صدر للباحث خالد الغنامي كتاب جديد بعنوان «توسيع دائرة الشكوكيين»، وحسب المؤلف، فإن الداعي لهذه الدراسة في أول الأمر قبل توسع البحث، هو خطأ يتكرر في الدرس الفلسفي، عند من يرى أن السفسطائيين هم جماعة من خصوم الفلاسفة، ينفون حقائق الأشياء، وأن أفلاطون قد رد عليهم وأفحمهم وقطع دابرهم وانتهوا. مع أن القائل يرى ملامح وسمات شكوكية واضحة في كتابات ديفيد هيوم وفي أفكاره ما يشبه ما كان عليه هؤلاء السفسطائيون، وأنه في كثير مما كتبه يذكُر البيرونيين، الذين أثروا فيه تأثيراً عميقاً. ومع أن الأرجح تاريخياً هو أن السفسطائيين لم يغيبوا يوماً واحداً عن الدنيا، بل إنهم قد استولوا على أكاديمية أفلاطون وترأسوها بعد وفاته بزمن ليس بالطويل، وأن حضورهم وإن كان قد ضعف بعد القرن الرابع الميلادي عندما أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، إلا أن الشك نفسه بقي وسيلة للقدح في عقائد الآخرين، وتسلل إلى مناظرات رجال الدين حول العقيدة الصحيحة، ليس في المسيحية فقط، بل في كل الأديان. ثم لم يلبث أن عاد السفسطائيون باسم جديد هو «الشكوكيون» أو «البيرونية الجديدة» في عصر النهضة عندما اكتشفت أوروبا من جديد نصوص سيكستوس إمبريكوس التي حفظت تراث الشكوكية، فعادت من جديد مع النهضويين، ثم في العصر الحديث.
هذا البحث يندرج في هذا السياق. ويشير الكتاب إلى أن التوقيت لبداية الشك غير صحيح أيضاً، فالشك لم يبدأ مع بروتاغوراس والسفسطائيين الإغريق، في القرن الخامس قبل الميلاد، بل مع بداية الفلسفة نفسها. ولذلك يسعى المؤلف إلى أن ينزع هذا الاسم «السفسطائيين» عن الأشخاص التاريخيين، وأن يعممه على كل الفلاسفة، إذ لا تخلو فلسفة فيلسوف من مقدار من الشك، مع أنه قد يكون محصوراً في جانب معين من فكر الفيلسوف، ومع أن الفيلسوف قد ينفي عن نفسه هذه الصفة، كمن يزعم أنه فيلسوف إثباتي وهو لا يثق بمعطيات الحواس ويتشكك فيها.