الإجراءات القضائية تتلاحق في ملفّ رياض سلامة والدولة اللبنانية تتجّه لمقاضاته

النيابة المالية ادعت عليه بـ«الاختلاس وتبييض الأموال»

حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة خلال لقائه مع موظفي «المركزي» في اليوم الأخير من ولايته 31 يوليو 2023 (إ.ب.أ)
حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة خلال لقائه مع موظفي «المركزي» في اليوم الأخير من ولايته 31 يوليو 2023 (إ.ب.أ)
TT

الإجراءات القضائية تتلاحق في ملفّ رياض سلامة والدولة اللبنانية تتجّه لمقاضاته

حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة خلال لقائه مع موظفي «المركزي» في اليوم الأخير من ولايته 31 يوليو 2023 (إ.ب.أ)
حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة خلال لقائه مع موظفي «المركزي» في اليوم الأخير من ولايته 31 يوليو 2023 (إ.ب.أ)

تسارعت وتيرة الإجراءات القضائية المتعلّقة بحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، فقبل مضي 24 ساعة على توقيفه على ذمّة التحقيق، قرر النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار ختم التحقيقات الأولية التي أجراها مع سلامة، وأحاله موقوفاً على النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، الذي ادعى عليه بجرائم «اختلاس الأموال العامة والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال». وأودعه مع الملف قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، طالباً من الأخير استجوابه وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه سنداً لمواد الادعاء المشار إليها.

ويفترض أن يضع القاضي حلاوي يده على الملفّ صباح الخميس، ويبدأ دراسته على أن يحدد موعداً لاستجواب الحاكم السابق يوم الجمعة أو صباح الاثنين المقبل بحضور فريق الدفاع عنه، وفي نهاية الاستجواب يتخذ قراراً بإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقّه إذا كانت الشبهات معززة بالأدلة والوثائق، أو تركه بسند إقامة إذا نحج سلامة ووكلاؤه بتقديم مستندات تدحض الشبهات التي تحوم حوله وكانت سبباً لتوقيفه، غير أن مصدراً قضائياً مطلعاً على ما يدور في أروقة قصر العدل، توقّع أن «يسلك الملفّ مساراً طويلاً ومتشعباً، خصوصاً أن المبالغ المالية المشتبه باختلاسها من أموال البنك المركزي تفوق الـ40 مليون دولار»، مشيراً إلى أن «خطوة الحجار التي سبقت قرار التوقيف اكتسبت طابع السرية التامة، وهذا ما أدى إلى نجاح الإجراءات القضائية». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأسلوب الذي اعتمده النائب العام التمييزي لجهة تحديد جلسة الاستجواب من دون الإعلان عن ذلك مسبقاً وبعيداً عن الاستعراضات، يدلّ على اعتماد مسار قضائي سليم وغير معلّب». وقال إنه يأتي «بخلاف التبليغات السابقة التي كانت ترسل إلى سلامة وتسببت بكثير من الإشكالات حتى بين الأجهزة الأمنية، ما مكنّه من الإفلات من التحقيق سواء أمام القضاء اللبناني، أو الامتناع عن تبلغ المذكرة التي أرسلتها القاضية الفرنسية أود بوروزي، واستدعته للمثول أمامها في دائرة التحقيق في باريس، ما استدعى إصدار مذكرة توقيف غيابية تحوّلت إلى نشرة حمراء عممت عبر الإنتربول الدولي»، مشيراً إلى أن «رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية العميد نقولا سعد انتقل يوم الخميس الماضي على رأس دورية من قسم المباحث إلى منزل سلامة في طبرجا، حيث تبلغ الأخير شخصياً ووقّع على المذكرة، بما لا يسمح له بالتغيّب عن الجلسة أو يتذرّع بأي سبب»، مشيراً إلى أن «الإجراءات القائمة حالياً دقيقة وتراعي المعايير القانونية، وتحفظ سلامة العمل القضائي بعيداً عن التوظيف السياسي».

ويفترض تكشف جلسات الاستجواب أمام قاضي التحقيق عن أسماء جديدة ستوضع على قائمة الاستدعاءات، وفق تقدير المصدر القضائي الذي جزم بأن القاضي حلاوي «سيستدعي كل من يبرز اسمه أو دوره خلال الاستجواب ليصار إلى التحقيق معه بما يؤدي إلى استعادة أموال الدولة وأموال الناس»، مشيراً إلى أن الإجراءات القضائية خرجت من مرحلة صناعة «البروباغندا الإعلامية» التي كانت معتمدة في السابق إلى مرحلة ضمان العدالة وإحقاق الحق.

وعلمت «الشرق الأوسط»، أن هيئة القضايا في وزارة العدل التي تمثّل الدولة اللبنانية «ستواكب المسار القضائي الجديد، وقد تعمد إلى الادعاء على سلامة باسم الدولة، كما فعلت في الملفّ السابق الذي لا يزال عالقاً أمام الهيئة الاتهامية، ومجمّداً منذ 13 شهراً بفعل دعاوى المخاصمة التي رفعها سلامة ضدّ رؤساء ومستشارين في ثلاث هيئات تعاقبت على هذا الملفّ، ولم تحدث فيه أي خرق لدعاوى المخاصمة التي كبّلتها، ولكون الهيئة العامة لمحكمة التمييز المخوّلة البتّ بدعاوى المخاصمة منحلّة، ولا إمكانية لتعيين هيئة جديدة، قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإجراء تعيينات جديدة في المراكز القضائية الحساسة، ومن ثمّ إجراء تشكيلات قضائية عامة وشاملة تؤدي إلى انتظام عمل السلطة القضائية».

قصر العدل في بيروت (رويترز)

ورغم أن قرار التوقيف أحدث خضّة في لبنان ووصلت أصداؤه إلى الخارج، خصوصاً الدول الأوروبية التي تلاحق رياض سلامة في قضية تبييض الأموال، لم يسجّل أي موقف لفريق الدفاع عن سلامة حيال هذه التطورات، وكشف أحد وكلاء سلامة لـ«الشرق الأوسط»، أن «فريق الدفاع لا يزال تحت تأثير الصدمة جراء توقيف موكلهم، خصوصاً أنهم لم يطلعوا على قرار استدعائه إلى التحقيق من قبل النائب العام التمييزي». وقال: «تفاجأنا جميعاً بما حصل ولا نعرف خليفات هذا القرار، ولا يمكننا أن نفعل شيئاً قبل أن يمثل سلامة أمام قاضي التحقيق، ونحضر الجلسة، ونطلع على حيثيات القضية والمستندات التي بررت توقيفه»، مبدياً أسفه لأن «كل ما نعرفه عن هذه القضية تلقيناه عبر الإعلام».


مقالات ذات صلة

لبنان يتحدث عن «جهوزية أميركية» لإنهاء ملف الحدود مع إسرائيل بعد وقف النار

المشرق العربي خلال تشييع الشابين حسين وعلي مهدي اللذين قُتلا في قصف إسرائيلي في الناقورة يوم الاثنين (أ.ف.ب)

لبنان يتحدث عن «جهوزية أميركية» لإنهاء ملف الحدود مع إسرائيل بعد وقف النار

جدد لبنان موقفه الرافض للحرب والمتمسك بتطبيق القرار 1701، في حين أكد وزير الخارجية أن المبعوث الأميركي مستعد للمجيء إلى لبنان بعد وقف النار لإنهاء موضوع الحدود.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي البطيرك الراعي مترئساً اجتماع المطارنة الموارنة (الوكالة الوطنية للإعلام)

برّي يرمي الكرة الرئاسية مجدّداً في ملعب المسيحيين

عاد رئيس البرلمان اللبناني ورمى الكرة الرئاسية في ملعب الأفرقاء المسيحيين «آملاً أن تتوصل القيادات المسيحية إلى مخرج يلبي حاجة البلاد إلى رأس للسلطة الدستورية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحات من جنوب لبنان في إحدى المدارس التي تُستخدم مأوى بمدينة صور الساحلية جنوب لبنان (إ.ب.أ)

النازحون في جنوب لبنان «تحت السيطرة»... والخوف من توسع الحرب

تشير التقديرات إلى أن عدد النازحين من جنوب لبنان بفعل الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» يتراوح بين 105 و111 ألف نازح وأنهم يتلقون المساعدات من «حزب الله» وجهات أخرى

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي صواريخ أطلقت من جنوب لبنان اعترضتها منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية (القبة الحديدية) فوق منطقة الجليل الأعلى في شمال إسرائيل (أ.ف.ب)

إسرائيل تقصف أهدافاً في لبنان بعد تعرضها لوابل من الصواريخ

قال الجيش الإسرائيلي إن ضربات إسرائيلية أصابت أهدافاً تابعة لجماعة «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي حاكم مصرف لبنان المركزي آنذاك رياض سلامة يتحدث خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت 15 مايو 2017 (رويترز)

لبنان: ترجيح بقاء رياض سلامة قيد الاحتجاز حتى الأسبوع المقبل

سيبقى حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الذي ألقي القبض عليه أمس الثلاثاء بتهمة ارتكاب جرائم مالية، رهن الاحتجاز حتى موعد جلسة استماع الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

أهل غزة يتمنون دوام وقف القتال بعد حملة التطعيم ضد شلل الأطفال

TT

أهل غزة يتمنون دوام وقف القتال بعد حملة التطعيم ضد شلل الأطفال

امرأة فلسطينية تحمل طفلاً خلال حملة تطعيم ضد شلل الأطفال وسط الصراع بين إسرائيل و«حماس» في دير البلح وسط قطاع غزة 4 سبتمبر 2024 (رويترز)
امرأة فلسطينية تحمل طفلاً خلال حملة تطعيم ضد شلل الأطفال وسط الصراع بين إسرائيل و«حماس» في دير البلح وسط قطاع غزة 4 سبتمبر 2024 (رويترز)

وقف آباء قلقون في طوابير، اليوم (الأربعاء)، مع أطفالهم للحصول على اللقاح المضاد لشلل الأطفال في وسط قطاع غزة، وهم يعدون الدقائق قبل أن تنتهي ساعات وقف القتال في المنطقة، مما ينذر بمزيد من الموت والدمار في حرب تدور رحاها منذ 11 شهراً.

وبينما كان مسؤولو الصحة يوزعون الجرعات، تساءلت أم من غزة تدعى هدى الشيخ عن الجدوى التي قد تعود على أطفالها من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال بعد أن يرجعوا لمواجهة مزيد من الضربات الجوية والقصف الإسرائيلي، حسب تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء.

وقالت هدى: «حالياً بتطعموا أطفالنا من شلل الأطفال، يعني من فيروس بسيط، طيب ما هم كل يوم بيقتّلوا فيهم، مفيش أساساً حماية إلهم وخلال ساعات بسيطة هتخلص الهدنة، وهيرجع قصف الأطفال وقتل الأطفال، مفيش أي حماية غير هيك بخلاف هاي الست ساعات».

وأضافت: «أتمنى وقف إطلاق نار دائم. يعني إحنا تنفسنا أكتر من ساعة عشان أطفالنا يعني، فما بالك عم بيصير وقف إطلاق نار دائم. الأطفال عمالة (باستمرار) بتموت كل يوم، جايين اليوم يعطونا تطعيم شلل الأطفال، خايفين عليهم يموتوا مثلاً؟ طيب من أنتم بتموتوا فيهم كل يوم، فإحنا (نحن) بنتمنى بيصير فيه وقف إطلاق نار دائم».

طفل فلسطيني يتلقى لقاحاً ضد شلل الأطفال وسط الصراع بين إسرائيل و«حماس» في دير البلح وسط قطاع غزة 4 سبتمبر 2024 (رويترز)

وانطلقت حملة التطعيم الطارئة ضد مرض شلل الأطفال في قطاع غزة بعد اكتشاف إصابة رضيع بشلل الأطفال الشهر الماضي، وهي الحالة الأولى في غزة منذ 25 عاماً. ووافقت إسرائيل وحركة «حماس» على هدن لثماني ساعات يومياً في مناطق محددة سلفاً للسماح بالمضي في حملة التطعيم. ولم ترد أنباء عن أي انتهاكات.

لكن لا نهاية للحرب تلوح في الأفق فيما يبدو. وتعثرت الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة والإفراج عن سجناء فلسطينيين في إسرائيل.

وشنت إسرائيل حملة عسكرية على القطاع رداً على هجوم «حماس» عليها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، واحتجاز أكثر من 250 رهينة، بحسب الإحصاءات الإسرائيلية، فيما قالت وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» في القطاع إن أكثر من 40861 فلسطينياً قُتلوا، وأُصيب 94398 في الحملة الإسرائيلية على غزة، ونزح معظم سكان غزة وعددهم 2.3 مليون نسمة من منازلهم.

قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، اليوم (الأربعاء)، إن تقدماً جيداً يتحقق في حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة، لكن وقف إطلاق النار الدائم في الحرب الدائرة منذ 11 شهراً ضروري لتخفيف المعاناة الإنسانية.

وأضافت الأونروا أنه بعد ثلاثة أيام من بدء الحملة في مناطق بوسط غزة، تلقى نحو 187 ألف طفل اللقاح. وستنتقل الحملة إلى مناطق أخرى من القطاع في المرحلة الثانية.

طفل فلسطيني يتلقى لقاحاً ضد شلل الأطفال وسط الصراع بين إسرائيل و«حماس» في دير البلح وسط قطاع غزة 4 سبتمبر 2024 (رويترز)

ويقول الفلسطينيون إن السبب الرئيسي وراء عودة شلل الأطفال هو انهيار النظام الصحي وتدمير معظم مستشفيات غزة. وتتهم إسرائيل «حماس» باستخدام المستشفيات لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه الحركة.

وقالت هديل الدربية التي أحضرت ابنتها الرضيعة للتطعيم ضد شلل الأطفال، إنها غير متفائلة مثل الآباء الآخرين في غزة.

وأضافت: «زي ما أنتم شوفتم التطعيمات اليوم للأطفال اللي من الحرب، طيب ما ليش ما تتوقف الحرب، بدل ما تجيبوا (تحضروا) تطعيمات جيبوا (حققوا) حل وقف الحرب، جيبوا حل للناس المنكوبة اللي تشردت من بيوتها وتشردت في الخيم، الناس، الأطفال، أنا بشوف أطفال أشلاء ونشوف حاجات ما بنعرفش كيف... إحنا حتى الآن مش عارفين إن إحنا كيف عايشين وشايفينها. فإحنا بنطلب منكم توقفوا الحرب وبالوقت نفسه جيبوا لنا الشغلات اللي إحنا نقدر نعيش فيها، يعني فيه حرب ودمار ووساخة يعني لا في منظفات ولا في أمان ولا في سلام ولا في مصادر الواحد يقدر يعيش فيها، فإحنا بنطلب منكم أن تقفوا معانا وتساندونا وتشوفوا احتياجاتنا».