لماذا يفرض الحوثيون حكماً صارماً في محافظات أقصى الشمال؟

منعوا الغناء بالقوة... ووفّروا نظام تعليم يخدم أفكار الجماعة

مدير مكتب زعيم الحوثيين يشرف على التعبئة الطائفية في حجة وعمران (إعلام حوثي)
مدير مكتب زعيم الحوثيين يشرف على التعبئة الطائفية في حجة وعمران (إعلام حوثي)
TT

لماذا يفرض الحوثيون حكماً صارماً في محافظات أقصى الشمال؟

مدير مكتب زعيم الحوثيين يشرف على التعبئة الطائفية في حجة وعمران (إعلام حوثي)
مدير مكتب زعيم الحوثيين يشرف على التعبئة الطائفية في حجة وعمران (إعلام حوثي)

رغم سيطرة جماعة «الحوثيين» على العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات ذات أغلبية سنّية، مثل الحديدة وإب والبيضاء وذمار، فإنها تعمل طوال السنوات السابقة على تشكيل جغرافيا لإمارة خاصة بسلالة زعيمها في أقصى شمال البلاد، تضم محافظتي حجة وعمران، إلى جانب محافظة صعدة المعقل الرئيسي لها.

فلماذا تفرض الجماعة حكماً صارماً في المحافظتين المتاخمتين لصعدة؟ قبل الإجابة عن السؤال، يذكر مسؤولون يمنيون سابقون لـ«الشرق الأوسط» أنه عقب الإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال اليمن في عام 1962، تركت الحكومات المتتابعة للنظام الجمهوري سكان محافظة صعدة أسرى للفكر الإمامي، خصوصاً عقب المصالحة بين الجمهوريين والإماميين في العام 1970.

إلزام الفلاحين والعمال حضور دورات طائفية والالتحاق بمعسكرات التدريب في حجة (إعلام حوثي)

ويشير المسؤولون إلى أن الفكر الإمامي حافظ على رموزه ومدارسه وسيطرته المذهبية والاجتماعية على التركيبة السكانية، وازداد نشاطه مع قيام الثورة الإيرانية في مطلع الثمانينات، وتكوين بدر الدين الحوثي، والد زعيم «الحوثيين» أول تواصل مع الحوزة في قم منذ العام 1985.

ويقول أحد الوسطاء، الذين عملوا خلال التمرد على السلطة المركزية في منتصف 2004، لـ«الشرق الأوسط» إنه ووسطاء آخرين ذهبوا إلى صعدة لدعم مساعي الحكومة لتطبيع الحياة وإنهاء المظاهر العسكرية بعد مصرع مؤسس الجماعة حسين الحوثي، وفوجئوا بمدى السيطرة الدينية والاجتماعية للفكر الإمامي، إلى درجة أن المراهقين يحملون السلاح للقتال إلى جانب الحوثي الذي يرى في نفسه سيداً عليهم، وأنهم لا يمكنهم دخول الجنة إذا لم يكن لهم مولى من سلالة الحوثي.

ووفق ما ينقله الوسيط، فإنهم أبلغوا الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ما رأوه على أرض الواقع، وانتقدوا غياب الدولة اليمنية والثقافة الجمهورية عن المحافظة التي تحوّلت إلى إمارة للفكر الإمامي، وذكروا أنهم التقوا أسرة أحد المقاتلين الحوثيين من أبناء القبائل؛ إذ تفاخرت والدة الضحية بأنها باعت ذهبها كي تشتري للفتى بندقية آلية ليلتحق بالقتال إلى جانب حسين الحوثي؛ لأنها تعتقد أن ذلك تنفيذ لأمر إلهي، وأنه سيكون ضامناً لها وبقية أسرتها لدخول الجنة.

بيئة حاضنة

وبالعودة إلى السؤال، ووفق ضابط سابق في المخابرات اليمنية، تحدث لـ«الشرق الأوسط» فإن الحوثيين يدركون أهمية إيجاد بيئة اجتماعية حاضنة ومسيطر عليها، تدين بالولاء والطاعة العمياء، لأنها ستمكنهم من التمدد إلى خارج هذه المناطق التي شهدت ظهور دعاة الإمامة عبر التاريخ.

ويقول الضابط: «لهذا يتبع الحوثيون نظاماً صارماً في حكم محافظتي عمران وحجة، وتحديداً في المجاورتين لمحافظة صعدة والواقعة على حدود محافظة صنعاء، فعمدوا إلى تشجيع الأطفال على عدم الالتحاق بالتعليم العام، وأغروا كثيراً من الأسر في هذه المجتمعات الفقيرة، التي لا تمتلك أي موارد، برواتب شهرية إذا ما جرى إلحاق أبنائها بجبهات القتال».

طلاب مدارس طائفية في محافظة حجة اليمنية يتدربون على القتال في أحد المرتفعات (إعلام حوثي)

ووفق رواية الضابط السابق في المخابرات اليمنية، فإن «الحوثيين» وبهدف تحويل المجتمع وتغيير مفاهيمه العقائدية في هذه المحافظات، فإنهم يستهدفون صغار السن، ولهذا أوجدوا نظام تعليم مذهبياً موازياً للتعليم العام، وجرى تزويد هذا النظام بالمباني الحديثة ومساكن للطلاب والتغذية والملابس والمناهج والكتب الدراسية التي تفتقدها المدارس العامة.

وإلى جانب ذلك، منحت الجماعة المعلمين في هذه المراكز رواتب مجزية، خلافاً لأساتذة التعليم العام الذين يعملون دون رواتب منذ 8 أعوام، إذ باتت الجماعة لديها قناعة راسخة بأنه عبر هذا النظام سيجري إيجاد جيل عقائدي طائفي ملتزم بالطاعة الكاملة للجماعة، باعتبار ذلك أمراً إلهياً وأساساً لصحة المعتقد ودخول الجنة. وفق ما أورده الضابط.

أما حسين، وهو أحد سكان محافظة حجة، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن الحوثيين يعتمدون في توجههم هذا على وجود مجاميع من الأسر التي تزعم أنها من سلالة الحوثي في هذه المحافظة، إلى جانب الانتماء القبلي الذي عرف تاريخياً بأنه حليف مع الإمامة التي كانت تستغل فقر القبائل، وتوجهها لاجتياح المناطق ونهبها أو الاستيلاء على الأراضي الخصبة وتملكها، كما حدث في محافظة إب خلال فترات تاريخيّة متباعدة.

صواريخ حوثية ضمن أحد العروض العسكرية للجماعة في صنعاء (إعلام حوثي)

ويقول أحد أساتذة الاجتماع في حديثه لـ«الشرق الأوسط» - طالباً عدم ذكر اسمه - إن هذه التركيبة تغري قادة الجماعة الحوثية بإمكانية إيجاد حاضنة اجتماعية وسيطرة شاملة تُشبه تلك التي أوجدوها في محافظة صعدة، لمواجهة أي استحقاقات مستقبلية؛ لأنهم يدركون مدى المقاومة المجتمعية التي واجهتهم في مدينة صنعاء وبقية المحافظات، ولكنه يشكك في ذلك، مستنداً إلى وقائع تاريخية تظهر أن الانتصار بالاستناد إلى قبيلة لم يطل، وستتوافر مقومات انتصار القبيلة الأخرى التي تقف على النقيض من الحوثيين وتوجهاتهم السلالية.

ملاحقة الغناء

وذكرت مصادر محلية في عمران أن الحوثيين اختطفوا نحو 15 فناناً ومنشداً ومهندساً صوتياً وآخرين من مالكي صالات الأفراح طوال أيام عيد الأضحى، ضمن الحملة المستمرة منذ أشهر لمنع الأغاني في حفلات الزفاف.

وأوضحت المصادر أن بعض الفنانين تم اقتيادهم من منازلهم، في حين احتُجز آخرون في نقاط التفتيش، وبعضهم عند عودتهم من إحياء حفلات الزفاف، إذ يضاف هذا العدد من المعتقلين إلى 20 من مالكي الصالات مختطفين منذ مطلع مايو (أيار) الماضي، بعد أن رفضوا طلب المشرف الأمني تحرير تعهدات بمنع الغناء، والالتزام ببث الزوامل (الأهازيج الحوثية الحماسية).

المشرف الحوثي أبو خرفشة يقود حرباً متواصلة على الغناء وقاعات الأفراح (إعلام حوثي)

وطبقاً لمسؤول سابق في الحكومة اليمنية، كان الحوثيون عينوا نايف أبو خرفشة مشرفاً أمنياً لمحافظة عمران (50 كيلومتراً شمال صنعاء) ضمن خطتهم لتحويلها إلى جزء من إمارة طائفية لسلالتهم، وأن المشرف الحوثي شدّد من قبضته على الفعاليات الاجتماعية، ومنع حفلات الزفاف والغناء، وينفذ بشكل مستمر حملات مداهمة للفنانين ومهندسي الصوت والعازفين وأصحاب صالات الأفراح؛ وذلك بعد التحكم بمساجد المحافظة وتغيير القائمين عليها، وفرض توجهات الجماعة الطائفية.

وفي صنعاء كانت الجماعة الانقلابية، ومنذ اقتحامها المدينة والانقلاب على الشرعية، منعت بث الأغاني في المحطات التلفزيونية والإذاعية العامة، وبعدها قامت بمصادرة الإذاعات المحلية وأنشأت محطات إضافية تبث من خلالها «الزوامل» فقط.

كما نفذت الجماعة عدة حملات ضد المقاهي الحديثة بحجة منع الاختلاط، واستهدفت معاهد تعليم اللغات والجامعات، وألزمتها بفصل الإناث عن الذكور، لكن المقاومة المجتمعية لمثل هذه التوجهات مستمرة.

لكن السكان في صنعاء يتوقعون أنه في حال انتهاء الحوثيين من إنشاء إمارتهم الطائفية في محافظتي عمران وحجة لتلحقا بصعدة، سيتجهون نحو صنعاء، خصوصاً بعد نقل مجاميع من أتباعهم من المحافظات الثلاث، ومنحهم أراضي ومباني وامتيازات مالية، حتى يكون لهم تأثير في المجتمع لاحقاً.


مقالات ذات صلة

​ضربات أميركية مركّزة على مخابئ الحوثيين في صنعاء وصعدة

العالم العربي حملة ترمب ضد الحوثيين في اليمن دخلت يومها العاشر (رويترز)

​ضربات أميركية مركّزة على مخابئ الحوثيين في صنعاء وصعدة

دخلت الحملة الأميركية التي أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الحوثيين يومها العاشر غداة ضربات مركزة استهدفت صنعاء وصعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي اليمن يواجه إحدى أشد أزمات المياه حدة في العالم (الأمم المتحدة)

تحذيرات أممية من استنفاد طبقات المياه الجوفية في عدن

أطلق «البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة» تحذيراً من استنفاد طبقات المياه الجوفية لمدينة عدن خلال هذا العام، واقترح تحلية مياه البحر لمواجهة الأزمة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية أميركية على صنعاء (رويترز) play-circle

إعلام حوثي: قتلى ومصابون في هجوم أميركي على صنعاء

أفاد إعلام حوثي بسقوط قتلى وجرحى في هجوم أميركي استهدف مبنى سكنياً في مديرية معين بصنعاء، الأحد، مع استمرار الهجمات الأميركية على مناطق سيطرة الحوثيين باليمن.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مقاتلة «إف 18» تُقلع لضرب الحوثيين من على متن حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» (أ.ف.ب)

غارات أميركية ليلية ضربت الحوثيين في 3 محافظات يمنية

ضربت غارات أميركية ليلية أهدافاً حوثية في 3 محافظات، فيما تبنت الجماعة مهاجمة إسرائيل بصاروخ باليستي أعلنت الأخيرة اعتراضه على غرار 4 صواريخ منذ الثلاثاء.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي تراجع كبير شهدته المساعدات الغذائية في اليمن (أ.ف.ب)

تحذيرات من عواقب إنسانية جرَّاء التصعيد العسكري في اليمن

مع ارتفاع معدلات انتشار سوء التغذية الحاد في عدة مناطق يمنية بصورة تبعث على القلق، حذَّرت منظمات دولية من عواقب التصعيد العسكري الأخير على الوضع الإنساني.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

إسرائيل تعترف بقتل صحافي فلسطيني بزعم أنه «قناص» تابع لـ«حماس»

فلسطينيون يبكون في موقع غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل الصحافي حسام شبات في شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يبكون في موقع غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل الصحافي حسام شبات في شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

إسرائيل تعترف بقتل صحافي فلسطيني بزعم أنه «قناص» تابع لـ«حماس»

فلسطينيون يبكون في موقع غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل الصحافي حسام شبات في شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يبكون في موقع غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل الصحافي حسام شبات في شمال قطاع غزة (رويترز)

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم (الثلاثاء)، مسؤوليته عن قتل صحافي فلسطيني متعاون مع قناة «الجزيرة» في قطاع غزة (الاثنين)، زاعماً أنه كان «قناصاً» تابعا لحركة «حماس».

وقال الجيش في بيان: «الجيش الإسرائيلي والشاباك قتلا أمس (الاثنين) حسام باسل عبد الكريم شبات، وهو إرهابي قنص من كتيبة بيت حانون التابعة لتنظيم (حماس)، وكان يعمل أيضاً صحافياً في قناة (الجزيرة)»، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

كانت قناة «الجزيرة» القطرية قد أعلنت أن صحافياً فلسطينياً متعاوناً معها قُتل، الاثنين، في غارة جوية إسرائيلية بشمال قطاع غزة، في حين قُتل مراسل آخر يعمل مع تلفزيون لـ«حركة الجهاد الإسلامي» في غارة بجنوب القطاع.

جثمان الصحافي حسام شبات الذي قُتل في غارة إسرائيلية وفق المسعفين في شمال قطاع غزة (رويترز)

وقالت «الجزيرة»: «استشهاد المراسل الصحافي حسام شبات، المتعاون مع (الجزيرة مباشر)، بقصف سيارته في جباليا» بشمال القطاع.

وأفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان صحافي أورده المركز الفلسطيني للإعلام، بـ«ارتفاع عدد الشهداء الصحافيين إلى 208 صحافيين، منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، بعد الإعلان عن استشهاد الصحافي محمد منصور، مراسل قناة (فلسطين اليوم) الفضائية، والصحافي حسام شبات مراسل (الجزيرة مباشر)».

وطالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بإدانة «جرائم الاحتلال وردعه وملاحقته في المحاكم الدولية على جرائمه المتواصلة، وتقديم مجرمي الاحتلال للعدالة»، وناشد الجهات المعنية «ممارسة الضغط بشكل جدي وفاعل لوقف جريمة الإبادة الجماعية، ولحماية الصحافيين والإعلاميين في قطاع غزة، ووقف جريمة قتلهم واغتيالهم».