جبايات حوثية من بوابة «منكوبي السيول»... ورفض لمبادرات الإغاثة

مواقف رسمية وحقوقية أدانت زيادة معاناة المتضررين

أضرار كبيرة في محافظة الحديدة اليمنية في ظل ضعف أعمال الإغاثة وتسييسها (رويترز)
أضرار كبيرة في محافظة الحديدة اليمنية في ظل ضعف أعمال الإغاثة وتسييسها (رويترز)
TT

جبايات حوثية من بوابة «منكوبي السيول»... ورفض لمبادرات الإغاثة

أضرار كبيرة في محافظة الحديدة اليمنية في ظل ضعف أعمال الإغاثة وتسييسها (رويترز)
أضرار كبيرة في محافظة الحديدة اليمنية في ظل ضعف أعمال الإغاثة وتسييسها (رويترز)

تتابعت مواقف الإدانة والاستنكار ضد ممارسات الجماعة الحوثية بحق أهالي محافظة الحديدة اليمنية المنكوبين بكارثة السيول خلال الأسابيع الماضية، ورفضها مبادرة خلية الأعمال الإنسانية المقدمة بواسطة الأمم المتحدة للإغاثة، وإطلاقها حملة جبايات تحت مسمى «إغاثة المنكوبين».

وأكدت مصادر محلية في محافظة الحديدة (غرب) بدء الجماعة تنفيذ حملة جبايات واسعة شملت البيوت التجارية الكبيرة ومختلف التجار ورجال الأعمال والمحال التجارية والمصانع وشركات الملاحة والشحن وحتى صغار الباعة، في الوقت نفسه الذي رفضت فيه المساعدات الإغاثية المقدمة من خارج مناطق سيطرتها، وآخرها المساعدات المقدمة من «الخلية الإنسانية» في قوات المقاومة الوطنية المنضوية تحت الحكومة اليمنية.

قافلة المساعدات الإغاثية التي أعدّتها خلية الأعمال الإنسانية في المقاومة الوطنية اليمنية لإغاثة منكوبي الحديدة (إعلام محلي)

وكشفت المصادر عن إجراءات ترهيب تمارسها الجماعة عبر مشرفيها وقادتها المكلفين تنفيذ الجبايات، ومن ذلك تهديد مالكي المحال والباعة بالإغلاق والسجن، في حين يتعرض كبار التجار والبيوت التجارية لضغوط مختلفة، مثل التهديد بفرض إجراءات مشددة على إخراج بضائعهم من ميناء الحديدة، أو عرقلة نقلها إلى المحافظات.

وينوّه مصدر في أحد أكبر البيوت التجارية اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية إلى أن حملة الجبايات هذه تتزامن مع اقتراب بدء حملة الجبايات السنوية لصالح الاحتفال بالمولد النبوي، والذي تتخذه الجماعة مناسبة لتعزيز مشروعها وادعاءاتها بالحق في الحكم.

وبحسب المصدر الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن البيوت التجارية وكبار التجار يواجهون حالياً مأزقاً في تلبية مطالب الجماعة الحوثية؛ نظراً لأنهم يستعدون كل عام لتوفير المبالغ المفروضة عليهم لصالح الاحتفال بالمولد النبوي، لكنهم وبسبب الجبايات بمسمى إغاثة المنكوبين سيقعون في أزمات مالية، خصوصاً مع تراجع عائداتهم بسبب السياسات الحوثية والغلاء الذي أضعف القدرة الشرائية للسكان.

وأوضح المصدر الذي يعمل في إدارة حسابات واحد من أكبر البيوت التجارية أن رؤساءه بادروا بالتبرع لصالح منكوبي الفيضانات بعد الكارثة مباشرة، في محاولة لتجنب فرض الجماعة عليهم مبلغاً كبيراً، خصوصاً وأنهم يستعدون لحملة جبايات المولد النبوي.

آلاف العائلات اليمنية اضطرت إلى النزوح وأصبحت بلا مأوى بسبب الفيضانات (أ.ب)

وكان النائب في البرلمان الذي تديره الجماعة الحوثية في صنعاء، أحمد سيف حاشد، تساءل منذ أسبوعين عن صحة فرضها مبالغ مالية ضخمة على كبار التجار تحت عنوان مواجهة أضرار السيول في الحديدة، وفق معلومات حول إلزام كل تاجر بدفع ما يقارب مليوني دولار (نحو مليار ريال يمني).

وذكر حاشد حينها أن الجماعة طلبت مليار ريال يمني من كلٍ من مجموعة شركات «هائل سعيد» ومجموعة «إخوان ثابت»، ورجال الأعمال درهم العبسي، ويحيى سهيل وسمير الزيلعي وغيرهم، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار يساوي 530 ريالاً.

حسابات سياسية

منذ أيام رفضت الجماعة الحوثية عرضاً تقدمت به خلية الأعمال الإنسانية في المقاومة الوطنية لإغاثة المنكوبين من سيول الأمطار التي ضربت محافظة الحديدة عبر بعثة الأمم المتحدة (أونمها) ومكتب المبعوث الأممي الذي تلقى رد الجماعة الرافض للمبادرة.

واستغربت السلطة المحلية في محافظة الحديدة، الموقف الحوثي من المساعدات الغذائية والإيوائية للأسر المنكوبة التي قدمتها الخلية، بينما رأت المقاومة الوطنية أن هذا الموقف يأتي ضمن الحسابات السياسية الضيقة للجماعة على حساب المعاناة الإنسانية.

وأعرب وكيل أول محافظة الحديدة وليد القديمي عن استنكاره رفض هذه المبادرة الإنسانية الذي يعدّ تأكيداً على عدم اكتراثها بمعاناة المواطنين، منوهاً إلى أن ذلك يضعها تحت طائلة المسؤولية عن مفاقمة المعاناة التي تتكبدها آلاف العائلات المنكوبة بسيول الأمطار في مدينة الحديدة والمديريات الواقعة تحت سيطرتها.

وكان نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، طارق صالح، وجّه بالتدخل العاجل وتسيير قوافل غذائية وإيوائية للمنكوبين في مختلف مناطق محافظة الحديدة.

ويتهم سكان الحديدة الجماعة الحوثية بترك المنكوبين بسيول الأمطار يواجهون مصيرهم بمفردهم في المحافظة الأكثر تضرراً من الفيضانات وسيول الأمطار، في وقت باتت فيه آلاف العائلات بلا مأوى وتفتقر لأبسط الاحتياجات الأساسية.

إدانات محلية

نددت جهات وشخصيات رسمية وحقوقية يمنية بممارسات الجماعة الحوثية، ورفض المبادرات الإنسانية ومنع دخول المساعدات الإغاثية لمنكوبي الفيضانات في الحديدة.

وأدان برلمانيو محافظة الحديدة، موقف الجماعة الحوثية بمنع وصول المساعدات الإنسانية العاجلة للمواطنين المتضررين من السيول بمناطق سيطرتها، وأشاروا إلى أن هذا الفعل الذي وصفوه بـ«الإجرامي»، ينطوي على أحقاد ضد أبناء تهامة، ويمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وجريمة ضد الإنسانية تستهدف حياة المدنيين المنكوبين وتفاقم معاناتهم.

وبالمثل، أدان منتدى الحديدة للعدالة والسلام، ما وصفها، بالانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها الجماعة الحوثية، وآخرها رفضها مبادرة خلية الأعمال الإنسانية في المقاومة الوطنية، التي أتت عبر الأمم المتحدة لإغاثة المنكوبين من سيول الأمطار في مناطق سيطرتها.

أعمال الإغاثة الحوثية تقتصر - بحسب سكان الحديدة - على إزالة مخلفات السيول وفتح الطرقات (إعلام حوثي)

وقال المنتدى في بيان له إن استغلال الجماعة للأزمات الإنسانية سلاحاً للحرب، وتعطيشها المتعمد للسكان، وتجويعهم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة، يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وعدّ إصرارها على عرقلة جهود الإغاثة، ورفضها للمبادرات الأممية، يضعها في موقف المتسبب الأول في تفاقم الكارثة الإنسانية في الحديدة.

واستهجنت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في محافظة الحديدة رفض الجماعة الحوثية المبادرة الذي يظهر «تجسيداً لصلفها وغرورها وعدم اكتراثها بأوضاع المواطنين في عموم اليمن وتهامة على وجه الخصوص».

ودعت جميع البيانات المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى الضغط الجاد على الجماعة الحوثية للسماح بوصول المساعدات الإغاثية الطارئة للمنكوبين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع المحتاجين في اليمن.

وخلال الشهر الحالي منعت الجماعة الحوثية التجار وفاعلي الخير في مناطق سيطرتها من تقديم مساعدات غذائية ونقدية سنوية للآلاف من الفقراء والنازحين في صنعاء وريفها ومحافظتي البيضاء وتعز.

واشترطت استقطاع كميات من سلال الغذاء لصالح أتباعها، متسببة في إثارة استياء العائلات المستهدفة بتلك المساعدات، في ظل انقطاع رواتب الموظفين العموميين وغياب الخدمات واتساع رقعة الفقر وتفشي الأوبئة.


مقالات ذات صلة

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

العالم العربي مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

اتفاق مسقط لتبادل نحو 2900 محتجز ينعش آمال اليمنيين بإنهاء معاناة الأسرى وسط تفاؤل حذر ومطالب بضمانات أممية لتنفيذ «الكل مقابل الكل»

«الشرق الأوسط» (الرياض - صنعاء)
العالم العربي لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «خروج سلس وعاجل» لـ«الانتقالي»

يرسم البيان السعودي مسار التهدئة شرق اليمن، داعياً لانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة، وسط ترحيب رئاسي وحكومي وإجماع حزبي ضد التصعيد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
وفد سعودي زار حضرموت ضمن مساعي التهدئة وخفض التوتر (سبأ)

حضرموت تتمسك بالشرعية وتحذر من تكلفة «التحركات الأحادية»

جددت سلطة حضرموت دعمها الكامل للشرعية، محذّرة من التحركات العسكرية الأحادية، ومؤكدة أن أمن المحافظة، والحوار السياسي هما السبيل للاستقرار، والتنمية

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

جدّد العليمي رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة اليمنية أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية مؤكداً حماية المركز القانوني للدولة

«الشرق الأوسط» (جدة)
خاص نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

خاص «اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الحوثيين لتبادل 2900 محتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق هذا الملف الإنساني

محمد ناصر (تعز)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.