إسرائيل تشن هجوماً استباقياً في طولكرم... وتتوعد بالمزيد

«السلطة» تخشى تدهوراً أمنياً في الضفة... وتسعى إلى تقوية أجهزتها الأمنية

فلسطيني يلوح بعلم فلسطين بمواجهة آليات عسكرية إسرائيلية في طولكرم الخميس (رويترز)
فلسطيني يلوح بعلم فلسطين بمواجهة آليات عسكرية إسرائيلية في طولكرم الخميس (رويترز)
TT

إسرائيل تشن هجوماً استباقياً في طولكرم... وتتوعد بالمزيد

فلسطيني يلوح بعلم فلسطين بمواجهة آليات عسكرية إسرائيلية في طولكرم الخميس (رويترز)
فلسطيني يلوح بعلم فلسطين بمواجهة آليات عسكرية إسرائيلية في طولكرم الخميس (رويترز)

اغتال الجيش الإسرائيلي ثلاثة فلسطينيين في قصف استهدف منزلهم في مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية، في ذروة هجوم مركّز على المدينة، ضمن سلسلة هجمات ينفذها الجيش في مناطق مختلفة من الضفة منذ بداية الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ويعتقد أنها ستتكثف مع تزايد المخاوف من تصعيد قد يصل إلى انتفاضة كاملة على جبهة الضفة.

وأطلق الجيش، يوم الأربعاء، عملية في طولكرم شمال الضفة، استمرت إلى الخميس، وخلفت ثلاثة قتلى ودماراً واسعاً للبنية التحتية والمنازل.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن ثلاثة شبان قُتلوا في قصف قوات الاحتلال لمنزل في المخيم، وهم: عماد تيسير شريم (34 عاماً)، ومعاوية الحج أحمد (23 عاماً)، ووسيم عنبر (24 عاماً).

حركة «حماس» نعت الشبان الثلاثة، ورأت أن «تكثيف الاحتلال لاقتحاماته وجرائمه في مدن ومخيمات الضفة الغربية، وعمليات التخريب والتدمير الممنهج، التي يقوم بها في مخيمات طولكرم وجنين وبلاطة وغيرها، هو ترجمة عملية للتصريحات والمواقف الفاشية التي تصدر عن أقطاب حكومة المتطرفين الصهاينة، والتي تؤكد مضيها في مخططاتها الإجرامية تجاه شعبنا وأرضنا في الضفة المحتلة».

قوة إسرائيلية خلال الغارة على طولكرم الخميس (رويترز)

وقالت «حماس»: «إن عدوان الاحتلال المستمر وسفكه لدماء أبناء شعبنا لن يفلح في كسر إرادة المقاومة، وإن شبابنا الثائر ومقاومينا الأبطال، على عهد الشهداء الميامين، ماضون حتى دحر العدوان واستعادة كافة حقوق شعبنا السليبة».

وكان الجيش، الذي اقتحم طولكرم، قد قوبل بمواجهة محلية تخللها تفجير عبوات.

وقال الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) إن العملية العسكرية في طولكرم بدأت حين رصدت طائرة من دون طيار، تابعة لسلاح الجو، مجموعة مسلحة كانت تعرض القوات للخطر في الميدان. وفي مكان الهجوم، تم العثور على مسلحين وقتلهم.

وأشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى عمليات مستمرة في الضفة.

تحذير من تصعيد متوقع

جاء الهجوم على طولكرم في ذروة تحذير الاستخبارات الإسرائيلية من تصعيد متوقع في الضفة الغربية، لدرجة أن الأمر قد يتطور إلى انتفاضة.

ونقلت دائرة الاستخبارات تقديراً ينذر الأجهزة الأمنية بأن التصعيد في الضفة متوقع، وقد يكون حتى بحجم انتفاضة، ويشمل هجمات بالمتفجرات وعمليات انتحارية في إسرائيل.

سيارة إسعاف تمر قرب عربة عسكرية إسرائيلية في طولكرم الخميس (رويترز)

ويقدر الجيش الإسرائيلي أن هناك نحو 15 مجموعة مسلحة منتشرة في الضفة، وثمة مخاوف من أن تنتقل إلى داخل إسرائيل.

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن القلق المحدد في جهاز الأمن هو من انتفاضة كاملة؛ إذ قد لا تكون هناك اضطرابات جماهيرية كما في الانتفاضتين الأولى والثانية، ولكن سيكون هناك العديد من المواجهات بالأسلحة.

أما السيناريو الذي يثير قلق جهاز الأمن، فهو هجوم منظم من الكتائب الفلسطينية في شمال الضفة على المستوطنات أو المزارع الفردية غير المحمية، على غرار ما فعلته «حماس» في 7 أكتوبر، بمشاركة أجهزة الأمن الفلسطينية.

وتراقب الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كيف أن المهاجمين في الضفة يتعلمون استخدام المتفجرات بشكل عشوائي؛ لأنهم رأوا أنها تؤدي إلى خسائر في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي في غزة.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية إن شحنات من عبوات ناسفة خطيرة وصلت عبر ثغرات في السياج الحدودي، مؤكدة أنه «لم يعد هناك أي شك لدى أجهزة الأمن أن عبوات ناسفة خطيرة الانفجار، من تصنيع رسمي، وصلت إلى أيدي عناصر منظمات إرهابية في الضفة الغربية».

وتعتقد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن محاولة شن هجوم على مستوطنات على خط التماس في الضفة قد تأتي من طولكرم تحديداً.

وكان الجيش الإسرائيلي قد عزز قواته في مناطق شمال الضفة الغربية، خشية هجمات من جانب مسلحين فلسطينيين.

ويتهم مسؤولون أمنيون إسرائيليون إيران و«حماس» بالعمل على إشعال الأوضاع في الضفة؛ لأنهما تعتقدان أنها أنجح طريقة في منع هجوم إسرائيلي على إيران ولبنان.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، أجرت قوات الجيش الإسرائيلي تدريبات عسكرية في المنطقة ما بين إسرائيل والضفة الغربية، تحاكي سيناريو صد هجوم فلسطيني شبيه بما نفذته «حماس» على غلاف غزة في 7 أكتوبر، وكُشف خلال التدريبات عن إقامة حواجز جديدة من جدران الأسمنت المسلح، وإكمال بناء جدار في مناطق عدة، وتفعيل دوريات مكثفة لهذه القوات، بمشاركة البلديات ومتطوعين.

وتخصص القوات الإسرائيلية في المنطقة المعروفة باسم «غلاف طولكرم» منذ 7 أكتوبر الماضي، دوريات عسكرية تراقب الحدود مع الضفة الغربية كل يوم لمنع تسلل فلسطينيين إلى إسرائيل، خوفاً من تكرار ما حصل في غلاف غزة.

عربة عسكرية وبولدوزر إسرائيليان في طولكرم الخميس (رويترز)

في الشهر الماضي، هدد وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش بتحويل طولكرم إلى مدينة خراب، وقال لمستوطنين في مستوطنات قريبة إنه «يجب القضاء على التهديد الذي تمثله طولكرم ويختفي من العالم، ويجب أن تصبح طولكرم مدينة خراب».

«السلطة»: تغييرات أمنية

وتشكل جبهة الضفة تحدياً للسلطة الفلسطينية كذلك، وتحول الضفة إلى جبهة ثالثة محتملة يقلقها أيضاً؛ لأن ذلك يعني مساعدة إسرائيل على الفتك أكثر بالفلسطينيين هنا وتمرير مخططاتها.

وقالت مصادر أمنية فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إنه لن يُسمح لأي طرف بنشر الفوضى وتقويض الأمن. وأضافت: «لا نريد هنا إعطاء إسرائيل أي مبرر للفتك أكثر بالسلطة والشعب وتمرير مخططاتها».

وفتح جبهة الضفة الغربية يساعد إلى حد ما في زيادة الضغط على إسرائيل، ولكن ليس في تخفيفه عن قطاع غزة؛ إذ تسيطر إسرائيل على المنطقة بشكل كامل، وليس ثمة مقارنة بين المجموعات المسلحة الصغيرة هنا وقدرات «حماس» في غزة أو «حزب الله» في جنوب لبنان. لكن السلطة تواجه مشكلة في أنها لا تسيطر بما يكفي على مناطق واسعة، وقد ضعفت إلى حد ما، مع استمرار إسرائيل في تقويضها سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي محاولة للسيطرة على الوضع، ترأس الرئيس الفلسطيني اجتماعاً لقادة الأجهزة الأمنية يوم الأربعاء.

وأصدر عباس تعليمات إلى قادة الأجهزة الأمنية بزيادة الإجراءات المتبعة لحفظ الأمن والأمان في الضفة، وتطبيق سيادة القانون.

وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن عباس بصدد إجراء تعيينات في المواقع الأمنية الحساسة، بما يشمل ترقيات وتنقلات وإحالات للتقاعد، وذلك بهدف ضخ الدماء في المنظومة الأمنية.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل رقيب بغزة

شؤون إقليمية الرقيب بالجيش الإسرائيلي أوري أشكنازي نحميا (19 عاماً) قُتل بمعركة في قطاع غزة في 22 أغسطس 2024 (الجيش الإسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل رقيب بغزة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل جندي خلال معارك في جنوب قطاع غزة بوقت سابق اليوم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية تقف إلى جانب مبان مدمرة في قطاع غزة 3 يوليو 2024 (أرشيفية/ رويترز) play-circle 01:10

مطالب إسرائيل بالاحتفاظ بقوات في غزة تمنع التوصل لاتفاق هدنة

قالت 10 مصادر مطلعة إن خلافات حول وجود عسكري إسرائيلي مستقبلاً في غزة تقف عقبة كؤوداً في سبيل التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية محور فيلادلفيا (تايمز أوف إسرائيل)

مسؤول إسرائيلي: المقترح الأميركي بشأن الهدنة يلبي مطالبنا الأمنية

يعد نشر قوات الجيش الإسرائيلي على الممر الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة في حالة التوصل إلى اتفاق مع «حماس»، إحدى النقاط الشائكة الرئيسية في المفاوضات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جانب من لقاء الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب إردوغان خلال زيارته للقاهرة في 14 فبراير الماضي (أرشيفية - الرئاسة التركية)

مصادر تركية: السيسي يزور أنقرة في 4 سبتمبر

قالت مصادر في وزارة الخارجية التركية إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيزور أنقرة في 4 سبتمبر المقبل تلبية لدعوة الرئيس رجب طيب إردوغان.

 سعيد عبدالرازق (أنقرة)
تحليل إخباري رجل يحمل صبياً فلسطينياً أُصيب بغارة إسرائيلية على مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب القطاع (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: غموض حول مصير محادثات القاهرة

غموض يكتنف مصير محادثات القاهرة بشأن الهدنة في قطاع غزة، مع تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالبقاء في محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مرضى مخيمات مكتظة شمال شرقي سوريا: «نموت ببطء»

مخيم «واشوكاني» بالحسكة شمال شرقي سوريا يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (الشرق الأوسط)
مخيم «واشوكاني» بالحسكة شمال شرقي سوريا يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (الشرق الأوسط)
TT

مرضى مخيمات مكتظة شمال شرقي سوريا: «نموت ببطء»

مخيم «واشوكاني» بالحسكة شمال شرقي سوريا يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (الشرق الأوسط)
مخيم «واشوكاني» بالحسكة شمال شرقي سوريا يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (الشرق الأوسط)

داخل نقطة طبية في مخيم «واشوكاني» بمحافظة الحسكة، يكافح فريق «الهلال الأحمر الكردي» لتأمين الإحالات الطبية والأدوية لإنقاذ حياة المرضى بعد توقف نظام الإحالات الطبية المجانية، منذ أبريل (نيسان) الماضي، الذي كانت تموله منظمة الصحة العالمية، في 11 مخيماً شمال شرقي سوريا، بما في ذلك مخيم «الهول» المكتظ، ليواجه مئات النازحين السوريين المصابين بأمراض مزمنة، مصائرهم دون مساعدة، مع ارتفاع تكاليف العلاج الخاص في جميع أنحاء البلاد.

صالة انتظار مرضى مخيم «واشوكاني» بمحافظة الحسكة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

في قسم الاستقبال عشرات الحالات المرضية تنتظر دورها بفارغ الصبر، الغالبية من النساء والأطفال، جالسين على مقاعد في بهو المركز. تسمع آهات المرضى، مَن يشكو القصور الكلوي أو السرطان أو المتاعب القلبية. أما صرخات الأطفال فناتجة عن سوء التغذية وإصاباتهم بالتهابات الأمعاء، وسط ارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية في هذا المخيم قاربت 50 درجة مئوية.

تقصد النازحة أميرة (30 عاماً) هذه النقطة بشكل شبه يومي، ترقد على سرير في غرفة الإسعاف، وتشكو من ألم صامت سلبها الشعور بالراحة، فهذه الفتاة التي لم تأخذ من اسمها أي نصيب، مصابة بمرض السرطان منذ 10 سنوات، وهي إحدى المتضررات من قرار توقف دعم منظمة الصحة العالمية.

تتحمل أميرة تكاليف العلاج الباهظة على نفقتها الخاصة مع تدهور وضعها الصحي والمادي. بدأت المشكلة بألم بسيط في المعدة عام 2014، أساء الأطباء تشخيص حالتها، فاعتقدت بأنها مصابة بالتهاب القولون. وعندما زارت في عام 2019 العاصمة دمشق للكشف عن حالتها، تم تشخيص مرضها بأنه القولون أيضاً، ونصحها الأطباء بضرورة استئصاله.

مرضى الأمراض المزمنة في مركز الصليب الأحمر الكردي بمخيم «واشوكاني» (الشرق الأوسط)

فرار من رأس العين

بعد تنفيذ تركيا عملية عسكرية وسيطرتها على مسقط رأسها رأس العين (سري كانيه بالكردية) أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فرت أميرة إلى مخيم «واشوكاني» لكن مأساة النزوح لن تكون آخر فصول عذابها، إذ اكتشفت أنها مصابة بالسرطان.

وقالت أميرة: «بعد نزوحي استأصلوا القولون بعملية تكفَّلت بها منظمة الصحة العالمية، وبقيت فترة على العلاج لكن وضعي صار أصعب، حتى صرت أعيش على حفاظات العجزة».

بعد اكتشاف إصابتها بالسرطان كانت حالتها الصحية قد تدهورت تماماً لتبدأ رحلة العلاج، والبحث عن الجرعات بشق الأنفس. أضافت: «رجعت للمشفى بالحسكة ليقولوا إن الورم بقي منه شيء بسيط لم يتمكنوا من استئصاله، لكن حالتي تدهورت، وبدأت أخذ جرعات كيميائية ووضعي صعب».

بيريفان خلي رئيسة قسم الإسعاف في النقطة الطبية للهلال الأحمر الكردي في مخيم «واشوكاني»

بدورها، تفيد بيريفان خلي، رئيسة قسم الإسعاف في النقطة الطبية الوحيدة بالمخيم، التي تقدم خدماتها لنحو 16500 نازح، بأن غالبية المرضى بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية لوجود حالات سرطانية وأمراض مزمنة، وتلفت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه حتى مطلع شهر أبريل الماضي، كانت «الصحة العالمية» تدعم الإحالات المرضية للمستشفيات الحكومية داخل المربع الأمني في الحسكة. لكن الآن، مع صعوبة تأمين العلاجات والإحالات «يضطر كثير من النازحين للعلاج على حسابهم، هناك حالات مزمنة تحتاج إلى العلاج في المراكز التخصصية، وبسبب ضعف وضعهم المادي ونفقات العلاج المرتفعة، عكفوا عن العلاج واستسلموا للألم وتداعياته».

الهلال الأحمر الكردي بمخيم «واشوكاني» (الشرق الأوسط)

وأوضحت أنه لا يوجد في نقطة «الهلال» الطبية داخل المخيم، جهاز «المسح الذري» الذي يرصد الأورام السرطانية، كما تغيب عن المستوصفات أدوية علاج السرطان والجرعات الكيميائية وأدوية مرضى السكر. لذا فاقم توقف دعم «الصحة العالمية» معاناة النازحة أميرة، ونحو 100 حالة مماثلة في هذا المخيم.

وأشارت بيريفان إلى أن نقطة «الهلال» بالمخيم عبارة عن مستوصف أوّلي، «لا تخدم عمليات معقدة، ونحن نتواصل مع غرفة العمليات التابعة لإدارة (الهلال الكردي) في القامشلي؛ بحثاً عن الجرعات والعلاج المجاني في مستشفيات تخصصية أخرى».

مخيم «واشوكاني» بمحافظة الحسكة يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (سري كانيه) وريفها (الشرق الأوسط)

أميرة التي تعيش مع والدها المسن في خيمة لا تقيها حرارة الصيف أو برودة الشتاء، وتستكمل علاجها على نفقتها الخاصة مع صعوبة تحمل الأعباء المادية الباهظة، لا سيما الجرعات الكيميائية، طلب منها الأطباء إجراء تنظير معدة وقولون كلفتها نحو مليون ونصف المليون ليرة (100 دولار أمريكي)، وهذا المبلغ لا تمتلكه حالياً. كما أجرت قبل أسابيع عملية ثانية كلفتها نحو 2 مليون ليرة دون فائدة، تشكو بأسى: «أوردة في جسمي ليفتحوها ما بقي، وعندي 3 جرعات كيميائية شهرياً».

أحمد حسن الحسو مصاب بقصور كلوي في إحدى كليتيه يعيش في مخيم بالحسكة (الشرق الأوسط)

تعيش سوريا منذ سنوات تراجعاً في الخدمات العامة بسبب النزاع الدائر، وتدهور الوضع الاقتصادي الذي أخرج العديد من المستشفيات عن الخدمة، وزاد شح المساعدات الدولية من معاناة النازحين السوريين القاطنين في مخيمات مكتظة وخيام متهالكة.

وينتظر نحو 1200 مصاب بأمراض مزمنة في 11 مخيماً شمال شرقي سوريا على قائمة العلاج، بينهم أحمد حسن الحسو (60 عاماً) المصاب بالفشل الكلوي، الذي يسكن في مخيم «واشوكاني»، ويعيش في خيمة مع ابنه بعد فرارهما من قرية العامرية الواقعة بالريف الغربي لبلدة تل تمر، التي سيطرت عليها القوات التركية وفصائل سورية موالية منذ 5 سنوات.

كان أحمد الحسو يعاني من مرض السكري بدايةً، وبعد انتشار «الغرغرينا» قُطِع أحد أصابع قدمه، لتكتمل فصول المعاناة بفشل إحدى كليتيه.

ماجد عبد القادر قائد فريق الهلال الأحمر الكردي في مخيم «واشوكاني» (الشرق الأوسط)

أثناء حديثه معنا كان ممداً على بساط بلاستيك تحت خيمة سقفها منخفض وشديدة الحرارة. قال: «أغسل كليتيَّ مرتين في الأسبوع، يقدم لي (الهلال الكردي) سيارة إسعاف في أي لحظة، أوقات يسعفوني الساعة 12 ليلاً». منوهاً بأن حالته في تدهور مستمر: «لمن أروح لغسل كليتيَّ أكون كأني في جنازة، وبعد عودتي أكون كالميت».

الدكتور هنر عبدو اختصاصي أطفال داخل نقطة الهلال الأحمر الكردية بالمخيم (الشرق الأوسط)

يحتاج المرضى هنا للوصول إلى خدمات صحية متخصصة بالمجان، وليس المقصود حالات الأورام السرطانية فقط، بل أمراض الأعصاب والغدد والأنف والأذن والحنجرة وأمراض الجهاز الهضمي والأمراض الجلدية. كما تغيب الجراحات العامة وأمراض العيون عن هذه المخيمات، التي كانت تعتمد بالدرجة الأولى على إحالات منظمة الصحة العالمية للمشافي التابعة للحكومة السورية بالحسكة.

وبحسب إحصاءات هيئة الصحة لدى «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا، وهي سلطة مدنية تأسست عام 2014، يوجد نحو 1200 مريض بحالات باردة قد تتدهور في أي لحظة، موزعين على 11 مخيماً يقع تحت سيطرتها، بينهم 800 مريض في مخيم الهول و400 آخرين موزعين على باقي المخيمات، أكبرها مخيمات «العريشة» و«واشوكاني» و«الطلائع» الواقعة بريف محافظة الحسكة.

يرى الدكتور هُنر عبدو، اختصاصي أطفال، أن مستوصف «الهلال الكردي» عبارة عن نقطة رعاية أوّلية تقدم الخدمات الطبية لمعالجة حالات الحرارة العالية، والغثيان، والإسهال، والجروح، والحروق، إلى جانب الكشف عن حالات الاختلاجات والتهابات الأمعاء. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «إذا شككنا بأن المريض يعاني من مرض مزمن أو ورم خبيث أو تشوهات قلبية، فإننا نحيله للمشافي لاستكمال دراسة الحالة وتقديم الرعاية».

ويضيف الطبيب الذي كان يفحص طفلاً برفقة والدته، ويقدم استشارات طبية مجانية لمراجعيه، في نهاية حديثه، أن هذه الخدمات «هي أقصى قدرة للطاقم الطبي يمكنه تقديمها في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية والمادية للنازحين في هذه المخيمات».