تحطم قمر اصطناعي واحد يمكن أن يقلب الحياة على الأرض رأساً على عقب

سفينتان أميركية عاملة وروسية عاطلة اقتربتا لمسافة 10 أمتار

استكشاف الفضاء له أيضاً عواقب وخيمة
استكشاف الفضاء له أيضاً عواقب وخيمة
TT

تحطم قمر اصطناعي واحد يمكن أن يقلب الحياة على الأرض رأساً على عقب

استكشاف الفضاء له أيضاً عواقب وخيمة
استكشاف الفضاء له أيضاً عواقب وخيمة

في وقت سابق من هذا العام، كاد يصطدم قمران اصطناعيان تابعان لبلدين متخاصمين، في أثناء دورانهما حول الأرض بسرعة آلاف الأميال في الساعة؛ الأول، سفينة فضائية أميركية في مهمة لوكالة «ناسا» لدراسة الغلاف الجوي العلوي لكوكب الأرض، لم يكن مصمماً للمناورة في المدار. أما القمر الثاني فهو سفينة مراقبة فضائية روسية كانت معطلة، وبالتالي لا يمكن السيطرة عليها، الأمر الوحيد الذي يمكن للناس على الأرض فعله - في هذه الحالة - هو المشاهدة!

كوكب الأرض: سطح ملوث بالنفايات وفضاء بالشظايا والحطام

خطر الاصطدام الفضائي

بقي دارين ماكنايت، خبير الحطام الفضائي، مستيقظاً طوال ليلة 28 فبراير (شباط) الماضي، يراقب مسارات الأقمار الاصطناعية التي يبلغ وزنها مجتمعة عدة آلاف من الأرطال. قال لي ماكنايت: «شعرت بالعجز الشديد». ووفقاً لشركة «ليولابس» LeoLabs الأميركية للتتبع الفضائي التي يعمل فيها ماكنايت، فإن احتمال الاصطدام في تلك الليلة كان يتراوح بين 3 و8 في المائة.

قد لا يبدو ذلك فظيعاً جداً، لكن المخاطر واردة فوق الأرض.

وفي العادة يبدأ متتبعو الأقمار الاصطناعية، مثل ماكنايت، في دق ناقوس الخطر عندما يصل احتمال وقوع حادث إلى 0.001 في المائة؛ لا أحد يريد أن يرى عدداً صحيحاً، أو لا سمح الله، نسباً مكونة من رقمين.

في النهاية، انتهى الأمر بالسفينة الفضائية البحثية وقمر التجسس بالمرور على بعد 33 قدماً (10 أمتار تقريباً) فقط من بعضهما البعض.

وفي مؤتمر عُقد مؤخراً، قال بام ميلروي، نائب مدير وكالة «ناسا»، إن الحادث المحتمل كان «صادماً للغاية»، و«أخافنا حقاً». كان من الممكن أن يؤدي الاصطدام بين القمرين الاصطناعيين إلى إطلاق آلاف من شظايا الحطام في مدار أرضي منخفض، وهي منطقة مزدحمة بالفعل من الفضاء، حيث أصبحت «الممرات» القريبة أكثر شيوعاً.

المناورة والحظّ لتجنب الكوارث

لقد حدث العديد من الأحداث المولدة للحطام، كما يسميها الخبراء، على مدى العقود العديدة الماضية. لقد نجحنا حتى الآن في تجنب وقوع كارثة كبيرة من خلال مزيج من المناورة والحظ. ولكن الهيئات الحكومية والشركات بدأت تدرك أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، وبدأت الاستثمار في الجهود الرامية إلى «إدارة الفوضى».

إن التهديد بوقوع حدث كارثي يكمن دائماً في خطر المدار الأرضي المنخفض، ولا يمكن التنبؤ به، وهو ما يثير القلق. إنه لا يختلف عن الزلزال الكبير الذي من المتوقع أن يضرب كاليفورنيا في العقود المقبلة.

سيناريوهات التصادمات

وفي المشهد المداري، يمكن أن يأتي «الحدث الكبير» في شكل أي عدد من السيناريوهات: الاصطدامات بين الأقمار الاصطناعية، أو الإسقاط المتعمد لمركبة فضائية، أو حدث نووي. لكن نتيجة مثل هذا الحدث الزلزالي في المدار، هي نفسها... إنها انفجار هائل من الشظايا سريعة الحركة، العشوائية في تدميرها، سوف تنطلق عبر غلاف الأرض المكتظ بالأقمار الاصطناعية، ما يهدد بتحويل العالم إلى واقع جديد.

حدث هادئ يدمر الاتصالات

سيكون «الحدث الكبير» في الفضاء حدثاً هادئاً بشكل غريب. لن نرى تأرجح البنية التحتية التي تجعل الكثير من حياتنا الحديثة ممكناً، وبدلاً من ذلك، ستظهر الكارثة في راحة أيدينا عندما تكافح هواتفنا الذكية فجأة للعمل.

توفر تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية الاتصالات ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وحتى حساب الوقت للأشخاص والشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم.

وإذا فشلت، فإن شبكات الطاقة، والوظائف الزراعية، وطرق الشحن، والمعاملات المصرفية، يمكن أن تتعثر بسرعة أيضاً. وسوف تعاني المهمات الفضائية الجديدة من بيئة أكثر خطورة.

أسوأ السيناريوهات

في أسوأ السيناريوهات، وهي ظاهرة افتراضية تسمى متلازمة كيسلر Kessler syndrome، يمكن أن يصبح الفضاء مكتظاً بالمعدات الفضائية لدرجة أن الاصطدامات تؤدي إلى سلسلة متواصلة من الاصطدامات، ما يجعل الحركة في المدار الأرضي المنخفض شبه مستحيلة.

إن حقيقة أننا تمكنا من ملء الفضاء - الفضاء! - بكمية كبيرة من النفايات قد يكون من الصعب فهمها. الفضاء، بعد كل شيء، هائل. لكن جون كراسيديس، أستاذ الهندسة الميكانيكية وهندسة الطيران في جامعة بوفالو، قال لي: «إنه يتضاءل كل يوم». وتنضم الأقمار الاصطناعية المنتشرة اليوم إلى الأقمار الاصطناعية المعطلة التي تم إطلاقها منذ عقود مضت.

ازدحام المدار الأرضي المنخفض

المدار الأرضي المنخفض، الذي يصل ارتفاعه إلى نحو 1200 ميل فوق سطح الأرض، مليء أيضاً بأجهزة صاروخية مهملة، والتي يمكن أن تولد المزيد من الشظايا عندما تنفجر خزانات الوقود أو البطاريات. وفي نهاية المطاف، تسقط بعض الأقمار الاصطناعية الميتة وأجزاء من الحطام خارج مدارها، حيث تنزل باتجاه الأرض، ولكن من المرجح أن يظل البعض الآخر موجوداً لعدة قرون.

آلاف من الحطام والشظايا

الجيش الأميركي على علم بوجود أكثر من 25000 جسم في مدار أرضي منخفض أكبر من حجم قطعة من حلوى الدونات.

أما أصغر القطع، التي يقدر عددها بمئات الآلاف، فهي أصغر من أن يتم تتبعها. تتفادى محطة الفضاء الدولية القطع المعدنية التي يحتمل أن تكون خطرة، مرة واحدة تقريباً كل عام، وتقوم بتعديل مدارها قليلاً لتجنبها... على سبيل المثال، جزء من صاروخ ياباني، أو الحطام الناتج عن اختبار صيني مضاد للأقمار الاصطناعية.

تعدّ الارتفاعات الأعلى أقل ازدحاماً، لكنها تفتقر إلى وجود السحب الجوي الذي من شأنه أن يساعد في التخلص من الشظايا التي تكونت حديثاً، ولذا تتزايد كمية النفايات هناك.

مجموعات صاروخية دوّارة

يشعر ماكنايت بالقلق بشكل خاص بشأن ما يسميه «الأحياء السيئة». أحد تلك «الأحياء» عبارة عن مجموعة من أجسام الصواريخ، كل منها بحجم حافلة مدرسية وتزن نحو 20 ألف رطل، التي كانت تحلق فوق بعضها البعض منذ أوائل التسعينات.

إن احتمال حدوث تصادم هناك في السنوات الخمس المقبلة يبلغ نحو 6 في المائة، ويا ​​له من تصادم: «إذا اصطدمت اثنتان من تلك القطع فسوف تخلقان ما يتراوح بين 15000 إلى 20000 شظية يمكن تتبعها، والتي ستكون مدمرة إذا اصطدمت بأي قمر عامل».

أما الرقم القياسي الحالي لأكثر الشظايا فهو اختبار الصاروخ الباليستي الذي أجرته الصين ضد أحد أقمارها الاصطناعية الخاصة بالطقس في عام 2007، ولم ينتج عنه سوى نحو 3600 شظية قابلة للتتبع. وهناك مجموعة أخرى، مكونة من أجهزة أصغر بكثير تعود إلى الحقبة السوفياتية، لديها فرصة بنسبة 24 في المائة للتعرض للاصطدام بحلول عام 2029. وقال ماكنايت إن هذه الأجسام أصغر بكثير، لذا فإن التصادم لن يؤدي إلا إلى نحو 5000 جزء. لكن الحدث المولّد للحطام لا يحتاج إلى أن يتضمن أجساماً ضخمة لإحداث الفوضى. وفي عام 2021، أدى اختبار الأسلحة الروسية إلى نشوء 1500 قطعة فقط من الحطام، مما أجبر سكان محطة الفضاء الدولية على الاحتماء في أماكنهم؛ إذ يمكن لقطعة صغيرة من الحطام سريع الحركة أن تحطم نافذة في محطة الفضاء الدولية. يمكن لشظية كبيرة أن تمزق المحطة.

إزالة الحطام المداري

أدت المخاوف المتزايدة بشأن الحطام المداري إلى ظهور مجموعة جديدة من شركات الفضاء التي تركز على إزالتها. وقد أجرت شركة «أستروسكايل» Astroscale اليابانية بالفعل عرضاً توضيحياً في المدار، حيث اقتربت من المركبة الفضائية المستهدفة للتخلص منها. ولكن تكنولوجيا إزالة الحطام قد تكون مكلفة للغاية بحيث لا يمكن التوسع فيها؛ فحتى أصغر المناورات تتطلب كميات كبيرة من الوقود.

التنظيف العميق ليس هو الحل على أي حال. قالت لي كارولين فرويه، أستاذة هندسة الطيران في جامعة بوردو: «لا يمكننا جمع كل القطع وإعادتها إلى الأرض». وبدلاً من ذلك، يتعين على العالم أن يتفق على مقدار الفوضى التي ينبغي إحداثها.

في الولايات المتحدة، ستلزم قاعدة جديدة قريباً مشغلي الأقمار الاصطناعية بالتخلص بأمان من مركباتهم الفضائية بعد مرور أكثر من خمس سنوات على انتهاء مهمتها. وفي العام الماضي، تم تغريم شركة تلفزيون مقرها كولورادو مبلغ 150 ألف دولار لفشلها في إخراج قمر اصطناعي قديم من مداره بشكل صحيح، وهي عقوبة صغيرة للغاية، ولكنها تاريخية رغم ذلك. وهناك قاعدة أخرى تهدف إلى الحد من نمو الأجهزة الصاروخية المهجورة مطروحة على الطاولة.

قد تكون القوى الفضائية الأقدم مثل الولايات المتحدة، مستعدة للتعامل مع مخاطر الأجهزة الصاروخية العالقة، لكن الصين، التي أصبحت قوة عظمى، تركت أجزاء صاروخية في المدار خلال العشرين عاماً الماضية أكثر مما تركته بقية دول العالم مجتمعة، وقال ماكنايت: «لا يبدو من المرجح أن يتغير المسار في أي وقت قريب».

* «ذي أتلانتك أونلاين»، خدمات «تريبيون ميديا».

حقائق

أكثر من 25000

جسم في مدار أرضي منخفض أكبر من حجم قطعة من حلوى الدونات

حقائق

0.001 بالمائة

عند هذه النسبة يدق الخبراء ناقوس الخطر باحتمال وقوع حادث اصطدام فضائي

حقائق

بين 3 و8 بالمائة

احتمال الاصطدام بين السفينتين الأميركية والروسية


مقالات ذات صلة

مهندسة ألمانية تصبح أول مستخدم لكرسي متحرك يقوم برحلة إلى الفضاء

يوميات الشرق ميكيلا بنتهاوس تغادر كبسولة صاروخ «نيو شيبرد» إلى كرسيها المتحرك (رويترز)

مهندسة ألمانية تصبح أول مستخدم لكرسي متحرك يقوم برحلة إلى الفضاء

أصبحت مهندسة ألمانية، أول مستخدم لكرسي متحرك يخرج إلى الفضاء، بعد قيامها برحلة قصيرة على متن مركبة تابعة لشركة «بلو أوريجين».

«الشرق الأوسط» (هيوستن)
يوميات الشرق الكون كما لم يُرَ من قبل (ناسا)

خريطة جديدة من «ناسا» تفتح نافذة ثلاثية البُعد على أسرار الكون

أصدرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) خريطة جديدة مُبهرة للكون، تقول إنها قد تُساعد العلماء على حلّ بعض أقدم ألغاز الكون المُستعصية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ قمر مكتمل وأمامه صاروخ «ناسا» مخصص لمهمة الإطلاق نحو القمر ضمن برنامج «أرتيميس 1»... في مركز كيندي للفضاء في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا الأميركية (رويترز - أرشيفية)

ترمب يعطي الأولوية للقمر في مشاريع الفضاء

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس، عزمه على إعادة الأميركيين إلى القمر في أقرب وقت ممكن، معطياً استكشاف المريخ أولوية أقل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق ندبة «عنكبوتية» غامضة (ناسا)

شكل عنكبوتي غامض على قمر المشتري... هذا تفسيره

رصد العلماء ندبة غريبة تشبه العنكبوت على سطح قمر «أوروبا»، أحد أقمار كوكب المشتري...

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم المركبة «مافن» (أ.ب)

«ناسا» تفقد الاتصال بالمركبة «مافن» التي تدور حول المريخ منذ عقد

فقدت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الاتصال بمركبة فضائية كانت تدور حول المريخ منذ أكثر من عقد.

«الشرق الأوسط» (فلوريدا)

دراسة تكشف دور الالتهاب المزمن في تمهيد الطريق لتطوّر «اللوكيميا»

«اللوكيميا» هو نوع من السرطان يصيب خلايا الدم حيث يؤدي إلى إنتاج غير طبيعي لكريات الدم البيضاء التي تضعف قدرة الجسم على مقاومة العدوى (رويترز - أرشيفية)
«اللوكيميا» هو نوع من السرطان يصيب خلايا الدم حيث يؤدي إلى إنتاج غير طبيعي لكريات الدم البيضاء التي تضعف قدرة الجسم على مقاومة العدوى (رويترز - أرشيفية)
TT

دراسة تكشف دور الالتهاب المزمن في تمهيد الطريق لتطوّر «اللوكيميا»

«اللوكيميا» هو نوع من السرطان يصيب خلايا الدم حيث يؤدي إلى إنتاج غير طبيعي لكريات الدم البيضاء التي تضعف قدرة الجسم على مقاومة العدوى (رويترز - أرشيفية)
«اللوكيميا» هو نوع من السرطان يصيب خلايا الدم حيث يؤدي إلى إنتاج غير طبيعي لكريات الدم البيضاء التي تضعف قدرة الجسم على مقاومة العدوى (رويترز - أرشيفية)

حذّر علماء من أن تغيّرات خفية تصيب العظام، وتحديداً نخاع العظم، قد تشكّل علامة مبكرة على الإصابة بسرطان الدم (اللوكيميا)، في اكتشاف علمي يسلّط الضوء على دور الالتهاب المزمن في المراحل الأولى لتطوّر المرض، ويفتح آفاقاً جديدة للتشخيص المبكر.

وأوضح باحثون أن خلايا مناعية داعمة ذات طابع التهابي، تُعرف بدورها في التصدي لمسببات الأمراض، قد تُلحق أضراراً تراكمية بنخاع العظم على مدى سنوات، بما يسهم في تهيئة بيئة حاضنة لنشوء سرطانات الدم. ففي الوضع الطبيعي، ينتج نخاع العظم ملايين الخلايا الجديدة من الدم والجهاز المناعي ضمن توازن دقيق مع خلايا غير متمايزة، مثل الخلايا الجذعية، وفقاً لصحيفة «إندبندنت».

غير أن هذا التوازن قد يختلّ بفعل التقدّم في العمر، أو الالتهاب المزمن، أو الطفرات الجينية، ما يرفع مخاطر الإصابة بسرطانات الدم، إضافة إلى أمراض القلب وزيادة احتمالات الوفاة المبكرة. ومع ذلك، لا يزال الدور الدقيق الذي تلعبه بيئة نخاع العظم في نشوء اضطرابات الدم غير مفهوم بالكامل.

وفي دراسة حديثة، حلّل الباحثون عينات من نخاع العظم جُمعت في المركز الوطني لأمراض الأورام بمدينة دريسدن الألمانية، وشملت متبرعين أصحاء وآخرين مصابين بمتلازمة خلل التنسّج النقوي، وهو اضطراب يصيب نخاع العظم ويتحوّل إلى سرطان دم عدواني في نحو ثلث الحالات.

وأظهرت النتائج أن الالتهاب داخل البيئة المجهرية لنخاع العظم، الناجم عن خلايا تُعرف بالخلايا اللحمية الميزنكيمية الالتهابية، يمثّل عاملاً رئيسياً في المراحل المبكرة جداً لتطوّر أمراض الدم.

وقال بورهان غيزغيز، أحد مؤلفي الدراسة المنشورة في مجلة «Nature Communications»، إن «النتائج تُظهر أن بيئة نخاع العظم لا تكتفي بالتأثر بالمرض، بل تشارك بنشاط في تشكيل المراحل الأولى من التحوّل الخبيث».

وأشار الباحثون إلى أن نخاع العظم يبدو في الوقت نفسه ضحية لظاهرة الالتهاب المرتبط بالتقدّم في العمر، ومحركاً لها على مستوى الجسم بأكمله، في حلقة معقّدة من التأثير المتبادل.

ويأمل العلماء أن تسهم هذه النتائج في تعميق فهم ظاهرة «الالتهاب المرتبط بالشيخوخة» (Inflammaging)، وهو التهاب مزمن منخفض الشدة يُعتقد أنه يقف خلف العديد من أمراض التقدّم في العمر، بما في ذلك السرطان وأمراض القلب.

من جهتها، قالت جوديث تسوغ، المشاركة في إعداد الدراسة، إن «لهذه النتائج انعكاسات مهمة على بعض العلاجات التي تستبدل الخلايا الخبيثة، لكنها تترك بيئة نخاع العظم دون تغيير، مثل زراعة الخلايا الجذعية الدموية».

وأضافت: «نعمل حالياً على دراسة ما إذا كانت بيئة نخاع العظم تحتفظ بـ(ذاكرة) للمرض، الأمر الذي قد يؤثر في كيفية تفاعلها مستقبلاً مع خلايا جذعية جديدة وسليمة».


حصاد 2025... «الحوسبة الكمومية» تتصدر المشهد وقفزات الذكاء الاصطناعي تتسارع

الروبوت الجراحي الجديد يعتمد على نظام مبتكر يُثبّت على رأس المريض (جامعة يوتا)
الروبوت الجراحي الجديد يعتمد على نظام مبتكر يُثبّت على رأس المريض (جامعة يوتا)
TT

حصاد 2025... «الحوسبة الكمومية» تتصدر المشهد وقفزات الذكاء الاصطناعي تتسارع

الروبوت الجراحي الجديد يعتمد على نظام مبتكر يُثبّت على رأس المريض (جامعة يوتا)
الروبوت الجراحي الجديد يعتمد على نظام مبتكر يُثبّت على رأس المريض (جامعة يوتا)

شهد عام 2025 تطورات علمية بارزة، تصدّرها تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، إلى جانب ابتكارات وتقنيات تعد بإمكانية تغيير جذري في حياتنا اليومية، بالإضافة لاكتشافات لافتة في مجالات الفضاء والفلك.

وأعلنت الأمم المتحدة 2025 سنة دولية للعلوم وتكنولوجيا الكم، احتفاءً بالذكرى المئوية الأولى لتطوير مبادئ ميكانيكا الكم، نظراً لما توفره هذه التكنولوجيا من قوة معالجة هائلة للبيانات مقارنة بالحواسيب التقليدية، مع تطبيقات واسعة في الطب والكيمياء وعلوم المواد.

وحظي هذا المجال بتكريم لائق هذا العام، حيث منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم جائزة نوبل في الفيزياء 2025 لثلاثة علماء كشفوا عن تطبيقات جديدة في فيزياء الكم، بما في ذلك تطوير دوائر كهربائية فائقة التوصيل تمثل قاعدة للحواسيب الكمومية، التي تمتلك القدرة على إجراء حسابات متوازية ومعالجة مجموعات ضخمة من البيانات بسرعة وكفاءة غير مسبوقتين، متجاوزة أقوى الحواسيب التقليدية بملايين المرات.

وتفتح هذه الإنجازات المجال أمام تقنيات مثل التشفير الكمومي وأجهزة الاستشعار الفائقة الدقة، مع توقعات بتحقيق التطبيقات التجارية للحوسبة الكمومية خلال السنوات الخمس المقبلة في مجالات علوم المواد والطب والطاقة، ما يمهد لثورة حقيقية في البحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة.

قفزات الذكاء الاصطناعي

واصل الذكاء الاصطناعي نموه المتسارع في 2025، مع قفزات نوعية في نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) التي أصبحت أكثر وعياً بالسياق وقادرة على التفكير المعقد، واندماجها بسلاسة في الصناعات المختلفة بما في ذلك البحث العلمي والروبوتات، ما يسرّع الاكتشافات خصوصاً في الطب.

خلال 2025، أطلقت شركة «أوبن إيه آي» نموذج (GPT-5) الجديد، الذي يجمع بين سرعة الاستجابة والتفكير المنطقي العميق عبر نظام يختار تلقائياً أفضل نموذج لكل مهمة، مع تحسينات في البرمجة، وكتابة النصوص الإبداعية والرسمية، والاستشارات الصحية، إضافة إلى معالجة المدخلات المتعددة الوسائط بدقة عالية.

كما شهد العام تقدماً في دمج نماذج اللغة الكبيرة مع أنظمة الروبوتات، حيث يمكن للنماذج الصغيرة المدربة بالتعلم المعزز التحكم في الروبوتات بكفاءة، فيما أثبت نموذج محاكاة طوره باحثون بجامعة سري البريطانية قدرة الروبوتات الاجتماعية على التدرّب على التفاعل البشري في بيئات افتراضية، ما يمهد لتطوير روبوتات أكثر وعياً وقدرة على التفاعل في التعليم ورعاية المسنين وخدمة العملاء.

«ذكاء اصطناعي» في خدمة الصحة

وشهد العام تقدماً هائلاً في توظيف الذكاء الاصطناعي في الطب، مع ابتكارات وسائط ذكية تسهم في التشخيص المبكر، وتحسين جودة الرعاية الصحية، وإجراء عمليات دقيقة بأمان وفاعلية أكبر، ما يعكس دمج التكنولوجيا المتقدمة مع الطب لتحسين حياة المرضى وتقليل الأخطاء الطبية.

وطور باحثون في جامعة نورث وسترن نظام ذكاء اصطناعي متقدّماً قادراً على اكتشاف الأمراض المهددة للحياة خلال ثوانٍ عبر تحليل صور الأشعة، مع توليد تقارير دقيقة تصل إلى 95 في المائة وتسريع عمل أطباء الأشعة بنسبة تصل إلى 40 في المائة، لكن مع التأكيد على أنه يدعم الأطباء ولا يحلّ محلّهم.

وفي جامعة برلين، صمم فريق نموذجاً ذكياً لتشخيص أكثر من 170 نوعاً من السرطان بدقة تفوق 97 في المائة من خلال تحليل البصمة الوراثية للورم، ما يتيح تشخيصاً سريعاً وغير جراحي مع تفسير آلية اتخاذ القرار لتعزيز ثقة الأطباء.

كما طوّر باحثون في جامعة تكساس للعلوم الصحية تطبيقاً للكشف الفائق السرعة لأمراض شبكية العين المرتبطة بالسكري بدقة تتجاوز 99 في المائة وفي أقل من ثانية، وهذا يتيح فحوصات واسعة النطاق حتى في المناطق النائية.

الميكروروبوت الطبي يتكون من كبسولة كروية صغيرة للغاية مصنوعة من غلاف جيلاتيني قابل للذوبان (المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا)

وفي المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ، ابتُكر ميكروروبوت طبي، عبارة عن كبسولة جيلاتينية دقيقة قادرة على التحرك داخل الأوعية الدموية والوصول إلى الجلطات الدماغية وإطلاق الدواء مباشرة في موقع الإصابة بدقة عالية، ما يقلل الجرعات والآثار الجانبية.

أما على صعيد الحوسبة العصبية، فقد ابتكر فريق دولي خلية عصبية اصطناعية تُعرف بـ«العصبون العابر»، قادرة على محاكاة وظائف دماغية متعددة مثل الرؤية والحركة والتخطيط، مع مرونة وإمكانية تعلم عالية، ما يمهد الطريق لتطوير شرائح إلكترونية تحاكي قشرة الدماغ البشري.

وفي مجال الجراحة، طوّر فريق صيني بالتعاون مع جامعتي إمبريال كوليدج لندن وغلاسكو روبوتاً جراحياً دقيقاً يمكنه التنقل داخل الجسم باستخدام نظام رؤية ذاتي بالكامل دون الحاجة لكاميرات أو مستشعرات خارجية.

ويعتمد الروبوت على أذرع مرنة وكاميرا صغيرة تتعقب علامات «AprilTag» مع خوارزمية تحكم تصحّح الحركة لحظياً، ما يوفر دقة واستقراراً يفوقان الأنظمة المجهرية التقليدية، ما يتيح إجراء عمليات دقيقة في المناطق الحساسة بأمان وموثوقية عالية.

البيئة والمناخ

شهد 2025 طفرة في الابتكارات البيئية التي تستهدف الحد من التلوث وتحسين كفاءة الطاقة وتعزيز الاستدامة من خلال مواد صديقة للبيئة، وخلايا شمسية عالية الأداء. وقد عكست هذه الابتكارات توجهاً عالمياً نحو تطوير تقنيات تخدم المناخ وتحد من البصمة البيئية للإنسان.

وتوصل فريق من جامعة طوكيو لمادة بلاستيكية صديقة للبيئة تتحلل في مياه البحر خلال ساعات قليلة، بينما تتحلل القطع الكبرى في التربة خلال نحو 200 ساعة، دون ترك أي ميكروبلاستيك. وتمتاز المادة بقوة البلاستيك التقليدي وإمكانية تلوينها، مع تفككها فور تعرضها للأملاح، ما يجعلها مناسبة لتطبيقات التغليف مع أثر بيئي شبه معدوم.

وفي سياق المواد المستدامة، طوّر باحثون من جامعة كيس ويسترن ريزيرف نوعاً جديداً من البلاستيك الإلكتروني الحيوي، وهو بوليمر مرن وخالٍ من الفلورين وقابل للتحلل، يمكن استخدامه في الأجهزة الطبية القابلة للارتداء، وأدوات الاستشعار، ونظارات الواقع المعزز، مع إمكانية ضبط خصائصه الإلكترونية حسب الحاجة.

كما ابتكر فريق دولي بقيادة جامعة «يونيفرسيتي كوليدج لندن» خلايا شمسية من البيروفسكايت تحقق كفاءة قياسية بلغت 37.6 في المائة تحت الإضاءة الداخلية - ستة أضعاف الخلايا التجارية - مع احتفاظها بـ92 في المائة من أدائها بعد 100 يوم. ويفتح هذا الابتكار الباب أمام تشغيل أجهزة إنترنت الأشياء والحساسات الداخلية دون بطاريات.

هيكل مقوس مصنوع من الخرسانة الجديدة استطاع تحمل وزنه وأحمال إضافية مع تشغيل مصباح معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (LED)

وفي مجال البناء المستدام، طور معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) نوعاً جديداً من الخرسانة المخزّنة للطاقة، عبر دمج الكربون الأسود النانوي والإلكتروليتات لتشكيل شبكة موصلة داخلية عززت القدرة التخزينية عشرة أضعاف. ويمكن لـ5 أمتار مكعبة من هذه الخرسانة تشغيل منزل كامل ليوم واحد، ما يتيح تطوير مبانٍ وطرق ذكية قادرة على تخزين الكهرباء وشحن السيارات.

كما ابتكر المعهد روبوتات طائرة بحجم الحشرات قادرة على التحليق 17 دقيقة بسرعة 35 سم/ثانية، باستخدام أجنحة مرنة ومحركات اصطناعية فائقة الخفة. وتهدف هذه الروبوتات إلى دعم التلقيح الميكانيكي لتعويض تراجع الملقحات الطبيعية وتحسين إنتاجية المحاصيل.

الطلاء الجديد يجعل الملابس القطنية مقاومة للاشتعال (جامعة تكساس إيه آند إم)

وفي مجال حماية الأقمشة، طور فريق من جامعة تكساس إيه آند إم طلاءً مبتكراً للقطن مقاوماً للاشتعال، يعتمد على طلاء البولي إلكتروليت القائم على الماء، ويتيح حماية آمنة وغير سامة مقارنة بالمواد التقليدية، عبر آلية تطبيق سريعة خطوة واحدة، ما يجعله مثالياً للملابس الصناعية والطبية.

الكون والفضاء

الاكتشافات الفلكية والبحوث الفضائية شهدت أيضاً تطورات لافتة، حيث نجح فريق بقيادة جامعة نيفادا الأميركية في تحليل أول عينات التربة والصخور التي جمعتها مركبة «بيرسيفيرانس» من سطح المريخ. وكشفت النتائج عن مؤشرات قوية لوجود مياه في الماضي ومعادن مثل الأوليفين والفوسفات، ما يعزّز فرضية وجود بيئات صالحة للحياة قبل مليارات السنين. وتُخزّن العينات تمهيداً لإعادتها إلى الأرض بين 2035 و2039 لدراسة أدق لتاريخه الجيولوجي والمناخي.

الكوكب المُكتشف تبلغ كتلته ضِعف كتلة الأرض في مدار أوسع من مدار زحل حول نجمه (جامعة ولاية أوهايو)

وتمكن باحثون من المرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي من رسم أول خريطة ثلاثية الأبعاد لغلاف جوي لكوكب خارجي هو الكوكب الحار فائق الحجم (WASP-121b (تايلوس)، موضحين حركة الرياح العاتية ونقل عناصر كالصوديوم والحديد والهيدروجين بين طبقاته، بما يقدّم نموذجاً متطوراً لفهم التوزيع الحراري والكيميائي في أغلفة الكواكب العملاقة.

كما أعلن علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اكتشاف كوكب صخري بحجم عطارد، شديد القرب من نجمه. الكوكب المسمى (BD 05 4868 Ab) يدور خلال 30.5 ساعة فقط، وتصل حرارته إلى 1600 درجة مئوية، ما يؤدي إلى تبخر المعادن وتكوّن ذيل يمتد 9 ملايين كيلومتر. ويخسر الكوكب كتلة تعادل جبل إيفرست في كل دورة، في مسار تفكك قد ينتهي باختفائه خلال مليون إلى مليونَي عام.

الخطوط الداكنة تظهر على جوانب المنحدرات والتلال على سطح المريخ (جامعة براون)

وفي اكتشاف آخر، رصد فريق دولي بقيادة جامعة ولاية أوهايو كوكباً خارجياً من فئة الأرض الفائقة باسم (OGLE-2016-BLG-0007) بكتلة تبلغ ضعف كتلة الأرض ويدور في مدار واسع يتجاوز مدار زحل، باستخدام تقنية العدسات الدقيقة الجاذبية، ما يكشف عن تنوع الأنظمة الكوكبية واحتمالات وجود عوالم باردة شبيهة بالأرض.

وكشف باحثون من جامعتي براون وبرن عن أن «الخطوط الداكنة» على منحدرات المريخ ليست ناتجة عن تدفق المياه، بل عن انهيارات ترابية جافة مصدرها الرياح والاصطدامات. واعتمد الفريق على تحليل 86 ألف صورة عالية الدقة بخوارزميات تعلم آلي، مكوّناً قاعدة بيانات تضم أكثر من 500 ألف خط، لتأكيد دور العمليات الجافة في تشكيل مظهر السطح المريخي.

كما سجّل تلسكوب «دانيال ك. إينوي» الشمسي أول رصد عالي الدقة لانفجار شمسي ضخم من الفئة (X)، كاشفاً عن حلقات إكليلية بعرض 48 كيلومتراً وهياكل دقيقة لا تتجاوز 21 كيلومتراً، وهو أدق تصوير لهذه الظواهر حتى الآن، ما يساعد في فهم آليات إعادة الاتصال المغناطيسي وتحسين التنبؤ بالطقس الفضائي.

وتمكن فريق من جامعة هاواي من تفسير ظاهرة «الأمطار الشمسية»، موضحين أن تغير نسب عناصر مثل الحديد في الهالة الشمسية يسرّع تبريد البلازما ويقود إلى تكاثفها وسقوطها نحو السطح خلال دقائق، ما يسهم في بناء نماذج أكثر دقة لسلوك الشمس في أثناء الانفجارات.

وفي خطوة واعدة للبحث عن حياة خارج الأرض، أعلن فريق بقيادة جامعتي بنسلفانيا وكاليفورنيا عن اكتشاف كوكب جديد محتمل الصلاحية للحياة باسم (GJ 251 c)، يقع على بُعد 18 سنة ضوئية ويصنف من «الأراضي الفائقة» داخل المنطقة الصالحة للسكن حول نجم قزم أحمر. وجاء الاكتشاف عبر تتبع الاهتزازات الطفيفة في ضوء النجم باستخدام مطيافات عالية الدقة ونماذج تحليلية متقدمة.

كما رصد فريق دولي بقيادة جامعة كمبريدج وجود كوكب غازي عملاق داخل قرص كوكبي أولي حول النجم الشاب (MP Mus)، بحجم يتراوح بين 3 و10 أضعاف المشتري، بالاعتماد على مزيج من ملاحظات مرصد «ألما» وبيانات مرصد «غايا». وكشف الرصد عن فجوات وحلقات في القرص ناتجة عن تأثير الكوكب، وهو الاكتشاف الأول من نوعه لكوكب يُرصد بطريقة غير مباشرة داخل قرص نشوء كوكبي.

ابتكارات جديدة

الابتكارات العلمية والتقنية شهدت طفرة لافتة، فقد نجح فريق دولي بقيادة الباحث المصري محمد ثروت حسن من جامعة أريزونا، وبالتعاون مع «كالتيك» وجامعة ميونيخ، في ابتكار أسرع ترانزستور فوتوني في العالم بتردد 1.6 بيتاهيرتز، يعتمد على بنية «غرافين – سيليكون – غرافين»، ويعمل بنبضات ليزر فائقة السرعة لتغيير حالته خلال 630 أتوثانية. ويعمل الترانزستور في الظروف العادية وينفذ بوابات منطقية رقمية، ما يجعله نواة محتملة لمعالجات ضوئية أسرع بمليون مرة من الحالية، مع تطبيقات واسعة في الذكاء الاصطناعي وتصميم الأدوية والطاقة.

المصريان محمد ثروت حسن قائد الفريق البحثي ومحمد يحيى الباحث الأول للدراسة يحملان أسرع ترانزستور ضوئي (الفريق البحثي)

وطوّر باحثون من جامعة يوتا روبوتاً جراحياً متقدماً لعمليات شبكية العين يتمتع بدقة ميكرومترية تفوق القدرات البشرية، عبر نظام لتثبيت الرأس والعينين و«واجهة لمسية» تحول حركات الجراح إلى حركات دقيقة جداً داخل العين مع تعويض الارتجاف. وأظهرت التجارب قدرته على تنفيذ إجراءات حساسة مثل الحقن تحت الشبكية مع تقليل الأخطاء، ما يمهّد لدمج الروبوتات في الجراحات العينية الدقيقة.

وفي جامعة بنسلفانيا، ابتكر الباحثون جهازاً باسم (BlinkWise) يحول النظارات العادية إلى أداة ذكية تراقب صحة المستخدم عبر تتبع حركات الرمش باستخدام موجات راديوية فائقـة الدقة، من دون كاميرات. ويضم الجهاز شريحة ذكاء اصطناعي منخفضة الطاقة تحفظ الخصوصية، وتتيح مراقبة علامات الإرهاق وجفاف العين والنعاس، ما يجعله مناسباً للوقاية من الحوادث ومتابعة الصحة اليومية.

كما ابتكر فريق من جامعة واشنطن جهازاً قادراً على كشف فيروس إنفلونزا الطيور (H5N1) في الهواء خلال أقل من خمس دقائق، مستفيداً من وحدة لالتقاط الهواء ومستشعر كهربائي – كيميائي يتعرف على بروتينات الفيروس حتى عند تركيزات منخفضة. ويمتاز الجهاز بإمكانية تعديله لكشف مسببات أمراض أخرى وتصميمه المحمول المنخفض التكلفة، ما يجعله خياراً عملياً لمراقبة الأوبئة.

وتمكن باحثون من جامعتي آلتو وفايرويت من تطوير هيدروجيل ذاتي الالتئام يجمع بين الصلابة والمرونة ويستعيد 80 – 90 في المائة من بنيته خلال أربع ساعات، ويكتمل الترميم خلال 24 ساعة، بفضل صفائح نانوية فائقة الرقة. ويوفر الهيدروجيل تطبيقات واسعة تشمل الجلد الاصطناعي للروبوتات، وإصلاح الأنسجة، وعلاج الجروح المزمنة، وتوصيل الأدوية.

كبسولة ذكية لقياس المؤشرات الحيوية مباشرة من داخل الجهاز الهضمي (معهد كاليفورنيا للتقنية)

كما ابتكر فريق من معهد كاليفورنيا للتقنية (كالتيك) كبسولة ذكية يبلغ قطرها 7 مليمترات وطولها 25 مليمتراً فقط، تحمل اسم (PillTrek) لقياس المؤشرات الحيوية مباشرة من داخل الجهاز الهضمي، بما يشمل الحموضة والحرارة والغلوكوز والنواقل العصبية مثل السيروتونين، من دون عمليات جراحية. وتتيح الدقة العالية وإمكانية تخصيص المستشعرات تشخيصاً أفضل للأمراض المزمنة والالتهابية وللمراحل المبكرة لاضطرابات الجهاز الهضمي.

جهاز ليزر مبتكر لتدمير البعوض (المهندس الصيني جيم وونغ)

وقدم المهندس الصيني جيم وونغ جهاز (Photon Matrix) الذي يعمل كـ«قبة ليزرية» للقضاء على البعوض والحشرات بدقة عالية باستخدام الليدار والرؤية الحاسوبية لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد آنية، قبل إطلاق نبضة ليزر مركزة نحو الهدف. ويضمن النظام الأمان عبر تعرّف حجم وسرعة الكائنات وإيقاف الليزر تلقائياً، ما يقدّم حلاً فعالاً لمكافحة الحشرات الناقلة للأمراض.

وأخيراً، طوّر باحثون من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين عدسات لاصقة مبتكرة تمنح رؤية في الظلام وحتى مع غلق العينين من دون أي مصدر طاقة، باستخدام جسيمات نانوية تحول الأشعة تحت الحمراء القريبة إلى أطوال موجية مرئية (800 – 1600 نانومتر). وأثبتت التجارب على البشر والفئران قدرة العدسات على التقاط الضوء تحت الأحمر مع خفض التداخل، ما يفتح آفاقاً لعمليات الإنقاذ والطوارئ ونقل المعلومات ومساعدة المصابين بعمى الألوان.


خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟
TT

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

يعتمد العلماء منذ سنوات طويلة على خرائط الجينات البشرية لفهم كيفية عمل الجسم وتفسير أسباب الأمراض، بل أيضاً لتطوير علاجات دقيقة لها.

بيانات وراثية أوروبية

لكنّ دراسة علمية حديثة كشفت أن هذه الخرائط رغم أهميتها لا تُمثل البشرية جمعاء بعدالة؛ لأنها بُنيت في الأساس على بيانات وراثية لأشخاص من أصول أوروبية، ما أدّى إلى تجاهل جزء كبير من التنوع الجيني العالمي.

وتُشير الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2025 إلى أن هذا الخلل العلمي ليس تفصيلاً بسيطاً، بل قد يؤثر مباشرة في فهمنا للأمراض، وكيف تختلف بين الشعوب، ولماذا تظهر بعض الحالات الصحية بشكل أكثر شيوعاً أو بشدة أكبر لدى مجموعات سكانية دون غيرها.

ما هي خرائط الجينات؟

خرائط الجينات بمثابة دليل إرشادي يوضح مواقع الجينات في الحمض النووي «دي إن إيه» (DNA)، ويشرح كيف تُستخدم هذه الجينات داخل الخلايا لإنتاج البروتينات، وهي الجزيئات المسؤولة عن معظم وظائف الجسم. لكن الجين الواحد لا يعمل دائماً بالطريقة نفسها، إذ يمكنه إنتاج أكثر من نسخة من التعليمات الجينية تُعرف بجزيئات الحمض النووي الريبي «RNA»، من خلال عملية تُسمى «التضفير» (splicing). وقد تؤدي هذه النسخ المختلفة إلى بروتينات متباينة، ومن ثم إلى اختلافات في وظائف الخلايا والاستجابة للأمراض.

ما التضفير الجيني؟

عند قراءة الخلية للتعليمات الوراثية لا تستخدم النص الخام كما هو، فبعد نسخ الجين إلى الحمض النووي الريبي «RNA» تقوم الخلية بعملية تُسمى التضفير؛ حيث تُزال الأجزاء غير الضرورية، وتُربط الأجزاء المفيدة فقط لتكوين رسالة جينية جاهزة لصنع البروتين.

الأهم من ذلك أن الخلية قد تُغيّر طريقة الربط أحياناً في عملية تُعرف بـالتضفير البديل، ما يسمح للجين الواحد بإنتاج عدة بروتينات مختلفة، وهذه الآلية تفسر التنوع الكبير في وظائف الخلايا، كما تُساعد العلماء على فهم سبب اختلاف الأمراض واستجابتها للعلاج بين الأفراد والشعوب.

أين تكمن المشكلة؟

المشكلة الأساسية، حسب الدراسة، أن معظم خرائط الجينات الحالية اعتمدت على عينات وراثية من أشخاص ذوي أصول أوروبية. ورغم أن البشر يتشابهون جينياً بنسبة تقارب 99.9 في المائة فإن النسبة المتبقية تعكس تاريخاً طويلاً من التطور والاختلافات التي نشأت بسبب العزلة الجغرافية والبيئية.

ويضيف المؤلف المشارك الرئيسي الدكتور روديريك غويغو من مركز «تنظيم الجينوم» بمعهد «برشلونة للعلوم والتكنولوجيا» بإسبانيا، أنه وبسبب هذا التركيز الأوروبي لم تُسجَّل الكثير من النسخ الجينية الموجودة لدى سكان أفريقيا وآسيا والأميركتين، ونتيجة ذلك ظلّت أجزاء مهمة من النشاط الجيني البشري غير مرئية للعلماء.

ماذا اكتشف الباحثون؟

واستخدم فريق البحث تقنية متطورة تُعرف باسم «تسلسل الحمض النووي الريبي طويل القراءة»، وهي تقنية تسمح بقراءة جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» كاملة، وليس على شكل أجزاء صغيرة كما في الطرق الأقدم.

وقام الباحثون بتحليل خلايا دم من 43 شخصاً ينتمون إلى مجموعات سكانية متنوعة حول العالم. وكانت النتيجة مفاجئة؛ حيث جرى اكتشاف نحو 41 ألف نسخة من جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» لم تكن مدرجة في خرائط الجينات الرسمية. والأهم من ذلك أن نسبة كبيرة من هذه النسخ يمكن أن تنتج أشكالاً جديدة أو مختلفة من البروتينات لم يكن العلماء على علم بوجودها من قبل.

وتبيّن أن هذه النسخ الجديدة تظهر بشكل أكبر لدى الأشخاص من أصول غير أوروبية، في حين كانت معظم النسخ لدى الأوروبيين معروفة مسبقاً، ما يؤكد وجود تحيّز علمي غير مقصود في قواعد البيانات الجينية.

لماذا يهمنا هذا الاكتشاف؟

وتكمن أهمية هذه النتائج في ارتباط بعض النسخ الجينية المكتشفة حديثاً بجينات معروفة لها علاقة بأمراض مثل الربو والذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي واضطرابات الكولسترول. وهذا لا يعني بالضرورة أن هذه النسخ تسبب الأمراض، لكنه يعني أن العلماء قد يكونون قد أغفلوا إشارات جينية مهمة تُساعد على فهم اختلاف المرض بين الشعوب.

فإذا كانت الخرائط الجينية لا تتضمن كل النسخ الموجودة فعلياً فإن الأبحاث الطبية التي تعتمد عليها قد تكون ناقصة، وقد لا تُفسر بدقة لماذا يستجيب بعض المرضى للعلاج في حين لا يستجيب آخرون.

نحو طب أكثر عدالة

تُشير الدراسة إلى أن الاعتماد على «جينوم مرجعي واحد» لجميع البشر لم يعد كافياً، فعندما استخدم الباحثون خرائط جينية شخصية لكل فرد ظهرت نسخ إضافية لم تكن مرئية من قبل، خصوصاً لدى ذوي الأصول الأفريقية.

ولهذا يدعو العلماء إلى العمل على إنشاء ما يُعرف بـ«البانترانسكريبتوم البشري» (pantranscriptome) وهو مشروع طموح يهدف إلى جمع كل نسخ الحمض النووي الريبي «RNA» المستخدمة في مختلف أنسجة الجسم وعبر مراحل العمر ولدى جميع الشعوب.

الخطوة التالية

ويعترف الباحثون بأن دراستهم ما زالت محدودة، إذ شملت نوعاً واحداً من الخلايا وعدداً صغيراً نسبياً من الأشخاص. ومع ذلك فإن حجم الاكتشافات يُشير إلى أن ما نعرفه اليوم قد لا يكون سوى «قمة جبل الجليد».

ويؤكد العلماء أن بناء خرائط جينية أكثر شمولاً لن يكون مجرد إنجاز علمي بل خطوة أساسية نحو طب جينومي أكثر دقة وعدالة يراعي التنوع الحقيقي للبشرية، ويضمن أن يستفيد الجميع من التقدم العلمي، لا فئة واحدة فقط.