لبنان في مواجهة الضربة الإسرائيلية يشكو الفراغ وحاجته لشبكة أمان

إلى متى يبقى مكشوفاً سياسياً وقواه منقسمة على نفسها؟

بري وميقاتي خلال اجتماعها في عين التينة (الوكالة الوطنية)
بري وميقاتي خلال اجتماعها في عين التينة (الوكالة الوطنية)
TT

لبنان في مواجهة الضربة الإسرائيلية يشكو الفراغ وحاجته لشبكة أمان

بري وميقاتي خلال اجتماعها في عين التينة (الوكالة الوطنية)
بري وميقاتي خلال اجتماعها في عين التينة (الوكالة الوطنية)

الجهود المبذولة من قبل رئيسَي المجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، لقطع الطريق على رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، المهدِّد بتوجيه ضربة غير مسبوقة إلى «حزب الله» على خلفية تحميله مسؤولية الصاروخ الذي أصاب بلدة مجدل شمس الواقعة في هضبة الجولان السورية المحتلة، وإن كانت ضرورية، لكنها لا تكفي لتأمين شبكة أمان سياسية للبنان لاستيعاب التداعيات المترتبة على الرد الإسرائيلي، ما لم يتبدل المشهد السياسي الحالي بانخراط المعارضة ومحور الممانعة في تحرك مشترك يؤدي إلى تحصين الساحة الداخلية بإطلاق مبادرة سياسية جامعة لدرء الأخطار التي تهدد البلد.

فالتهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة إلى «حزب الله»، تستدعي من جميع الأطراف الخروج من دائرة الانتظار وحالة الارتباك المسيطرة على البلد، من دون أن يعني ذلك من وجهة نظر سياسية محايدة أن المطلوب توفير الغطاء السياسي لـ«حزب الله» الذي سيضطر إلى الرد على الضربة الإسرائيلية، بمقدار ما أن اتساع الهوّة بين محور الممانعة والمعارضة بات يستدعي تأجيل الدخول في تصفية الحساب مع «الحزب» على قاعدة أنه تفرّد بقراره في مساندة «حماس» من دون العودة إلى الدولة التي هي صاحبة القرار في السلم والحرب.

«محاسبة» الحزب بعد «الضربة»

وبكلام آخر، يرى مصدر سياسي محايد أنه ليس المطلوب تبرئة «الحزب» من تفرّده بقراره في ظل الانقسام في البلد، «وإنما هناك ضرورة لترحيل محاسبته إلى وقت لاحق ريثما يتمكن لبنان من تجاوز الآثار السياسية للضربة الإسرائيلية التي باتت وشيكة»، وفق مصادر دبلوماسية غربية في لبنان، وبالتالي؛ فإن مروحة الاتصالات الخارجية لتأمين شبكة أمان للبلد تبقى ناقصة ما لم تَلقَ التجاوب المطلوب من «أهل البيت»؛ أكانوا في المعارضة أم محور الممانعة.

ويدعو المصدر المحايد، كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، إلى «الترفع عن تبادل الاتهامات، بإطلاق مبادرة سياسية جامعة تتناغم مع الجهود الدولية والإقليمية لمنع إسرائيل من توسعة الحرب بذريعة توجيه ضربة مؤذية إلى (حزب الله)؛ لأن ما سيصيب لبنان من أكلاف سياسية ومادية لن يبقى محصوراً في (الحزب)؛ وإنما سيطول جميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية وميولهم السياسية».

ويلفت المصدر نفسه إلى أنه لا يكفي الركون إلى الضغوط الدولية التي تتزعمها الولايات المتحدة الأميركية لـ«تنعيم» حجم الرد الإسرائيلي وتقنينه، ما لم تبادر حكومة تصريف الأعمال، بالتنسيق مع الرئيس بري الذي يتولى حالياً التفاوض مع الوسيط الأميركي أموس هوكستين لإعادة الهدوء إلى جنوب لبنان، إلى طرح تصور متكامل يكون بمثابة خريطة طريق لا تبقى محصورة بعناوين عامة، ويؤكد أن الوزير بوحبيب طرح مجموعة من الأفكار تستدعي تبنيها لحشر إسرائيل أمام المجتمع الدولي، خصوصاً أن نتنياهو يصر على توجيه ضربة إلى «الحزب» للتفلُّت من الضغوط التي تمارس عليه للتوصل إلى وقف النار في غزة الذي يُفترض أن ينسحب على الجنوب.

انفتاح المعارضة على ميقاتي

ويسأل: «ما المانع من أن تبادر المعارضة إلى الانفتاح على الرئيس ميقاتي ما دامت علاقتها بالرئيس بري مأزومة، وإبداء استعدادها للانخراط في مبادرة من شأنها الالتفاف على اتهام محور الممانعة لرئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع بالمراهنة على ما ستؤول إليه المواجهة المشتعلة بين إسرائيل و(حزب الله) لعلها تضعفه»

ويرى المصدر السياسي المحايد أن مبادرة المعارضة للانفتاح على الرئيس ميقاتي أكثر من ضرورية لإحداث خرق للجمود السياسي المسيطر على الداخل اللبناني، «وبذلك يكون حزب (القوات) اختار الوقت المناسب لدحض التهمة الموجهة إليه من محور الممانعة، ويؤكد أنه من غير الجائز أن يبقى البلد مكشوفاً، بالمفهوم السياسي للكلمة، جراء انقطاع التواصل بين قواه السياسية، فيما المطلوب وبإلحاح تعليق تبادل الحملات، ريثما تؤدي الاتصالات إلى توفير الشروط لتأمين شبكة أمان للبنان تلتقي مع الجهود الدولية والإقليمية لمنع نتنياهو من التصرف بحرية في رده على (حزب الله)».

ويحذر المصدر ذاته مما يترتب على البلد من أضرار جسيمة على كل المستويات في ظل تمدد الفراغ الرئاسي وانتقال عدواه إلى القوى السياسية، ويقول إن «المعارضة والممانعة تتحملان مسؤولية عدم ملء الفراغ بإطلاق مبادرة لمواكبة الضغط الدولي لمنع نتنياهو من توسيع ضربته لـ(حزب الله)»، ويدعو الممانعة إلى «الكف عن كيل الاتهامات لمن يخالفها الرأي بانتقاده (حزب الله) على تفرده في مساندته (حماس) من دون العودة إلى الدولة، ووضع الآخرين أمام الأمر الواقع».

الاقتداء بموقف جنبلاط

وإذ يشيد المصدر بـ«الموقف الشجاع والاستثنائي للرئيس السابق لـ(الحزب التقدمي الاشتراكي)، وليد جنبلاط، الذي تجلى بقطع الطريق على المشروع الإسرائيلي لإحداث فتنة شيعية- درزية في محاولة من تل أبيب للتحريض على (حزب الله) بتحميله مسؤولية الصاروخ الذي استهدف بلدة مجدل شمس»، فإنه يدعو الجميع إلى «الترفع عن المهاترات والاقتداء بموقفه الذي أدى لوأد الفتنة».

ويكشف عن أن «المعارضة تقف حالياً أمام اختبار للنيات، أسوة بمحور الممانعة، يتطلب منها المساهمة بلملمة الوضع والانفتاح على ميقاتي، ما دامت المتاريس السياسية ما زالت مرفوعة بينها وبين بري»، ويؤكد أنه آن الأوان لتحسم موقفها، وأنه «لا مانع من تواصلها مع ميقاتي لحثه على إطلاق مبادرة لا تتعارض وتفاوض بري مع الوسيط الأميركي».

ويبقى السؤال: إلى متى يبقى البلد متروكاً للقضاء والقدر في ظل تصاعد الانقسام السياسي؟ وماذا يمنع أن تبادر المعارضة بملء إرادتها إلى الاحتكاك الإيجابي بميقاتي لإيجاد خريطة الطريق لملء الفراغ السياسي القاتل، وصولاً لتوحيد الموقف الذي يعيد الاستقرار للجنوب تحت مظلة الالتزام بتطبيق القرار «1701»؟

فهل يبادر ميقاتي إلى فتح قنوات للتواصل مع المعارضة لإنضاج موقف موحد يشكل نقطة التقاء بين تعدد الآراء بداخلها، والمدرجة على جدول أعمال اجتماعاتها، في مقابل استعداد محور «الممانعة» للتخلي عن إصداره الأحكام المسبقة على خصومه، بأن يقول ماذا يريد ليكون في وسع لبنان الرسمي أن يتقدم من المجتمع الدولي بتصور متكامل لتطبيق القرار «1701»، وهذا يتطلب من «حزب الله» تأييده دون تحفظ؛ لأنه لا مبرر للتعامل معه بقلق ما دام أنه كان في عداد مؤيديه عند صدوره، وهو يشكل نقطة ارتكاز للخيار الدبلوماسي لوقف الحرب جنوباً.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تتوسَّع لبنانياً في «الوقت الضائع»

المشرق العربي الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (رويترز)

إسرائيل تتوسَّع لبنانياً في «الوقت الضائع»

سعت إسرائيل، أمس (الجمعة)، إلى التوسّع داخل لبنان فيما يمكن وصفه بـ«الوقت الضائع»، بانتظار بدء لجنة المراقبة عملها لتنفيذ اتفاق وقف النار الذي بدأ تنفيذه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

ملف لبنان على طاولة المباحثات بين الرئيس ماكرون والأمير محمد بن سلمان، ويدعو لوقف كافة انتهاكات اتفاق وقف النار وانتخاب «فوري» لرئيس الجمهورية.

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج الطائرة السعودية الإغاثية حملت مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

قوافل الإغاثة السعودية تواصل التدفق إلى لبنان

واصلت قوافل الإغاثة السعودية التدفق إلى لبنان، إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج رجل يُلوّح بعَلم لبنان بمدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي طفل يقف بالقرب من المراتب بينما يحزم النازحون أمتعتهم للعودة إلى قراهم بجنوب لبنان في ملجأ بصيدا (رويترز) play-circle 00:52

بري: نطوي مرحلة تاريخية كانت الأخطر على لبنان

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن الحرب مع إسرائيل مثّلت «مرحلة تاريخية كانت الأخطر» التي يمر بها لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»
TT

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»

باغت التَّقدمُ السريع لفصائل سورية مسلحة نحو مدينة حلب، أمس (الجمعة)، أطرافاً إقليمية ودولية، وأعاد التذكير بأشباحَ سقوط مدينة الموصل العراقية قبل عشر سنوات بيد تنظيم «داعش».

وبعد هجماتٍ طوال اليومين الماضيين، تمكَّن مقاتلو مجموعات مسلحة أبرزها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل مدعومة من تركيا من السيطرة على خمسة أحياء غرب حلب، قبل وصولهم إلى قلب المدينة التي تُعدّ ثانية كبريات مدن البلاد، وسط مقاومة ضعيفة من القوات الحكومية الموالية للرئيس بشار الأسد، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وشهود عيان.

وتبدّد المعركة حول حلب السيطرة التي فرضتها قوات الحكومة السورية، وروسيا وإيران الداعمتان لها، كما تنهي هدوءاً سيطر منذ عام 2020 على شمال غربي سوريا، بموجب اتفاق روسي – تركي أبرمه الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان.

ومن شأن تقدم تلك الجماعات المسلحة أن يصطدم بمناطق نفوذ شكّلتها، على مدار سنوات، مجموعات تدعمها إيران و«حزب الله». ومع حلول مساء الجمعة، وتقدم الفصائل المسلحة داخل عاصمة الشمال السوري، تقدم «رتل عسكري مؤلف من 40 سيارة» يتبع «ميليشيا لواء الباقر»، الموالية لإيران، من مدينة دير الزور بشرق البلاد نحو حلب، وفق «المرصد السوري».

وتزامناً مع الاشتباكات، شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 23 غارة على مدينة إدلب وقرى محيطة بها، فيما دعت تركيا إلى «وقف الهجمات» على إدلب، معقل الفصائل السورية المسلحة في شمال غربي سوريا.