المخفيُّون قسراً... كيف تكون الحياة انتظاراً مؤلماً بلا نهاية؟

حدث فنِّي ثقافي استضافته بيروت حرَّك مواجع الروح

اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسراً... حدث مؤلم مُكلَّل بالحسرات (الجهة الإعلامية)
اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسراً... حدث مؤلم مُكلَّل بالحسرات (الجهة الإعلامية)
TT

المخفيُّون قسراً... كيف تكون الحياة انتظاراً مؤلماً بلا نهاية؟

اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسراً... حدث مؤلم مُكلَّل بالحسرات (الجهة الإعلامية)
اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسراً... حدث مؤلم مُكلَّل بالحسرات (الجهة الإعلامية)

راسمو البسمات على وجوههم، وهم يشكِّلون ببصمات أصابعهم أوراق شجرة تعرَّت من أخضرها؛ لا شك أنَّ غصَّة، بالتزامن، نغَّصت أشكالهم الفَرِحة. الحدث مؤلم، مُكلَّل بالحسرات. إنه اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسراً بما يحمله من قسوة، أحيته اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر»، على هيئة لقاء فنِّي ثقافي اختارت له عنوان «وبقيت» تأكيداً على الصمود.

بعينين دامعتين، وحنجرة تبلَّلت باللوعة، أطلقت الفنانة اللبنانية جمال أبو حمد، أغنية بالعنوان نفسه. كتبتها وخبَّأتها، إلى أن أثَّرت بالحضور وحرَّكت أحزانهم حين غنَّتها على وَقْع البيانو. تقول لـ«الشرق الأوسط» إنها لم تفقد عزيزاً، ولم يُختَطف لها قريب؛ لكن القضية مقيمة في أعماقها.

راحت شابة تدعو الحاضرين إلى «مركز بيروت للفنّ»؛ وهم شخصيات دبلوماسية وثقافية وفنِّية وإعلامية، لترك بصماتهم على لافتة بشكل شجرة. مدَّتهم بألوان الحبر الحمراء والخضراء والزرقاء، مع منديل يُسهِّل مسحه عن الإصبع. أُريد من البصمة تخليد ذكرى مفقودي الحرب اللبنانية، وهم آلاف عذَّب مصيرهم المجهول عائلات. رسالة تضامن صلبة مع قضية موجعة تُقلِّب مواجع الروح.

جانب من اللقاء الفنِّي الثقافي بعنوان «وبقيت» (الجهة الإعلامية)

ابيضَّ شَعر رئيسة «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» وداد حلواني، وأصابها انتظار زوجها المخطوف بلوعة العمر. كانت شابة في بدايات ثلاثينها: «مغرومة جداً»، حين ذهب ولم يعُد. منذ الفقد الموحش، وهي ترفع الصوت. مرَّت السنوات على ملامحها، وأرخت خطوطاً ثقيلة وتبدُّلات ظاهرة؛ لكنها لم تمسَّ القلب. لا يزال يخفق للحبيب المُغيَّب ورائحة الصور. كبُر أولادها وأصبحوا آباء، ولا ما يُبرِّد ذلك الخافق. لا معلومة ولا مصير. هي أيضاً، حرَّكت الدمع بينما تُخبر القصة. قالت إن القضية راسخة في الضمير والوجدان، و«كل يوم هو يوم المفقود».

بتأثُّر، تحدّثت عن «معاناة بدأت ولم تنتهِ بعد»: «أصبحتُ في الـ73، ولا أزال أبحثُ عن زوجي. لن نتوقَّف عن المطالبة بحقنا في معرفة مصير الأحبَّة. لا يمكن أن تكون حياة الإنسان انتظاراً مؤلماً بلا نهاية».

رئيسة «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين» وداد حلواني لم تعرف اليأس (الشرق الأوسط)

وتساءلت طفلة كبُرَت وكبُرت الأشياء معها، إلا فرحتها، عن أب لم تعرفه: «أبي. كلمة لا أدرك منها إلا كيفية لفظها. فمتى أفرح بلقائك؟». عُرِض النداء على شاشة ضمن تقرير افتتح الحدث. إنها ميسا، تُراسل والدها سعْدو المفقود منذ جحيم حرب لبنان. رسالتها موثَّقة في كتاب «وقِلْت بكتِبْلَك» الذي يضمُّ رسائل وقصائد شاركتها عائلات المفقودين مع اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» لسرد حكايات الألم والرجاء.

ثم أكَّدت الناطقة باسم هذه اللجنة ومسؤولة العلاقات الإعلامية، سالي عون «الالتزام بالقضية، والمطالبة بتطبيق أحكام القانون». ففي كلمتها أمام الحضور المتأمِّل صفاً من الكراسي الفارغة، بوصفها الشاهد الصامت على قضية يرفض المناضلون في سبيلها أن يقتلها الصمت؛ شرحت المنحى الثقافي الفنِّي لذكرى مسكونة بالآهات: «أردنا إعلاء النداء لحَمْل القضية معنا في كل لحظة، بالكلمات والموسيقى ورسالة أغنية (وبقيت)». لوحظت أيدٍ تمتدُّ نحو الوجوه، لتمسح ما تساقط عليها نتيجة التأثُّر: إنه الدمع وعصرات القلوب. فكلمة وداد الحلواني وكلمات الأغنية شكَّلا خرقاً للصمت والنسيان والوجع والتخاذل. تقول جمال أبو حمد، كاتبة الأغنية ومُلحِّنتها ومؤدِّيتها بصوتها ومُخرجة نسختها المصوَّرة: «كل اللّي قلتُنْ كلمْتَين، شْوَي وراجع رايح لَوين، سألتك وتودّعوا العينَيْن، وعَبُكرا صار شهر وسنتين، وبقيت وحدي بتخت لتنين، لَوين رحت وما عدت جيت؟».

الفنانة اللبنانية جمال أبو حمد حرَّكت المواجع بأغنية «وبقيت» (الشرق الأوسط)

صفَّقت الأيدي نفسها، ماسحة الأحزان المتسلِّلة من مطر الروح، لدَارِسة الموسيقى في «الكونسرفتوار» الوطني، ودارسة التمثيل والإخراج أيضاً بين لبنان والخارج. تُخبر «الشرق الأوسط» أنها كانت في العاشرة حين لفتتها خيم اعتصام نصبها أهالي المفقودين في وسط بيروت. المشهد ولَّد أسئلتها الأولى. والصدمة الأولى أيضاً: «كيف يمكن لإنسان أن يخرج ولا يعود؟ هكذا؟ بهذه البساطة؟ علَّمت القضية وراحت تحفُر. ثم شعرتُ بواجب تبنِّيها بصوتي. عبَرَت السنوات وكتبتُ الأغنية، وهي حوار بين امرأة وزوجها المفقود. بالغناء والموسيقى، يصل الصوت أبعد».

يُصوِّر «الفيديو كليب» ملامح المرأة وهي تتبدَّل عبر الزمن. فإذا بما يصيب الوجه يُلحَق بالروح: حالات نفسية تتخبَّط على وَقْع الغياب الثقيل وانتظار الأحبَّة الصعب. كل الأشياء خاضعة للتقلُّب، وللسنوات وسلطانها، ليبقى الثابت الوحيد هو الحق في معرفة مصير هذا الوجع الهائل.

رسالة تضامن صلبة مع قضية موجعة تُقلِّب مواجع الروح (الجهة الإعلامية)

نسألها: كيف يُبلسم الفنُّ جرحَ أُمٍّ وهبت العمر للانتظار الطويل؟ هل حقاً يُعزِّي؟ فتجيب: «أتطلُّع إلى الفنون بوصفها رسالة، لا مادة ترفيهية. في هذه القضية تحديداً، تصعُب البلسمة. لكنَّ الفنَّ في النهاية وسيلة، فهل نضيء على القضية من خلاله أو نمارس التجاهُل؟ كنتُ أمام احتمالين، فاخترتُ الأول».

غيَّرت الفنون مجتمعات على مرَّ التاريخ، فتتساءل جمال أبو حمد: لِمَ لا ننشد الحقيقة من خلالها في هذه القضية الإنسانية؟ انخراطها في اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر»، حوَّل المكتوب على ورق إلى صوت ساطع. ولكن هل تأخَّر هذا الإصدار النبيل؟ ردُّها مؤلم: «تأخَّرنا في معرفة المصير، فكيف بالأحرى إطلاق أغنية؟ هدف الفنِّ الإصرار والإلحاح ما دامت الإجابات ناقصة».


مقالات ذات صلة

مطعم تركي يُجدد الجدل بشأن «الفجوة الطبقية» في مصر

يوميات الشرق الشيف بوراك في أحد المقاطع الدعائية  (صفحته على فيسبوك)

مطعم تركي يُجدد الجدل بشأن «الفجوة الطبقية» في مصر

جددت أسعار فواتير «باهظة» لمطعم تركي افتُتح حديثاً بمنطقة التجمع الخامس (شرق القاهرة) الجدل بشأن «الفجوة الطبقية» في مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
رياضة عالمية نادي باريس سان جيرمان (الشرق الأوسط)

سان جيرمان يحتكم إلى الاتحاد الفرنسي في نزاعه مع مبابي

قدّم نادي باريس سان جيرمان طلبا لمناقشة نزاعه المالي مع مهاجمه السابق كيليان مبابي أمام اللجنة التنفيذية للاتحاد الفرنسي لكرة القدم، بعد القرارات المؤيدة للاعب.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الطبيبة المصرية التي نشرت مقطع فيديو أثار جدلاً (جزء من المقطع على يوتيوب)

توقيف طبيبة لـ«إفشاء أسرار المرضى» يثير انقساماً «سوشيالياً» بمصر

أثار توقيف طبيبة مصرية بتهمة «إفشاء أسرار المرضى»، تبايناً وانقساماً «سوشيالياً» في مصر، بعد أن تصدرت «التريند» على «غوغل» و«إكس»، الثلاثاء.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق تشاء الصرخة إعلاء صوت العدالة والدفع قُدماً بقضية المناخ (غرينبيس)

«أحلامنا ليست للبيع والشراء»... صرخة الطفولة العربية لعالَم عادل

يصرخ الأطفال عالياً في الكليب: «أحلامنا ليست للبيع والشراء»، ويعبّرون عن إحباطهم من عالَمٍ لا يكترث لغدهم، ينادون بتغيير جذري يجعل من رفاهيتهم ومستقبلهم أولوية.

فاطمة عبد الله (بيروت)
الاقتصاد أحد الفروع التابعة لسلسة مطاعم «هرفي» في السعودية (الشركة)

نزاع المساهمين يعمّق خسائر «هرفي» السعودية

تواجه شركة «هرفي» السعودية نزاعات بين كبار المساهمين وصلتْ إلى مطالبات بعزل رئيس مجلس الإدارة بسبب تراجع الأداء المالي للشركة.

عبير حمدي (الرياض)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
TT

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير الذين اختفوا عن حفل الختام الذي أقيم في قصر ثقافة مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء.

ووفق نقاد، فإن التضارب الذي يحدث بين مواعيد انعقاد مهرجانات مصرية على غرار «شرم الشيخ المسرحي» و«القاهرة السينمائي» هو السبب وراء اختفاء نجوم الشاشات والمسرح عن حضور فعاليات المهرجان.

ورغم استمرار انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي المعروف بكثافة فعالياته، جرى تكريم بعض نجوم الفن والسينما، عبر حفل «غولدن غلوب» ومجلة «Enigma»، بأحد الفنادق الكبرى على النيل، كان من بينهم الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والفنانة يسرا، اللذان تم منحهما جائزة «عمر الشريف».

وشهد حفل ختام «شرم الشيخ المسرحي» حضور عدد قليل من الفنانين والمسرحيين، من بينهم الفنان سيد خاطر، وكيل وزارة الثقافة المصرية الأسبق، وأحمد بو رحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة، والفنان علاء مرسي، والفنان والبروفيسور الروسي ميخائيل جوريفوري، والمخرج الروماني قسطنطين كرياك، رئيس مهرجان سيبيو الدولي، والفنانة حلا عمران، والفنانة اللبنانية مروة قرعوني، والفنان أحمد وفيق، والمخرج السوري ممدوح الأطرش، والكاتبة فاطمة المعدول، والدكتور سعيد السيابي من سلطنة عمان، والمخرج عصام السيد، والفنانتان المصريتان عزة لبيب، ومنال سلامة.

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي (شرم الشيخ المسرحي)

وسيطرت مصر على جوائز حفل الختام؛ إذ حصل شباب مسرحها على جائزة أفضل عرض متكامل بمسرحية «هجرة الماء» وشهادتي تقدير لجودة العمل في مسابقة مسرح الطفل والنشء، كما حصل المصري أحمد بيلا على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع، عن عرض «خلف النافذة»، أما عن أبرز الجوائز العربية فحصل العرض الإماراتي «حكايات صامتة» على جائزة أفضل أداء جماعي في مسابقة مسرح الطفل والنشء، وحصل العرض العماني «فضيلة عبيد» على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع.

وأعلن المخرج مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس المهرجان، أن دولة كوريا الجنوبية ستكون ضيف شرف المهرجان في الدورة المقبلة التي ستحمل اسم الفنانة المصرية القديرة إلهام شاهين، لمسيرتها المهمة في المسرح المصري والعربي.

وأعرب المخرج السوري ممدوح الأطرش عن سعادته البالغة لتكريمه في مصر، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع المهرجان منذ انطلاقه قبل 9 سنوات، وأراه يتطور سنة تلو الأخرى».

ممدوح الأطرش خلال حفل الختام (شرم الشيخ المسرحي)

وعن أعماله الفنية التي يحضر لها خلال الفترة المقبلة، قال الأطرش: «أجهز لفيلم سينمائي عن حياة الفنانة الراحلة أسمهان، نجري حالياً تشاورات ونقاشات عدة حوله، حتى يخرج بالصورة الرائعة التي تُمثل قيمة أسمهان بصفتها فنانة عالمية، مع سرد سريع لقصة عائلة الأطرش».

يُذكر أن الدورة التاسعة من المهرجان كانت تحمل اسم المخرج الكبير الراحل جلال الشرقاوي، وشهدت مشاركة 36 دولة، ومنح الفنانة السورية حلا عمران درع «سميحة أيوب»، بجانب تكريم الفنان علاء مرسي، والفنان الروسي ميخائيل جوريفوي، والمخرج السوري ممدوح الأطرش.