاربة الأميركية بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث باتت واشنطن تدفع نحو توسيع التعاون الأمني مع دمشق الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. هذا المسار، الذي يهدف إلى مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة وتحقيق الاستقرار، يتصادم حالياً مع نهج إسرائيل الميداني المندفع؛ ما يكشف عن خلاف آخذ في الاتساع بين الحليفين التقليديين حول مستقبل الدولة السورية.

جانب من لقاء ترمب ونتنياهو بالبيت الأبيض يوليو 2025 (أ.ف.ب)

وخلال مؤتمر خُصّص لتقييم المرحلة الجديدة في سوريا، وضع قائد القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم) الأدميرال براد كوبر، مستقبل التعاون مع دمشق في صدارة النقاش حول السياسة الأميركية تجاه «سوريا ما بعد الأسد».

وشدد كوبر على أن واشنطن تعمل «بشكل متزايد» مع الجيش السوري لمواجهة تهديدات أمنية مشتركة، مؤكداً، أن دمج «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) داخل الجيش السوري سيعزّز الاستقرار الداخلي، ويُحسّن قدرات الدولة على ضبط الحدود وملاحقة تنظيم «داعش».

الرئيس الشرع مستقبلاً قائد «سنتكوم» الأدميرال براد كوبر والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس برّاك (الرئاسة السورية)

وأشار كوبر إلى أن القوات الأميركية قدّمت منذ أكتوبر (تشرين أول) الماضي «المشورة والمساعدة والتمكين» للسلطات السورية في أكثر من 20 عملية ضد (داعش)، وإحباط شحنات أسلحة متجهة إلى (حزب الله)»، لافتاً إلى أن هذه المكاسب «لا تتحقق إلا عبر تنسيق وثيق مع القوات الحكومية السورية».

لكن هذا المسار الذي تتبنّاه واشنطن يتقاطع حالياً مع خلاف آخذ في الاتساع بينها وبين تل أبيب حول ملامح «سوريا الجديدة»، وفق ما كشفت عنه صحيفة «وول ستريت جورنال». فقد رصدت تناقضاً نادراً بين البلدين حول مستقبل الدولة السورية بعد عام من سقوط نظام بشار الأسد، في وقت يدفع فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب نحو مسار منفتح على دمشق، بدعم سعودي - تركي. فقد رفع العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع، واصفاً إياه بأنه «شاب مقاتل يقوم بعمل جيد»، في إشارة إلى استعداد واشنطن لتغيير جذري في سياستها.

ترمب والشرع في البيت الأبيض 10 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

وأشارت الصحيفة إلى أنه على النقيض من التوجه الأميركي، سارعت إسرائيل بعد الانهيار السريع للنظام السابق إلى تثبيت وجود عسكري في جنوب سوريا، مسيطرة على مساحة تُقدّر بـ250 كيلومتراً مربعاً. وتحولت هذه المنطقة نقطة انطلاق لسياسة توسّع أمني شملت اعتقالات، ومصادرة أسلحة، وتنفيذ غارات داخل الأراضي السورية، وصولاً إلى استهداف مقر القيادة العسكرية في دمشق بذريعة حماية الطائفة الدرزية.

وتُرجِع الصحيفة هذا النهج الميداني المندفع إلى تحوّل في العقلية الأمنية الإسرائيلية بعد هجمات 7 أكتوبر 2023. فصانعو القرار في تل أبيب باتوا مقتنعين بأن أي تنازل أمني قد يشكّل ثغرة خطيرة.

ويشير يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إلى أن «اتخاذ القرارات من واشنطن أسهل بكثير من اتخاذها من مرتفعات الجولان»؛ ما يعكس رغبة إسرائيل في تأمين مصالحها بشكل أحادي.

القوات الإسرائيلية في بيت جن بريف دمشق الجمعة الماضي (الجيش الإسرائيلي)

وبينما تعمل الإدارة الأميركية على رعاية مفاوضات أمنية بين دمشق وتل أبيب بهدف إنهاء الخلاف السوري - الإسرائيلي بالتوازي مع محاولات التهدئة في غزة وأوكرانيا، يدعو ترمب تل أبيب إلى «حوار قوي وصادق» مع دمشق.

لكن هذه الجهود اصطدمت بعقبات أساسية، أبرزها، رفض الشرع المطالب الإسرائيلية بإقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد من جنوب دمشق حتى الحدود؛ لما قد تسببه من فراغ أمني كبير.

وتُحذّر أصوات مؤثّرة داخل إسرائيل من الإفراط في استخدام القوة؛ خشية أن تصطدم سياسات الحكومة برغبة واشنطن في إعادة تأهيل الدولة السورية الجديدة وتقريبها من منظومة «اتفاقات إبراهيم».

ويقترح بعض الخبراء الإسرائيليين قبول صيغة أمنية تسمح بانتشار الجيش السوري بالقرب من الحدود مقابل منع الأسلحة الثقيلة والقوات التركية، والانتقال من «استعراض القوة العسكرية إلى بناء القوة الدبلوماسية». ويتوقع دبلوماسيون أن يشبه أي اتفاق مرتقب صيغة 1974 التي أرست منطقة فصل للقوات، مع تعديلات تناسب المرحلة الجديدة.

الوحدات الأمنية بإدلب تستهدف خلايا تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي في منطقة الدانا يوم الاثنين (سانا)

وتضيف الصحيفة أن الخلافات السياسية ترافقت مع توترات ميدانية متزايدة، أبرزها اشتباكات في بلدة بيت جن بعد دخول قوات إسرائيلية لاعتقال مطلوبين؛ ما أدى إلى سقوط قتلى سوريين وجرحى إسرائيليين. وزادت الاحتفالات الشعبية في دمشق بذكرى «سقوط الأسد»، التي شملت حرق أعلام إسرائيل، من حدّة الاحتقان.

وتتهم إسرائيل الحكومة السورية بزيادة «النبرة العدائية»، في حين يتهم الشرع تل أبيب بتوسيع منطقتها العازلة و«الهروب من مسؤولياتها» في غزة. ووفق مسؤولين أميركيين، فإن استمرار النهج الإسرائيلي الحالي يدفع دمشق نحو مزيد من التقارب مع تركيا، الخصم الإقليمي لتل أبيب.

وتؤكد «وول ستريت جورنال» أن الخلاف الأميركي - الإسرائيلي حول سوريا ليس مسألة عابرة، بل هو اختبار لصلابة التحالف التقليدي في منطقة تتشكل ملامحها من جديد. فـ«سوريا الجديدة» تبدو ساحة مفتوحة لإعادة رسم التوازنات في الشرق الأوسط، وسط سياسة أميركية تحاول الجمع بين مكافحة الإرهاب، وإعادة بناء الدولة السورية، ورسم صيغة أمنية جديدة بين دمشق وتل أبيب.


سلام: الدولة اللبنانية وحدها يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها

رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
TT

سلام: الدولة اللبنانية وحدها يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها

رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن لبنان يواجه انهياراً شبه كامل بعد عقود من سوء الإدارة والفساد والطائفية والحروب، مشيراً إلى أن حكومته تعمل على انطلاقة وطنية جديدة تقوم على ركيزتي السيادة والإصلاح لإعادة بناء الدولة والاقتصاد.

في مقال رأي كتبه سلام في صحيفة «فايننشال تايمز»، قال: «عندما انتقلت من رئاسة محكمة العدل الدولية لتولي رئاسة وزراء لبنان، كنت أدرك تماماً حجم التحدي. لم أجد دولة مستقرة، بل بلداً أنهار تقريباً بعد عقود من سوء الإدارة والطائفية والفساد والحروب. من أولوياتي كان استعادة سلطة الدولة وتعزيز سيادتها، بما يشمل احتكار الدولة للسلاح في كل أراضيها، وضمان سيادة القانون، إلى جانب تعزيز الأمن ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، وإعادة بناء المؤسسات لتعزيز الثقة الوطنية والدولية».

«قصة لبنان يجب ألا تنتهي بالانهيار»

وأشار سلام إلى عمق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، قائلاً: «فقدت عملتنا الوطنية أكثر من 98 في المائة من قيمتها منذ عام 2019، وانكمش الاقتصاد بنحو 45 في المائة، وتم تجميد أكثر من 124 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك. ثم جاء انفجار مرفأ بيروت عام 2020 ليودي بحياة أكثر من 200 شخص، ويصيب آلافاً، ويدمر أجزاء واسعة من العاصمة، وهو ما كشف عن فشل مؤسساتي فاضح. كما زادت الأحداث الأخيرة مع إسرائيل من تدهور الوضع الأمني والدمار في البلاد».

وأضاف: «لكن قصة لبنان يجب ألا تنتهي بالانهيار. مستقبلنا يمكن ويجب أن تقوده دولة قوية وحديثة، تدعم روح ريادة الأعمال والابتكار والإصرار التي يشتهر بها اللبنانيون منذ زمن طويل. لذلك، فإن حكومتنا مصممة على انطلاقة وطنية جديدة تستند إلى ركيزتين متلازمتين: السيادة والإصلاح».

السيادة أولاً

وأوضح سلام أن الركيزة الأولى، أي السيادة، تمثل مسألة حاسمة. وقال: «نتمسك بشكل قاطع بأن الدولة اللبنانية وحدها هي التي يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها، وأنها وحدها من تملك السلطة لاتخاذ قرارات الحرب والسلام».

وأضاف أن حكومته أعطت الجيش اللبناني تعليماته في الخامس من أغسطس (آب) الماضي، لوضع خطة شاملة لضمان احتكار الدولة للسلاح في جميع أنحاء البلاد. وبعد شهر واحد، تم إقرار خطة تحدد، كمرحلة أولى، مهلة ثلاثة أشهر لضمان السيطرة الحصرية للدولة على الأسلحة جنوب نهر الليطاني، مع احتواء الأسلحة في بقية المناطق.

وأشار سلام إلى جهود الحكومة لتعزيز الأمن، بما في ذلك مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية، وفكك المئات من مستودعات الأسلحة غير المشروعة وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات وغيرها من البضائع.

الإصلاح الاقتصادي

أما الركيزة الثانية، أي الإصلاح، فهي ضرورية لإعادة بناء الاقتصاد وتعزيز المؤسسات الداعمة له، بحسب سلام الذي أوضح أننا «أقررنا قانوناً تاريخياً برفع السرية المصرفية، وآخر يضع إطاراً حديثاً لإدارة الأزمات المصرفية، ونحن الآن نعمل على قانون طال انتظاره لضمان العدالة للمودعين وتوزيع عادل وشفاف للخسائر الكبيرة الناجمة عن الانهيار المالي».

وأكد أن هذه الإصلاحات ليست مجرد ضرورة أخلاقية، بل هي شرط أساسي لبرنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي، كما ستساعد في تفكيك الاقتصاد النقدي الذي أصبح أرضاً خصبة لغسل الأموال والجريمة المنظمة.

وتابع أن الحكومة تقدمت بمشروع قانون لضمان استقلال القضاء، وشكلت هيئات ناظمة مستقلة لإعادة هيكلة قطاعات الكهرباء والطيران والاتصالات، كما وضعت معايير للجودة والجدارة في التعيينات العامة. وأكد أن مواجهة هذه التحديات تتطلب دعماً متجدداً من الشركاء الدوليين.

الأمن ومواجهة الانتهاكات

وعلى الصعيد الأمني، أشار سلام إلى استمرار لبنان في الوفاء بالتزاماته وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، وإعلان وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل الذي تم التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. لكنه أضاف أن إسرائيل تواصل انتهاك سيادة لبنان واحتجاز مواطنين لبنانيين، واحتلال خمسة مواقع على الأقل في الجنوب، وهو ما يهدد الاستقرار ويغذي تجدد الصراعات، ويقوض جهود الحكومة لاستعادة سلطة الدولة.

ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية والانسحاب الكامل من لبنان، وتعزيز دعم القوات المسلحة اللبنانية، باعتبارها المؤسسة الأكثر قدرة على ضمان الاستقرار في البلاد.

إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات

وقال سلام: «بينما نتفاوض مع صندوق النقد الدولي ونسعى لجذب الاستثمارات، لن ندخر جهداً للحصول على التمويل اللازم لإعادة الإعمار والتنمية. ونحن نحث شركاءنا الدوليين على دعمنا، فدون مساعدتهم ستجد المصالح المتجذرة فرصة لملء الفراغ وإعادة البلاد إلى قبضة الزبائنية والفساد والإفلات من العقاب».

وختم سلام مقاله بالقول: «لبنان مهم لاستقرار المنطقة الأوسع. نحن لا نطلب من أشقائنا أو شركائنا الدوليين أن يقوموا بعملنا نيابة عنا، بل أن يقفوا معنا ويساعدونا على النجاح».