«لم يعد أمامي اختيار آخر سوى شراء مُولّد كهرباء»، بنبرة حزينة خرجت الكلمات على لسان المصري الأربعيني محمد الصايغ، صاحب أحد محال بيع وتأجير فساتين العرائس، في محافظة المنوفية (دلتا مصر)، معللاً إقباله على ذلك بسبب طول فترات انقطاع الكهرباء خلال الأيام الأخيرة.
وقرار الصايغ هو أحد أشكال التكيف مع تداعيات خطة «تخفيف الأحمال»، مع زيادة فترات انقطاع التيار الكهربائي في البلاد لتكون 3 ساعات يومياً على خلفية زيادة الاستهلاك نتيجة ارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية.
وتلجأ الحكومة المصرية لتنفيذ سياسة «تخفيف الأحمال» عبر القطع المتناوب عن المناطق المختلفة، على خلفية نقص إمدادات الوقود لمحطات الكهرباء.
وفي حين أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الثلاثاء، أن حكومته تعمل على حلّ أزمة انقطاع الكهرباء في أقرب وقت ممكن، قال الصايغ لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في موسم يكثر فيه الإقبال على شراء فساتين الزفاف، بسبب أن كثيرين يربطون موعد الزفاف بالإجازة الصيفية»، مشيراً إلى أن «فترات الانقطاع الطويلة للكهرباء أصابت متجره بـ(وقف الحال)»، وفق وصفه، ما دفعه لشراء مولد الكهرباء.
وقال مدبولي إنه سوف يتم تخصيص مليار و180 مليون دولار لتجاوز أزمة الكهرباء خلال فترة الصيف، مضيفاً أنه تم الاقتراب من استهلاك 36 غيغاواط من الكهرباء، وأنه تم التوقف عن تصدير الغاز في الصيف خلال السنوات الأربع الماضية.
وارتفعت نسبة الإقبال على شراء المولدات خلال 2024 إلى 20 في المائة، مقارنة بـ2023، حيث شهدت شركات العدد والآلات نشاطاً كبيراً في حجم مبيعاتها منذ فترة الانقطاع اليومي للتيار الكهربائي، وفق بيان لشعبة العدد والآلات بغرفة القاهرة التجارية، خلال الشهر الحالي.
وهرباً من انقطاع الكهرباء في القاهرة إلى الطقس المعتدل بالساحل الشمالي (شمال غربي مصر)، اختارت الثلاثينية، نهى محمود، السفر والإقامة في «الشاليه» الخاص بعائلتها، وقالت: «لا أطيق الشعور بالحرارة، لذا قررت المكوث في الساحل لعدة أسابيع مقبلة مع شقيقتي، ولا سيما أننا لا نرتبط بعمل يومي بالقاهرة».
وقال الصايغ إنه أجّل قرار شراء مولد الكهرباء أكثر من مرة أملاً في انتهاء خطة تخفيف الأحمال، لكن مع استمرارها اشترى واحداً بـ15 ألف جنيه (الدولار 48.38 جنيه مصري)، وهو بالطبع يمثل عبئاً عليه، إلا أنه يردد مُهوِّناً على نفسه: «هي خسارة قريبة، لكنها أفضل من أن تكون على المدى الطويل خسارتين... المال والزبائن».
وبرزت المولدات الكهربائية كبطلٍ أخيراً في مصر، كونها كانت وراء المبادرات التي تبناها عدد من الكنائس المزودة بها، والتي دعت طلاب الثانوية العامة للحضور إليها والمذاكرة داخل قاعاتها، في أوقات ومواعيد تخفيف الأحمال وانقطاع الكهرباء، وهي الفكرة التي انتشرت سريعاً بين عشرات الكنائس المزودة بـ«المولدات».
وما هي إلا ساعات حتى امتدت المبادرة إلى بعض المساجد والكافيهات والأندية والمراكز التعليمية المزودة بالمولدات في كثير من المحافظات، التي قررت فتح أبوابها هي الأخرى مجاناً للطلاب، ما جعلها تشهد تجمعات طلابية للمذاكرة.
كما قررت مكتبة الإسكندرية ومكتبة مصر العامة الرئيسة بالدقي فتح أبوابهما للطلاب مع استمرار خطة تخفيف الأحمال.
بخلاف المولدات، تكبدت الأسر المصرية أعباء أخرى مع ما تشهده محال وأسواق الأجهزة الكهربائية من إقبال ملحوظ، خلال الأيام الماضية، على شراء كشّافات الكهرباء، والمراوح التي تعمل بالشحن، والمراوح المكتبية المحمولة، والشواحن المنزلية، وأجهزة «الباور بانك» لتشغيل أجهزة «الراوتر»، وأجهزة ضبط تذبذب التيار الكهربائي (منظم التيار)، وذلك لمواجهة الانقطاعات المفاجئة والمتكررة للكهرباء.
وتشير الموظفة الأربعينية، كريمة أشرف، إلى شرائها كشافاً كهربائياً بالشحن خصيصاً لنجلها طالب الثانوية العامة لكي يُعينه على مراجعة دروسه.
جاء ذلك، وسط مطالبات من مواطنين بالالتزام بجدول قطع التيار الكهربائي لضبط مواعيدهم واتخاذ إجراءات تسهل تجاوز ساعات الانقطاع بسلام؛ منها شحن بطاريات أجهزة الهواتف المحمولة والابتعاد عن ركوب المصاعد في أوقات الانقطاع المحددة سلفاً على غرار العام الماضي، أو الذهاب إلى كافيهات مكيفة في أماكن أخرى خلال فترة الانقطاع.
ووفق أعضاء بالغرف التجارية المصرية، فإن سوق الأجهزة والأدوات الكهربائية تشهد في المرحلة الحالية انتعاشة كبيرة، خصوصاً الأجهزة التي تعمل بالشحن، مثل اللمبات والمراوح بجانب مولدات الكهرباء.
أمام ذلك، نشطت مواقع وصفحات التسوّق الإلكتروني في التعريف بأماكن بيع تلك الأجهزة، وتقديم العروض والخيارات المتعددة لشرائها، بما يتوافق مع المتطلبات والإمكانات المادية المختلفة للفئات كافة.
وروت الصحافية المصرية إيمان عوف، عبر حسابها على «فيسبوك»، أن جيرانها في أحد أحياء القاهرة قدّموا مساعدات ملموسة لطالب في المرحلة الثانوية بعدما نفدت بطاريات هواتف أسرته حيث تعاونوا مع والدة الطالب في تقديم كشافات وهواتف أخرى لمساعدته على المذاكرة قبيل الامتحان، مُعقبة: «كل العمارة كانت شريكة في حل الأزمة غير الدعوات للولد».
وهي المواقف التي تعلق عليها الدكتورة داليا الحزاوي، الخبيرة النفسية والأسرية، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «المصريون لجأوا إلى مثل هذه السلوكيات كنوع من التأقلم مع انقطاعات الكهرباء، بما يساعدهم على التحايل وسرعة تخطي هذه الظروف المستجدة، والتخفيف من مرارة هذه الأزمة، كي لا تمثل عبئاً جديداً عليهم، في ظل الأعباء المعيشية والاقتصادية الحالية».
وبحسب رئيس هيئة البترول الأسبق، الدكتور مدحت يوسف، في تصريحات لصحف محلية، فإن مصر تحتاج إلى ضخّ 135 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، و10 آلاف طن مازوت سنوياً لمحطات الكهرباء، لتشغيل طاقة تصل إلى 35 ألف واط من الكهرباء.