سبتمبر الحاسم... مصير الاقتصاد الأميركي على المحك

«الفيدرالي» يقلب المعادلة: البطالة تحل محل التضخم كأولوية قصوى

بورصة نيويورك في الحي المالي بمانهاتن (رويترز)
بورصة نيويورك في الحي المالي بمانهاتن (رويترز)
TT

سبتمبر الحاسم... مصير الاقتصاد الأميركي على المحك

بورصة نيويورك في الحي المالي بمانهاتن (رويترز)
بورصة نيويورك في الحي المالي بمانهاتن (رويترز)

شكَّل خطاب جيروم باول في «جاكسون هول» أرضية مهمة لتحويل يومَي 6 و18 سبتمبر (أيلول) المقبل إلى أهم تاريخين للسياسة النقدية الأميركية منذ سنوات، لأن الأحداث في كلا اليومين ستركز على النجم الجديد لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» ألا وهو معدل البطالة.

ويشهد الشهر المقبل حدثين اقتصاديين بالغَي الأهمية: الأول، صدور تقرير الوظائف غير الزراعية عن شهر أغسطس (آب)، والذي سيكشف عن حيوية سوق العمل. والثاني، اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية لاتخاذ قرار حيال أسعار الفائدة، وتحديث التوقعات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبات من المؤكد تقريباً أن مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» سيسلك مسار تخفيف السياسة النقدية في اجتماعه المقبل يوم 18 سبتمبر، وذلك عقب تصريحات رئيسه جيروم باول الصريحة في «جاكسون هول»، وتأكيدات المسؤولين الآخرين. والآن، تتجه الأنظار إلى تحديد حجم التخفيض الأولي لأسعار الفائدة، وهل سيكون 25 نقطة أساس، أم 50 نقطة أساس، وما هي الخطوات المتوقعة في الأشهر المقبلة.

وبعد هذين اليومين المحوريين في سبتمبر، يجب أن يحصل المستثمرون على إجاباتهم.

محورين رئيسيين

شهدت خطابات باول في «جاكسون هول» تحولاً ملحوظاً في توجهات السياسة النقدية. فبالإضافة إلى التأكيد المتوقع على قرب خفض أسعار الفائدة، أعلن باول صراحة عن تحول في الأولويات؛ حيث باتت البطالة تشكل الهم الأكبر لصانعي السياسة، متجاوزة بذلك التضخم الذي كان محط التركيز الرئيسي في الفترة السابقة.

ويمكن تلخيص تحذير باول بوضوح: لقد رسم خطاً أحمر عند معدل بطالة 4.3 في المائة. هذا المعدل -وإن كان منخفضاً تاريخياً- يمثل الآن الحد الأدنى الذي لا يرغب «الفيدرالي» في تجاوزه. وأي ارتفاع في معدل البطالة فوق هذا المستوى سيُعدُّ مؤشراً على تباطؤ الاقتصاد، مما قد يدفع «الفيدرالي» إلى اتخاذ إجراءات تحفيزية جديدة.

وأكد مؤسس استراتيجية الاقتصاد الديناميكي، جون سيلفيا، على التحول الكبير في أولويات مجلس «الاحتياطي الفيدرالي». فوفقاً لسيلفيا، باتت البطالة تشكل نحو 90 في المائة من اهتمامات «الفيدرالي»، بينما تراجع اهتمامه بالتضخم إلى نحو 10 في المائة، مضيفاً أن تحول باول من التضخم إلى البطالة أمر ملحوظ، بالنظر إلى أن الاقتصاد ليس في حالة ركود.

كل الأنظار على سبتمبر

ولا يقتصر تقييم صحة سوق العمل والاقتصاد كله على مؤشر واحد. فهناك مجموعة متنوعة من المؤشرات التي توفر صورة أكثر شمولية، مثل: معدل النمو الوظيفي، وتدفق القوى العاملة، ومؤشر «JOLTS» الذي يقدم تقديرات قيمة حول الوظائف الشاغرة والخروج من العمل. وقد اكتسب هذا المؤشر أهمية خاصة منذ جائحة «كوفيد-19»؛ حيث أصبح من الأدوات الرئيسية التي يستخدمها مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» في تحليلاته.

ولكن بالنسبة للجمهور والأسواق بشكل عام والسياسيين، فإن معدل البطالة يوفر الصورة الأكثر وضوحاً عن مدى مرونة سوق العمل. وهذا الرقم مهم بشكل مضاعف الآن، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية من ذروتها.

وشهد معدل البطالة ارتفاعاً حاداً بنسبة 20 في المائة في يوليو (تموز)، ليصل إلى 4.3 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وأدى ذلك إلى ما تسمى قاعدة «ساهم» التي تنص على أن ارتفاعاً بنسبة 0.5 نقطة مئوية في متوسط معدل البطالة لمدة 3 أشهر من أدنى مستوى في العام الماضي، عادة ما يشير إلى ركود.

ورغم أن صاحبة القاعدة، الاقتصادية كلوديا ساهم، قد قللت من شأن التوقعات بحدوث ركود وشيك، فإنها لم تُخفِ قلقها إزاء ارتفاع معدل البطالة. فارتفاع البطالة -كما هو معلوم- ظاهرة صعبة الكبح، ناهيك من إمكانية عكس اتجاهها بسرعة.

علاوة على ذلك، يزيد معدل البطالة الحالي بشكل ملحوظ عن التوقعات الطويلة الأجل لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي»، والتي حددها عند 4.2 في المائة، والتي نُشرت في تقرير سبتمبر لشهر يونيو (حزيران). هذا التجاوز يؤكد على خطورة الوضع الراهن؛ خصوصاً أن تاريخ مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» منذ عام 2015 يشير إلى أن كل مرة تتجاوز فيها البطالة التوقعات المتوسطة، تتزامن مع تحولات سياسية جوهرية.

وقد حدث هذا في أواخر عام 2016، عندما بدأ «الفيدرالي» في رفع أسعار الفائدة بشكل جدي، وفي أوائل عام 2020 عندما دفع الوباء أسعار الفائدة إلى الصِّفر، وفي أوائل عام 2022 عندما بدأ «الفيدرالي» أحدث دورة لرفع أسعار الفائدة.

وتتطلب الظروف الحالية تحديثاً متزامناً وسريعاً لكل من معدل البطالة وتوقعات الفيدرالي. فالتغيرات الطفيفة في أي من هذين المؤشرين ستؤثر بشكل كبير على مسار السياسة النقدية للبنك خلال الفترة المتبقية من العام الحالي وبداية العام المقبل.

هبوط صعب أم سهل؟

يتوقع المتداولون 100 نقطة أساس من التيسير بحلول نهاية العام، و100 نقطة أساس أخرى على الأقل العام المقبل. وعلى الرغم من أن أسواق العقود الآجلة لا تزال تراهن على قيام «الفيدرالي» بخفض ربع نقطة في سبتمبر، فإن احتمالية التحرك بنصف نقطة تبلغ واحداً من ثلاثة.

ويبقى السؤال: ماذا سيحدث إذا شهد معدل البطالة ارتفاعاً كبيراً آخر في السادس من سبتمبر؟

قد يؤدي ذلك إلى إبرام الاتفاق على خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في 18 سبتمبر، وتعزيز الحجة لاتخاذ خطوات جريئة مماثلة في الأشهر المقبلة. ولن يكون من السهل على «الفيدرالي» أن يتنقل أو يواصل دورة خفض أسعار الفائدة بهذا الحجم والسرعة. والأمر الأكثر أهمية هو أن هذا لن يحدث على الأرجح إلا إذا كانت الولايات المتحدة في المراحل الأولى حقاً من الركود، وهو ما من شأنه أن يدمر رواية «الهبوط الناعم» للسوق مرة واحدة وإلى الأبد.


مقالات ذات صلة

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

الاقتصاد البنك المركزي التركي

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

أبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة عند 50 في المائة دون تغيير، للشهر الثامن، مدفوعاً بعدم ظهور مؤشرات على تراجع قوي في الاتجاه الأساسي للتضخم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد المصرف المركزي التركي (رويترز)

«المركزي» التركي يمدد تعليق أسعار الفائدة للشهر الثامن

مدَّد البنك المركزي التركي تعليق أسعار الفائدة للشهر الثامن على التوالي، إذ قرر إبقاء سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع دون تغيير عند 50 في المائة.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

مقترحات ترمب الاقتصادية تعيد تشكيل سياسة «الفيدرالي» بشأن الفائدة

قبل بضعة أسابيع، كان المسار المتوقع لبنك الاحتياطي الفيدرالي واضحاً. فمع تباطؤ التضخم وإضعاف سوق العمل، بدا أن البنك المركزي على المسار الصحيح لخفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

دي غالهو من «المركزي الأوروبي»: التعريفات الجمركية لترمب لن تؤثر في توقعات التضخم

قال فرنسوا فيليروي دي غالهو، عضو صانع السياسات في البنك المركزي الأوروبي، يوم الخميس، إن زيادات التعريفات تحت إدارة ترمب الجديدة لن تؤثر في توقعات التضخم.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
TT

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، إن المنظمة ستُشارك بقوة خلال فعاليات مؤتمر الأطراف «كوب 16» لمواجهة التصحر، الذي ينعقد في السعودية مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنه يتوقع خروج المؤتمر -وهو الأول من نوعه الذي يعقد في منطقة الشرق الأوسط- بمخرجات مهمة.

تعليقات الواعر جاءت على هامش لقاء «مائدة مستديرة»، أعده المكتب الإقليمي لـ«فاو» في مقره بالعاصمة المصرية، القاهرة، بحضور ممثلين محدودين لوسائل إعلام مختارة، وذلك لشرح شكل مشاركة المنظمة في المؤتمر المقبل، وتأكيد أهمية ما يُعرف باسم «ثالوث ريو» (Rio trio)، وهي الاتفاقية التي تربط مؤتمرات الأطراف الثلاثة لحماية الأرض التابعة للأمم المتحدة في مجالات تغيُّر المناخ، وحماية التنوع البيئي، ومكافحة التصحر.

وقالت فداء حداد، مسؤول برامج إعادة تأهيل الأراضي والتغيُّر المناخي في منظمة الفاو، إن اتفاقيات الأطراف الثلاثة غاية في الأهمية والتكامل، وإن المؤتمر المقبل في السعودية سيركز على الأراضي والمياه، وإعادة تأهيلهما والإدارة المستدامة لهما.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وأشارت فداء حداد إلى أن نحو 90 بالمائة من منطقة الشرق الأوسط تعاني الجفاف، إلا أنه على الرغم من ذلك، تمكَّنت المجتمعات المحلية والحكومات العربية في كثير منها في اتخاذ إجراءات لمواجهة الجفاف والتصحر.

وكشفت فداء حداد أن «فاو» نجحت للمرة الأولى في وضع موضوع النظم الغذائية على أجندة اجتماعات مؤتمر الأطراف لمواجهة التصحر، الذي يعقد في السعودية، لتتم مناقشة أهمية إعادة تأهيل الأراضي في تحسين السلاسل الغذائية وأنظمتها.

من جانبه، أوضح الواعر أن «فاو» لديها دور كبير في تحقيق الهدف الثاني الأممي من أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الجوع، ومن ثم فهي تشارك بقوة وفاعلية في مؤتمرات الأطراف لمواجهة تغيُّر المناخ والتصحر وحماية التنوع، التي تخدم ذات الهدف.

وأكد الواعر أن المنظمة تحاول إبراز دور الغذاء والزراعة وتحول النظم، بحيث تكون أكثر شمولاً وكفاءة واستدامة، من أجل تحقيق إنتاج وتغذية أفضل لحياة أفضل، مشيراً إلى نجاح المنظمة في إدخال هذه الرؤية إلى أجندة الاتفاقيات الثلاث التي تهدف لحماية الأرض، والإسهام مع عدد من الدول المستضيفة في بعض المبادرات.

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

وأضاف المسؤول الأممي أن هناك تواصلاً كبيراً مع السعودية لدعم بعض المبادرات خلال استضافتها «كوب 16»، خصوصاً أن هذه الاستضافة تعد مهمة جدّاً من أجل دول المنطقة، كونها الأكثر معاناة فيما يتعلق بندرة المياه والجفاف والتصحر، إلى جانب مشكلات الغذاء والزراعة وغيرهما... ولذا فإن أمام هذه الدول فرصة لعرض الأزمة وأبعادها والبحث عن حلول لها، وإدراجها على لوائح المناقشات، ليس في الدورة الحالية فقط؛ ولكن بشكل دائم في مؤتمرات «كوب» التالية.

وأكد المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، أن العالم حالياً أكثر انتباهاً واهتماماً بمشكلة التصحر، لكونها بدأت في غزو مناطق لم يسبق لها أن شهدتها في تاريخها أو تصورت أن تشهدها، على غرار جنوب أوروبا أو مناطق في أميركا اللاتينية مثلاً، وهذه الدول والمناطق بدأت تلاحظ زحف التصحر وانحسار الأراضي الزراعية أو الغابات بشكل مقلق، ومن ثم بدأت النظر إلى المنطقة العربية تحديداً لتعلُّم الدروس في كيفية النجاة من هذه الأزمة عبر قرون طويلة.

وأفاد الواعر بأن «فاو» ستشارك في «كوب 16» بجناحين، أحدهما في المنطقة الزرقاء والآخر في المنطقة الخضراء، وذلك حتى يتسنى للمنظمة التواصل مع الحكومات، وكذلك الأفراد من المجتمع المدني ورواد المؤتمر.

كما أوضح أن «فاو»، بالاتفاق مع السعودية والأمم المتحدة، ستقوم بقيادة التنسيق في يومي «الغذاء» و«الحوكمة» يومي 5 و6 ديسمبر، إضافة إلى مشاركتها القوية في كل الأيام المتخصصة الباقية خلال فعاليات «كوب 16» لمكافحة التصحر.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وحول أبرز الموضوعات والمحاور التي جرى إدراجها للنقاش في أروقة «كوب 16» بالرياض، أوضح الواعر أن من بينها «الاستصلاح والإدارة المستدامة للأراضي» في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، والتي تعد مسألة مهمة وأساسية في محاولة استرجاع وإعادة تأهيل الأراضي المضارة نتيجة التصحر، خصوصاً من خلال المبادرات المتعلقة بزيادة رقعة الغابات والمناطق الشجرية، على غرار المبادرات السعودية الخضراء التي تشمل خطة طموحاً لمحاولة زراعة 50 مليار شجرة بالمنطقة العربية.