مصر: تعهدات حكومية جديدة بحل أزمة «نواقص الأدوية»

مع إجراءات لزيادة المُصنع محلياً

إحدى الصيدليات داخل مستشفى حكومي في مصر (الصحة المصرية)
إحدى الصيدليات داخل مستشفى حكومي في مصر (الصحة المصرية)
TT

مصر: تعهدات حكومية جديدة بحل أزمة «نواقص الأدوية»

إحدى الصيدليات داخل مستشفى حكومي في مصر (الصحة المصرية)
إحدى الصيدليات داخل مستشفى حكومي في مصر (الصحة المصرية)

جدّدت الحكومة المصرية تعهدها بحل أزمة «نواقص الأدوية» في البلاد. وأكد رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، «تخصيص 10 مليارات جنيه حتى الآن في إطار حل أزمة الدواء». (الدولار الأميركي يساوي 48.6 في البنوك المصرية).

وبرزت على مواقع التواصل الاجتماعي شكاوى من نقص عدة أدوية مهمة لأصحاب الأمراض المزمنة، من بينها شكاوى مرتبطة بـ«نقص الأنسولين ومحدودية توفّره ليكون متاحاً في عدد من الصيدليات الحكومية فقط خلال الأيام الماضية».

وناقش وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، ووزير الصناعة والنقل، كامل الوزير، الجمعة، فرص زيادة الاستثمارات في مجال توطين صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية. وتم التأكيد خلال الاجتماع على «تذليل أي تحديات تواجه الصناعة المحلية، بما ينعكس على توفير الدواء بجودة عالية، وأسعار عادلة تلبي احتياجات المواطنين»، وفق بيان لوزارة الصحة المصرية.

من جانبها، انتقدت عضو لجنة «الصحة» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائبة إيرين سعيد، تأخر الحكومة في ملف توطين صناعة الدواء، عادّة أن «استمرار الإنفاق من أجل توفير النواقص لن يحقق حلولاً جذرية للأزمة على المدى الطويل».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن نسبة الاستثمار في قطاع الأدوية لا تتخطى 10 في المائة من استثمارات قطاع الأعمال العام، على الرغم من كونه استثماراً استراتيجياً للدولة، يفترض أن تكون حاضرة فيه بقوة من أجل ضمان توفير احتياجات المواطنين من الأدوية، لافتة إلى أن «بعض الشركات اضطرت للتوقف عن الإنتاج تخوفاً من خسائرها، بعد تحريك سعر صرف الجنيه، وزيادة أعباء الإنتاج، في ظل التسعيرة الجبرية على الأدوية».

بعض الأصناف الدوائية اختفت من الصيدليات المصرية (رويترز)

وقرر البنك المركزي المصري في مارس (آذار) الماضي تحرير سعر الصرف. ويعد الدواء إحدى السلع المُسعرة جبرياً من الحكومة المصرية، كالمواد البترولية والخبز، وتضم السوق المصرية «أكثر من 17 ألف دواء مسجل»، وفق تقديرات نقابة «صيادلة القاهرة».

في حين ربط مدير «المركز المصري للحق في الدواء»، محمود فؤاد، بين سعر الصرف وأزمة نقص الأدوية، مؤكداً أن تأخر الحكومة في التعامل مع الملف أدى إلى «توقف خطوط إنتاج بعدة مصانع من أصل 190 مصنعاً للدواء تقوم بتغطية احتياجات السوق المصرية بأكثر من 80 في المائة عند العمل بكامل طاقتها».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن المفاوضات التي استغرقت وقتاً طويلاً بين ممثلي الحكومة وشركات الأدوية بشأن إعادة النظر في أسعار الدواء، وتأخر الشركات في استيراد المواد الخام، أمور زادت من تفاقم الأزمة الموجودة منذ عام ونصف العام تقريباً، مع بداية أزمة نقص العملة، لافتاً إلى أن «كل مدخلات صناعة الدواء للمصانع في مصر تعتمد على المادة الخام المستوردة من الخارج، ووصولها للمصانع ثم تصنيعها ووصولها للمستهلكين يستغرق نحو 3 أشهر في المتوسط».

وتعهد رئيس الوزراء المصري، الشهر الماضي بأن يكون «تحريك أسعار الأدوية عبر حسابات دقيقة، وبشكل تدريجي حتى نهاية العام، لضمان عدم وجود أي نقص في الأدوية»، بعدما توافقت الحكومة مع المصنعين على زيادات تدريجية في أسعار مئات الأصناف.

لكن فؤاد يُشكك في مراعاة البُعد الاجتماعي في الأسعار الجديدة، قائلاً: «عادت بعض الأدوية المهمة التي نقصت لشهور إلى الصيدليات؛ لكن بنسب زيادة كبيرة لم تراعِ الوضع الاقتصادي للمصريين»، مشيراً إلى أن «أحد الأصناف الدوائية المهمة زاد سعره من 120 جنيهاً إلى 210 جنيهات».

وأضاف أن النقص الحالي للدواء أدى إلى ظهور «سوق سوداء» للحصول على بعض الأدوية، الأمر الذي ساهمت فيه عدة أمور من بينها «نقص الكميات المتوفرة، إضافة إلى أمور تسويقية خاصة بشركات الأدوية التي تحاول فرض كميات من أدوية أخرى على الصيدليات لشرائها، مقابل الحصول على حصة من الأدوية الناقصة».

كما تحدثت عضو «لجنة الصحة» بالبرلمان عن «النقص الكبير في الأدوية الحيوية، رغم التصريحات السابقة للحكومة بوجود كميات من الأدوية تكفي للاستخدام لعدة أشهر»، مؤكدة اعتزامها تقديم سؤال برلماني حول أسباب تصاعد المشكلة «بصورة مزمنة».


مقالات ذات صلة

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

يلقى النزاع في السودان جزءاً ضئيلاً من الاهتمام الذي حظيت به الحرب في غزة وأوكرانيا، ومع ذلك فهو يهدد بأن يكون أكثر فتكاً من أي صراع آخر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مطار طابا الدولي (محافظة جنوب سيناء)

مصر تنفي طعن سائحين إسرائيليين في طابا

نفت مصر تعرض سائحين إسرائيليين في طابا للطعن، بحسب ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، نقلاً عن مصدر أمني مسؤول، مساء الجمعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
شمال افريقيا رئيس «أرض الصومال» يستقبل السفير الإثيوبي الجديد تيشومي شوندي هاميتو الذي قدم أوراق اعتماده الخميس (رئاسة أرض الصومال على إكس)

تصريحات ومواقف إثيوبية «تعمِّق التوتر» مع مصر

في خطوة تصعيدية جديدة من إثيوبيا تجاه الصومال، عيّنت أديس أبابا، الخميس، سفيراً لدى «أرض الصومال»، غير المعترف بها دولياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مرافق منتجع هيلتون طابا على الساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء في مصر (أرشيفية/أ.ف.ب)

مصر: إصابة سياح في «مشاجرة» بمنتجع طابا

أفاد مصدر، وصفه تلفزيون «القاهرة الإخبارية» بأنه رفيع المستوى، بإصابة عدد من السياح في منتجع طابا بمصر في حادثة طعن. 

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
TT

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

يلقى النزاع في السودان جزءاً ضئيلاً من الاهتمام الذي حظيت به الحرب في غزة وأوكرانيا. ومع ذلك، فهو يهدد بأن يكون أكثر فتكاً من أي صراع آخر. فثالث أكبر البلدان في أفريقيا مشتعل.

لقد دُمرت عاصمته، ولقي ربما 150 ألف شخص حتفهم، وتتراكم الجثث في مقابر مؤقتة يمكن رؤيتها من الفضاء. وأُجبر أكثر من 10 ملايين شخص، أي خُمس السكان، على الفرار من منازلهم. وتلوح في الأفق مجاعة يمكن أن تكون أكثر فتكاً من المجاعة التي شهدتها إثيوبيا في الثمانينات. يُقدر البعض أن 2.5 مليون مدني قد يموتون بحلول نهاية العام.

هذه المقدمة جاءت في تقرير أعدته أسبوعية «إيكونوميست» البريطانية، من داخل السودان، تشير إلى أنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وقنبلة جيوسياسية موقوتة.

فحجم السودان وموقعه يجعلانه مُحركاً للفوضى خارج حدوده. كما أن الدول التي تتدخل في هذا الصراع، وتدعم المتحاربين في الشرق الأوسط وروسيا بمنأى عن العقاب. والغرب غير عابئ؛ والأمم المتحدة مشلولة. من شأن أعمال العنف هناك أن تهدد استقرار البلدان المجاورة وتُحفز تدفقات اللاجئين إلى أوروبا.

قناة السويس في خطر

ويشير التقرير إلى أن السودان يمتلك نحو 800 كيلومتر من السواحل على البحر الأحمر، لذا فإن انهياره يهدد قناة السويس، الشريان الرئيسي للتجارة العالمية. وتقول «إيكونوميست» إن الخصمين الرئيسيين هما الجيش التقليدي (القوات المسلحة السودانية)، وميليشيا قوات الدعم السريع، لا يتمتع أي منهما بهدف آيديولوجي أو هوية عرقية متجانسة. يقود كليهما أمراء حرب عديمو الرحمة يتنافسون على السيطرة على الدولة وغنائمها.

معروف أن السودان عانى من الحرب الأهلية، بصورة متقطعة، منذ استقلاله عام 1956. انتهى أحد الصراعات الدموية بانفصال جنوب السودان عام 2011. وقبل عشرين عاماً، جذبت جولة القتال والإبادة الجماعية في دارفور انتباه العالم.

عنصر من الجيش السوداني يمرّ بين منازل متضررة جراء الحرب في مدينة أم درمان (أرشيفية - رويترز)

ومع ذلك، حتى وفقاً لتلك المعايير المروعة، فإن الصراع الحالي صادم للغاية. فالخرطوم، المدينة التي كانت مزدهرة ذات يوم، باتت في حالة خراب. ويواصل كلا الجانبين قصف المدنيين، وتجنيد الأطفال، ويتسببان في المجاعة. وتُتهم قوات الدعم السريع بشكل موثوق بالاغتصاب الجماعي وبالإبادة الجماعية.

الأسوأ القادم

ويشير تقرير «إيكونوميست»، إلى أن المجازر سوف تزداد سوءاً. يُظهر تحليل لبيانات الأقمار الاصطناعية والصور الحرارية بلداً مغطى بالنيران والحرائق. إذ حُرقت المزارع والمحاصيل. ويُجبر الناس على أكل العشب والأوراق. إذا استمر الغذاء في التناقص، ربما يموت من 6 إلى 10 ملايين شخص من الجوع بحلول عام 2027، وفقاً لمؤسسة بحثية هولندية تعمل على صياغة أنموذجاً للأزمة.

كانت لدى أفريقيا حرب أخرى من درجة الرعب والفظاعة نفسها خلال السنوات الـ25 الماضية، في الكونغو. ما يجعل السودان مختلفاً هو مدى انتشار الفوضى خارج أراضيه. فالسودان يتمتع بحدود مسامية مع سبعة بلدان هشة، تمثل 21 في المائة من مساحة اليابسة في أفريقيا، وتُعد موطناً لنحو 280 مليون شخص، بما في ذلك تشاد، ومصر، وإثيوبيا، وليبيا. تواجه هذه البلدان تدفقات اللاجئين، والأسلحة، والمرتزقة المزعزعة للاستقرار.

أوروبا في مرمى اللاجئين الجدد

حرب السودان باتت معضلة تهدد الأطفال والكبار مع استمرار غياب الحلول (رويترز)

خارج أفريقيا، يتوقع التقرير صدمة جديدة للاجئين في أوروبا، تتبع تلك التي أعقبت الحروب في سوريا وليبيا، في وقت صارت فيه الهجرة قضية مثيرة للجدل في فرنسا وألمانيا، وغيرهما من البلدان. ويبلغ عدد الأشخاص في مخيمات «كاليه»، على الجانب الجنوبي من القنال الإنجليزي، نحو 60 في المائة من السودانيين بالفعل.

يمكن أن يصبح السودان ملاذاً للإرهابيين، أو يوفر موطئ قدم لأنظمة أخرى حريصة على زرع الفوضى والاضطرابات: تطالب روسيا وإيران بقواعد بحرية في البحر الأحمر مقابل تسليح القوات المسلحة السودانية. إذا سقط السودان في دوامة من الفوضى الدائمة أو تحول إلى دولة مارقة معادية للغرب، فقد يزيد ذلك من المخاطر على تشغيل قناة السويس، التي تحمل عادة سُبع التجارة العالمية، لا سيما بين أوروبا وآسيا. إنها (قناة السويس) تواجه بالفعل اضطرابات من هجمات الحوثيين في اليمن، مما يُجبر سفن الشحن على اتخاذ طرق التفافية طويلة ومكلفة حول أفريقيا.

صمت غربي

تقول «إيكونوميست»: «رغم المخاطر الهائلة، استجاب العالم لحرب السودان بالإهمال والقدرية، مما يُظهر كيف أصبحت الفوضى أمراً طبيعياً. في حين سعى الغرب إلى إنهاء أزمة دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يتجاهل المسؤولون الأميركيون الأمر اليوم بحجة انشغالهم للغاية بالتعامل مع الصين، وغزة، وأوكرانيا. الرأي العام الغربي ساكن للغاية: لم تكن هناك العديد من الأعلام السودانية التي ترفرف في مخيمات الجامعات الأميركية العريقة هذا العام. ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منقسم على ذاته، وتعمل بيروقراطيته بتثاقل عجيب. ولدى الصين اهتمام ضئيل بحل الحروب البعيدة. كما فقدت بلدان أفريقية أخرى شهيتها للتنديد بالفظائع. ولم تُسفر محادثات وقف إطلاق النار الفاترة في جنيف عن أي نتيجة».

ويخلص التقرير إلى أن تجاهل العالم الخارجي للسودان، لأسباب أخلاقية ومصالح ذاتية، خطأ جسيم. ومن الخطأ تخيل أنه لا يمكن فعل أي شيء. يمكن للسخط العام أن يفرض الضغوط على الحكومات الديمقراطية التي تهتم بحياة الإنسان لبذل المزيد من الجهود. ولدى العديد من البلدان حافز لخفض التصعيد واحتواء القتال. كما ترغب أوروبا بشدة في الحد من تدفقات المهاجرين؛ وتحتاج آسيا إلى استقرار البحر الأحمر.

ويضيف: «المقاربة الأكثر إيجابية لا بد أن تقوم على أولويتين. تتمثل إحداهما في الحصول على المزيد من المساعدات بسرعة، لتقليل عدد الوفيات بسبب الجوع والمرض. يجب أن تتدفق الشاحنات المحملة بالطعام عبر كل الحدود الممكنة. ويجب أن يتدفق التمويل العام والخاص إلى المنظمات غير الحكومية السودانية التي تدير العيادات والمطابخ المؤقتة. يمكن إرسال الأموال إلى الجياع مباشرة، عبر الأموال المتنقلة، حتى يتمكنوا من شراء الطعام، حيث توجد أسواق عاملة».

الحد من الأضرار

والأولوية الأخرى حسب «إيكونوميست» هي الضغط على الجهات الفاعلة الخارجية الساخرة التي تؤجج الصراع. إذا كان لدى أمراء الحرب في السودان عدد أقل من الأسلحة والأموال لشرائها، فسوف يكون هناك قتل أقل، والمجاعة الناجمة عن الحرب ستكون أقل. يجب على أميركا وأوروبا والقوى المسؤولة الأخرى فرض عقوبات على أي شركة أو مسؤول رسمي يستغل أو يُمكّن حرب السودان، بما في ذلك من الحلفاء.

لا يمكن لأحد بسهولة إعادة السودان إلى سابق عهده مجدداً. بعد أكثر من 500 يوم من القتال المستعر بلا رحمة، سوف يستغرق إصلاح الأضرار عقوداً ممتدة. ولكن من الممكن إنقاذ ملايين الأرواح، والحد من احتمال حدوث ارتدادات جيوسياسية كارثية، إذا تحرك العالم الآن. لفترة طويلة للغاية كان السودان مسرح الحرب التي تجاهلها الجميع تقريباً. لقد حان الوقت للانتباه الآن.