جوليان أسانج ينال حريته... كيف بدأت قصة مؤسس «ويكيليكس» وكيف انتهت؟

أنهى نزاعاً قانونياً طويلاً مع القضاء الأميركي بإقراره بالذنب في التهم الموجهة إليه

جوليان أسانج يظهر وهو يضع جهازاً على كاحله في المنزل الذي طُلب منه الإقامة فيه بالقرب من بونغاي بإنجلترا عام 2011 (أ.ب)
جوليان أسانج يظهر وهو يضع جهازاً على كاحله في المنزل الذي طُلب منه الإقامة فيه بالقرب من بونغاي بإنجلترا عام 2011 (أ.ب)
TT

جوليان أسانج ينال حريته... كيف بدأت قصة مؤسس «ويكيليكس» وكيف انتهت؟

جوليان أسانج يظهر وهو يضع جهازاً على كاحله في المنزل الذي طُلب منه الإقامة فيه بالقرب من بونغاي بإنجلترا عام 2011 (أ.ب)
جوليان أسانج يظهر وهو يضع جهازاً على كاحله في المنزل الذي طُلب منه الإقامة فيه بالقرب من بونغاي بإنجلترا عام 2011 (أ.ب)

بعد نزاع طويل استمر 14 عاماً مع القضاء الأميركي، مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج حر!

وغادر جوليان أسانج عصر أمس (الاثنين) بريطانيا؛ حيث كان مسجوناً منذ 5 سنوات في سجن مشدد الحراسة، فيما يعد نهاية مفاجئة لملحمة قانونية، أثارت قضايا تتعلق بالأمن القومي وحريات الصحافة والسياسة والدبلوماسية.

وانتشر الخبر بُعيد إعلان القضاء الأميركي أنه أبرم اتفاقاً مع الأسترالي المثير للجدل، جوليان أسانج، للاعتراف بذنبه مقابل إخلاء سبيله.

وفي التفاصيل، توصل جوليان أسانج إلى اتفاق مع القضاء الأميركي، يعترف بموجبه بذنبه في التهم المتعلقة بفضح أسرار عسكرية، مقابل إطلاق سراحه، منهياً بذلك سنوات من النزاع القانوني، وفقاً لوثائق قضائية نُشرت مساء الاثنين.

أين أسانج الآن وماذا سيحصل؟

وفور نشر الوثائق القضائية، قال «ويكيليكس» إن أسانج (52 عاماً) غادر صباح الاثنين سجن بلمارش، وإن القضاء البريطاني أخلى سبيله من السجن عصراً بكفالة.

استقل أسانج رحلة من مطار ستانستيد في لندن يوم الاثنين، وغادر على متنها المملكة المتحدة.

وبموجب هذا الاتفاق، سيتقدم أسانج بالاعتراف بتهمة «التآمر للحصول على معلومات سرية تتعلق بالدفاع الوطني، والكشف عنها»، عند مثوله أمام محكمة فيدرالية في جزر ماريانا الأميركية، الواقعة في المحيط الهادئ، غداً (الأربعاء).

مؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج يصعد على متن طائرة مغادراً لندن (رويترز)

وأمضي جوليان أسانج 1901 يوم في سجن بلمارش شديد الحراسة، وفق ««ويكيليكس».

وبموجب شروط الاتفاقية، سيسعى ممثلو الادعاء في وزارة العدل الأميركية إلى الحكم عليه بالسجن لمدة 62 شهراً، وهو ما يعادل مقدار الوقت الذي قضاه أسانج في المملكة المتحدة، خلال نضاله ضد تسليمه، حسب شبكة «سي إن إن».

وتنص صفقة الإقرار بالذنب على احتساب الوقت الذي قضاه أسانج، مما يسمح له بالعودة على الفور إلى أستراليا. ولا يزال يتعين الموافقة على الصفقة من قبل قاضٍ اتحادي، وفق الشبكة.

ونظراً لأن أسانج كان مقاوماً لدخول القارة الأميركية للإقرار بذنبه، فإن القاضي سيعقد جلسة الاستماع والحكم معاً يوم الأربعاء في سايبان، في جزر ماريانا الشمالية، وفقاً لرسالة قدمها المدعون.

يشار إلى أن سلسلة جزر المحيط الهادئ هي منطقة أميركية تقع على بعد نحو 6 آلاف كيلومتر (3700 ميل) غرب هاواي، وتوجد محكمة محلية اتحادية أميركية في العاصمة سايبان.

وقال ممثلو الادعاء إن الجزر أيضاً أقرب إلى أستراليا؛ حيث موطن أسانج، ومن المتوقع أن يعود إليها بعد جلسة المحكمة.

جوليان أسانج يلوح بيده من نافذة سيارة خلال إخراجه من محكمة في لندن (أ.ف.ب)

عودة الى البدايات... كيف ذاع اسم جوليان أسانج؟

ولد جوليان أسانج في عام 1971 في تاونسفيل بولاية كوينزلاند، شمالي أستراليا، وعاش طفولته في ترحال مع والديه اللذين كانا يديران مسرحاً جوالاً، حسب شبكة «بي بي سي». ورُزق بطفل وهو في سن الـ18، وسرعان ما خاض معارك قضائية بشأن حق حضانة الطفل.

ووفَّر تطور الإنترنت لأسانج فرصة لاستخدام تفوقه في مجال الرياضيات؛ لكنه سبب له مصاعب؛ إذ واجه مع صديق له في عام 1995 اتهامات بارتكاب عشرات من أعمال القرصنة الإلكترونية. وألقي القبض عليه وأقر بذنبه.

ودفع أسانج كفالة بعدة آلاف من الدولارات الأسترالية كي يظل خارج السجن، بشرط ألا يكرر فعلته.

وأمضى بعد ذلك 3 أعوام يعمل مع الباحثة الأكاديمية سويليت دريفوس؛ حيث كانت تجري أبحاثاً تتعلق بالجانب التخريبي الناشئ من الإنترنت، وأعد معها كتاب «العالم السفلي» الذي بات من أكثر المؤلفات المتعلقة بالكومبيوتر مبيعاً.

جوليان أسانج متوجهاً نحو الطائرة لمغادرة بريطانيا بعد الإفراج عنه (أ.ف.ب)

موقع «ويكيليكس»

دشن جوليان أسانج موقع «ويكيليكس» في عام 2006، مع مجموعة من أصحاب الأفكار المماثلة لأفكاره، مبتكراً ما يُطلق عليه «علبة رسائل ميتة» على الإنترنت، لمن يريد نشر أي تسريبات.

وقال أسانج لـ«بي بي سي» في عام 2011: «كان علينا أن نوزع الأصول، ونشفر كل شيء، وننقل الاتصالات السلكية واللاسلكية وكذلك الأفراد حول العالم، لإبقاء مصادرنا في أمان. ولتفادي قوانين الحماية في دول تشريعاتها القضائية مختلفة».

وتبنى أسانج نمط حياة أشبه بالبدو الرحالة، ليدير «ويكيليكس» من مواقع مؤقتة ومتغيرة.

ولدى أسانج القدرة على أن يمضي أياماً عدة بلا طعام، منكبّاً على العمل، ومن دون نوم لساعات كافية، حسب مجلة «نيويوركر».

انطلق موقع «ويكيليكس» عام 2006 (متداولة)

وفي عام 2010، لفت موقع «ويكيليكس» الاهتمام العالمي، عندما نشر مقطع فيديو زعم أنه يظهر هجوماً مميتاً بطائرة هليكوبتر أميركية في العراق عام 2007.

وبعد فترة وجيزة، نشرت «ويكيليكس» آلاف الوثائق العسكرية الأميركية السرية المتعلقة بالحروب في العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى مجموعة من البرقيات الدبلوماسية.

ووصف أسانج الوثائق سابقاً لشبكة «سي إن إن» بأنها «أدلة دامغة على جرائم حرب» ارتكبتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة والقوات الحكومية العراقية.

تهم أسانج

وكان أسانج مطلوباً من قبل السلطات الأميركية بتهم التجسس المرتبطة بنشر «ويكيليكس» مئات الآلاف من الوثائق العسكرية والحكومية الحساسة التي قدمتها محللة الاستخبارات العسكرية السابقة تشيلسي مانينغ، في عامي 2010 و2011.

تشيلسي مانينغ كانت تعمل محللة للجيش الأميركي في العراق (رويترز)

واتهمت الولايات المتحدة أسانج بتعريض حياة مصادر سرية للخطر، من خلال نشر البرقيات غير المفلترة، وكانت تسعى منذ سنوات لتسليمه.

واجه 18 تهمة لدوره المزعوم في الانتهاك، وواجه عقوبة تصل إلى 175 عاماً في السجن حداً أقصى. وطلبت السلطات البريطانية تطمينات من الولايات المتحدة بأنه لن يُحكَم عليه بالإعدام.

كيف بدأت القضية... وانتهت؟

عام 2009، قامت محللة استخبارات الجيش الأميركي، المعروفة الآن باسم تشيلسي مانينغ، بتنزيل مجموعات كبيرة من المستندات من شبكة كومبيوتر سرية، وتحميلها على «ويكيليكس»، وفق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» سلسل أحداث القضية.

وتتضمن هذه الوثائق شريط فيديو لضربة شنتها طائرة هليكوبتر أميركية في بغداد، قُتل فيها مصور «رويترز»، وسجلات حوادث من حربَي أفغانستان والعراق، وأكثر من 250 ألف برقية دبلوماسية من السفارات الأميركية في جميع أنحاء العالم، ومئات الملفات التي تجمع مزاعم استخباراتية ضد معتقلي غوانتانامو.

في عام 2010، بدأ «ويكيليكس» نشر المادة، وبدا حينها أن «ويكيليكس» قد يكون لديه مصادر عدَّة داخل الحكومة الأميركية، مما أدى إلى اكتساب أسانج شهرة عالمية. وفي نهاية المطاف، تم القبض على مانينغ، وتم التعرف عليها على أنها مصدر تسريب الوثائق الأميركية السرية.

فتحت وزارة العدل تحقيقاً في «ويكيليكس»، وناقشت إدارة أوباما (الرئيس الأميركي آنذاك) داخلياً، ما إذا كان يمكنها اتهام أسانج بارتكاب جريمة من دون خلق سابقة من شأنها الإضرار بحرية الصحافة.

أصدرت السويد مذكرة اعتقال بحق أسانج فيما يتعلق بالتحقيق في اعتداء جنسي. وبدأت بطاقات الائتمان والبنوك في رفض معالجة التبرعات لموقع «ويكيليكس».

في عام 2012، طلب جوليان أسانج اللجوء من الإكوادور، بعد أن خسر استئنافه لمذكرة الاعتقال السويدية في بريطانيا. منحته الإكوادور اللجوء بناءً على ادعائه الاضطهاد السياسي، والخوف من إمكانية إرساله إلى الولايات المتحدة. وقضى السنوات السبع متحصناً في السفارة.

في عام 2016، نشر «ويكيليكس» رسائل بريد إلكتروني مخترقة من الديمقراطيين، وذلك في ذروة الحملة الرئاسية بين هيلاري كلينتون ودونالد ترمب.

في 2019، تم القبض على أسانج. المدعون السويديون أوقفوا تحقيقهم مع أسانج. الإكوادور ألغت لجوءه، ودعت الشرطة البريطانية لدخول السفارة واعتقاله لانتهاكه الكفالة. وحُكم عليه في نهاية المطاف بالسجن لمدة 50 أسبوعاً لهذه الجريمة.

كشفت الولايات المتحدة عن لائحة الاتهام الأولية، وأضافت إليها فيما بعد اتهامات أخرى. وواجه أسانج في النهاية مجموعتين من الاتهامات: إحداهما مؤامرة متعلقة بالقرصنة، بزعم محاولته مساعدة مانينغ وتشجيع المتسللين على سرقة أسرار أميركية، وإرسالها إلى «ويكيليكس». أما المسألة الأخرى -والتي تحمل آثاراً كبيرة على حريات الصحافة- فهي تتعلق بما إذا كان قد انتهك قانون التجسس من خلال التماس ونشر أسرار الأمن القومي الأميركي.

ناشطون يحملون لافتات خارج محكمة وستمنستر في لندن عام 2022 تطالب بالإفراج عن مؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج (أ.ف.ب)

في عام 2021، منع قاضٍ بريطاني تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة، على أساس أنه قد يكون معرضاً لخطر الانتحار إذا كان محتجزاً في سجن أميركي.

لكن الولايات المتحدة أكدت لبريطانيا أنها لن تحتجزه في ظل أكثر الظروف تقشفاً المخصصة للسجناء شديدي الحراسة، وأنه إذا تمت إدانته، فيمكنه قضاء عقوبته في موطنه أستراليا. وبناءً على تلك التأكيدات، قضت محكمة بريطانية لاحقاً بإمكانية تسليمه، ولكن تبع ذلك سنوات من الاستئنافات الإضافية.

في عام 2022، مجموعة من المؤسسات الإخبارية التي عملت مع «ويكيليكس» في نشر تسريبات مانينغ، طلبت من إدارة بايدن إسقاط التهم الموجهة إلى أسانج.

وقالت رسالتهم إن اتهام مثل هذه الأنشطة ذات الطابع الصحافي بأنها جريمة «يشكل سابقة خطيرة» تهدد بتقويض التعديل الأول للدستور وحرية الصحافة.

بين عامي 2022 و2024، استأنف أسانج قرار تسليمه، وشق طريقه عبر المحاكم البريطانية.

وكان من المقرر عقد الجلسة التالية في يوليو (تموز) المقبل، عندما أعلنت وثائق المحكمة أنه أبرم صفقة إقرار بالذنب مع الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بقضايا الفساد المرفوعة ضده ووصفها بأنها «مهزلة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

فرضت محكمة جزائرية، مساء الخميس، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الهيشري القيادي في «جهاز الردع» الليبية خلال مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية الأربعاء (المحكمة)

مثول ليبي أمام «الجنائية الدولية» يقلب الطاولة على رئيس «الوحدة»

عدّ المجلس الاجتماعي «لسوق الجمعة - النواحي الأربع» في العاصمة الليبية، القبض على الهيشري، «اعتداءً سافراً على سيادة الدولة الليبية وتصفية للقضاء الوطني».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي كريستوف غليز (أ.ف.ب)

ماكرون يبدي «قلقاً بالغاً» لإدانة صحافي فرنسي في الجزائر

أعلن قصر الإليزيه، الخميس، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «تلقى بقلق بالغ نبأ الحكم بالسجن على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز في الجزائر».

«الشرق الأوسط» (باربس)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي المسجون في الجزائر (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

محاكمة صحافي تضع التقارب الجزائري - الفرنسي تحت «اختبار عسير»

شهد محيط محكمة مدينة تيزي وزو شرق العاصمة الجزائرية، الأربعاء، أجواء غير عادية بسبب محاكمة صحافي فرنسي تطالب بلاده بالإفراج عنه.


تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».