دونالد ساذرلاند... أرستقراطي السينما الذي «لا يُعوَّض»

ميَّزته اللمسة الخاصة ومخاطبة زملائه والكاميرا من موقع قوة

الحضور الطاغي (رويترز)
الحضور الطاغي (رويترز)
TT

دونالد ساذرلاند... أرستقراطي السينما الذي «لا يُعوَّض»

الحضور الطاغي (رويترز)
الحضور الطاغي (رويترز)

أتقن الممثل الكندي الراحل، الخميس، دونالد ساذرلاند، بحضوره الطاغي على الشاشة، جميع الأدوار؛ من النذالة إلى إعلاء شأن الإغواء في أفلام مثل «لا تنظر الآن»، و«كلوت». كان فريداً تماماً، ونجماً لا يُعوَّض، كما تقول صحيفة «الغارديان». تمتَّع بوسامة مميّزة تُشبه الأسد، ويقظة، وعقلانية، وجاذبية.

خلفيته الكندية، بجانب تدريبه المُبكر وخبرته في إنجلترا وأسكوتلندا، أعطت أدواره الأميركية لمسة معيّنة من الرقي الأنجلو - دولي. كان دونالد ساذرلاند مهيباً ودقيقاً، فمنح كل فيلم من أفلامه شيئاً مميزاً. لقد خاطب زملاءه الممثلين والكاميرا من موقع قوة.

خاطب زملاءه الممثلين والكاميرا من موقع قوة (أ.ف.ب)

وإنْ لعب شخصية ساذجة، كما دور البطولة في «كازانوفا» لفيدريكو فيلليني عام 1976، ظلَّ ساذرلاند قوياً؛ أبقى على وجهه الذكي متعاطفاً مثل «كازانوفا»، رغم أنه يُشبه الوحش الأسطوري. أما في ملحمة المخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي، «1900»، فقد لعب دور شخصية فاشية يُدعى «أتيلا البشع». ورغم أنه بالتأكيد بعيد جداً عن التعاطف، فقد أدّاه بديناميكية مثيرة للاشمئزاز ومفعمة بالوميض البرّاق. في السنوات الأخيرة، مال نحو الجاذبية، ولكن في أوج نشاطه، نقل الغضب الشديد أو الفرح أو البهجة أو الخبث أو الانفصال الساخر المبهج، كما في فيلم «ماش» لروبرت ألتمان عام 1970، بأدائه دور «هوكيي بيرس»، الجرّاح الميداني المتألّق غير المسؤول في الجيش الكوري. قدَّم شخصية منشقّ ينبض بالحياة، يتحرّك بطاقة هائلة بلا اتجاه، على العكس من اللامبالاة المرحة التي أدّى بها آلان ألدا الدور عينه على شاشة التلفزيون.

كان فريداً تماماً ونجماً لا يُعوَّض (أ.ب)

لم يقتصر تفوّق ساذرلاند على تجسيد أدوار الأبطال النبلاء فحسب، بل امتدّ إلى الأدوار الشريرة والشهوانية. كذلك أتقن تجسيد هموم الرجل المحترم الذي يتحمّل أعباء القيادة أو الحزن. انجذب إلى الأدوار القيادية المعقَّدة، ووجد المخرجون مراراً أنه يتمتّع بالجدية الفكرية والنضج العاطفي لتجسيد شخصية الأب المعقَّدة، أو ربّ العائلة المضطرب، كما في فيلم «أناس عاديون» لروبرت ريدفورد. وربما الدور الأكثر إثارة على الإطلاق، هو دوره مؤرّخاً للفن يُدعى «جون باكستر» في فيلم «لا تنظر الآن» لنيكولاس روغ عام 1973.

تمتَّع بوسامة مميّزة تُشبه الأسد (أ.ب)

نطاق ساذرلاند في هذا الفيلم رائع، فهو يفطر القلوب بوصفه الرجل الذي عليه سحب جثة ابنته الصغيرة من البركة في البداية، ويؤثّر تأثيراً عميقاً بوصفه زوجاً يعيد بناء علاقته العاطفية والحميمية مع زوجته، بينما يكافحان للتعامل مع أحزانهما. أعطانا وجولي كريستي مشهد «الثنائي المتزوج» الأكثر طبيعية وأصالة في تاريخ السينما، وقد اشتهرا ببطولة المشهد الحميمي الأكثر روعة في عالم الفنّ السابع، إذ مارسا الحبّ في غرفة فندقية في فينيسيا لعلاج آلامهما العاطفية، وهي المرة الأولى التي يفعلان ذلك منذ وفاة طفلتهما. ربما هذا ما جعل دوره ممكناً في فيلم «أناس عاديون»، بوصفه والداً يتعامل مع الموت العرضي لأحد أبنائه. في عام 1971، قدَّم ساذرلاند مساهمته الحاسمة في روح العصر الأميركي التعسة من خلال دوره الرئيسي في فيلم جنون العظمة المثير «كلوت»، لآلان باكولا، الذي يلعب فيه دور محقّق غامض يضع امرأة (جين فوندا) تحت المراقبة للاشتباه بعلاقتها باختفاء رجل أعمال. يترك الفيلم لنا المجال لنقرّر مدى استمتاع المحقّق ساذرلاند الصارم بهذه الوظيفة تحديداً، خصوصاً أنه من الطبيعي أن ينخرط وفوندا في علاقة. إنه أداء رائع، رغم أنّ ساذرلاند لم يكن يتمتّع بالجاذبية الجنسية التقليدية لنجم سينمائي، مثل روبرت ريدفورد، أو زميله في فيلم «ماش» إليوت غود... فإن مسيرته المهنية سارت بشكل مختلف قليلاً عن نجوم الصف الأول في تلك الحقبة، أو إلى جانبهم. أدواره كانت دائماً مندفعة بشدّة برفقة شخصيته التي لا تُقهر، المحاسب العاطفي المكبوت في فيلم «يوم الجراد» للمخرج جون شليزنغر عام 1975، حتى المجرم الغبي في فيلم «الدزّينة القذرة» لألدريش، الذي كُلِّف بالتظاهر بأنه جنرال، ربما على أساس أنّ ذكاءه المنخفض يجعله مناسباً لتقليد فئة ضباط الصفّ متوسّطي الذكاء. كانت تلك إشارة إلى السخرية المناهضة للحرب التي تنبأت بفيلم «ماش».

نجمة لدونالد ساذرلاند على رصيف المشاهير في هوليوود (إ.ب.أ)

في سنوات نضجه، كثيراً ما لعب أدواراً مميزة، ومُساعِدة قوية. أما دوره الأكثر حزناً وغضباً في أواخر مسيرته - تتابع «الغارديان» - فهو دور المدرِّس الأبيض بجنوب أفريقيا في فيلم «موسم جاف أبيض» لأوزهان بالسي. يتعامل ساذرلاند ببرودة في البداية مع اعتقال السلطات لابن البستاني الأسود البريء (نكتشف لاحقاً أنه قُتل)، لكنه يتحول إلى رافض للعنصرية ويغضب عندما يدرك أنّ حياته كلها كانت في خدمة الطبقة الحاكمة العنصرية. مشهد مثير جداً عندما تصفع شخصية ساذرلاند وجه مدير المدرسة لأنه وصفه بالخائن. كان ساذرلاند أرستقراطياً من أبطال الشاشة.


مقالات ذات صلة

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من مهرجان «القاهرة السينمائي» (رويترز)

أفلام فلسطينية ولبنانية عن الأحداث وخارجها

حسناً فعل «مهرجان القاهرة» بإلقاء الضوء على الموضوع الفلسطيني في هذه الدورة وعلى خلفية ما يدور.

محمد رُضا (القاهرة)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
TT

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير الذين اختفوا عن حفل الختام الذي أقيم في قصر ثقافة مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء.

ووفق نقاد، فإن التضارب الذي يحدث بين مواعيد انعقاد مهرجانات مصرية على غرار «شرم الشيخ المسرحي» و«القاهرة السينمائي» هو السبب وراء اختفاء نجوم الشاشات والمسرح عن حضور فعاليات المهرجان.

ورغم استمرار انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي المعروف بكثافة فعالياته، جرى تكريم بعض نجوم الفن والسينما، عبر حفل «غولدن غلوب» ومجلة «Enigma»، بأحد الفنادق الكبرى على النيل، كان من بينهم الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والفنانة يسرا، اللذان تم منحهما جائزة «عمر الشريف».

وشهد حفل ختام «شرم الشيخ المسرحي» حضور عدد قليل من الفنانين والمسرحيين، من بينهم الفنان سيد خاطر، وكيل وزارة الثقافة المصرية الأسبق، وأحمد بو رحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة، والفنان علاء مرسي، والفنان والبروفيسور الروسي ميخائيل جوريفوري، والمخرج الروماني قسطنطين كرياك، رئيس مهرجان سيبيو الدولي، والفنانة حلا عمران، والفنانة اللبنانية مروة قرعوني، والفنان أحمد وفيق، والمخرج السوري ممدوح الأطرش، والكاتبة فاطمة المعدول، والدكتور سعيد السيابي من سلطنة عمان، والمخرج عصام السيد، والفنانتان المصريتان عزة لبيب، ومنال سلامة.

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي (شرم الشيخ المسرحي)

وسيطرت مصر على جوائز حفل الختام؛ إذ حصل شباب مسرحها على جائزة أفضل عرض متكامل بمسرحية «هجرة الماء» وشهادتي تقدير لجودة العمل في مسابقة مسرح الطفل والنشء، كما حصل المصري أحمد بيلا على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع، عن عرض «خلف النافذة»، أما عن أبرز الجوائز العربية فحصل العرض الإماراتي «حكايات صامتة» على جائزة أفضل أداء جماعي في مسابقة مسرح الطفل والنشء، وحصل العرض العماني «فضيلة عبيد» على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع.

وأعلن المخرج مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس المهرجان، أن دولة كوريا الجنوبية ستكون ضيف شرف المهرجان في الدورة المقبلة التي ستحمل اسم الفنانة المصرية القديرة إلهام شاهين، لمسيرتها المهمة في المسرح المصري والعربي.

وأعرب المخرج السوري ممدوح الأطرش عن سعادته البالغة لتكريمه في مصر، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع المهرجان منذ انطلاقه قبل 9 سنوات، وأراه يتطور سنة تلو الأخرى».

ممدوح الأطرش خلال حفل الختام (شرم الشيخ المسرحي)

وعن أعماله الفنية التي يحضر لها خلال الفترة المقبلة، قال الأطرش: «أجهز لفيلم سينمائي عن حياة الفنانة الراحلة أسمهان، نجري حالياً تشاورات ونقاشات عدة حوله، حتى يخرج بالصورة الرائعة التي تُمثل قيمة أسمهان بصفتها فنانة عالمية، مع سرد سريع لقصة عائلة الأطرش».

يُذكر أن الدورة التاسعة من المهرجان كانت تحمل اسم المخرج الكبير الراحل جلال الشرقاوي، وشهدت مشاركة 36 دولة، ومنح الفنانة السورية حلا عمران درع «سميحة أيوب»، بجانب تكريم الفنان علاء مرسي، والفنان الروسي ميخائيل جوريفوي، والمخرج السوري ممدوح الأطرش.