نهر النيل شهد تغيراً مفاجئاً قبل 4 آلاف عام

إحدى ضفاف نهر النيل بمدينة الأقصر المصرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
إحدى ضفاف نهر النيل بمدينة الأقصر المصرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

نهر النيل شهد تغيراً مفاجئاً قبل 4 آلاف عام

إحدى ضفاف نهر النيل بمدينة الأقصر المصرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
إحدى ضفاف نهر النيل بمدينة الأقصر المصرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

قبل نحو 4 آلاف عام، حدث تغير مفاجئ وحاد في سلوك نهر النيل، فتحول من نهر بري مضطرب ذي رواسب رملية، إلى نهر ذي ضفاف مستقرة، بسبب شيوع المناخ الجاف خلال تلك الفترة الزمنية، مما أدى لاختفاء الغطاء النباتي وانتشار التصحر تدريجياً في منطقة مستجمعات النهر، كما أصبح الفيضان السنوي أقل اتساعاً وعنفاً، مما سمح للطين الخصب بالاستقرار في السهول الفيضية، وفق دراسة جديدة أجراها فريق دولي من علماء الجيولوجيا والآثار والمصريات، تظهر نتائجها كيف تطورت المناظر الطبيعية في وادي النيل حول منطقة الأقصر آنذاك.

قاد الدراسة الجديدة التي نُشرت (الأربعاء) في دورية «نيتشر جيوساينس»، الدكتور أنغوس غراهام، أستاذ علم الآثار والمصريات في جامعة أوبسالا السويدية، بالتعاون مع الدكتور حسني حسن غزالة، أستاذ الجيوفيزياء بقسم الجيولوجيا في جامعة المنصورة المصرية، وعدد من الباحثين المتخصصين في مجال علوم الأرض والآثار والمصريات والحضارات القديمة والتغيرات المناخية والبيئية القديمة.

كشفت نتائج الدراسة طبيعة التغيرات الحادة لمجرى النيل وعلاقتها بتشكل الظواهر الطبيعية القديمة للوادي في منطقة طيبة آنذاك (الأقصر حالياً)، وعلاقة ذلك بالتغيرات المناخية والبيئية منذ نحو 4000 سنة، وعلاقته كذلك بالنشاط السكاني والزراعي والأماكن الأثرية، مثل معبدي الأقصر والكرنك ومنطقة وادي الملوك.

بعض باحثي الدراسة في أحد مواقع العمل (جامعة المنصورة)

قال عالم جيومورفولوجيا النهر، الدكتور ويليام تونين، من جامعة فريجي بأمستردام في هولندا، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «تخبرنا الرواسب كيف تحركت الأنهار عبر المناظر الطبيعية، ويسمح لنا هذا بمعرفة المزيد عن الفيضانات الشديدة التي حدثت في الماضي، والدور الذي يلعبه تغير المناخ في حدوثها».

ونفذ باحثو الدراسة أكثر من 80 عملية حفر للتربة موزعة على كامل عرض وادي النيل، حيث عمل الفريق البحثي في مواقع مختلفة في مصر منذ عام 2014 لإعادة بناء منظر النهر السابق، وفحص الطبقات الرسوبية التي أسهم النهر في ترسيبها.

وهو ما علق عليه أبو غزالة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «سعت الدراسة إلى تقييم تطور مسارات نهر النيل وعلاقته بالتغيرات المناخية والبيئية التي أسهمت بشكل رئيسي في التغييرات التي طرأت آنذاك على المناظر الطبيعية القديمة لوادي النيل خلال فترة الدراسة التي امتدت لأكثر من 11500 سنة، بما في ذلك الفترات التي نشأت فيها حضارة مصر القديمة حول مدينة الأقصر».

وأوضح أنه «جرى تحديد المدى الزمني الدقيق لتلك التغيرات الحادة في مسار النهر من خلال تطبيق طرق حديثة متطورة جداً في تحديد عمر الترسبات النهرية، إضافة إلى عمل عدد من القطاعات الجيولوجية بعرض الوادي توضح بدقة كبيرة نوعية وطبيعة وعمر هذه الرواسب، وعلاقتها بمسارات النهر، ومدى ارتباطها بالتغيرات المناخية».

وقال تونين: «تظهر دراسة السهول الفيضية الخصبة أنها ربما لعبت دوراً مهماً في صعود الاقتصاد الزراعي الإقليمي للمصريين القدماء في المنطقة آنذاك. كما تمنحنا نظرة ثاقبة حول مدى حساسية نهر النيل للتغيرات المناخية»، موضحاً أن «هذه الدراسة يمكن أن تسهم في الإجابة عن عدد من التساؤلات مثل: أين اختفت آثار تلك المنطقة؟ وكيف يمكننا الحفاظ عليها؟ حيث كانت صالحة للسُّكنى في السابق».

وأوضح أنه يمكن أن تصبح هذه الدراسة ركيزة لإجراء مزيد من الأبحاث حول سبب تحول مركز الطاقة في مصر قبل نحو 4000 عام من ممفيس (بالقرب من القاهرة الحالية) إلى طيبة (الأقصر حالياً).

أثناء العمل الحقلي لأخذ إحدى عينات التربة (جامعة المنصورة)

ويتساءل: هل كان التغير الكبير في المشهد العام هو السبب وراء الثروة الهائلة للنخبة الطيبية، التي تجلت فيما بعد في مشاريع البناء المصابة بجنون العظمة، وفق وصفه، مثل معبد الكرنك والمقابر في وادي الملوك؟

وهو ما علق عليه أبو غزالة: «شملت هذه التغيرات فترات من الفيضانات الوفيرة أسهمت في حدوث تغيرات ديناميكية تتعلق بسريان مياه النيل وسرعتها، وكميات الرواسب ومعدلات الترسيب، ما انعكس في صورة تكوين المصاطب النهرية شرق وغرب النيل الحالي».

وأوضح: «ساعد ذلك بالطبع في فهم طبيعة وشكل الظواهر الطبيعية السائدة خلال تلك الفترة، وما تحويه من تراث حضاري مصري عالمي، ومنها مواقع التجمعات السكانية في الحضارة المصرية القديمة والمواقع الأثرية الشهيرة في منطقة الأقصر، مثل معبد الكرنك والأقصر ووادي الملوك».

ولفت أبو غزالة قائلاً: «نحن الآن في مرحلة إعداد وتجهيز لمشروع بحثي جديد لتوسعة نطاق الدراسة الجيوبيئية والأثرية في مناطق شمال منطقة الأقصر لتغطية جزء كبير جنوب مصر».


مقالات ذات صلة

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

يوميات الشرق رجل يركب دراجة نارية وسط ضباب كثيف بالقرب من نيودلهي (إ.ب.أ)

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

مع تفاقم الضباب الدخاني السام الذي يلف نيودلهي هذا الأسبوع، فرضت السلطات في العاصمة الهندية مجموعة من القيود الأكثر صرامة على حركة المركبات والسكان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق النسخة الأولى من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير أقيمت في 2022 (واس)

السعودية تنظِّم «المعرض والمنتدى الدّولي لتقنيات التّشجير»

يهدف المعرض إلى الاستفادة من التّقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة وتدهور الأراضي، وإتاحة منبرٍ لمناقشة المشكلات البيئية الحالية، والبحث عن حلول لها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق دجاج (أ.ف.ب)

الدجاجة أم البيضة؟ علماء يتوصلون أخيراً إلى إجابة لغز «من الذي جاء أولاً»

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن علماء من جامعة جنيف قدموا، في دراسة، إجابة للغز الشائع «مَن الذي جاء أولاً الدجاج أم البيضة؟» استندت إلى اكتشاف كائن حي متحجر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من التحضيرات للجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

وزير البيئة السعودي: المملكة تركز على أهمية معالجة تحديات الأمن الغذائي

نوّه وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي، بريادة المملكة في دعم جهود «مجموعة العشرين»، لتحقيق أهداف تحديات الأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الاقتصاد رئاسة «كوب 16» الرياض ستخصص منطقة خضراء لتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة لتحفيز العمل العالمي لمواجهة تحديات تدهور الأراضي والجفاف والتصحر (الشرق الأوسط)

تحديد 7 أيام في «المنطقة الخضراء» بـ«كوب 16» لتقديم حلول تدهور الأراضي

أعلنت رئاسة «كوب 16» عن إقامة منطقة خضراء وتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة، مشيرة إلى أن هذا البرنامج غير المسبوق يأتي في إطار الجهود التي تبذلها السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (الرياض)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
TT

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

تسببت درجات حرارة المحيطات المرتفعة بشكل قياسي في زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية التي سُجّلت سنة 2024، بحسب دراسة نُشرت الأربعاء، ما يؤكد أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف.

وأظهرت هذه الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل من 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال معدّ الدراسة، دانييل غيلفورد، في حوار مع وسائل الإعلام: «لقد أثرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى على درجات حرارة سطح البحار في مختلف أنحاء العالم».

وفي خليج المكسيك، تسببت هذه الانبعاثات في ارتفاع درجات حرارة سطح البحر بنحو 1.4 درجة مئوية مما كانت عليه، لتكون في عالم لا يواجه تغيراً مناخياً.

وهذا الارتفاع في درجات الحرارة يفاقم رياح الأعاصير التي تزداد قوتها. وتحوّلت ظواهر مثل «ديبي» و«أوسكار» بشكل سريع من عواصف استوائية إلى أعاصير فعلية.

صورة تظهر الأضرار التي لحقت بمدينة أشفيل في ولاية كارولينا الشمالية الأميركية بعد مرور إعصار هيلين 29 سبتمبر 2024 (رويترز)

وارتفع مستوى أعاصير مثل «ميلتون» و«بيريل» على مقياس سافير-سيمبسون من الرابع إلى الخامس، بسبب التغير المناخي، بينما ارتفع مستوى إعصار «هيلين» من الثالث إلى الرابع.

ويُترجَم هذا الارتفاع في المستوى بزيادة القدرة التدميرية أربع مرات تقريباً.

وكان الإعصار «هيلين» مدمراً بشكل خاص، إذ أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص، وعُدّ ثاني أعنف إعصار يضرب القارة الأميركية منذ أكثر من نصف قرن، بعد إعصار «كاترينا» عام 2005.

وبحسب دراسة أخرى أجراها «كلايمت سنترال» بين عامي 2019 و2023، باتت حدّة 84 في المائة من الأعاصير أكبر بكثير بسبب احترار المحيطات الناجم عن الأنشطة البشرية.

وعلى الرغم من أن دراستيهم ركزتا على حوض المحيط الأطلسي، فإن الباحثين أكدوا أن النهج الذي اعتمدوه يمكن تطبيقه على الأعاصير المدارية على نطاق عالمي.

وحذّر علماء المناخ من احتمال تفاقم التأثيرات مع تخطي الاحترار 1.5 درجة مئوية.