مصر لمواءمة الدراسة مع سوق العمل وسط جدل بشأن «الكليات النظرية»

لجنة حكومية تبحث تأهيل الكوادر التعليمية لتناسب «متطلبات عالمية»

وزراء التعليم والتعليم العالي والعمل خلال اجتماع وزاري (الحكومة المصرية)
وزراء التعليم والتعليم العالي والعمل خلال اجتماع وزاري (الحكومة المصرية)
TT

مصر لمواءمة الدراسة مع سوق العمل وسط جدل بشأن «الكليات النظرية»

وزراء التعليم والتعليم العالي والعمل خلال اجتماع وزاري (الحكومة المصرية)
وزراء التعليم والتعليم العالي والعمل خلال اجتماع وزاري (الحكومة المصرية)

تعكف الحكومة المصرية على تحقيق «مواءمة بين مخرجات الدراسة وسوق العمل» عبر لجنة وزارية تجمع بين وزراء التربية والتعليم، والتعليم العالي، ووزير العمل، وهي اللجنة التي عقدت اجتماعها الأول، الاثنين، وسط جدل بشأن جدوى «الكليات النظرية».

وتشهد الأوساط التعليمية جدلاً واسعاً حول «الكليات النظرية»، منذ تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أبريل (نيسان) الماضي، التي انتقد فيها إقبال الطلاب على الالتحاق بكليات «الآداب والحقوق والتجارة»، داعياً إلى إلحاق الطلاب بالكليات التكنولوجية التي تحتاجها سوق العمل.

كما يأتي اجتماع اللجنة بعد أيام من إعلان وزارة «التعليم» إعادة النظر في المواد الإجبارية التي يدرسها الطلاب في المرحلة الثانوية، وتقليصها إلى 5 مواد، مع إعلان تعديلات على التعليم بمراحله المختلفة والمواد الدراسية التي يدرسها الطلاب.

الاجتماع الوزاري ناقش سُبل تطوير البرامج التدريبية لكي تتناسب مع متطلبات سوق العمل، وتوفير فرص عمل حقيقية للخريجين، وربط التعليم بسوق العمل، والبحث عن آليات لربط مخرجات التعليم العالي باحتياجات القطاعات المختلفة، وتشجيع التعاون بين الجامعات والشركات، بحسب بيان رسمي صادر عن «التعليم».

ويحسب للحكومة المصرية مساعيها للربط بين ما يدرسه الطلاب واحتياجات سوق العمل، وفقاً للباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات، الدكتورة إسراء علي، التي تصف الأمر بـ«المحمود»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك احتياجاً للتغلب على التحديات الموجودة في النظام التعليمي ليكون أكثر ارتباطاً بسوق العمل».

وأضافت: «هناك أنظمة مختلفة للتعليم في مصر، سواء التعليم الحكومي أو حتى المدارس الدولية، وهناك تجارب يمكن دراسة مدى القدرة على الاستفادة منها في عدة دول»، مشيرة إلى أن «الحكم لتقييم ما يتخذ من إجراءات وأثره على سوق العمل لا يزال مبكراً وبحاجة للانتظار».

ويمثل طلاب الكليات النظرية 68 في المائة من نسبة طلاب الجامعات، وفق تصريحات سابقة للدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فيما يتخرج كل عام أكثر من 700 ألف خريج من الجامعات والكليات والمعاهد الحكومية والخاصة، بحسب بيانات النشرة السنوية لخريجي التعليم العالي الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ويشير أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، الدكتور عاصم حجازي، إلى أن فرص خريجي الكليات التكنولوجية الحديثة أفضل في سوق العمل؛ باعتبار أن لديهم المهارات التي تؤهلهم للانخراط مباشرة في السوق.

وأضاف حجازي أن التوجه نحو تقليص الأعداد التي يجري قبولها بالكليات النظرية أمر سينهي مسألة خريجي الكليات الحاصلين على شهادات ولا يحتاج إليهم سوق العمل؛ لأن النظرة لهذه الكليات ظلت لفترة طويلة أنها بوابة ليكون الفرد حاملاً لمؤهل عالٍ من دون الاستفادة منه بشكل فعلي، لافتاً إلى أن تقليص أعداد المقبولين سيجعل هناك فرصة لاستفادة الطلاب بشكل أفضل دراسياً.

طلاب مصريون خلال تسجيل رغبات التنسيق للالتحاق بالجامعات (وزارة التعليم العالي)

واتفقت اللجنة الوزارية على تشكيل لجنة مشتركة تضم ممثلين من الوزارات المعنية لدراسة احتياجات سوق العمل بدقة، وتحديد أولوياتها، لتشكل رؤى الوزارات في تطوير برامجها لتأهيل الخريجين على نتائج هذه الدراسة، ما يضمن ملاءمة مخرجات التعليم لسوق العمل، وفق البيان الصادر الاثنين.

وتشير الباحثة بالمركز المصري للفكر إلى انتظام الكليات النظرية في استقبال الطلاب بشكل اعتيادي عبر مكاتب التنسيق في العام الدراسي المقبل، وبالتالي أي قرارات بشأنها ستكون بعد حوار مجتمعي ونقاشات، ولن تطبق على الأقل في العام الدراسي الجديد الذي ينطلق الشهر المقبل.

فيما ينفي أستاذ علم النفس التربوي وجود نية لدى الدولة لإغلاق هذه الكليات؛ لأن تقدم خريجين يحتاجهم سوق العمل، ولو بشكل أقل من غيرهم، في الوقت الحالي، وبالتالي من الضروري استمرارها، لافتاً إلى أن التصورات المرتبطة بتطويرها تعتمد على تحديث برامجها وجعلها أكثر مناسبة لسوق العمل.

والأسبوع الماضي، اقترح الإعلامي المصري تامر أمين إلغاء تدريس بعض المواد النظرية، والاهتمام بالمواد المؤهّلة لسوق العمل الواقعية، الأمر الذي قوبل بهجوم «سوشيالي» واسع. وتساءل أمين عن مدى أهمية تدريس مواد مثل التاريخ والفلسفة والجغرافيا في الثانوية، وقال: «ما أهمية أن يدرس طالب الثانوية التاريخ 3 سنوات؟... دون شعارات نريد الكلام الذي يأتي بمكاسب ويؤدي للتقدم»، حسب وصفه.

وتحدّث عن أن هذه المواد ضرورية في التعليم الأساسي (المرحلتين الابتدائية والإعدادية)، لكن بدءاً من المرحلة الثانوية يتم تجهيز الطالب لسوق العمل.

وضمن خطتها لإعادة هيكلة نظام «الثانوية العامة»، قررت وزارة التعليم المصرية قبل أيام «تقليص المواد الإجبارية التي تجري دراستها لطلاب القسم الأدبي في الشهادة الثانوية لتكون 5 مواد بدلاً 7؛ على أن تكون مادتا اللغة الأجنبية الثانية وعلم النفس من مواد النجاح والرسوب غير المضافة للمجموع».

في المقابل، ترى الخبيرة التربوية، بثينة عبد الرؤوف، أن فكرة التعليم من أجل التوظيف أثبتت فشلها على مدار عقود، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «سوق العمل تشهد تغيرات كبيرة في الفترة الحالية، ولا يمكن تفصيل دراسات جامعية على السوق الحالية؛ لأن الخريجين بعد انتهاء دراستهم قد لا يجدون الوظائف التي درسوها».

وأضافت: «الدراسات الإنسانية هي أساس الدراسات العلمية، وخريجو الكليات النظرية اليوم يعمل عدد ليس بالقليل منهم في وظائف عدة مع شركات الاتصالات وشركات تسويق، وغيرها من الوظائف التي استطاعوا التأقلم معها عبر دورات تدريبية، سواء خلال دراستهم أو بعد التخرج».

وتشير الخبيرة التربوية إلى أهمية العمل على تطوير برامج الكليات النظرية، وإضافة جزء عملي فيها يعتمد على تنمية مهارات الدراسين، بما يخلق لديهم مرونة للتعلم والتدريب على الوظائف التي قد يلتحقون بها مستقبلاً.


مقالات ذات صلة

البنك الإسلامي للتنمية يقدم تمويلات بـ575.63 مليون دولار للدول الأعضاء

الاقتصاد جانب من اجتماع مجلس المديرين التنفيذيين (البنك الإسلامي للتنمية)

البنك الإسلامي للتنمية يقدم تمويلات بـ575.63 مليون دولار للدول الأعضاء

وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الإسلامي للتنمية، برئاسة الدكتور محمد الجاسر، على تمويل بقيمة 575.63 مليون دولار لتعزيز التعليم والطاقة والترابط الإقليمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)
تكنولوجيا بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا طلاب الطب الأفغان يحضرون امتحاناتهم النهائية في كلية طب بختر في كابل، أفغانستان، 05 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

فرنسا تندد بمنع «طالبان» الأفغانيات من الالتحاق بالمعاهد الطبية

دانت فرنسا قراراً نُسب إلى حكومة «طالبان» يمنع التحاق النساء الأفغانيات بمعاهد التمريض، واصفةً هذه الخطوة بأنها «غير مبررة».

«الشرق الأوسط» (باريس - كابل)
المشرق العربي حرم الجامعة الأميركية بالقاهرة الجديدة (موقع الجامعة)

تبرع آل ساويرس للجامعة الأميركية بالقاهرة يثير جدلاً «سوشيالياً»

أثار الإعلان عن تبرع عائلة ساويرس، بمبلغ ضخم للجامعة الأميركية في القاهرة، جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.

محمد عجم (القاهرة)
آسيا فتيات أفغانيات في الطريق إلى المدرسة في كابل (متداولة)

«طالبان» تغلق المعاهد الطبية أمام النساء في أحدث القيود

أصدر بشكل فعال زعيم «طالبان» الملا هبة الله آخوندزاده توجيهاً جديداً يمنع النساء من الالتحاق بالمعاهد الطبية؛ ما يقطع فرص التعليم الأخيرة المتاحة أمام النساء.

«الشرق الأوسط» (كابل (أفغانستان))

انقلابيو اليمن يفرضون تجنيد سكان القرى في 4 محافظات

قيادات حوثية تلتقي مع زعماء قبائل في الضالع اليمنية لتحشيد المقاتلين (إكس)
قيادات حوثية تلتقي مع زعماء قبائل في الضالع اليمنية لتحشيد المقاتلين (إكس)
TT

انقلابيو اليمن يفرضون تجنيد سكان القرى في 4 محافظات

قيادات حوثية تلتقي مع زعماء قبائل في الضالع اليمنية لتحشيد المقاتلين (إكس)
قيادات حوثية تلتقي مع زعماء قبائل في الضالع اليمنية لتحشيد المقاتلين (إكس)

ضغطت الجماعة الحوثية على زعماء القبائل في 4 محافظات يمنية لحشد مقاتلين جُدد إلى صفوفها؛ تنفيذاً لأوامر زعيمها عبد الملك الحوثي، تحت مزاعم الاستعداد لمحاربة أميركا وإسرائيل؛ وفق ما ذكرته مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط».

ويتزامن ذلك، وفق المصادر، مع قيام الجماعة الحوثية بصرف أموال طائلة لبعض الوجهاء الموالين لها في إحدى أكبر القبائل اليمنية (حاشد) من أجل تجهيز نحو ألف مقاتل، للزج بهم في معاركها المقبلة.

قيادات حوثية لدى تدشين حملة تجنيد في إحدى المحافظات اليمنية (إعلام حوثي)

وكشفت المصادر عن تنفيذ قادة الجماعة في الأيام الأخيرة زيارات ميدانية مكثفة إلى المناطق القبلية في ريف صنعاء وعمران والضالع والحديدة لإجبار زعماء القبائل على مساعدتهم في إطلاق عملية تحشيد جديدة للمقاتلين إلى مختلف الجبهات.

وألزمت قيادات حوثية مسؤولة عما تسمى لجان الحشد والتعبئة عبر لقاءات منفصلة خلال اليومين الماضيين شيوخ القبائل في قرى تتبع مديريات مناخة وجحانة في محيط صنعاء، ومديرتي السودة وريدة في عمران، ومديريتي الحشا والزيدية في الضالع والحديدة بسرعة تجنيد ما لا يقل عن 5 مقاتلين من كل قرية لتعزيز الجبهات.

وحضّت الجماعة، وفق المصادر، الزعماء القبليين على التركيز على استهداف الأسر التي لم تُقدِم مقاتلين لصالحها منذ بدء الانقلاب والحرب. كما شدّدت على ضرورة استخدام طُرق ووسائل جديدة لإقناع الأسر والأهالي بضرورة الدفع بأبنائها تلبية لما يسمى «الواجب الجهادي المقدس».

وهددت الجماعة كل زعيم قبيلة يعجز عن تحشيد ذلك العدد من المقاتلين بإخضاعه للمحاسبة مع سحب كل الامتيازات والصلاحيات الممنوحة له من قِبل سلطات الانقلاب.

وثيقة إجبارية

أوضحت مصادر قبلية أن التحركات الميدانية الأخيرة للجماعة الحوثية رافقها إرغام زعماء القبائل في القرى المستهدفة على التوقيع على ما تسميه وثيقة «الشرف القبلي»، حيث تُلزِمهم فيها بتقديم الأموال لمصلحة مقاتليها في الجبهات، وكذا التواصل مع ذويهم ممن في صفوف القوات الحكومية لإقناعهم بعدم القتال ضد الجماعة والعودة إلى قراهم، أو التخلي عنهم والبراءة منهم في حال رفضهم ذلك.

اجتماع حوثي لإقرار خطة التعبئة والتجنيد في ريف صنعاء (فيسبوك)

واشتكت إحدى العائلات في ريف صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تعرض اثنين من أبنائها للخطف من مزرعة خضراوات تابعة لهم بإحدى قرى مديرية بني مطر وإخضاعهما قسراً لدورات عسكرية استعداداً لإلحاقهما بجبهات القتال.

وحمّل أحد أفراد الأسرة زعيم قبيلتهم المفروض عليهم بالقوة من قِبل الحوثيين، مسؤولية ما قد يتعرض له أقاربه من أذى جراء خداعهم وإرغامهم على ترك العمل في الزراعة والانضمام إلى صفوف الجماعة.

وجاء هذا التحرك الحوثي بناءً على تعليمات صدرت أخيراً من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي يحض فيها أتباعه على عقد لقاءات مع زعماء القبائل من أجل شن أوسع حملة استقطاب وتجنيد.