يواجه الفنانون ومالكو صالات الأفراح والتجهيزات الصوتية وفنيو الصوت والعازفون في محافظة عمران اليمنية (شمال) حملة اختطافات واسعة وإجراءات تعسفية تنفذها الجماعة الحوثية، ضمن مساعيها لتحريم وتجريم الغناء، والاستعاضة بالأناشيد الحربية والدينية.
ومنذ أيام، تواصل الجماعة الحوثية اعتقال 3 فتيات يعملن في إحياء حفلات الزفاف رفقة والدتهن، في مدينة عمران، أثناء عودتهن من حفل زفاف قمن بإحيائه، وجرى اقتيادهن إلى جهة مجهولة، بحجة عدم التزامهن بتعهُّد تم إجبارهن على التوقيع عليه في وقت سابق بعدم الغناء أو إحياء الحفلات.
وتأتي حملة الاختطافات الجارية حالياً ضد الفنانين وملاك صالات الأفراح في سياق توجّه الجماعة لحظر ومنع الأغاني، الذي صاحب صعودها وتوسعها في محافظات شمال اليمن، منذ ما يزيد على العقد، وهو التوجه الذي تحرص الجماعة على الالتزام به في تلك المحافظات حتى الآن، بينما تغض الطرف عن ممارسته في باقي المحافظات الواقعة تحت سيطرتها إلى حد ما.
ويفسر أستاذ في علم الاجتماع بجامعة صنعاء اقتصار هذه الممارسات الحوثية على محافظات الشمال؛ بأن الجماعة تسعى إلى تنميط هذه المناطق، وفق مشروعها، ودفع السكان قسراً إلى اتباعها مذهبياً، بما يسهل عليها السيطرة عليهم وتوجيههم؛ إذ إن تحريم الأغاني يأتي ضمن منظومة واسعة من الأنماط الحياتية التي يتم تعزيزها في عقول الناس.
ويضيف الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم الكشف عن بياناته نظراً لإقامته في مناطق سيطرة الجماعة، أن هذه الممارسات الحوثية لا تختلف عن ممارسات غيرها من الجماعات المتطرفة، ويمكن وصفها بممارسات «طالبانية»؛ كونها تصادر الحريات العامة والخاصة، وتحدد للسكان طرق حياتهم ومعيشتهم.
وفرضت الجماعة منذ سنوات حظراً على الغناء في حفلات الزفاف، كما أصدرت تعليمات بعدم إقامة أي احتفالات أو مناسبات، عامة أو خاصة، إلا بتصريح من مكاتب وزارة الثقافة في حكومتها غير المعترَف بها.
رقابة عليا
منذ مايو (أيار) الماضي، تحتجز الجماعة الحوثية في محافظة عمران أكثر من 20 شخصاً من الفنانين والمنشدين وملاك صالات الأفراح وفنيي الصوت، وترفض الإفراج عنهم لرفضهم التوقيع على التزامات وتعهّدات خطية بعدم العودة إلى الغناء أو إحياء حفلات الزفاف بالأغاني.
كما منعت الجماعة في ذلك الوقت استكمال حفل زفاف جماعي لـ160 عريساً وعروساً في مدينة حبابة التابعة للمحافظة، بسبب استقدام فنانين لإحيائه.
وألزمت الجماعة مُلّاك صالات الأفراح والمناسبات بعدم فتحها إلا لمن يملك إذناً من مكاتب قطاع الثقافة الذي تسيطر عليه، بإحياء حفل زفاف أو مناسبة.
وفي المقابل، تشترط الجماعة على المتقدمين بطلبات الحصول على إذن إحياء الحفلات والمناسبات عدم استقدام فنانين أو استخدام الأغاني خلالها، وتطلب منهم الاكتفاء بأناشيدها الدينية والحربية (الزوامل).
ووفقاً للمصادر، يشرف القيادي الحوثي نائف أبو خرفشة المعيَّن مديراً للأمن في محافظة عمران بنفسه على عمليات الرقابة والتجسُّس على صالات الأفراح، ومعاقبة مالكيها، ويوجه أتباعه بالنزول اليومي إلى الأحياء السكنية للتثبت من عدم إقامة حفلات الأفراح وإحيائها بالغناء.
وتشير المصادر إلى أن السكان بدأوا اتباع وسائل للإفلات من الرقابة والعقوبات الحوثية عند إحياء حفلات الزفاف، ومن ذلك إقامتها في خيام يتم نصبها بعيداً عن رقابة عناصر الجماعة أو بالانتقال إلى الأرياف، لإقامتها لدى أقارب العرسان، في حين يفضل آخرون الانتقال إلى صنعاء، حيث لا تخضع صالات الأفراح لتلك الصرامة من الإجراءات.
إلا أن أبو خرفشة وجَّه أجهزة أمن الجماعة وأقسام الشرطة التابعة لها في المحافظة بالرقابة على إحياء حفلات الزفاف في مختلف المديريات وفي الأرياف، واتخاذ إجراءات الاعتقال والعقاب التي أقرها بنفسه، والتي تتمثل بمصادرة أجهزة الصوتيات والآلات الموسيقية طبقاً للمصادر.
وبينت المصادر أن أبو خرفشة يطلع بنفسه على طلبات إقامة حفلات الزفاف، ويأمر بإجراء التحريات حول أصحابها، وما إن كانوا ينتمون هم أو بعض أقاربهم إلى الجماعة، حيث يحصل مَن لديه ارتباط بها على رخصة تسمح له بإحياء مناسباته بالغناء وفق شروط محددة.
شرطة أخلاقية
يشبّه اليمنيون تحريم الجماعة الحوثية الغناء ومنعهم من الاستماع للموسيقى في حياتهم اليومية وفي أفراحهم بالممارسات الطالبانية في أفغانستان، بينما يربطها كثيرون بما يُعرف بـ«شرطة الأخلاق» الإيرانية.
وكشفت مصادر محلية في محافظة عمران عن إقدام الجماعة الحوثية على ممارسات عقابية بحق من يتم ضبطه متلبساً بالغناء أو الاستماع للأغاني، تتنوع بين الإهانة والاعتقال المؤقت أو الطويل والغرامات، ويرافق ذلك تهديدات بتشديد العقوبات في حال تكرر فعل الاستماع إلى الأغاني.
وتتعمد نقاط التفتيش التابعة للجماعة إجبار مالكي السيارات والدراجات النارية وركابها على فتح هواتفهم لتفتيشها والتأكد من وجود تسجيلات أو مقاطع فيديو للأغاني، وأقل عقاب يتعرضون له، يتمثل بإجبارهم على حذف محتويات هواتفهم من الأغاني، بحسب المصادر.
ومن الإجراءات العقابية التي تطال السكان في حال ضبطهم متلبسين بوجود أغانٍ في هواتفهم، إجبارهم على نزع «الذواكر الخارجية» من هواتفهم وابتلاعها، الأمر الذي دفع بالسكان إلى اتخاذ الحيطة والحذر وحذف محتويات هواتفهم من أي أغانٍ واستبدال بها أناشيد الحرب الحوثية، تجنباً لأي إجراءات تعسفية تطالهم.