هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

مراقبون يتوقعون أن يسفر عن «تغيرات جذرية» قد تجريها تركيا في سياستها الخارجية

وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)
وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)
TT
20

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)
وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)

خلَّفت زيارة بلقاسم، نجل قائد «الجيش الوطني» الليبي، المشير خليفة حفتر، إلى تركيا، نهاية الأسبوع الماضي، التي التقى خلالها وزير الخارجية، هاكان فيدان، عدة تساؤلات وقراءات متباينة لمستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية.

فعلاوة على أسباب التحول في المواقف بين «خصوم الأمس»، أي قيادات الشرق الليبي العسكرية وأنقرة، برزت تساؤلات حول تداعيات الزيارة على مستقبل العلاقة بين الأخيرة وحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، والتي لطالما وُصفت بكونها «حليفاً رئيسياً» لها.

ورغم تأكيد بعض المحللين -وخصوصاً من الجانب التركي- على أن الزيارة تأتي في إطار حرص بلدهم على إقامة علاقات سياسية واقتصادية متوازنة بين شرق ليبيا وغربها، بوصفهما جبهتي صراع، فإن هذا لم يمنع توقعات البعض بأن يسفر هذا التقارب عن «تغيرات جذرية» قد تجريها أنقرة في سياستها الخارجية.

بداية، يعتقد وكيل وزارة الخارجية الليبية الأسبق، السفير حسن الصغير، أن زيارة بلقاسم «أزعجت بالفعل الدبيبة وحلفاءه، وإن عمدوا في أغلب القنوات الإعلامية الموالية لهم إلى تجاهل الإشارة إليها بدرجة كبيرة».

ورأى الصغير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الزيارة قد غُلِّفت بإطار اقتصادي؛ لكنها «لا تخلو من أبعاد ومكاسب سياسية تحققت للشرق الليبي». وقال إن استقبال وزير الخارجية التركي لبلقاسم بصفته رئيساً لـ«صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»: «يعد ثاني اعتراف تركي بجسم ليبي ذي مهام وسلطة تنفيذية، بعد الاعتراف بالبرلمان سلطةً تشريعية، بينما لم تعترف بالحكومة المكلفة من الأخير».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة» التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والثانية هي «الاستقرار»، المكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، ويرأسها أسامة حماد.

ويعد لقاء بلقاسم وفيدان أول لقاء علني بين مسؤول تركي وأحد أبناء حفتر، منذ انتهاء الحرب على طرابلس منتصف عام 2020.

بالمقابل، استبعد عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، وجود انزعاج من قبل حكومة الدبيبة وبقية القوى السياسية بالغرب الليبي، من زيارة نجل حفتر إلى أنقرة؛ مشيراً لاحتمال أن يقود ذلك لممارسة تركيا دوراً أكبر في التقريب بين أفرقاء الأزمة. وقال معزب لـ«الشرق الأوسط» إن أنقرة بدافع تقديمها للمصلحة الاقتصادية، أجرت تغييرات لاستراتيجيات سياساتها الخارجية خلال الفترة الماضية، وانفتحت على دول وكيانات عدة بالمنطقة كانت علاقاتها بها تشهد توتراً في السابق، منوهاً إلى أن زيارة نجل حفتر «لا تعني تحولاً سلبياً في مواقف أنقرة تجاه الغربي الليبي وحكومة الدبيبة، أو أن علاقتها مع الأخيرة باتت في مهب الريح كما ردد البعض».

المُسيَّرة القتالية التركية المتطورة «أكينجي» التي زُوِّدت بها حكومة الدبيبة مؤخراً (موقع شركة بايكار)
المُسيَّرة القتالية التركية المتطورة «أكينجي» التي زُوِّدت بها حكومة الدبيبة مؤخراً (موقع شركة بايكار)

وقبل أسبوع زودت تركيا حكومة «الوحدة الوطنية» بمُسيَّرات قتالية حديثة من نوع «أكينجي»، في ضوء كثير من الاتفاقيات، ومذكرات التفاهم المشترك الموقعة بينهما في النواحي العسكرية والأمنية، فضلاً عن الاتفاقيات الاقتصادية.

وقلل معزب من إمكانية انعكاس تلك الزيارة على المشهد السياسي، وخصوصاً ما يتعلق بتشكيل «حكومة جديدة»، وقال إن الأخيرة أمرها يتعلق بتوافق المجتمع الدولي.

جانب من مباحثات الدبيبة ورئيس الأركان التركي الأسبوع الماضي (وزارة الدفاع التركية)
جانب من مباحثات الدبيبة ورئيس الأركان التركي الأسبوع الماضي (وزارة الدفاع التركية)

كما استبعد المحلل السياسي الليبي، عبد الله الكبير، تأثر العلاقة بين أنقرة وحكومة الدبيبة؛ خصوصاً أن الأخيرة تحظى بالاعتراف الأممي. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يوجد ما يشير لوجود حالة قلق كبيرة لدى حكومة الدبيبة جرَّاء زيارة بلقاسم»، مذكراً بزيارة سابقة لرئيس البرلمان عقيلة صالح إلى تركيا، في أغسطس (آب) 2022، ولقائه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، دون أن يسبب ذلك انزعاجاً كبيراً للدبيبة وحلفائه، ودون أن يؤدي لتغيير المشهد السياسي.

ويعتقد الكبير أن أسباب تحول الموقف التركي بالانفتاح على الشرق الليبي، وخصوصاً قيادة «الجيش الوطني»، تعود «لرغبة تركيا في الحصول على مزيد من العقود في عملية إعادة الإعمار الحالية هناك».

وفي مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وقَّع بلقاسم حفتر عقود عمل مع شركات تركية لتنفيذ مشاريع عدة في مدينة بنغازي. وترى أوساط ليبية أن الزيارة، وما سبقها من تصريحات تركية بشأن التواصل مع حفتر، أبرزت مدى نجاح الأخير في إقناع خصومه على المدى الطويل بتحويل مواقفهم تجاهه، من العداء إلى التعاطي والتنسيق، وعدُّوا أن ذلك قد يزيد من التحديات أمام حكومة الدبيبة.

إردوغان خلال استقباله عقيلة صالح بحضور رئيس البرلمان التركي (الرئاسة التركية)
إردوغان خلال استقباله عقيلة صالح بحضور رئيس البرلمان التركي (الرئاسة التركية)

بالمقابل، لفت المحلل بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، إلى التنافس بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة حول «المخصصات الضخمة» لباب التنمية بالميزانية؛ مشيراً إلى أن تقارب تركيا مع بلقاسم حفتر تقف خلفه أسباب اقتصادية. وتوقع أن «يطالب بلقاسم باعتمادات مستندية للمشاريع التي تعمل عليها الشركات التركية في الشرق، ومن المحتمل أن تكون هناك استجابة من قبل محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، لقبول هذه الاعتمادات، نظراً لما هو معروف من وجود علاقة وثيقة بين الكبير وأنقرة». وتساءل حرشاوي بهذا الخصوص: «هنا سنرى إذا ما كان سيتم قبول الاعتمادات المستندية لمشاريع الدبيبة بالطريقة نفسها أم لا».

وانتهى حرشاوي إلى القول: «إذا كانت تركيا ستهتم بإعادة الإعمار في الشرق، فإن الغرب سيتم إهماله».


مقالات ذات صلة

«الإنفاق الموازي» يبقي الجبهة مستعرة بين غرب ليبيا وشرقها

شمال افريقيا انخفاض جديد للدينار الليبي أمام الدولار (المركزي الليبي)

«الإنفاق الموازي» يبقي الجبهة مستعرة بين غرب ليبيا وشرقها

تسبب الحديث عن «الإنفاق الموازي» للحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي في تسخين الجبهة بين حمّاد والدبيبة، وسط مطالبة قوى سياسية بتشكيل حكومة جديدة واحدة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا 
عناصر من قوات الأمن الليبي في طرابلس (إ.ب.أ)

مخاوف من «حرب وشيكة» في طرابلس

تبادلت الميليشيات المسلحة في غرب ليبيا الاتهامات بجرّ البلاد إلى «حرب أهلية وشيكة»، وسط صمت من حكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، فيما استمرت.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا موسى الكوني النائب بـ«المجلس الرئاسي» الليبي (المجلس)

تصريحات الكوني عن «احتلال ليبيا» تثير موجة من الجدل

أثار حديث النائب بـ«المجلس الرئاسي» الليبي بشأن «احتلال» بلده موجة من الجدل في أوساط سياسية.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا عناصر من قوة الردع بطرابلس غرب ليبيا (قوة الردع)

تحشيدات عسكرية وتبادل اتهامات بين الميليشيات المسلحة بغرب ليبيا

تستمر التحشيدات العسكرية من مدينة مصراتة بالغرب الليبي باتجاه العاصمة طرابلس بشكل لافت، بينما عاد الدبيبة للحديث عن «الإنفاق الموازي» لحكومة حمّاد.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع سابق لمجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي في مدينة درنة (المصرف المركزي)

مخاوف ليبية من «التضخم» بعد تخفيض سعر صرف العملة الرسمية

عدّ المصرف المركزي الليبي إعادة النظر في سعر صرف الدينار بأنه خطوة «اضطرارية لخلق توازنات بالقطاعات الاقتصادية في ظل غياب أي آفاق لتوحيد الإنفاق بين الحكومتين».

جمال جوهر (القاهرة)

محكمة فرنسية تقضي بسجن جزائري مدى الحياة لإدانته بتفجير عبوة في 2019

محكمة فرنسية (أرشيفية - متداولة)
محكمة فرنسية (أرشيفية - متداولة)
TT
20

محكمة فرنسية تقضي بسجن جزائري مدى الحياة لإدانته بتفجير عبوة في 2019

محكمة فرنسية (أرشيفية - متداولة)
محكمة فرنسية (أرشيفية - متداولة)

قضت محكمة فرنسية، الاثنين، بالسجن المؤبد في حق جزائري مؤيد لتنظيم «داعش»، بعد إدانته بمحاولة القتل عبر تفجير عبوة ناسفة أسفر عن إصابة 13 شخصاً بجروح عام 2019.

وبقي محمد مجدوب (29 عاماً) جالساً ولم يُبدِ أي رد فعل أثناء النطق بالحكم في محكمة بباريس. وقضى القرار بعدم منحه إفراجاً مشروطاً لمدة 22 عاماً.

في 24 مايو (أيار) 2019، قبل يومين من الانتخابات الأوروبية، وضع الشاب المتطرف قنبلة يدوية الصنع أمام مخبز في مدينة ليون شرقي فرنسا. وأسفر انفجارها عن جرح 13 شخصاً بينهم طفلة في العاشرة من عمرها.

محكمة فرنسية في العاصمة باريس (متداولة)
محكمة فرنسية في العاصمة باريس (متداولة)

وخلص التحقيق إلى أن مجدوب وضع متفجرات و270 قطعة معدنية داخل علبة رقائق بطاطس، ثم لفها بكيس ورقي.

وأبلغ مجدوب المحققين بأن هدفه كان إثارة الخوف حتى يفوز اليمين المتطرف في الانتخابات، ما قد يؤدي إلى تأجيج التوتر مع المسلمين وإشعال فتيل «حرب أهلية».

ورفض مجدوب التحدث طوال معظم جلسات محاكمته التي بدأت مطلع الأسبوع الماضي، لكنه قال للمحكمة، الاثنين، إنه غير نادم على شيء وإن عمليته كانت «مثالية من البداية إلى النهاية».

مدخل محكمة باريس الجنائية (أ.ف.ب)
مدخل محكمة باريس الجنائية (أ.ف.ب)

ووصف خبراء نفسيون المتهم خلال المحاكمة بأنه «نرجسي» و«خطر».

وتعيش عائلة مجدوب في فرنسا منذ 2015، والتحق بهم في 2017. ووصفه أقاربه بأنه انطوائي، نادراً ما كان يغادر غرفته وليس لديه أصدقاء.

ونظراً لرفضه الإجابة عن أسئلة المحكمة، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان جنح للتطرّف في الجزائر أم بعد وصوله إلى فرنسا.