اليمن يستنجد لإغاثة سكان تهامة غداة أمطار وسيول مميتة

اتهامات للحوثيين بالمتاجرة بالكارثة والتقاعس عن تقديم العون

منازل من القش والطين يسكنها غالبية أهالي تهامة اليمنية كانت عرضة لتجريف السيول (إكس)
منازل من القش والطين يسكنها غالبية أهالي تهامة اليمنية كانت عرضة لتجريف السيول (إكس)
TT

اليمن يستنجد لإغاثة سكان تهامة غداة أمطار وسيول مميتة

منازل من القش والطين يسكنها غالبية أهالي تهامة اليمنية كانت عرضة لتجريف السيول (إكس)
منازل من القش والطين يسكنها غالبية أهالي تهامة اليمنية كانت عرضة لتجريف السيول (إكس)

تواجه منطقة تهامة اليمنية الواقعة على الساحل الغربي المحاذي للبحر الأحمر وضعاً مأساوياً بعد أمطار غزيرة خلال الأيام الماضية تسببت بسيول جارفة خلَّفت أكثر من 45 قتيلاً على الأقل، ونحو ضعفهم من المفقودين في وضع كارثي غير مسبوق، مع قصور تام لأعمال الإغاثة وتقديم العون للمنكوبين.

وبينما استنجدت الحكومة اليمنية الشرعية لإغاثة سكان المنطقة التي تضم محافظة الحديدة بكاملها إلى جانب أجزاء من محافظات حجة والمحويت شمالاً، وريمة في الوسط وتعز إلى الجنوب، تتهم الجماعة الحوثية بالسيطرة على موارد ومقدرات المنطقة مثل الموانئ والزراعة والأراضي دون تقديم أي عون للمتضررين.

خسائر هائلة لحقت بأهالي تهامة في اليمن جراء السيول التي طالت الأرواح والممتلكات والأراضي الزراعية (إكس)

ومع غياب الإحصائيات الفورية وصعوبة الحصول عليها، تشير التقديرات إلى أكثر من 100 مفقود ممن انقطع التواصل معهم، وأكثر من 500 منزل تعرضت لأضرار متفاوتة، ونزوح آلاف العائلات التي تسكن غالبيتها في منازل من الطين أو القش، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو تبين حجم الكارثة.

وذكرت مصادر محلية في المديريات المنكوبة لـ«الشرق الأوسط» أن أعداد المفقودين بالعشرات، ورجحت بعض المصادر أن أعدادهم تزيد على 100 شخص مع انقطاع وسائل التواصل بين السكان وتوقف الحركة على أغلب الطرق.

ووجهت الحكومة اليمنية نداء استغاثة إلى المنظمات الأممية والدولية لتقديم العون والإغاثة العاجلين للمتضررين من كوارث الفيضانات التي ضربت المنطقة.

وقالت الحكومة إن رئيسها، أحمد عوض بن مبارك، استمع خلال اتصالات مكثفة أجراها مع الوزراء والمعنيين ومحافظي المحافظات وغرف الطوارئ والوحدات التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، إلى تقارير أولية حول الأضرار الناجمة عن السيول، موجهاً دعوة عاجلة إلى المنظمات الأممية والدولية، لمساندة الجهود الحكومية في تقديم العون الإنساني والإغاثي الطارئ للمتضررين.

سيول وألغام

زعمت الجماعة الحوثية تشكيل لجنة طوارئ لمعالجة أضرار السيول؛ في حين أبدى يمنيون من مختلف الفئات غضبهم من الجماعة التي رأوا أن ممارساتها في تهامة وأعمالها العسكرية أسهمت في وقوع المأساة، إلى جانب استغلالها خيرات وموارد منطقة تهامة، وترك أهاليها دون تقديم أي نوع من المساعدات لهم بعد الكارثة.

وقال علي حميد الأهدل، مسؤول الإعلام في محافظة الحديدة، لـ«الشرق الأوسط» إن المتضررين من الفيضانات أغلبهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية، داعياً الشركاء الدوليين والمحليين والجمعيات والمؤسسات الخيرية، إلى سرعة إغاثتهم.

وحمّل الأهدل الجماعة الحوثية المسؤولية عن تفاقم الكارثة بسبب لجوئها إلى بناء حواجز كبيرة وخنادق عسكرية في مجاري السيول، مما أدى إلى خروجها عن تلك المجاري وتدفقها باتجاه المنازل والممتلكات الخاصة والعامة والمزارع.

وناشد السكان اتخاذ الحيطة والحذر والبقاء في منازلهم حفاظاً على أرواحهم من الألغام التي زرعتها الجماعة الحوثية، وتسببت السيول بجرفها من حقول الألغام إلى الطرقات والمزارع والمراعي، مطالباً بسرعة فتح منفذ الطريق الرابطة بين منطقتي حيس والجراحي الذي تغلقه الجماعة.

وأظهرت صور ومقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الألغام التي سحبتها السيول في طريقها بعد أن ظلت مدفونة في حقول رفضت الجماعة الحوثية الكشف عنها خلال السنوات الماضية، ومثلت خطراً يتهدد حياة وسلامة السكان ومواشيهم.

من جهته اتهم وليد القديمي، وكيل أول محافظة الحديدة، الجماعة الحوثية بالمتاجرة بمعاناة أبناء منطقة تهامة وتحديداً في محافظتي الحديدة وحجة، وتعمدها تنفير المنظمات التي كانت تقدم المعونات للأهالي، لافتاً إلى أنه جرى حصر تضرر 1527 أسرة، حتى مساء الأربعاء، في مديرية حيس وحدها.

وطالب القديمي السكان في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بموافاة الجهات الرسمية بأي أرقام أو إحصائيات عن المتضررين من السيول، لتسهيل تقديم العون لهم، محذراً من ألغام الجماعة المموهة على هيئة أحجار في ممرات الأودية والمزارع والطرق، التي كشفتها السيول أو حرَّكتها من أماكنها.

أوهام الإغاثة الحوثية

نفى سكان محليون في المديريات المنكوبة من منطقة تهامة أن يكونوا تلقوا أي مساعدات إغاثية من سلطات الجماعة الحوثية التي تسيطر على مناطقهم، مشيرين إلى أنهم لم يحصلوا على أبسط أشكال الإغاثة، التي تتمثل في تحذيرهم من الأمطار الغزيرة والسيول الكارثية، وبعد مرور أكثر من يومين على الفيضانات، لم تصل إليهم أي مساعدات إيوائية أو غذائية.

واستنكر علي ماهر، من أهالي مديرية حيس، في حديث لـ«الشرق الأوسط» ما وصفها بادعاءات الجماعة الحوثية بدء أعمال الإغاثة ومساعدة المتضررين، في حين أنها لم تبدأ باتباع أولويات أعمال الإغاثة في مثل هذه الحالة، وهو البحث عن المفقودين، وتقديم الخدمات الإيوائية لمن فقدوا منازلهم.

وتساءل عن مصير موارد مؤسسات الحديدة، مثل الموانئ، والجبايات المفروضة على مختلف فئات السكان، بالإضافة إلى النهب المنظم والعشوائي للأموال العامة والخاصة، التي يفترض أن تكون في خدمة المتضررين من الكوارث كما هو حاصل حالياً.

وفي الوقت الذي عاش فيه أهالي محافظات الحديدة وريمة والمحويت وحجة أوضاعاً مأساوية بسبب الأمطار وكوارث السيول؛ استبشرت الجماعة الحوثية خيراً بتلك الأمطار، إذ ورد في قناة «المسيرة» التابعة لها أن هذه الأمطار تسببت بعودة السيول إلى عدد من الأودية الجافة التي انقطعت عنها منذ عقود.

من جهته نبه عبد الرحمن مشهور، من سكان مدينة الحديدة، حيث مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، إلى أن فساد الجماعة الحوثية في نهب إيرادات وخزينة صندوق المجلس المحلي للمدنية لتنفيذ مشروع تصريف مياه الأمطار، انكشف عند أول اختبار بهطول الأمطار الغزيرة التي يندر أن تشهدها المدينة الساحلية.

منذ عقود لم تشهد تهامة اليمنية فيضانات كارثية مثل التي حدثت أخيراً (إكس)

وتحدث مشهور لـ«الشرق الأوسط» عن الوضع الكارثي الذي عاشه سكان مدينة الحديدة بعد أن اقتحمت المياه منازلهم ومحالهم وأتلفت الممتلكات وتسبب بتوقف الحركة، وهو الوضع الذي عاشته المديريات المحيطة بالمدينة مثل الدريهمي والزهراء.

ووجه مكتب الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في محافظة الحديدة (حكومية) دعوة لجميع الشركاء الدوليين والمحليين والجمعيات والمؤسسات الخيرية ورجال المال والأعمال وفاعلي الخير، إلى سرعة إغاثة المتضررين من الأمطار الغزيرة التي ضربت مديريتي «حيس والخوخة» جنوبي الحديدة الخاضعتين للشرعية.

وتحدث صندوق الأمم المتحدة للسكان، عن نزوح وتشرد آلاف العائلات جراء السيول التي ضربت ثلاث محافظات غربي اليمن، معلناً عن تسخير الموارد المتاحة لديه للإغاثة الطارئة، بالتزامن مع رفع مستوى الاستجابة العاجلة للمتضررين، مشدداً على الحاجة المُلحة لمزيد من الدعم من أجل إنقاذ الأرواح.


مقالات ذات صلة

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

العالم العربي معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد لمصلحة مشروعها.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تُقوّض وحدة القرار السيادي، وتخدم مشروع إيران.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية اليوم الجمعة أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

بدأ الحوثيون في الأيام الأخيرة الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتهم المقبلة في وقت أبدت فيه قيادة الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الجماعة

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي وزير الخارجية اليمني مجتمعاً في عدن مع مسؤول أممي (إعلام حكومي)

اليمن يعزز التنسيق مع المنظمات الدولية ويحذر من تجاوز أنظمة الاستيراد

اليمن يعزز تنسيقه مع المنظمات الأممية في مجالات الإغاثة والزراعة والحكومة تحذر من التفاف بعض التجار على أنظمة الاستيراد وتشدد على الالتزام بالآليات

«الشرق الأوسط» (عدن)

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.