الطلّاب ذوو الاحتياجات الخاصة في أحضان الجامعة الأميركية ببيروت... لأنّ العلم للجميع

11 طالباً من ذوي الاحتياجات الخاصة يتابعون برنامجاً أكاديمياً متخصصاً يمتدّ 3 سنوات (Next Step @ AUB)
11 طالباً من ذوي الاحتياجات الخاصة يتابعون برنامجاً أكاديمياً متخصصاً يمتدّ 3 سنوات (Next Step @ AUB)
TT

الطلّاب ذوو الاحتياجات الخاصة في أحضان الجامعة الأميركية ببيروت... لأنّ العلم للجميع

11 طالباً من ذوي الاحتياجات الخاصة يتابعون برنامجاً أكاديمياً متخصصاً يمتدّ 3 سنوات (Next Step @ AUB)
11 طالباً من ذوي الاحتياجات الخاصة يتابعون برنامجاً أكاديمياً متخصصاً يمتدّ 3 سنوات (Next Step @ AUB)

داخل حرم الجامعة الأميركية في بيروت، قاعةُ تدريسٍ غير اعتياديّة، كلُّ ما فيها على درجة عالية من الخصوصيّة. مثلُهم مثل أي طالبٍ جامعيّ، يقصد 11 تلميذاً هذا المكان يومياً. الفرق أنهم لا يحملون معهم الدروس والحقائب فحسب، بل حالاتهم الذهنية الخاصة التي تتنوّع ما بين التوحّد، ومتلازمة «داون»، والتأخّر العلمي، وغيرها من الصعوبات الذهنيّة. من خلال مثابرتهم هذه، يريدون التأكيد لأنفسهم وللمجتمع أنّ حياة ذوي الاحتياجات الخاصة لا تتوقّف عند حدود التعليم المدرسيّ، وهي ليست مُقدَّرة للبقاء أسيرة جدران المنزل.

انطلق برنامج «Next Step @ AUB» (مسيرتُنا إلى الأمام) عام 2014. بدأ فكرةً لمعت في رأس أمٍ لم تُرِد لابنتها التي تعاني من متلازمة «داون» أن تُحرَم من التجربة الجامعيّة، وأن تتحصّن بالتالي لخوض مجال العمل، والاندماج في المجتمع.

تتنوّع حالات الطلّاب الذهنية ما بين التوحّد ومتلازمة «داون» والتأخّر العلمي (الشرق الأوسط)

من مدارس الدمج إلى مقاعد الـAUB

اكتملت الفكرة بالحصول على رخصة ممارسة من مؤسسة جامعية في الولايات المتحدة، وتُوّجت عام 2016 بتوقيع اتفاقية تعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت. في خطوة كانت الأولى من نوعها في لبنان، فتحَ الصرح الأكاديميّ العريق أبوابه للطلّاب الجدُد الآتين من المدارس اللبنانية التي تعتمد الدمج، وذلك ضمن إطار برنامجه الخاص بالتعليم المستمر.

«لا يمكنك أن تتصوّري مدى الفرح والاعتزاز الذي يشعر به طلّابنا لمجرّد أنهم ينتمون إلى صرحٍ كهذا. يعرّفون عن نفسهم قائلين: أنا AUB». تروي مديرة البرنامج منى آغا مكتبي لـ«الشرق الأوسط» مبادرة الجامعة الأميركية في بيروت إلى احتضان فكرة كهذه وإلى أخذ هذا التحدّي على عاتقها، منحَ المشروع قيمةً أكبر وسمحَ للطلّاب بأن يختبروا تجربة الدمج الجامعيّ بكل تفاصيلها؛ من الاختلاط والتفاعل مع أترابهم الأصحّاء، إلى الاستماع لمحاضرات أساتذة الجامعة، مروراً بالعمل في مكتبة الجامعة والكافتيريا، وليس انتهاءً بفرحةِ التخرّج.

يختبر الطلّاب تجربة الدمج الجامعي بكامل تفاصيلها (Next Step @ AUB)

توضح مكتبي: «صحيح أنّ البرنامج كيان مستقلّ عن الجامعة، لكنّ الطلّاب هنا يختبرون البيئة الجامعيّة الحقيقية وهذا يعود عليهم بفائدة كبيرة، إلى جانب الدروس والتدريبات التي يتلقّونها طبعاً».

مهارات مواجهة الحياة

يداوم الطلّاب من الاثنين إلى الجمعة مقابل أقساط جامعيّة يسدّدها ذووهم، فـ«البرنامج ليس مبادرة خيريّة»، وفق مكتبي. بإشراف مدرّساتٍ متخصصات في التربية وفي علم النفس، يتدرّبون على مختلف أنواع المهارات. يمتدّ البرنامج التعليمي على 3 سنوات لن يخرج بعدها الطلّاب حاملين شهاداتٍ في الهندسة ولا في الحقوق ولا في الطبّ، إنما سيكونون متمكّنين من المهارات الحياتيّة والنفسية والوظيفيّة.

يركّز البرنامج التعليمي على المهارات الحياتيّة والنفسية والوظيفية (Next Step @ AUB)

تشرح مكتبي أنه جرى اعتماد منهاج يؤهّل التلاميذ كي يصبحوا فور تخرُجهم أفراداً منتجين ومستقلّين وقادرين على استلام وظيفة. يجري التعامل مع كل طالب حسب قدراته، لكنّ الأساسيات مشتركة. في صفوف المهارات الحياتيّة، يتعلّمون مثلاً أن يديروا شؤونهم الخاصة والعائلية والمنزلية كأن يعدّوا الطعام لأنفسهم. يتدرّبون كذلك على التعامل مع النقود، «كي لا يتعرّضوا للغشّ وكي يُحسنوا التعامل مع رواتبهم ومصاريفهم لاحقاً»، تقول مكتبي.

أما دروس المهارات النفسية فتُعدُّهم لمواجهة المشاكل وحَلّها، وللسيطرة على مشاعرهم السلبيّة، وللتواصل مع الآخرين، ولاتّخاذ القرارات. خلال هذه الساعات التي تشكّل جزءاً أساسياً من البرنامج، يتعلّم الطلّاب كذلك التعامل مع التنمّر وكل أنواع المضايقات اللفظية والجسديّة التي قد يتعرّضون لها. يُستكمل هذا التحصين النفسي والمجتمعي بصفوف العلاج بالفنون والموسيقى، وبحصص الرياضة.

في إطار المهارات الوظيفية يخضع الطلّاب لتدريباتٍ عمليّة في مجموعة من المؤسسات والشركات (Next Step @ AUB)

صنعت تلك الدروس فرقاً إيجابياً لدى الطلّاب، من بينهم ميساء التي انضمّت إلى البرنامج قبل سنتَين وهي تعاني حالةً من «الصمت الإراديّ» جرّاء صدمة تعرّضت لها خلال حرب 2006 في لبنان. تتحدّث مكتبي عن تطوّرها قائلةً: «كنّا نحدّثها ولا تتجاوب، ثم عاد إليها الكلام تدريجياً وهي اليوم تتولّى تقديم جلسات تعريف عن برنامجنا أمام 300 شخص».

من قاعات الدرس إلى ساحات العمل

ولأنّ أهمّ أهداف البرنامج إيصالُ الطلّاب إلى قطاع العمل، يُخصَّص يومان في الأسبوع للمهارات الوظيفيّة. يخرجون من الصفّ برفقة المدرّسات، ويقصدون مؤسسات وشركات تفتح لهم أبوابها بهدَف التدرّب. من بين تلك المؤسسات، فنادق ومطاعم وسوبرماركت يختبر فيها ذوو الاحتياجات الخاصة مجال العمل للمرة الأولى. «التدريب المهني عبارة عن 20 ساعة في مكان العمل الواحد تحت مراقبة المدرّسات وأصحاب العمل. ثم يجري تقييم التجربة وإعطاء الملاحظات للطالب، من دون تَساهُل ولا مسايرة»، تشرح مكتبي.

يخضع الطلاب لتدريبات مكثّفة في أماكن العمل (Next Step @ AUB)

بعد 8 سنوات على انطلاق المشروع، تحقّقت إنجازات كثيرة من بينها أن المؤسسات والشركات هي التي باتت تبادر إلى التواصل مع المسؤولين عن البرنامج، من أجل توظيف الطلّاب. «هذا ما عاد زمن إخفاء ذوي الاحتياجات الخاصة عن العيون، إنه عصر الوعي المجتمعي بدورهم وقيمتهم»، تقول مكتبي.

قبّعات التخرّج

من بين الإنجازات التي أثّرت كثيراً في الطلّاب أنّ أول دفعة منهم وقفت عام 2020 على أدراج الجامعة الأميركية، وبين الأيادي شهاداتٌ تحمل ختم الـAUB.

حفل تخرّج الدفعة الأولى من الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصة في الجامعة الأميركية في بيروت (Next Step @ AUB)

إلّا أن الرحلة لم تنتهِ مع رمي قبّعات التخرّج في الهواء، فالبرنامج يأخذ على عاتقه متابعة مسار الطلّاب ومساعدتهم في العثور على وظائف. «دخل 7 من أصل 10 سوق العمل»، تؤكّد مكتبي. توزّعوا بين وظائف إداريّة وأخرى خدماتيّة كالمطاعم والحضانات وجمعيّات المجتمع المدني.

تؤكد مكتبي أنّ تقبّل البيئة المحيطة لهم يتوازى أهميةً والعثور على وظائف. هي الآتية من خبرة طويلة في حقل التدريس، تقول إنها تعلّمت الكثير من الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصة. «علّموني أنه لا يوجد شيء مستحيل وأنّ الإرادة الصلبة والعمل الدؤوب يحقّقان المعجزات. بفَضلهم عرفت أن التركيز على الهدف يؤدّي إلى تحقيقه».


مقالات ذات صلة

مصر: اتهامات متعاقبة بـ«التحرش» تُصعّد الانتقادات للتعليم الخاص

شمال افريقيا وزارة التربية والتعليم المصرية اتخذت إجراءات صارمة ضد مدرسة دولية جديدة بالإسكندرية (الوزارة)

مصر: اتهامات متعاقبة بـ«التحرش» تُصعّد الانتقادات للتعليم الخاص

بعد اتهامات متعاقبة بوجود وقائع «تحرش جنسي» داخل مدارس خاصة ودولية في مصر، تصاعدت الانتقادات الموجهة لهذه النوعية من المدارس.

أحمد جمال (القاهرة)
الاقتصاد أم وأولادها يشترون الذرة من بائع متجول في إسطنبول (أ.ف.ب)

تركيا: تباطؤ التضخم بأقل من التوقعات يمنح «المركزي» فرصة لخفض الفائدة

تراجع معدل التضخم السنوي في تركيا نوفمبر  الماضي إلى 31.07 % بينما انخفض على أساس شهري إلى ما دون 1 % مسجلاً 0.87 %

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا اضطرت رويا محبوب إلى الفرار من أفغانستان بعد عودة «طالبان» إلى السلطة وازدياد التهديدات بالقتل بسبب جهودها في تعليم الفتيات... وهي الآن تعيش بالولايات المتحدة (أ.ب)

رائدة أعمال أفغانية تؤمن بأن التكنولوجيا قادرة على مساعدة الفتيات في التعلّم

تعمل رائدة الأعمال، رويا محبوب، على تطوير تطبيقات لا تحتاج إلى الاتصال بالإنترنت، وإنشاء شبكات سرية؛ بهدف تمكين الفتيات الأفغانيات من مواصلة تعلّمهن في كابل.

شيفاني فورا (واشنطن )
العالم العربي رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي برفقة عدد من المسؤولين المصريين والإيطاليين خلال التوقيع على بروتوكولات تعاون تعليمي الثلاثاء (مجلس الوزراء)

شراكات دولية متنوعة بـ«التعليم المصري»... هل تُقلص البطالة؟

دشّنت مصر شراكات تعليمية دولية مختلفة تضمنت اتفاقيات تعاون مع دول مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا واليابان، ضمن مساعٍ حكومية لتطوير منظومة التعليم.

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف يتابع سير العملية التعليمية بإحدى المدارس (أرشيفية - وزارة التربية والتعليم)

مصر تفرض «ضوابط» على المدارس الدولية بعد «اتهامات تحرش بطلاب»

أقرت وزارة التربية والتعليم في مصر، الأحد، مجموعة من «الضوابط الجديدة» على المدارس الدولية، التي لم يكن معمولاً بها سابقاً ضمن لوائح هذه المدارس.

رحاب عليوة (القاهرة)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.