«القاعدة» يكثف هجماته في دول الساحل

«جبهة تحرير ماسينا» تسيطر على ثكنة للجيش المالي... وتهاجم بوركينا فاسو

أسلحة وآليات عسكرية استحوذ عليها مقاتلو «القاعدة» من الجيش المالي (إعلام محلي)
أسلحة وآليات عسكرية استحوذ عليها مقاتلو «القاعدة» من الجيش المالي (إعلام محلي)
TT

«القاعدة» يكثف هجماته في دول الساحل

أسلحة وآليات عسكرية استحوذ عليها مقاتلو «القاعدة» من الجيش المالي (إعلام محلي)
أسلحة وآليات عسكرية استحوذ عليها مقاتلو «القاعدة» من الجيش المالي (إعلام محلي)

كثفت مجموعة مسلحة تابعة لتنظيم «القاعدة» هجماتها في دولتي مالي وبوركينا فاسو خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وكبدت جيشي البلدين خسائر وصفتها مصادر أمنية بأنها «فادحة»، وذلك بالتزامن مع مرور أربع سنواتٍ على سيطرة الجيش في مالي على الحكم إثر انقلاب عسكري عام 2020.

بعض العتاد الذي قالت الجماعة المسلحة إنها «غنمته» من قوات الجيش (متداولة)

وقالت مصادر أمنية عديدة إن عدة هجمات نفذها مقاتلون من «جبهة تحرير ماسينا»، وهي مجموعة مسلحة منخرطة في «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التي تمثلُ تنظيم «القاعدة»، وتتمركز بشكل أساسي في منطقة وسط مالي وشمال بوركينا فاسو.

وشن مقاتلو الجبهة الإرهابية هجوماً فجر أمس (الأحد) على ثكنة تابعة للجيش المالي، في منطقة الملكة، شمال غربي مالي، القريبة جداً من الحدود مع موريتانيا، وحسب مقربين من الجبهة «الإرهابية» فإن مقاتليها كبدوا الجيش المالي «خسائر بشرية»، كما «استولوا على الكثير من الأسلحة والذخائر».

ونشرت «جبهة تحرير ماسينا» مقاطع فيديو من الهجوم، أظهرت مقاتليها وهم يسيطرون على الثكنة الخالية من الجنود الماليين، كما ظهر المقاتلون وهم يستولون على آليات عسكرية وسيارات ومعدات وأسلحة.

وانسحب مقاتلو «جبهة تحرير ماسينا» من الثكنة العسكرية إلى قواعدهم الخلفية في غابة واغادو، حيث يشن الجيش المالي عملية عسكرية منذ عامين، بدعم من قوات مجموعة «فاغنر» الروسية، هدفها المعلن هو القضاء على الإرهاب.

ويعود تأسيس «جبهة تحرير ماسينا» إلى عام 2015 على يد القيادي في تنظيم «القاعدة» أمادو كوفا، المنحدر من قبائل «الفلان»، ما مكنه من اكتتاب مئات المقاتلين من صفوف هذه القبائل المنتشرة بكثرة في مالي ودول الجوار من غرب أفريقيا.

توسيع دائرة نفوذها في غرب أفريقيا

وتسعى «جبهة تحرير ماسينا» إلى توسيع دائرة نفوذها في دول أخرى من غرب أفريقيا، وقد نجحت بالفعل في الوصول إلى بوركينا فاسو المجاورة لمالي، التي شنت فيها هجوماً عنيفاً يوم الجمعة الماضي، ضد مقر تابع لميليشيات محلية موالية لجيش بوركينا فاسو، في منطقة سلانبوري بمنطقة كول بيلوغو.

وحسب مصادر محلية عديدة، فإن الهجوم أسفر عن مصرع 8 من عناصر الميليشيا المحلية الموالية للجيش، وإصابة آخرين، بالإضافة إلى الاستحواذ على 7 قطع سلاح من نوع «كلاشينكوف» و11 دراجة نارية، وأمتعة أخرى.

وسرعان من انسحب مقاتلو «جبهة تحرير ماسينا» من مقر الميليشيا نحو قواعدهم الخلفية، خشية وصول إمدادات عسكرية، أو تدخل سلاح الجو البوركيني الذي كبدها خلال الأشهر الأخيرة خسائر فادحة.

بعض العتاد الذي قالت الجماعة المسلحة إنها «غنمته» من قوات الجيش (متداولة)

وتواجه دول الساحل (مالي، بوركينا فاسو والنيجر) تصاعداً في الهجمات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة، وتسببت في عدم استقرار سياسي، دفع جيوش الدول الثلاث إلى السيطرة على الحكم، ومواجهة عقوبات إقليمية ودولية، أسفرت في النهاية عن مواجهة مباشرة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والمجموعة الغربية بقيادة فرنسا.

في غضون ذلك، تحالفت دول الساحل الثلاث مع روسيا، التي أبرمت معهم اتفاقية وشراكة أمنية وعسكرية، حصلت دول الساحل بموجبها على أسلحة ومؤطرين عسكريين روس، كما نشرت فيها وحدات مقاتلة تتبع مجموعة «فاغنر» تحت ذريعة محاربة الإرهاب.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.