مهرجان «تورونتو» مجدّداً على الخريطة بعد نكسة

ما الذي حدث قبل فيلم الافتتاح؟

المخرج ديفيد غوردون غرين والممثل بن ستيلر مع البنات المشاركات معه في فيلم «كسّارات البندق» (أ.ب)
المخرج ديفيد غوردون غرين والممثل بن ستيلر مع البنات المشاركات معه في فيلم «كسّارات البندق» (أ.ب)
TT

مهرجان «تورونتو» مجدّداً على الخريطة بعد نكسة

المخرج ديفيد غوردون غرين والممثل بن ستيلر مع البنات المشاركات معه في فيلم «كسّارات البندق» (أ.ب)
المخرج ديفيد غوردون غرين والممثل بن ستيلر مع البنات المشاركات معه في فيلم «كسّارات البندق» (أ.ب)

كما توقّعنا في المقال الأخير المرسَل من مهرجان «ڤينيسيا»، أُهديت جائزة الأسد الذهبي للمخرج بيدرو ألمادوڤار، عن فيلمه الدرامي «الغرفة المجاورة» (The Room Next Door)، هل وجدت لجنة التحكيم أنه يستحقّها لباعه الطويل، أو لحسنات الفيلم المميّز بموضوع مُعالَج بهدوء وبعاطفة إنسانية؟ هذا لا يمكن البتّ فيه، لكن المحتمل أن تكون الجائزة أُسديت إليه للسببَين معاً.

من فيلم إسكندر قبطي «عطلات سعيدة» (مهرجان «ڤينيسيا»)

فيلم إسكندر قبطي «عطلات سعيدة» نال جائزة أفضل سيناريو، الحكاية المؤلَّفة من 5 مقاطع، كلّ منها تروي جانباً من القصّة الواحدة، المضمون هنا غلب الوسيلة؛ كون الفيلم يبحث عن هويّات فلسطينية وإسرائيلية تعيش في حيفا بهويّتين مختلفتين.

مفاجأة

في حين لن يتوجه ألمادوڤار إلى مهرجان تورونتو الذي انطلق في 5 سبتمبر (أيلول) الحالي (قبل يومين من انتهاء دورة «ڤينيسيا» الـ81)، سيُعرض فيلم إسكندر قبطي في المهرجان الكندي جنباً إلى جنب عدد غير قليل من الأفلام التي شهِدت عروضَها العالمية الأولى في المهرجان الإيطالي، بيد أن الغالبية المعروضة في «تورونتو» هي بدورها أفلام تشهد عروضَها الأولى عالمياً، ومن بينها «كسّارات البندق» (Nutcrackers) لديفيد غوردون غرين، (سبق أن عُرض له أفلام سابقة في «ڤينيسيا»)، الذي كان واحداً من 3 أفلام افتتاح في «تورونتو».

بن ستيلر وبنات شقيقته في «كسّارات البندق» (مهرجان تورونتو)

كانت هناك مفاجأة بانتظار هذا الفيلم، حين تقدّمت قبل نحو رُبع ساعة من بدء عرضه، مجموعة شابّة إلى مقدّمة الصالة، وأخذت تصيح: «تحيا فلسطين»، لم يكن بطل الفيلم بن ستيلر قد وصل بعد، ولا المخرج، ففاتهما هذا الاستقبال، لكن رجال أمن الصالة سارعوا بعد نحو 5 دقائق، وقادوا الشبان والشابات الكنديين إلى خارج الصالة بسلام.

فيلم غرين (الذي شُوهِد بعد 36 ساعة من افتتاحه في عرض ثانٍ)، يسير على فورميلا معهودة، لكنه يتوصّل لنوع من التجديد في زوايا المواقف التقليدية. وهو يدور حول رجل أعمال من مدينة شيكاغو اسمه مايكل (ستيلر)، ويضطرّ لترك كل شيء وراءه والتوجه إلى بلدة في ولاية إيوا؛ للإشراف على انتقال أولاد شقيقته الراحلة إلى عهدة عائلة أخرى. يسبق ذلك تقديم شخصية مايكل بوصفه رجلاً منهمكاً أكثر ممّا يجب في عمله ببيع العقارات، لا روابط عائلية أو التزامات، هذا تمهيد لإظهار اتساع الهوّة بين ما هو عليه وبين ما ينتظره في إيوا.

مشاكله تبدأ من حين وصوله، عندما يجد أن عليه دفع فواتير كبيرة متأخرة وأضرار تسبّب الأولاد بها، وما أن هضم هذا الموقف حتى فوجئ بأن العائلة التي رغبت في استقبال الأولاد تراجعت وما عادت تريدهم، الآن صار لزاماً عليه البقاء ريثما يجد حلاً، وهذا لن يكون أمراً سهلاً.

هذا هو الموقف الذي سيحاول المخرج تطويعه في كوميديا من أحداث متوقعة، من البداية ندرك أن الرجل سيحاول جهده السيطرة على ما لا يستطيع السيطرة عليه، لكنه مع الوقت سينتقل من هذا الوضع إلى آخَر بات معه محبّاً لأولاد شقيقته، ما يكشف عن أن هذا الرابط سيتدخل لجعله إنساناً مختلفاً.

الممثلة ماريان جان باتيست ومايك لي مخرج فيلم «حقائق قاسية» (أ.ب)

ممثلة مبدعة

في العروض الأولى شاهدنا الممثلة الرائعة ماريان جان باتيست في «حقائق قاسية» (Hard Truths)، دراما أفضل شأناً من الفيلم السابق، لا عجب في ذلك؛ لأن المخرج ليس سوى البريطاني مايك لي.

ليس أن باتيست تؤدي دوراً ستعشق النساء تقليدها فيه، على العكس هي هنا صورة نموذجية لامرأة متذمّرة لا تثق بأحد، ولا تعفي أحداً من لسانها، عدائية مع المقرَّبين إليها ومع من لا تعرفهم على حدّ سواء، وما احتاج المخرج إليه هو الاعتماد على أداء الممثلة وحده لكي يمنح المشاهد علاقة حب وكره معاً، وباتيست تؤدي الدور وتبعاته وتحوّلاته ببراعتها المعهودة. وكانت ماريان التحقت بأول فيلم حقّقه مايك لي في حياته المهنية، وهو «لحظات قاتمة» (Bleak Moments) قبل 50 عاماً، وظهرت كذلك في عدد من أفلامه اللاحقة، وكانت دوماً لامعة؛ لأنها ممثلة ممتازة صَغُر دورها أو كَبُر.

من «حقائق قاسية» (مهرجان تورونتو)

هذا الفيلم ليس من أفضل أعمال مايك لي، والتوفيق بين معالجته الرقيقة وبين شخصيّته الغاضبة ليس سهلاً، والغالب هو السبب الذي من أجله يغادر المُشاهد الفيلم وهو بين إعجاب وعكسه، وما يساعد المخرج في مهمّته الصّعبة هذه هو توفيره أسباب فهم لبطلته، يمنحها أعذاراً كون الحياة الاجتماعية اللندنية التي تعيشها لم تمنحها خيارات كافية، ناهيك عن سعادة ما، هذا من دون أن يتحوّل الفيلم إلى دراسة اجتماعية، وهذا هو حال كل أفلامه السابقة من النوع نفسه، حيث الشخصيات هي التي تنضح بالأوضاع حتى وإن لم تتحدّث عنها.

مفاتيح البيانو

ما أن يحُطّ المرء في أرجاء مهرجان تورونتو حتى يُدرك الفرق الكبير بين أيّ مهرجان أوروبي وبين هذا المهرجان، فهناك فروقات مهمّة؛ أولها أن تورونتو مدينة حافلة، مثلها مثل أي عاصمة كبيرة، في حين أن كثيراً من المهرجانات الأوروبية تجعلك تعشق أن تكون في عواصمها، وليس في بلدات مترامية على رأس جبل أو بجانب البحر.

كذلك لا يحفل المهرجان بالجوائز، وليس لديه لجنة تحكيم، بل لديه رهط كبير من الأفلام ولتكن أنت الحكم، ومانِح الجائزة التي تريد، لأيّ فيلم أو لأي مخرج أو ممثل أو سيناريست، هذا يمنح الجمهور والنقاد أشياء أخرى للتفكير غير دخول لعبة الاحتمالات، كذلك يمنح المهرجان الحرية في توجيه عروضه في أقسام قليلة ومحدّدة تعمل كما مفاتيح البيانو.

إنه ليس بحاجة إلى سوق للأفلام كما «كان» و«برلين» على الأخص؛ لأنه هو بنفسه مهرجان ما يُعرَض فيه قابلٌ سريعاً للبيع ودخول دهاليز التسويق، وعلى مدى 11 يوماً هناك مئات العروض لأفلام فنية وأخرى جيدة، لكنها موجَّهة للغالبية من المشاهدين.

الفئتان عادةً ما تُقبلان على «تورونتو» طمعاً في أن تجد منفذاً للسوق الأميركية.

هذا لم يَعُد سهلاً كما في السابق، فمنذ عام ولادة وباء «كورونا» تقهقرت سوق الأفلام الفنية، والأجنبية منها على وجه الخصوص، وبعد سنوات التعافي وجدنا أنّ توجّه الجمهور في الولايات المتحدة وكندا (وحول العالم) عمد إلى التهام المتوفر من أفلام (الكوميكس)، ما جعل الأفلام ذات الهموم الاجتماعية أو سواها تتراجع حتى عن النّطاق المحدود لها قبل 2019.

كيف يمكن لمهرجان آخر مواجهة «تورونتو» عندما يعرض هذا الأخير 38 فيلماً ما بين الساعة الثامنة و35 دقيقة والثانية بعد الظهر، ومن ثَمّ مثل هذا العدد في باقي ساعات اليوم، هذا من دون تعداد العروض المعادة.

في الحقيقة واجه المهرجان في العامين السابقين هبوطاً كان لا بدّ له من تجاوزه العام الحالي عبر الإصرار على تميّزه، والسّعي لاستقبال أفلام تجمع بين أنواع وأصناف ومستويات عدّة، فمن يريد سينما الفن لديه الكثير، ومن يريد سينما الترفيه لديه المزيد ما دام أنها ليست ركيكة القوام أو رديئة.

إن تعدُّد العروض ومستوياتها ميزة أخرى في مهرجان يقع في هذه المدينة الحاوية لكل شيء، وبأسعار أرخص من تلك الأوروبية، والصّفوف الطويلة نفسها مع جمهور ضخم ما زال - مثل معظم السنوات السابقة - يمتدّ من باب الدخول إلى جانب المبنى الكبير، ثم يلتف حوله.

أفلام لا تنتهي، وآخرها يُعرض عند منتصف الليل، ولا تنسَ «السينماتِك» الذي يعرض أفلامه الكلاسيكية بحضور «تورونتو» وقبله وبعده، تلك المؤسسة التي تريد أن تجد مَسكناً بالقرب منها لعام أو أكثر.


مقالات ذات صلة

«الجونة السينمائي» يختار 13 فيلماً عالمياً «دفعة أولى» في دورته السابعة

يوميات الشرق ديمي مور في فيلم  Substance  (إدارة المهرجان)

«الجونة السينمائي» يختار 13 فيلماً عالمياً «دفعة أولى» في دورته السابعة

كشف مهرجان الجونة السينمائي، الأحد، عن مشاركة 13 فيلماً عالمياً بدورته السابعة.

انتصار دردير (القاهرة )
أوروبا صورة عامة للعاصمة باريس (أرشيفية - رويترز)

يهود فرنسا ينددون بإلغاء مهرجان سينمائي إسرائيلي

أعرب المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف)، اليوم (الأحد)، عن غضبه لإلغاء مهرجان «شالوم أوروبا» السينمائي الإسرائيلي، الذي كان مقرراً في ستراسبورغ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق المصنع يشهد النسخة العصرية من مأساة ماكبث (مهرجان المسرح التجريبي)

«ماكبث المصنع»... صرخة مسرحية للتحذير من الذكاء الاصطناعي

في رائعة وليام شكسبير الشهيرة «ماكبث»، تجسد الساحرات الثلاث فكرة الشر؛ حين يهمسن للقائد العسكري لورد ماكبث بأنه سيكون الملك القادم على عرش أسكوتلندا.

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق النجمة الأسترالية الأميركية نيكول كيدمان (أ.ف.ب)

وفاة والدة نيكول كيدمان تمنعها من تسلم جائزتها في مهرجان البندقية

فازت نيكول كيدمان بجائزة أفضل ممثلة في الدورة الـ81 لمهرجان البندقية السينمائي لكنها غابت عن حفل اختتام المهرجان بعد تلقيها نبأ وفاة والدتها

«الشرق الأوسط» (البندقية)
ثقافة وفنون المحرج الإسباني بيدرو ألمودوفار حاملاً «الأسد الذهبي» (أ.ف.ب)

«الأسد الذهبي» للإسباني بيدرو ألمودوفار في مهرجان فينيسيا

نالت الأسترالية نيكول كيدمان جائزة أفضل ممثلة في مهرجان فينسيا عن دورها في «بيبي غيرل»، وفاز الفرنسي فينسنت ليندون بجائزة أفضل ممثل عن أدائه بـ«الابن الهادئ»

«الشرق الأوسط» (البندقية)

تدشين «جائزة القلم الذهبي» بجوائز تصل لـ740 ألف دولار وإنتاجات سينمائية

تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه خلال تدشين الجائزة (الشرق الأوسط)
تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه خلال تدشين الجائزة (الشرق الأوسط)
TT

تدشين «جائزة القلم الذهبي» بجوائز تصل لـ740 ألف دولار وإنتاجات سينمائية

تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه خلال تدشين الجائزة (الشرق الأوسط)
تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه خلال تدشين الجائزة (الشرق الأوسط)

أطلقت الهيئة العامة للترفيه في السعودية جائزة «القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً، التي تركز على الأعمال الروائية الأكثر قابلية للتّحويل لأعمال سينمائية، بمجموع جوائز تصل لـ740 ألف دولار وإنتاجات سينمائية لعدد من الأعمال الفائزة.

ودشّن تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، الموقع الإلكتروني للجائزة، ويبدأ العد التنازلي للتسجيل فيها من 15 سبتمبر (أيلول) الحالي، والمنافسة على جوائزها في عدد من المسارات، في حين تتحوّل أربعة من الأعمال الفائزة في مسارَي الجائزة الكبرى والسيناريو إلى أعمال سينمائية.

وقال آل الشيخ، خلال مؤتمر عقد اليوم (الأحد) في الرياض لإطلاقها، إن الجائزة فرصة لظهور جيل جديد من الكّتاب باللغة العربية، والمساهمة في الوصول إلى بنك متكامل من الروايات والمحتوى العربي، الذي يتواكب مع الإنتاجات السعودية والعربية الضّخمة.

وثمّن رئيس الهيئة، رعاية وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، للجائزة التي ستُعلن نتائجها في فبراير (شباط) المقبل، ضمن احتفالية كبيرة تحتفي بالمبدعين وتتوّج الفائزين.

وخلال المؤتمر، قال رئيس الجائزة الدكتور سعد البازعي، إنها «فريدة من نوعها، وترفع راية اللغة العربية، التي هي أحوج ما تكون إلى الدّعم، وهي جائزة عالمية مفتوحة للعالم كله، طالما قدم العمل بالعربية»، وأضاف أن الجائزة تدعم بصفة خاصة حقلي الأدب الروائي والفن السينمائي، اللذين يجتمعان لأول مرة في جائزة واحدة.

وكشف رئيس الجائزة، عن تفاصيل الجائزة التي تركّز على الروايات الأكثر تأثيراً وقابلية تحويلها إلى أعمال سينمائية، مقسمة على مجموعة مسارات أبرزها، مسار «الجوائز الكبرى»، حيث ستُحوَّل الروايتان الفائزتان بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين، ويُمْنح صاحب المركز الأول مبلغ 100 ألف دولار، والثاني 50 ألف دولار، والثالث 30 ألف دولار، إلى جانب جائزة أفضل عمل روائي مترجم وقيمتها 100 ألف دولار، وجائزة الناشرين العرب وقيمتها 50 ألف دولار، وجائزة الجمهور وقدرها 30 ألف دولار.

وسيحوّل مسار «أفضل سيناريو مقدم من عمل أدبي» العملين الفائزين بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين سينمائيين مع مبلغ 100 ألف دولار للأول، و50 ألف دولار للثاني، و30 ألف دولار للثالث.

وأوضح البازعي أن ثماني جوائز ستقدم لمسارات الرواية، وتشمل جائزة أفضل رواية كوميدية، وأفضل رواية للتشويق والإثارة، وأفضل رواية فانتازيا، وأفضل رواية تاريخية، وأفضل رواية غموض وجريمة، وأفضل رواية رعب، وأفضل رواية واقعية، وأفضل رواية رومانسية، وسيحصل المركز الأول في كلّ فئة على 25 ألف دولار، بإجمالي جوائز 200 ألف دولار.

وأعلن البازعي، عن نية إطلاق ديوانية القلم الذهبي بعد الحفل الختامي للجائزة في فبراير المقبل، وهي مقر يجمع تحت سقفه الأدباء والمبدعين، يجري العمل على تجهيزه بالكامل في حي السفارات بالرياض، وسيكون مقراً لاجتماعات الكّتاب والمثقفين، والمحافل الأدبية الأسبوعية، موضحاً أنه سيتم تدشين ديوانيات أخرى مستقبلاً في مختلف المناطق السعودية بالوظيفة نفسها.

وتبدأ مراحل الجائزة، بانطلاق إمكانية التسجيل والمشاركة من الموقع الإلكتروني في 15 سبتمبر الحالي، وتاريخ انتهاء فترة التقديم في 30 سبتمبر، والإعلان عن القائمة الطويلة سيكون في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والإعلان عن القائمة القصيرة في 30 نوفمبر، في حين سيُعلن عن الفائزين في الحفل النهائي الذي سيقام في فبراير 2025.